المجتمع المدني الأفغاني: أي دور مستقبلي؟
تنظم المؤسسة السويسرية للسلام (سويسبيس) على امتداد أربعة أيام في كابول المؤتمر الثاني لممثلي المجتمع المدني الأفغاني في إطار التحضير لاجتماع اللويا جيرغا الذي يتوقع أن يحسم العديد من ملفات المستقبل في البلاد..
مائتا أفغاني وأفغانية سيناقشون في إطار هذا المؤتمر مستقبل بلادهم وسوف يبعثون بتوصياتهم إلى اللويا جيرغا (وهو آجتماع تقليدي عادة يعقده زعماء القبائل والأقليات العرقية في أفغانستان لاتخاذ قرارات مصيرية) التي تجري الإستعدادات حثيثة لعقدها في الثاني والعشرين من شهر يونيو حزيران المقبل.
وينعقد المؤتمر بإشراف المؤسسة السويسرية للسلام (وهو معهد أبحاث مستقل تأسس عام ثمانية وثمانين في برن وينشط في مجالات السلام وحل النزاعات والتوقي من حدوثها)، وبتمويل سويسري وألماني وهولندي وبالتنسيق مع اللجنة التحضيرية لإجتماع اللويا جيرغا والدائرة المدنية لمهمة الأمم المتحدة في أفغانستان التي يشرف عليها وزير الخارجية الجزائري الأسبق الأخضر الإبراهيمي.
وكانت المؤسسة السويسرية للسلام قد أشرفت في موفى شهر نوفمبر- تشرين الثاني الماضي على تنظيم اجتماع مماثل على هامش مؤتمر بون (الذي تمخضت عنه الحكومة الإنتقالية التي استلمت السلطة إثر سقوط نظام طالبان) لممثلين عن منظمات غير حكومية وفعاليات مدنية أفغانية مقيمة في الخارج وذلك للمرة الأولى منذ أكثر من عشرين عاما.
لكن المؤتمر الذي افتتح يوم الأربعاء في العاصمة الأفغانية يضم أغلبية من نشطاء المجتمع المدني المقيمين في أفغانستان مع تمثيل شبه متساو للرجال والنساء، روعي فيه التوازن بين الأجيال ومختلف المجموعات العرقية واللغوية والجهوية الموجودة في البلاد.
المشاركة في اتخاذ القرار
وتقول مؤسسة سويسبيس السويسرية – التي افتتحت قبل أسبوعين فقط مكتبا لها في كابول وأوفدت ثلاثة من كبار مسؤوليها للإشراف على الإجتماع – إن الهدف من تنظيم المؤتمر يتمثل أساسا في المساعدة على “إسماع صوت المجتمع المدني الأفغاني في سياق عملية السلام الجارية في البلاد بالإضافة إلى مزيد التعريف بمسار إعداد “اللويا جيرغا” وتعزيز الثقة بها”.
وتأمل المؤسسة التي أسست في منتصف العام الماضي “منتدى المجتمع المدني الأفغاني” في أن تتمكن فعاليات المجتمع المدني الأفغاني من المشاركة في رسم وإنجاز عملية السلام وإعادة البناء في أفغانستان على غرار تجارب مماثلة ساهمت فيها سويسبيس بأشكال متفاوتة في مناطق أخرى من العالم مثل غواتيمالا وليبيريا والصومال.
وتعترف سويسبيس بأن هيئات المجتمع المدني في بلد لم يعرف الإستقرار منذ أكثر من عشريتين لا زالت مشتتة وضعيفة بل في وضع “جنيني” في معظم الأحيان، إلا أنها ترمي من خلال المنتدى إلى ضمان انخراط النشطاء العاديين وممثلي المغتربين والعاملين في المجالات الحقوقية والمدنية عموما في عملية اتخاذ القرار وفي مسار إقرار السلام وإعادة البناء في أفغانستان.
