المادة 179.. “تنسف” الحريات بالدستور!
تنبني مخاوف الخبراء في القانون الدستوري، حقوق الإنسان، من المادة 179 من الدستور والخاصة بمكافحة الإرهاب في ثوبها الجديد على أساس أنها تقدم في شقها الأول حماية دستورية لانتهاك حقوق المواطنين، وتوقف عمل ثلاث مواد، كانت تحمي الحقوق والحريات العامة، وتعتبر العمود الفقري للدستور المصري...
بينما يمنح الشق الثاني من هذه الجريمة الدستورية، رئيس الجمهورية صلاحيات واختصاصات دستورية تمكنه من أن يحيل أي متهم في أية جريمة من جرائم الإرهاب إلي أي جهة قضائية يراها بما في ذلك القضاء العسكري…
أوضح خبراء مصريون متخصصون في القانون الدستوري وشؤون القضاء وحقوق الإنسان، أن النص الجديد للمادة (179) من الدستور، يشكل تهديدًا لمنظومة حقوق الإنسان.
كما حذروا من المساس بمواد الباب الثالث من الدستور بشأن الحريات والحقوق العامة، مؤكِّـدين على ضرورة خضوع سلطة جهاز الأمن إلى سلطة القضاء في أية إجراءات خاصة بمواجهة الإرهاب، مع احترام حقوق الدفاع والحق في محاكمة عادلة ومنصفة أمام القضاء الطبيعي، وإلغاء كافة أشكال القضاء الاستثنائي.
مخالفة لمواد دستورية
في البداية، يقول المستشار أحمد مكي، نائب رئيس محكمة النقض: “مشكلة المادة (179) أنها أتت بنص دستوري يناقض نصوصا دستورية ومبادئ عامة مستقرة ومتفق عليها في كل التشريعات القانونية في العالم كله، كما أنها تمثل استثناءً على الأصل، بل وتتوسع فتُـعطي صفة الديمومة للاستثناء، مشيراً إلى أن رجال الأمن، بموجب هذه المادة، أصبحوا مطلقي السراح في تعاملهم مع المواطنين، بعدما كانت أفعالهم تقيَّـد بإذن النيابة”.
ويضيف مكي، في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “هذه المادة يمكن تقسيمها إلى شطرين، أولهما يسحب المزايا والحقوق التي منحتها المواد: 41 (التي تمنع القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته أو منعه من التنقل، إلا بإذن من النيابة)، و44 (التي تقر بحرمة المساكن وتمنع اقتحامها أو تفتيشها، إلا بأمر قضائي مسبب)، والفقرة الثانية من المادة 45 (التي تعترف للموطنين بحرمة مراسلاتهم واتصالاتهم وتمنع مصادرتها أو الإطلاع عليها أو رقابتها، إلا بإذن قضائي مسبب).
أما الشطر الثاني، فيمنح رئيس الجمهورية سلطة إحالة أي متهم في أي قضية إلى أي محكمة، وهي اختصاصات ليست له، كما أنها تخالف عدداً من المبادئ القانونية العامة المستقرة، فتخل بمبدإ المساواة أمام القانون، وتمنع المواطن من حقه في المثول أمام قاضيه الطبيعي، وتهدر مبدأ استقلال القضاء بإقحام السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية، وهو ما يخالف – أيضاً- مبدأ الفصل بين السلطات.
تعطل ضمانات دستورية
ويتفق الفقيه الدستوري الدكتور يحيى الجمل، المفكر القومي المعروف، مع المستشار مكي فيما ذهب إليه ويضيف أن: “المادة(179) تُـتيح إصدار قانون لمحاربة مخاطر الإرهاب، وتتيح لهذا القانون أن يعطل الضمانات الدستورية الواردة في المواد (41، 44، 45) من الدستور، وهي المواد التي تتحدث عن الحرية الشخصية، باعتبارها حق طبيعي لا يُـمس، وأن كل إجراء يُـتخذ مع أي مواطن، لابُـد وأن يكون بعد إذن النيابة أو بعد تحقيق قضائي.
فالمادة (179) تُـلغي كل هذا وتتيح لسلطات الأمن أن تعتقل أو تقبض أو تفتش، دون أي ضمانات قضائية.
ويقول الجمل، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة ووزير التنمية الإدارية الأسبق في تصريحات خاصة لسويس إنفو: “أود أن أشير إلى أنه بعد الحملة الشديدة التي شننتها، أنا وغيري، على المادة (179)، بدأت لهجة الحديث – الرسمي – عنها تتغيَّـر. ففي آخر حديث عنها للدكتور مفيد شهاب، قال إن الضمانات القضائية ستظل موجودة ولن يتخذ أي إجراء، إلا بعد موافقة النيابة، وأرجو أن يكون كلامه صحيحاً!.. لكنني أتساءل: إذا كان هذا الكلام صحيحاً، فما فائدة النص الجديد للمادة (179) من الأساس، ولماذا لم نكتف بالمواد الدستورية الأساسية؟!
