“المسؤولية تقع على عاتق المجتمع”
خصصت جمعية الأقليات في سويسرا يومها السنوي في زوريخ للبحث في "فرص وعوائق اندماج المسلمين في المجتمع".
وشهدت جلسات الحوار المتخصصة مناقشات هامة، اتسم أغلبها بالبحث العملي عن حلول لقضايا الاندماج والمشاكل التي يعاني منها المسلمون كأقلية تمثل ثالث أكبر ديانة في الكنفدرالية.
بإصدار بيان يندد بإعلان سياسي نشرته بعض الصحف يحذر من التصويت لصالح تسهيل الحصول على الجنسية السويسرية للأجانب ويخوف من تزايد أعداد المسلمين وتحولهم إلى الأغلبية في البلد، وبإعراب أغلبية المشاركين عن قناعتهم بأن ارتداء المرأة للحجاب أثناء العمل لا يجب أن يكون مشكلة يتخوف منها الرأي العام، اختتمت جمعية الأقليات في سويسرا يومها السنوي الذي خصصته للحديث حول “فرص وعوائق اندماج المسلمين في الكنفدرالية”، وذلك في السادس من سبتمبر الجاري بمدينة زيورخ.
إلا أن جلسات هذا اليوم الدراسي لم تكن تقليدية، لا من ناحية الموضوعات ولا لجهة المشاركين أو نوعيةالمداخلات، كما تميز الحضور في اليوم السنوي للجمعية بكثافة غير اعتيادية، شملت نوابا في البرلمان الفدرالي وأعضاء في حكومتي كانتون زيورخ وبازل-المدينة المحليتين، وتواجدا مهما لكافة أطياف الجالية المسلمة في سويسرا، لا سيما من الأنحاء الشرقية والوسطى الناطقة بالألمانية.
بدأ المؤتمر أعماله باستعراض تجربة كانتون بازل ـ المدينة في التعامل مع قضايا الأقليات، من خلال كلمة ألقاها السيد توماس كيسلر مدير برنامج الاندماج هناك.
وقد اعتبر المتحدث أن حصيلة تجربة الكانتون ناجحة، لا سيما في التعامل مع الجالية المسلمة، وقال بأن القناعة السياسية بضرورة التعامل مع أفرادها بشكل إيجابي هي التي سهلت الكثير في التواصل معها، مشيرا إلى أن “الخوف من الأجنبي” أمر شائع لدى السويسريين حتى ولو كان هذا الأجنبي أوربيا.
في المقابل، أكد توماس كيسلر أن ضرورات التعامل مع واقع حقيقي متمثل في تراجع أعداد السويسريين وحاجة الاقتصاد للأيادي العاملة كانت الدافع وراء البحث عن حلول عاجلة للمشاكل المتعلقة باندماج الأجانب بمن فيهم المسلمين، لكنه حذر في الوقت نفسه من الجهات التي تقوم بتضخيم تواجد المسلمين في سويسرا وابتزاز مشاعر الرأي العام بأسلوب “ساذج للحصول على خوف رخيص” على حد تعبيره.
“مجرد نظرية”؟
مداخلة الدكتور فرهاد افشار (وهو سويسري من أصل إيراني وأستاذ علم الاجتماع في جامعة برن) أثارت ردود فعل متفاوتة لدى الحاضرين من غير المسلمين. فقد حرص على الإشارة إلى أن “مطالبة المسلمين بالاندماج تعني أيضا مطالبة الآخرين بقبولهم”، ولم يتردد في إطلاق اتهام واضح قال فيه:” إن الهيكل العام للمجتمع السويسري تحول إلى الانفرادية والانعزالية والابتعاد عن الآخر، وهذا هو سبب مشكلة عدم القبول بالأجنبي”.
في المقابل، شرح الدكتور افشار كيف أن الإسلام له مفهوم آخر في القبول بالغير ونظرة أكثر شمولية في التعامل مع الأعراق المختلفة حتى ولو كانوا من غير المسلمين، وقال: “ينحدر المسلمون في سويسرا من أصول عرقية متعددة ويتحدثون أكثر من لغة وينتمون إلى ثقافات مختلفة، ولكنهم يجتمعون على عقيدة واحدة يتمثل جزء منها في التعامل مع الآخرين والتواصل معهم بصدر رحب”.
كما انتقد أستاذ علم الإجتماع في جامعة برن ما أسماه بـ “التشدق المتواصل بالتعدد الثقافي والعرقي السويسري الذي هو مجرد نظرية” حسب تعبيره، في الوقت الذي يعاني منه الأجانب من أجل الحصول على موطئ قدم للحضور على الساحة السويسرية.