ولا شك أن اعتماد الأمم المتحدة لأبرز التوصيات التي صدرت عن الإجتماع الأول لممثلي المجتمع المدني الأفغاني في ضاحية “باد هوناف” على هامش انعقاد مؤتمر بون فيما بين التاسع والعشرين من نوفمبر والثاني من ديسمبر الماضي، يضفي قدرا من الأهمية على النتائج التي ستتمخض عن الإجتماع الحالي الذي ينعقد في فندق كابول في العاصمة الأفغانية.
ففي حين أكد الأخضر الإبراهيمي يوم الثلاثاء الماضي عن ارتياحه للسير السلمي للتحضيرات الجارية لانتخاب ألف وخمس مائة شخص (من بينهم مائة وستون امرأة وخمس مائة عضو معين) ستتشكل منهم “اللويا جيرغا” التي ستجتمع في كابول منتصف الشهر المقبل لتعيين حكومة انتقالية لفترة تدوم ثمانية عشر شهرا، اعترف بأن الطريقة المتبعة ليست ديموقراطية تماما ولم تخل من بعض التجاوزات لكنه وصفها بـ” نظام ديموقراطي بشكل معقول”!
خطوة أولى في مسيرة الألف ميل!
وعلى الرغم من الصعوبات التي لا زالت تواجه المشرفين على إعداد الاجتماع الذي سيفتتحه الملك السابق ظاهر شاه في العاشر من يونيو حزيران القادم، ينتظر أن تلقى توصيات اجتماع ممثلي المدني صدى أكيدا في اللويا جيرغا نظرا لتخصيص واحد وخمسين مقعد فيها لممثلين عن المجتمع المدني وثلاثة وخمسين آخرين لمؤيدي الإدارة الإنتقالية بقيادة حميد قرضاي.
لذا يبدو منطقيا حرص مؤسسة السلام السويسرية سويسبيس، التي تمولها وزارة الخارجية السويسرية في إطار “التشجيع على البحث العلمي المستقل في مجال إقرار السلام”، من أجل المساعدة إسماع صوت منظمات ونشطاء المجتمع المدني الأفغاني من خلال التوصيات التي ستصدر عن المؤتمر، خصوصا وأن الحكومة الإنتقالية التي ستتمخض عن اللويا جيرغا هي التي ستشرف على إعداد الإنتخابات العامة في البلاد في ظرف لا يتجاوز العامين.
في موفى عام ألفين وواحد تركزت توصيات المؤتمر الأول لممثلي المجتمع المدني الأفغاني على ضمان الأمن والإستقرار واستناد السلطات إلى أرضية قانونية وبلورة دستور دائم للبلاد وتعزيز حضور المرأة في كافة مستويات اتخاذ القرار وضمان مشاركة القطاع الخاص في عملية إعادة الإعمار والتركيز على إصلاح النظام التعليمي. أما اليوم، فقد اتضح أن الأماني الجميلة ليست كافية وأن الدعم الدولي يظل مقيدا بشروط عديدة وأن إسقاط نظام طالبان لم يحل كل المشاكل التي كانت قائمة في بلد فقير وشاسع ومتعدد الأعراق والإنتماءات.
سويسرا، وعلى غرار كل الدول الغربية المشاركة بشكل أو بآخر في محاولة إعادة صياغة خارطة المستقبل الأفغاني، تحاول استنادا إلى تجربتها التاريخية والسياسية الخاصة تثبيت دور المجتمع المدني في اتخاذ القرار أو المساهمة فيه بشكل ملموس. لكن، وعلى الرغم من الجهود المقدرة التي بذلتها منذ فترة في هذا المجال،لا زالت العديد من العقبات قائمة بوجه هذا التوجه في بلد لم يتحرر بعد من عقلية الزعامات القبلية والولاءات العرقية والطائفية. لكن مسافة الألف ميل تبدأ دائما .. بخطوة واحدة!
سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.