وأوضح الجمل أن “هذه المادة – أيضا – تعطي لرئيس الجمهورية الحق في إحالة أي مواطن مُـتهم في أي جريمة إلى أي محكمة (عسكرية/ عرفية/ خاصة/….)، أي أنها أطلقت يد رئيس الجمهورية في تحديد من يُحَال وعلى أي أساس يُحَال وإلى أي محكمة يُحَال، وأظن أن هذا الأمر غير مسبوق في دساتير العالم التي أعرفها جيداً، حيث قُـمت بدراستها وتدريسها، بل وشاركت في وضع بعضها، مُـعتبراً أن “التخوف الأساسي من هذه المادة، ينحصر في أنها ستطلق يد البوليس بلا قيد للتضييق على حريات المواطنين”.
ويختتم الجمل بالقول بأنه “بموجب هذه المادة يسمح الدستور (حامي الحريات)، بوضع تشريع لمواجهة (أخطار) الإرهاب، بغير تقيد بأحكام المادتين (41) و(44) والفقرة الثانية من المادة (45) من الدستور، وهي المواد التي كانت بمثابة الأداة في يد المحكمة الدستورية وفي يد القضاء لحماية الحريات وضمانها”، مشيراً إلى أن “هذا التعديل يقضي على هذه الضمانات من أجل مواجهة أخطار الإرهاب، وليس أفعال الإرهاب”!!
تنتهك حقوق الإنسان
ويتفق مع الدكتور الجمل والمستشار مكي فيما ذهبا إليه من خطورة المادة (179)، الخبير القانوني نجاد البرعي، رئيس جمعية تنمية الديمقراطية، عضو مجلس أمناء المنظمة المصرية لحقوق الإنسان وأمينها العام الأسبق، مسجلاً اعتراضه على النص الجديد للمادة، موضحاً أنها بشكلها الأخير “تمثل انتهاكاً واضحاً وصريحاً لمنظومة حريات وحقوق الإنسان”.
ويضيف البرعي، أحد أبرز نشطاء حقوق الإنسان في مصر في تصريحات خاصة لسويس إنفو: أن “خِـبرتنا مع الحكومة في مكافحة الإرهاب، منذ إعلان حالة الطوارئ وتجديدها بشكل متَّـصل بعد اغتيال الرئيس أنور السادات في أكتوبر 1981، تكشف عن حجم الانتهاكات الهائلة والمنهجية لحقوق الإنسان، والتي نتجت عن منح الضوء الأخضر للأجهزة الأمنية لتجاهل كافة الضمانات الدستورية والقانونية، وارتكاب ما يحلو لهم من تجاوزات، وهم بمأمن من العِـقاب بدعوى التصدّي لخطر الإرهاب.
ويقول البرعي: “إذا كان النص الجديد للمادة يثير القلق بشأن أثره على حقوق وحريات المواطنين، فإن هذا القلق يتضاعف مرات عدّة عند الأخذ في الاعتبار أن النظام القانوني الموازي الذي أقامته حالة الطوارئ لتمكين أجهزة الأمن من الالتفاف حول أحكام الدستور والقانون، سيُـدمج اليوم في دستور البلاد ليصبح نظاماً قانونياً قائماً ودائماً”.
كما أن الطريقة التي صِيِغَت بها المادة، تنبِّـئ بأن الغرض منها، ليس وضع نصوص قانونية موضوعية لمكافحة الإرهاب، وإنما وضع قانون يسمح بإجراءات استدلال وتحقيق طليقة من قيود القانون للمشتبه فيهم، وهو ما يشكِّـل خطرا داهما على الحرية الفردية بشكل خاص، وعلى الحقوق والحريات العامة بشكل عام.
تساؤلات مثيرة
ويطرح البرعي عدة تساؤلات مثل: هل مصر بحاجة إلي قانون جديد لمكافحة الإرهاب؟ وأي نوع من التشريعات نتوقَّـع أن يصدر بعدما أفلتت الحكومة بتلك الجريمة الدستورية؟! ثم لماذا يرغب النظام في إصدار تشريع جديد للإرهاب؟ ولماذا يغامِـر بسمعته الدولية فيتحول إلى نظام بوليسي قمعي بنص الدستور، رغم وجود قانون لمكافحة الإرهاب فعلا؟!!
ويرد البرعي قائلاً: “النظام لا يريد تعديلات موضوعية في قانون مكافحة الإرهاب، ولكنه يريد تعديلات إجرائية تطلق يده في القبض والتفتيش والإحالة إلى محاكم عسكريه، فهو لا يهتم بحماية البلاد من خطر الإرهاب قدر اهتمامه بحماية أمنه من المعارضة السياسية، التي تصاعدت وتيرتها في العاميين الماضيين إلى درجة باتت تهدِّد مستقبل كثيرٍ من أعضاء النُّـخبة الحاكمة، وهذا ما يوضِّـح أسباب إقدام النظام علي ارتكاب جريمة تعطيل أحكام الدستور بالدستور!
