مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المبالغة في النظافة .. مضرة

النظافة ضرورية في جميع أوجه الحياة، لكن الافراط فيها قد يحمل جوانب سلبية Keystone

ربط العلماء كثيرا بين تلوث البيئة وإنتشار أمراض الحساسية بين الأطفال، بينما تشير الدراسات الحديثة إلى أن الإفراط في النظافة وتعقيم الأغذية بشكل مبالغ فيه لهما دور أساسي في انتشار هذه الظاهرة.

ويتصادف الإعلان عن هذه النتيجة مع اليوم العالمي للصحة الذي تربط فيه الأمم المتحدة بين البيئة النظيفة وصحة الأطفال.

رفعت منظمة الصحة العالمية في يوم الصحة العالمي الذي يوافق 7 أبريل من كل عام شعارا يقول: ” بيئة نظيفة لأطفال أصحاء”. إلا أن هذا الشعار – على الرغم من دعوته للحفاظ على البيئة من أجل الصحة العامة – كان مناسبة لأطباء الأطفال في سويسرا لفتح ملف انتشار أمراض الحساسية بين الصغار ليس في سويسرا وحدها، وإنما في العديد من بلدان غرب أوروبا.

فطبقا للإحصائيات الدولية يعاني طفل من كل عشرة من مرض الربو، مع تزايد أعداد الأطفال المصابين بالتهابات الأغشية المخاطية وأمراض الجلد، حتى أنها تضاعفت في السنوات العشرة الأخيرة.

وفي سويسرا، أظهرت دراسة أعدها مشروع “سكاربول” لبحث انتشار أمراض الجهاز التنفسي والحساسية بين الأطفال، أن 8% من صغار السن في مرحلة الدراسة الابتدائية أصيبوا بمرض الربو في الفترة ما بين عامي 1992 و2000. كما أن 15% من التلاميذ في نفس المرحلة يتعرضون لرشح شديد في فصل الربيع بالذات، فيما يعرف بالحساسية من لقاحات النباتات أو كما يطلق عليه العامة “حساسية الربيع”.

لا علاقة بين تلوث البيئة وأمراض الحساسية

وبالمقارنة مع السنوات الماضية، فإن نسبة الاصابة بـ “حساسية الربيع” كانت في عام 1920 لا تتجاوز 2% من السكان، بينما بلغت 13% في عام1991، مع ملاحظة أن النمو السكاني في تلك الفترة لا يتناسب مع هذا المعدل.

وكثيرا ما ربط الأطباء في دراسات مختلفة بين التلوث البيئي وانتشار أمراض الحساسية، إلا أن هذه الدراسات كانت متعجلة في الربط بين درجة التلوث البيئي وتزايد الإصابة بتلك الأمراض، حيث أشارت دراسات مختلفة إلى عدم وجود علاقة مباشرة بينهما.

ومن اشهر هذه الدراسات تلك التي أجريت عام 1991 على الحالة الصحية لأطفال مدينتين ألمانيتين، هما ميونيخ ولايبتسغ، تلك الأخيرة التي ذاع صيتها بسبب نسبة التلوث العالية فيها، حيث أظهرت نتائج هذه الدراسة العكس تماما، فلوحظ ارتفاع نسبة الإصابة بأمراض الحساسية في ميونخ على الرغم من انخفاض نسبة التلوث فيها بشكل كبير مقارنة مع لايبتسغ.

والمثير، أنه عندما تمت إعادة الدراسة مرة أخرى بعد سنوات من “إدماج” لايبتسيغ – التي كانت تابعة لألمانيا الشرقية سابقا- في نمط الحياة الأوروبية الغربية، لوحظ ارتفاع نسبة المصابين بأمراض الحساسية، مما لم يترك مجالا للشك لدى البحاثة والأطباء أن انتشار هذه الامراض ذو علاقة وثيقة بنمط الحياة الغربي.

“نظرية النظافة” تفسر انتشار الحساسية؟

وتشير الدراسات الحديثة إلى أن جهاز المناعة لدى الأطفال لابد وأن يحتك بالميكروبات والجراثيم لتقويته وتكوين الأجسام المضادة، وهي عملية ضرورية كي يتعود الجسم على كل ما هو موجود في البيئة من ميكروبات وبكتريا وفيروسات، ويتحصن جهازه المناعي بشكل كبير وتلقائي.

وقد توصل العلماء إلى ما بات يعرف بـ”نظرية النظافة”، حيث يسود الاعتقاد بأن النظافة الزائدة عن الحد وتفادي جميع أنواع البكتريا لا تعمل على تقوية جهاز المناعة، كما أن أغذية الأطفال يتم إنتاجها صناعيا وبتعقيم كامل، مما يقلل من نسبة البكتريا فيها إلى الحد الأدنى.

ويقول البروفيسور مايكل هوفر أستاذ علم المناعة بقسم الأطفال في كلية الطب جامعة لوزان، إن التعقيم الكامل لغذاء الأطفال بالشكل الإصطناعي لا يساعد على نمو أنواع معينة من البكتريا في أمعائهم، مما يحول دون تكوين الأجسام المضادة التي من المفترض أن تكون موجودة في أجسام الأطفال وبشكل طبيعي.

وتتفق هذه الرؤية مع دراسة قامت بها جامعات السويد وايسلندا، وتؤكد العلاقة الوثيقة بين النمط الغذائي الشديد التعقيم، وبين اصابة الاطفال بأمراض الحساسية.

وبينما تنشط شركات صناعة الدواء لإبتكار علاج لهذه الامراض الناتجة عن الحرص الزائد في النظافة والتعقيم، طمعا في أرباح خيالية، نتيجة استغلال الحاجة إلى علاج الطفل مهما بلغت التكاليف، يقف العلاج – أو بمعنى أصح القضاء على هذه الظاهرة – غير بعيد عن الجميع، وذلك في اتباع الأساليب العادية في الغذاء والنظافة بدلا من المغالاة فيها بشكل غير عادي.

سويس انفو

أثبتت الدراسات أن 8% من التلاميذ في سويسرا يعانون من الربو، و15% يتعرضون سنويا لرشح ربيعي، وذلك بسبب ضعف جهاز المناعة لديهم

ربط العلماء كثيرا بين تلوث البيئة وأمراض الحساسية، لكن الدراسات الحديثة أثبتت عدم وجود علاقة مباشرة بينهما.
يرى أطباء الأطفال أن الافراط في النظافة وتعقيم الأغذية له تأثير سلبي على جهاز المناعة لدى الأطفال.
لا يعاني أطفال الريف من نفس أمراض الحساسية التي يصاب بها أطفال المدن في غرب أوروبا.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية