المحسن السويسري.. من يكون؟
توجد في سويسرا أكثر من عشرة آلاف مؤسسة خيرية، أنشأها مواطنون خواص، لكن من هم هؤلاء المحسنون؟
دراسة حديثة انكبّـت على معرفة وتحديد شخصياتهم وتوصلت إلى أنه لا يوجد أنموذج موحّـد أو نمطي لهم.
أفادت نتيجة الدراسة، بأنه لا وجود في سويسرا لما يمكن تسميته بالمحسن النموذجي، أي أن تلك الصورة النمطية للرجل العجوز والوحيد، الذي يقرر إهداء ميراثه لمؤسسة خيرية قبل وفاته، لم تعد قائمة.
في تصريحات لسويس انفو، يقول بيرند هيلميغ، الذي أعد بالاشتراك مع بيات هونزيغر دراسة حاولت تحديد ملامح المحسنين السويسريين: “تعتبر سويسرا فردوسا حقيقيا للمؤسسات، حيث توجد حاليا أعداد كبيرة منها، وهي مستمرة في الازدياد”.
المعلومات المتوفرة حول المؤسسات في سويسرا قليلة نسبيا، كما أنه لا يعرف الكثير عن مؤسسيها، نظرا لندرة الإحصائيات في هذا المجال.
من المعروف أن العديد من الشركات والبنوك تقوم بتوجيه رؤوس أموال إلى مؤسسات تموِّل مشاريع ثقافية واجتماعية وعلمية، لكن ما هي الأسباب التي تدفع مواطنا عاديا إلى إنشاء مؤسسة، وما الذي يتوقع الحصول عليه من وراء الإقدام على خطوة كهذه؟
معدو الدراسة قاموا باستجواب 148 شخصا أقدموا على إنشاء مؤسسة في العشريات الماضية، وهم أفراد كانت لديهم مبالغ ضخمة (أو متوسطة وحتى صغيرة) من الأموال، أرادوا أن يقوموا بعمل لفائدة الآخرين.
لا وجود لأنموذج محدد
الدراسة سمحت بتقديم رؤية مغايرة للشخصية التقليدية للمحسنين المتمثلة في ذلك الملياردير العجوز الكريم، الذي لا ورثة له والذي يقرر ترك ثروته لمؤسسة تحمل اسمه إلى الأبد.
ويوضح بيرند هيلميغ “لقد اكتشفنا باندهاش أن الأمر يتعلق، على العكس من ذلك، بأشخاص يقدمون من كل أطياف النسيج الاجتماعي وأن معدل أعمارهم يتراجع يوما بعد يوم”. فهم في معظم الحالات، مقاولون شبان تمكّـنوا في ظرف وجيز، بفضل البورصة، من جمع ثروة في مجال الإعلام التكنولوجي أو البيو تكنولوجيا.
يقول هيلميغ “في السنوات العشر أو الخمس عشرة الأخيرة، كانت هناك أيضا الكثير من النساء”، هذا التطور ساعد عليه عدم وجود حاجة لامتلاك رقم فلكي لإنشاء مؤسسة، حيث أن رأس المال الأدنى يمكن أن لا يزيد على 50 ألف فرنك، كما أن تكاليف كتابة العقود تتراجع بالتوازي مع تدني المبلغ الأصلي.
نظرا لأن القانون لا ينص على أنه يجب أن يكون رأس المال الخاص (الذي يمكن أن يكون في شكل عقارات أو أعمال فنية أو قطع أخرى ذات قيمة)، لدى إنشاء مؤسسة من هذا القبيل، كبيرا جدا، فإن أغلب المؤسسات لا تتوفر على ملايين الفرنكات، وهي غير مضطرة تبعا لذلك، لإدارة مبالغ ضخمة جدا، بل بالعكس، توصل معدو الدراسة إلى أن هذه المؤسسات تُـضطر في العديد من الأحيان إلى القيام بحملات لجمع التبرعات.
ويشير بيرند هيلميغ إلى أنه لوحظ تكاثر المؤسسات ذات رأس مال منخفض في السنوات الماضية، إلا أن المحسنين يلتزمون بالترفيع في هذا المبلغ ما داموا على قيد الحياة.