ويدلِّـل البرعي على صِـدق رؤيته بثلاثة أمور: أولها، أن النظام فقَـد الثقة في القضاء الطبيعي ودخل معه في خصومه، فآثر أن يبتعد عنه، وأن يمنح الرئيس حق إحالة المتهمين بجرائم يفسِّـرها النظام على أنها إرهابية إلى محاكم عسكرية أو استثنائية أو خاصة، يسهل التفاهم مع القائمين عليه، واستصدار الأحكام الذي تريدها السلطة، خاصة بعدما شكلت انتفاضة القُـضاة أكبر هزيمة سياسية للنظام الحاكم، كادت أن تكلِّـفه شرعيته بعد كشف تقارير نادي القضاة للتزوير، الذي شاب الاستفتاء على تعديل المادة 76 والانتخابات البرلمانية الأخيرة.
وثانيها، أن سلطات الأمن فقدت القدرة على العمل بكفاءة في ظل قانون الإجراءات الجنائية العادي بعد 25 عاما من العمل في حماية قانون الطوارئ، بما يمنحه لها من سلطات استثنائية في عمليات القبض والاعتقال والتفتيش والاحتجاز، فكان لابد من تشريع جديد يُـضاهي قانون الطوارئ ويكون له صفة الدوام.
وثالثها، أن ترتيبات نقل السلطة تستدعي أكبر قدر من الشِـدَّة لتمريرها، وقمع أية تحرُّكات سياسية تُـناهضها، وستجد السلطة التنفيذية في هذا النص الجديد، والقوانين المنفذة له، سندا قوياً.
القاهرة – همام سرحان
أولاً: كان نصها بالفصل السادس من الباب الخامس من الدستور، قبل التعديل:
(يكون المدعي العام الاشتراكي مسئولا عن اتخاذ الإجراءات التي تكفل تأمين حقوق الشعب وسلامة المجتمع ونظامه السياسي، والحفاظ علي المكاسب الاشتراكية والتزام السلوك الاشتراكي، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى، ويكون خاضعا لرقابة مجلس الشعب، وذلك كله علي الوجه المبين في القانون).
ثانياً: ثم طلب الرئيس حسني مبارك تعديلها، واقترح الآتي:
1- إلغاء نظام المدعي العام الاشتراكي وما يستتبعه من إلغاء محكمة القيم، ونقل الاختصاصات التي كانت موكولة إليهما إلى جهات القضاء.
2- استحداث اسم جديد للفصل السادس ينظم حماية الدولة من الإرهاب.. ومادة جديدة تسمح بسن نظام قانوني يختص بمكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه ليكون بديلا تشريعيا لمكافحة هذا الخطر دون حاجة لتطبيق قانون الطوارئ.
3- إحلال نص جديد يسمح للمشروع بفرض الأحكام الكفيلة بحماية المجتمع من الإرهاب وبحيث لا تحول الأحكام الواردة في المواد 41 الفقرة الأولى و44 و45 الفقرة الثانية دون قدرة إجراءات مكافحة الإرهاب علي التصدي لإخطاره وآثاره الجسيمة.
4- التأكيد علي أن يكفل القانون تحديد رقابة قضائية علي تلك الإجراءات ولضمان التصدي بحزم لخطر الإرهاب ويدفع أي عدوان أو مساس غير مبرر بحقوق الإنسان.
5- أن يتيح القانون الجديد السبيل لسرعة الفصل في قضايا الإرهاب.
ثالثاً: أصبح نص المادة بعد التعديل كالآتي:
(تعمل الدولة على حماية الأمن والنظام العام في مواجهة أخطار الإرهاب، وينظم القانون أحكاماً خاصة بإجراءات الاستدلال والتحقيق التي تقتضيها ضرورة مواجهة تلك الأخطار؛ وذلك تحت رقابة من القضاء، وبحيث لا يحول دون تطبيق تلك الأحكام الإجراء المنصوص عليه في كل من الفقرة الأولى من المادة 41 والمادة 44 والفقرة الثانية من المادة 45 من الدستور، وذلك كله تحت رقابة القضاء. ولرئيس الجمهورية أن يحيل أية جريمة من جرائم الإرهاب إلى أية جهة قضائية منصوص عليها في الدستور أو القانون).
من الباب الثالث من الدستور (الحريات والحقوق والواجبات العامة)
1- المادة (41): (الحرية الشخصية حق طبيعي وهى مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقا لأحكام القانون ويحدد القانون مدة الحبس الاحتياطي).
2- المادة (44): (للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقا لأحكام القانون).
3- مادة (45): (لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون. وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الإطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة ووفقا لأحكام القانون).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.