المساعدات ضرورية لكن التشغيل أجـدى
أنجزت مؤسسة جامعية سويسرية دراسة تحليلية لنظرة الفلسطينيين لمدى نجاعة المساعدات الإنسانية المقدمة لهم وبالأخص في قطاع غزة.
الدراسة التي أعدها المعهد الجامعي للدراسات التنموية في جنيف توصلت إلى أن 64% من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر وأبرزت مطالبة الفلسطينيين بمواطن شغل بدل المساعدة الإنسانية .
بتمويل من الوكالة السويسرية للتنمية والتعاون، قام ثمانية خبراء تابعين للمعهد الجامعي لدراسات التنمية في جنيف بإعداد التقرير التاسع حول انطباعات الفلسطينيين بخصوص المساعدات الإنسانية المقدمة لهم من قبل المجموعة الدولية والمقدرة بحوالي مليار دولار ومن ضمنها حوالي عشرين مليون فرنك تقدمها الحكومة السويسرية.
الدراسة التي شملت حوالي 1700 فلسطيني من قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية استمرت على مدى الأشهر الخمسة الأولى من عام 2005 وتمت بالإشتراك مع عدد من المؤسسات السويسرية والفلسطينية من بينها مركز الإحصاء الفلسطيني.
خدمة للمنظمات الإنسانية
الهدف من هذه الدراسة حسب الأستاذ بمعهد الدراسات التنموية في جنيف ريكاردو بوكو، هو لتمكين المنظمات الإنسانية الساهرة على تقديم الدعم للفلسطينيين بالحصول على تقييم فعلي لكيفية نظرة المستفيدين من هذه المساعدات أي الفلسطينيين ومدى تلبيتها لحاجياتهم المعيشية اليومية”.
ويرى البروفسور ريكاردو بوكو أنه “ابتداء من التقرير الخامس تم توسيع نطاق البحث ليشمل ميادين مثل البطالة وفرص العمل ومستوى الفقر والأمن وحرية التنقل ونظرة الفلسطينيين لسلطتهم الوطنية ولباقي المجموعات السياسية المؤثرة في الحياة السياسية ونظرتهم للمساعدة الإنسانية ولعمل المنظمات العاملة في الميدان”.
ويرى البروفسور ريكاردو بوكو أن التقارير السابقة سمحت للمانحين والجهات المعنية بالسهر على توزيع المساعدات الإنسانية بتحسين نوعية وطريقة تقديم تلك المساعدات لتلبية حاجيات الفلسطينيين بشكل ملائم.
64% دون خط الفقر
التقرير التاسع تناول بالتفصيل أوضاع قطاع غزة حيث يعيش مليون و 300 الف نسمة ثلثاهم من اللاجئين. وقد توصل إلى أن أوضاع البطالة في قطاع غزة قد تفاقمت منذ بداية الانتفاضة الثانية بسبب الحصار الإسرائيلي المزدوج الاقتصادي والعسكري.
وترى الخبيرة سيلين كالفي أن: “الحصار العسكري والاقتصادي وكذلك تأثيرات بناء الجدار عملت على خنق الاقتصاد الفلسطيني بعرقلة تنقل الأشخاص والبضائع وبفقدان حوالي 30 % من فرص العمل منذ بداية الانتفاضة، وهو ما افقد العائلات الفلسطينية التي كانت تجد شغلا في إسرائيل حوالي 75% من دخلها”.
إذا كانت نسبة البطالة قبل بداية الانتفاضة الأولى تقدر بحوالي 10%، فإنها بلغت عند بداية الانتفاضة الثانية (سبتمبر 2000) حوالي 20% لتتجاوز في شهر يوليو 2005 حوالي 38% من مجموع اليد العاملة في قطاع غزة ونسبة أقل بقليل في الضفة الغربية.
ويعود ارتفاع نسبة البطالة في قطاع غزة أيضا الى حرمان العمال في الأراضي الزراعية من التوجه الى ضيعاتهم لأسباب أمنية.
وإذا كان مستوى الفقر في الأراضي الفلسطينية يقدر بدخل أقل من 1900 شيكل إسرائيلي، فإن نسبة الفلسطينيين في قطاع غزة الذين يعيشون دون خط الفقر تفوق 64% من إجمالي سكان القطاع، بينما يعيش ثلث السكان دون مستوى الفقر المدقع أي بدخل لا يزيد عن 500 شيكل في الشهر.
