المستقبل: “ديموقراطيات متعددة الثقافات”!
تركز اهتمام تقرير التنمية البشرية لعام 2004 على ضرورة احترام الحرية الثقافية، وأكد على حق الجميع في الحفاظ على الهوية العرقية واللغوية والدينية.
وفيما اهتم التقرير بواقع الحريات الثقافية في العالمين العربي والإسلامي، تضمن ملخصه باللغة العربية تحريفا لما جاء في النص الأصلي حول “متطلبات الحرية الدينية”..
اكتشف تقرير التنمية البشرية لعام 2004، أن مكانة الحرية الثقافية في المعايير المعتمدة لقياس مستويات التنمية البشرية لم تراع بالشكل المطلوب من قبل وهو ما دفع المشرفين على إعداد التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يوم 15 يوليو في جنيف وعدة عواصم عالمية، إلى التوصية بضرورة اعتبار الحرية الثقافية “حقا أساسيا وضرورة من أجل تنمية مجتمعات أصبحت اكثر تعددية ثقافية في القرن الحادي والعشرين”.
وقد توصل التقرير المكون من أكثر من 280 صفحة إلى هذه النتيجة من خلال دراسة واسعة تطرقت لقضية الهوية في عشرات المجتمعات والأمم، بحيث تم تحليل التصورات السياسية والمختلفة للأمم والمجتمعات المتعددة الثقافات من حيث التعليم المزدوج اللغة، والتمييز الإيجابي لصالح بعض الأقليات، وصولا الى النماذج والمحاولات الجديدة في مجال التمثيل النسبي لبعض الفئات او في إقامة نظم فدرالية.
ومن خلال الإطلاع على الأمثلة التي أوردها التقرير، يتضح أن أكثر من نصف الحالات متعلقة ببلدان ومجتمعات العالمين العربي والإسلامي. فقد تساءلت مقدمة التقرير مثلا: “كيف يمكن للدستور العراقي الجديد تلبية مطالب التمثيل العادل لكل من الشيعة والأكراد؟”، “وكم من لغة متداولة في أفغانستان يمكن اعتبارها لغة رسمية في البلاد؟، “وما هو موقف المحكمة العليا الفدرالية في نيجيريا من حكم محكمة تخضع لقوانين الشريعة يقضي برجم الزانية؟”، “وهل يمكن للبرلمان الفرنسي المصادقة على قرار حظر ارتداء الحجاب وبعض العلامات الدينية الأخرى في المدارس العمومية؟” وهذا طبعا إلى جانب تساؤلات عن “خطر إدماج الأمريكيين من اصل إسباني في الثقافة الأمريكية المهيمنة”، وعن “كيفية إنهاء الصراع بين التاميل والسنغاليين في سريلانكا وفي العديد من المناطق الأخرى”.
هل مازالت هناك مجتمعات متجانسة؟
وقد انتهى معدو تقرير التنمية البشرية إلى خلاصة مفادها أن “من حق كل الشعوب أن تحتفظ بهويتها العرقية، واللغوية والدينية”، بل ذهبوا إلى حد القول بأن “الحل الوحيد لتحقيق تنمية مستديمة في مجتمعات مختلطة، هو اعتماد سياسات تحمي وتعترف بهذه الهويات”.
وعند الحديث عن المجتمعات المقصودة في هذا التقرير، يعترف الساهرون على إعداده بأن الأمر “لا يتعلق ببعض الأمم المتعددة الأعراق، لأنه ليس هناك دولة واحدة مكونة من مجتمع متجانس”. فدول العالم البالغ عدها اليوم حوالي 200 دولة، بها أكثر من 5000 مجموعة عرقية، كما أن ثلثي بلدان العالم توجد بها أقلية هامة واحدة على الأقل تفوق نسبتها عشرة بالمائة من مجموع السكان.
يضاف إلى ذلك أن عامل الهجرة الدولية المتنامي، يعمل على توسيع رقعة الدول التي تضم اقليات عرقية ودينية ولغوية. ويشير التقرير مثلا إلى الواقع القائم في كندا وفي بعض دول الخليج حيث تصل نسبة الأجانب في بعض الأحيان إلى مستويات عالية جدا، مما يجعل التواصل مع البلد الأصلي أمرا ضروريا في أبعاده اللغوية والثقافية والدينية.