عمل خيري يؤدي إلى توفير الضرائب؟
في العادة، يرتبط فعل الخير بالرغبة في تقديم شيء ملموس لفائدة المجتمع، لكن هل من الممكن أن يكون السعي إلى التقليل من حجم الضرائب المدفوعة إلى السلطات، أحد الدوافع الكامنة وراء إنشاء البعض لمؤسسات خيرية؟
يجيب الباحث بيرند هيلميغ “من المدهش أن هذا المبرر لا يمثل عاملا مهما، أغلب المحسنين يقولون إنهم يريدون بالخصوص الإشراف الكامل على الإمكانيات المادية، التي يضعونها على ذمة المجتمع، لكي يكونوا متأكدين من أن أموالهم ستذهب كاملة في المشاريع التي يحرصون على إنجازها”.
لكن هذا لا يمنع وجود حالات في سويسرا اكتُـشفت فيها مؤسسات مشبوهة، لعل من أشهرها تلك التي تورطت فيها مارينا مازوني، وزيرة المالية في كانتون تيتشينو، حيث أدت معلومات كُـشف عنها تتعلق بمؤسسة تابعة لعائلتها، يوجد مقرها في كانتون شفيتس (المعروف بأنه جنة ضريبية في سويسرا)، عوضا عن كانتونها الأصلي إلى اندلاع ما عُـرف بـ “فيسكو غيت” (أو فضيحة التهرب الضريبي).
محسنون في مجال الفن
من الحالات الشهيرة الأخرى، مركز بول كلي في برن، الذي أثار بعض الجدل (انتهى بسلام في نهاية المطاف) بسبب شكوك البعض في المبررات الكامنة وراء تبرع طبيب وزوجته بحوالي 40 مليون فرنك لإقامة المركز.
لا شك في أن التصريحات التي قدمها المحسنون المستجوبون إلى الباحثين هليميغ وهونسيغر في مرحلة إعداد الدراسة، قد تضمنت بعض الحياء من الاعتراف بوجود مبررات غير مثالية وراء الإقدام على التبرع بمبالغ محترمة لفائدة مؤسسات خيرية.
وفي معرض التدليل على أن الجزء الأكبر من المؤسسات في سويسرا، لم تُـبعث للوجود بناء على حسابات مادية، يشير هيلميغ إلى أن العديد من الخيرين يعملون بصفته الشخصية في المؤسسة التي أقاموها، وهو ما يعني تخصيص جزء مهم من وقتهم لأنشطتها.
ويقول هيلميغ “العديد منهم عضو في مجلس الإدارة أو يشارك في التصرف العملي، لذلك، فهم يشاركون بنشاط في عمليات الشراء واختيار المشاريع”، وهو ما يمثل شكلا من أشكال العمل التطوعي الرامي إلى تعزيز نجاعة الكرم، الذي ترجم عن نفسه بمبالغ مالية.
سويس انفو – رفائيلا روسّيلو
(ترجمه من الإيطالية وعالجه كمال الضيف)
توجد في سويسرا ما بين 11 و12 ألف مؤسسة خيرية.
تناهز موارد المؤسسات حوالي 40 مليار فرنك.
في الفترة الأخيرة، اختار العديد من الأجانب، سويسرا مقرا لمؤسساتهم الخاصة.
أظهرت الدراسة أن المؤسسات ذات الأهداف الدينية، ليست كثيرة.
تمنح هذه المؤسسات سنويا حوالي مليار فرنك.
في دورة الخريف لعام 2004، صادق البرلمان الفدرالي على مراجعة القانون المنظم للمؤسسات، الذي بدأ العمل به يوم 1 يناير 2006.
تعلقت التنقيحات المعتمدة بالمسائل التالية:
إعداد حساب سنوي (تم فرض تعيين مكتب مراجعة والإمساك بدفاتر الحسابات).
أقرت إجراءات في صورة تضخم المديونية وعدم إمكانية التسديد.
إمكانية تغيير هدف المؤسسة.
خصم الهبات والتبرعات من الضرائب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.