المشروع المغاربي فشل لأنه كان نخبويا
يتفق جميع الخبراء على أن تأخير بناء التكامل الاقتصادي بين بلدان اتحاد المغرب العربي، يُكلِّـف كل بلد من بلدانه خًـسارة تُـعادل 2% من النمو السنوي.
وفي ظل تفاقم ظاهرة البطالة، التي تُـؤرق هذه البلدان وتُسبب لها احتقانات وتوترات اجتماعية مختلفة، تلتقي البدائل المطروحة لحل هذا المشكل عند ضرورة زيادة نسبة النمو بنقطتين، لاستيعاب العمالة الإضافية.
بهذا المعنى غدت الوحدة المغاربية اليوم خشبة الخلاص لتلك البلدان، التي تتزايد أمامها التحديات الاقتصادية والاجتماعية في ظل الاستعداد لإقامة مِـنطقة تبادل حُـرّ مع الإتحاد الأوروبي والمُقررة للعام المقبل، بناءً على اتفاقيات الشراكة التي وقّـعت عليها مع الإتحاد اعتبارا من سنة 1998.
ففي هذه المنطقة النامية، التي تحتاج إلى جميع سواعِـد أبنائها، هاجر خمسة ملايين من السكان الذين هم في سِـن العمل إلى أوروبا بحثا عن الشغل، ومن هذه المفارقة، انطلق الأمين العام الأسبق لاتحاد المغرب العربي الأستاذ مصطفى الفيلالي في تقديره للتكلفة التنموية والاقتصادية لتأخير بناء المغرب العربي أو ما بات يُعرف بـ “كلفة اللامغرب”.
واستدل الفيلالي، الذي كان وزيرا في أول حكومة قادها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة بعد استقلال تونس سنة 1956، بإحصاءات أوردها في كِـتابه الضخم “قضية العمل”، الصادر مؤخرا عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، ومفادها أن مِـن بين عشرة آلاف طبيب أجنبي في العاصمة الفرنسية باريس، هناك أكثر من 7000 طبيب جزائري.
خطورة نزيف الأدمغة
وبلغة هادئة بعيدة عن الحماسة العاطفية، شرح الفيلالي لسويس انفو “خطورة النزيف الذي تتعرّض له البلدان المغاربية. فهو لا يقتصر على العمالة الماهرة، وإنما يشمل أيضا العقول والكفاءات العلمية. وفي ظل الهجرة الكثيفة للأدمغة، تساءل الفيلالي عمّـن “سيصنع مستقبل هذه الأوطان بعد هجرة جُند التغيير إلى الغرب”؟
وعزا أسباب الظاهرة إلى غياب ظروف العمل العادية في البلدان المغاربية، مشيرا إلى أن تكوين طبيب واحد في المغرب العربي، يكلِّـف المجموعة الوطنية 155 ألف دولار، “فعندما ندفع هؤلاء إلى الهجرة إلى الخارج، نظرا لانعدام ظروف العمل في الداخل، لا بل انعدام فُـرص العمل أصلا في الفترة الأخيرة، فمعنى ذلك أننا نحن الذين نساعد فرنسا (وبلدانا مصنّـعة أخرى)، وليست هي التي تساعدنا”.
وأضاف الفيلالي، الذي شغل سابقا منصب مدير مركز الدراسات والبحوث الاجتماعية (CERES)، التابع للجامعة التونسية، مُتحدثا عن أوروبا، إننا “نساعدها بتقديم خيرة أبنائنا ليُـساهموا في بناء تقدّمها، فيما نغرق نحن في تبِـعات التخلف”.
“أي تنمية نختار”؟
من هنا، انتقل إلى وضع علامة استفهام كبيرة عنوانها “أي تنمية نختار؟ أهي اقتصاد السوق أم أنموذج العولمة البديلة الذي طالب به المتجمعون في القمة المضادة للعولمة في مدينة بورتو أليغري البرازيلية”؟ ولعل هذا الهاجس هو الذي حمله على اختيار “بناء المغرب العربي، مسؤولية من”؟ عنوانا للورقة المُـهمة التي شارك بها مؤخرا في الندوة التي أقامتها مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات على مدى ثلاثة أيام في العاصمة التونسية، حول محور “كلفة تأخير بناء المغرب العربي”.
وعاد الفيلالي ليُعدَد لسويس أنفو الفُـرص المهدُورة في طريق تحقيق الوِحدة المغاربية منذ مؤتمر طنجة سنة 1958، وصولا إلى إنشاء اتحاد المغرب العربي الذي نشارف اليوم على الذكرى 18 لميلاده في مراكش في شهر فبراير سنة 1989.