اختلاف الثقافة مبرر لرفض الآخر!
من جهتها، تناولت جلسات النقاش المتخصصة ملفات هامة، منها مثلا مشاكل الجيل الثاني من التلاميذ المسلمين الذين يتعرضون لاستفزازات من طرف زملائهم وسط عجز هيئات التدريس عن الرد بشكل مناسب، وقالت إحدى المشاركات من أصل بوسني بأن زملائها في الدراسة كانوا “متحجرين في الفكر ولا يريدون الاقتناع بأن هناك ثقافة أخرى غير التي يعرفونها في سويسرا، ليس لها نفس المعايير المتواجدة هنا”.
شاب آخر من أصل الباني ذكر في شهادته أنه كان يمارس حياته الدراسية بشكل عادي جدا ولم يلحظ أية فوارق في معاملة زملائه له، إلى حين قدوم والدته للإقامة الدائمة في سويسرا، وعندما رآه زملائه معها وهي محجبة في الطريق العام، تغيرت المعاملة تماما، وشعر بأنهم يتعاملون معه وكأنه إنسان غريب، وقال: “لم أجعل هذا السلوك الغريب يؤرقني كثيرا، وانتبهت إلى دراستي، وهذه مشكلتهم هم إن كانوا يقبلون بي كما أنا أم لا”.
هذه النقطة تحديدا (أي رفض الآخر لمجرد اختلاف ثقافته) كانت منطلق المداخلة الثانية للدكتور فرهاد أفشار التي حاول من خلالها إقامة الدليل على أن إتقان اللغة ليس السبيل الوحيد لتسهيل الاندماج، منتقدا بذلك قرار كانتوني بازل (المدينة والريف) بربط الحصول على تصاريح الإقامة بضرورة إتقان اللغة، ومطالبا مجددا بتوعية الرأي العام السويسري بشكل أكبر بمشكلته، أي “عدم استطاعته التعامل مع الآخرين” حسب تعبيره.
السلبيات موجودة.. والحل طويل الأمد
وفي جلسة أخرى خصصت لمشاكل المرأة المسلمة في الحياة اليومية في سويسرا، شرحت بعض المشاركات الصورة النمطية السلبية التي تربط ما بين ارتداء الحجاب والقمع، فيما أشار آخرون إلى أن حضور الحجاب في الأماكن العامة في المدن الكبرى لم يعد ملفتا للنظر، كما اعتبر بعض الحضور أن المخاوف من انتشار الحجاب لا أساس لها.
من جهته، قال مدير قسم الموارد البشرية في أحد أكبر شبكات توزيع المنتجات الغذائية في سويسرا،(الذي حرص على حضور اليوم الدراسي) إن إدارة الشبكة تدرس جديا البت بشكل نهائي في مسألة عمل المحجبات، بعد ظهور أكثر من حالة من البائعات المسلمات الراغبات في ارتداء الحجاب أثناء العمل.
وخلال النقاش، تناولت إحدى المحجبات المبادرة وسألت المشاركين إن كانوا يخشون الركوب في حافلة عامة هي سائقتها، أو يحجمون عن الشراء فقط لأنها تبيع في المحل بحجابها، فلم يعارض سوى 8 أشخاص فقط، من بين 160 شخصا هو العدد الإجمالي للحضور.
وقد اتفقت الأصوات المسلمة المشاركة في هذا المؤتمر على أن المجتمع السويسري له دور كبير في حل مشكلة اندماج المسلمين من خلال القبول بهم، ونبذ الصور النمطية السلبية المترسخة عنهم في الأذهان.
ورغم نجاح المؤتمر في الكشف عن سلبيات اجتماعية متعددة، وعرض تجارب من مروا بها ومعاناة المسلمين كأقلية دينية في كيفية التعايش معها والتغلب عليها، إلا أن التشاؤم كان الشعور العام الذي خرج به أغلب المشاركين المسلمين، حيث اعتبروا أن الخطوات التي يقوم بها السويسريون أقل من حجم المشكلة والمعاناة التي يمرون بها، فهم “يتناسون الواقع أو يهملونه، وهذا ليس الحل الأمثل”، حسب قول أحد المشاركين.
أما البروفيسور فيرنر كرامر رئيس جمعية الأقليات في سويسرا فكان له رأي مخالف، إذ صرح قائلا: “إننا نتحرك في الطريق الصحيح، وقد يحتاج الأمر إلى بعض الوقت، ولكننا سنصل حتما إلى هدفنا في القضاء على السلبيات التي يعاني منها المسلمون وكافة الاقليات العرقية والدينية في سويسرا”.
تامر أبو العينين – زوريخ – سويس إنفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.