أزمة إنسانية معقدة
الزيادة السكانية الهائلة التي تعرفها الأراضي الفلسطينية عموما وقطاع غزة بالخصوص، وتراجع المساعدة الإنسانية واستمرارية الاعتماد على المساعدات الخارجية وتعذر إيجاد حل سياسي للمشكل الفلسطيني جعل الأزمة الإنسانية التي يعرفها السكان الفلسطينيون تزداد تفاقما.
فاستمرار الانتفاضة منذ أكثر من خمس سنوات، كما تقول الخبيرة سيلين كالفي، “جعل الفلسطينيين يضطرون لتخفيض مستوى تغذيتهم وأن حوالي 45% منهم خفضوا من الميزانية المخصصة للغذاء بعد استنفاذ احتياطييهم”. وهو ما جعل حوالي 16 % من العائلات الفلسطينية في قطاع غزة تصبح معتمدة تماما على المساعدات الغذائية الدولية.
وقد حددت الدراسة أن المساعدات المقدمة للفلسطينيين في قطاع غزة منذ عام 2000 تمثلت في حصول 38% من السكان على مساعدات غذائية بينما حصل 8% منهم على مساعدات مالية، ولم يحصل إلا 4% على مساعدات في شكل موطن شغل.
وتضيف السيدة سيلين كالفي بأن “غالبية الذين وجه لهم السؤال أجمعوا على المطالبة بتوفير مواطن الشغل في المقام الأول”.
نقص في الثقة
تعلقت بعض الأسئلة الموجهة للمستجوبين في إطار هذه الدراسة، بنظرة الفلسطينيين للهيئات السياسية الناشطة في الأراضي الفلسطينية ومدى ثقتهم فيها. وفي هذا السياق، توصلت الدراسة مثلما يقول الخبير لويجي دو مارتينو من المعهد الجامعي للدراسات التنموية إلى أن “الغالبية عبرت عن الثقة في تنظيمات سياسية غير منتمية للسلطة الفلسطينية مثل كتائب القسام بنسبة 40 % او كتائب الأقصى”.
وتأتي في المرتبة الثانية الثقة في هيئات الدفاع المدني التي تشمل رجال الإطفاء ورجال الإسعاف وهي منظمات لا صبغة سياسية لها.
ومن أهم ما يعيبه المواطنون على السلطة كونها ملطخة بتعاطي الرشوة. فقد اعتبر حوالي خمسين بالمائة من المستجوبين (في شهر يوليو الماضي) أن الإصلاحات التي أعلنت عنها حكومة السيد محمود عباس مؤخرا “ما هي إلا إجراءات تجميلية”، حسب رأيهم.
وعن نظرة الفلسطينيين للمسار السلامي، أشار الخبير لويجي دو مارتينو إلى أن “هناك تطورا كبيرا في نسبة التنازلات التي يرغب الأشخاص في تقديمها مقابل السلام او مقابل إقامة دولة فلسطينية”.
كا تشير الدراسة إلى أن هناك “حوالي 30% من الفلسطينيين الذين يقبلون إمكانية إعادة النظر في حق عودة اللاجئين، وأن 35% من الفلسطينيين مستعدون للتخلي عن 5% من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية”. وهنا يلا حظ الخبير السويسري أنه “لا يوجد اختلاف كبير في مواقف اللاجئين وغير اللاجئين بخصوص الحق في العودة”.
من جهته، تساءل الأستاذ ريكاردو بوكو من معهد الدراسات التنموية عن مستقبل هذه الدراسات التي تنشر للسنة التاسعة في غياب وجود إرادة سياسية لحل المشكل الفلسطيني.
أخيرا، نشير الى أن الحكومة السويسرية قد طلبت – في أعقاب المؤتمر الدولي الذي انعقد في جنيف حول مستقبل منظمة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا – من معهد متخصص (مقره برن)، إعداد دراسة عن كيفية تطبيق القانون الإنساني الدولي في قطاع غزة. وهو التقرير الذي ينتظر أن يصدر تحت عنوان “غزة 2010”.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.