واستخلص من هذا المسار المتعثِّـر أن المشروع فشل، لأنه كان نخبويا وغير صادر عن أصحاب القرار، مُركِّـزا على إغفال موقع الشباب والإنسان عموما، مِـما جعل “المُـعوِّقات الباطنية (الذاتية) وذهنية الاستيلاء، أكثر تأثيرا من المُـعوِّقات المُعلنة، وخاصة الخلافات على الحدود.
وتتمثل إحدى المفارقات اللافتة للانتباه التي أفرزها تأخير الوحدة المغاربية في تعميق الهوة التنموية بشكل مطّـرد بين الإتحاد الأوروبي والمغرب العربي، إذ أن الفارق بين المجموعتين بات يعادل 1 إلى 27 في الميزان الاقتصادي العام، مع أن المغاربيين يملِـكون عناصر قوة غير متوافرة لدى الأوروبيين، وفي مقدِّمتها الوحدة اللغوية والثقافية.
كلفة اللا مغرب
ومعلوم أن الإتحاد الأوروبي يحتاج إلى جيش مؤلّـف من ثلاثة آلاف مترجم، وهو يخصص 1.1 مليار يورو سنويا لأعمال الترجمة، أي 1% من موازنته، فيما يدفع كل مواطن أوروبي 2.28 يورو سنويا، مقابل أجور المُـترجمين. كيف تقدّموا إذن، رغم تناقضاتهم، وعجَـز المغاربيون، رغم تجانُـسهم الحضاري واللغوي؟
يكمُـن بيت القصيد في رأي الفيلالي في غياب الإرادة اللاّزمة والكافية لدى القيادات السياسية لبناء وِحدة المغرب العربي، وتأسيسا على تلك الخُلاصة، اعتبر أن المسؤولية مُـلقاة اليوم على عاتق المثقفين، مؤكِّـدا أن الدور الأساسي في ذلك البناء ينبغي أن يكون مَـوكُـولا لهم، قبل المؤسسات السياسية والاقتصادية، بل وقبل صُنَـاع القرار السياسي.
رشيد خشانة – تونس
تم توقيع معاهدة إنشاء اتحاد المغرب العربي بمدينة مراكش بتاريخ 17 فبراير1989 من قبل دول المغرب العربي التالية:
· المملكة المغربية
· الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
· الجمهورية التونسية
· الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى
· الجمهورية الإسلامية الموريتانية
يهدف الاتحاد إلى تمتين أواصر الاخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض.
تحقيق تقدم رفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها. المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف. نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين.
العمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها. وتهدف السياسة المشتركة المشار إليها أعلاه إلى تحقيق الأغراض التالية:
في الميدان الدولي: تحقيق الوفاق بين الدول الأعضاء وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار.
في ميدان الدفاع: صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء.
في الميدان الاقتصادي: تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لهذه الغاية، خصوصا بإنشاء مشروعات مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية في هذا الصدد.
في الميدان الثقافي: إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على كافة مستوياته وإلى الحفاظ على القيم الروحية والخلقية والمستمدة من تعاليم الإسلام السمحة وصيانة الهوية القومية العربية واتخاذ ما يلزم اتخاذه من وسائل لبلوغ هذه الأهداف، خصوصا بتبادل الأساتذة والطلبة وإنشاء مؤسسات جامعية وثقافية ومؤسسات متخصصة في البحث تكون مشتركة بين الدول الأعضاء.
ورد في مذكرة صادرة عن الأمانة العامة لجامعة الدول العربية حول هجرة الأدمغة العربية أن الإحصاءات المأخوذة من الدراسات التي قامت بها جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية ومنظمة اليونسكو وبعض المنظمات الدولية والإقليمية المهتمة بهذه الظاهرة تشير إلى الحقائق التالية:
– يساهم الوطن العربية في ثلث هجرة الكفاءات من البلدان النامية.
– إن 50% من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرجة يهاجرون متوجهين إلى أوروبا والولايات المتحدة، وكندا بوجه خاص.
– إن 54% من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلدانهم.
– يشكل الأطباء العرب العاملون في بريطانيا حوالي 34% من مجموع الأطباء العاملين فيها.
– إن ثلاث دول غربية غنية هي الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تصطاد 75% من المهاجرين العرب.
– بلغت الخسائر التي منيت بها البلدان العربية من جراء هجرة الأدمغة العربية 11 مليار دولار في عقد السبعينات.
(المصدر: مجلــة البرلمــان العــربي، السنة الثانية والعشرون – العدد الثاني والثمانون – ديسمبر 2001)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.