لذلك يؤكد التقرير أن “هذه التعددية الثقافية ستستمر لا محالة وبالتالي على الدول البحث عن تشكيل الوحدة الوطنية مع وجود هذه التعددية الثقافية”.
وفي الوقت الذي أصبحت فيه العولمة بمثابة إيديولوجيا العصر، يتساءل التقرير: “هل يمكن الاستمرار في فرض معايير موحدة بدون مراعاة للفوارق الثقافية والعرقية والدينية؟”. وهل أن مبدأ “الكونية” لم يعد يقتصر على المجالات المرتبطة بحقوق الإنسان، بل يشمل أيضا التجارة الدولية ونمط الحكم بل حتى أنماط الأكل والشرب والملبس؟ ثم في ظل هذه الأوضاع هل مازال بالإمكان الاستمرار في محاولة فرض “العولمة” وتوسيع مجالاتها بدون مراعاة لهذه التعددية الثقافية التي ينادي بها تقرير التنمية البشرية اليوم؟.
هذا السؤال وجد إجابة عليه من طرف معدي التقرير ولكنه اقتصر على العولمة التجارية فحسب حيث ورد فيه أن “هذه العولمة التجارية سيكون مآلها الفشل إن هي لم تراع احترام وحماية الحريات الثقافية، وإن لم يتم التصدي بحزم لمقاومة التيارات المناهضة لكل ما هو أجنبي لهذه التعددية الثقافية”.
متطلبات الحرية الدينية: جدل مستقبلي؟
على صعيد آخر، أشار التقرير إلى اتهام صادر عن البعض يعتبر أن “الدفاع عن التعددية الثقافية هو بمثابة سياسة للحفاظ على الثقافات بل حتى بمثابة انتهاكات لحقوق الإنسان”، ورد عليه بالإشارة إلى أن التعبيرات التالية: “ثقافة، تقاليد، أصالة، ليست كلمات مرادفة للحرية الثقافية، ولا يمكن الاحتماء ورائها من أجل القيام بممارسات تنتهك حقوق الإنسان”، كما حذر معدو التقرير من “الخلط بين الحرية الثقافية والتعددية الثقافية من جهة، وبين الدفاع عن التقاليد من جهة أخرى”.
وإذا كانت المجموعات الداعية للحفاظ على التقاليد، في نظر معدي التقرير، يسيرها أشخاص “لهم مصلحة في الحفاظ على الوضع بدون تغيير”، فإنهم، فيما يتعلق بالحرية الدينية، يطالبون الحكومات بضرورة “ضمان حرية مواطنيها في ممارسة شعائرهم بدون تمييز”.
ومما يطالب به التقرير بالخصوص في موضوع الحرية الدينية، مثلما جاء في الملخصات المنشورة باللغات الأجنبية (وهو ما حذف لأسباب غير معلومة من الترجمة العربية لملخص التقرير):
– ضرورة منح الجميع الحق في انتقاد، ومراجعة، والاعتراض على التأويل السائد لدى الغالبية فيما يتعلق بمعتقد من المعتقدات.
– ضرورة منح الزعامة الدينية نفس المكانة التي هي لبقية المواطنين.
– السماح لمعتنقي ديانة من الديانات، بانتقاد – بشكل متوازن- للممارسات والمعتقدات الدينية الأخرى.
– السماح بحرية الفرد ليس فقط في انتقاد الديانة التي ولد فيها، بل رفضها أيضا واختيار ديانة غيرها.
ويرى مراقبون أن هذه التوصيات ستثير جدلا وسجالات في العديد من البلدان المعنية (وخاصة في العالمين العربي والإسلامي) وقد تتحول إلى شكل جديد من أشكال المواجهة الفكرية والثقافية في عالم لا ينكر أحد أنه متعدد الثقافات والحضارات رغم اتساع نطاق العولمة المتعددة الأبعاد.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.