المشهد الفلسطيني.. تغييرات كبيرة مع بوادر الإنشقاق في فتح
انقسمت الكوادر "الفتحوية" في تونس، ثاني مركز لمنظمة التحرير الفلسطينية بعد رام الله، بين تأييد تحركات القدّومي ودعم مبادرة القيادي محمد غنيم، الذي دعا إلى عقد "كونفرنس" حزبي يُـطيح باللجنة المركزية "المترهلة".
الوجوم يُلقي بكلكله الثقيل على وجوه كوادر “فتح” الجالسين في إحدى غرف مكتب التعبئة والتنظيم في شارع معاوية بن أبي سفيان بالعاصمة التونسية، آخر معاقل الحركة خارج الأراضي الفلسطينية.
في الوقت نفسه، كان مسؤولون آخرون من “فتح” أيضا يجلسون في أحد مكاتب الدائرة السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية، غير بعيد عن مكتب التعبئة والتنظيم في ضاحية “المنزه”، في جلسة تلقائية، حول فناجين قهوة للتعليق على ما جرى في غزة والبحث عن قناة للتأثير في مجرى الأحداث، كان الوضع ضبابيا وداكِـنا في لون السُّـحب المنبعثة من دخان السجائر الكثيف في المكتبين الصغيرين.
مثل هذه الجلسات اعتاد عليها الموظفون في دوائر المنظمة ومكاتب حركة “فتح” الفلسطينية منذ أن تجمَّـعوا في تونس بعد مغادرتهم لبنان في سبتمبر 1982.
وعلى رغم أن ما تبقَّـى من منظمة التحرير في العاصمة التونسية بعد الإنتقال إلى غزة في عام 1994، بات أشبَـه بهيكل عظمي، إلا أن تونس لا زالت المركز الثاني لتجمَُّـع القيادات والمؤسسات الفلسطينية خارج فلسطين، ففيها يُـقيم القياديون والكوادر، الذين رفضوا العودة إلى الوطن على قاعدة اتفاقات أوسلو أو الذين رفضت إسرائيل السماح لهم بالعودة، رغم مساندتهم تلك الإتفاقات، وفي مقدِّمتهم فاروق قدومي، أمين سِـر حركة “فتح”، رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير (أبو اللطف) ورئيس أركان جيش التحرير الفلسطيني أبو المعتصم ومحمد غنيم (أبو ماهر)، عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح” ورئيس مكتب التعبئة والتنظيم وآخرون.
مسؤولية دحلان
وفيما كان بعض كوادر “فتح” يعلِّـقون بصيص أمل على تنقُّـلات قدّومي من عمّـان إلى دمشق، حيث وصل ليلة الإثنين والثلاثاء 18-19 يونيو، للاجتماع بقادة الفصائل، أطلق محمد غنيم مبادرة من ثلاث نقاط، حصلت سويس أنفو على فحواها، وهي تقضي أولا، بالدعوة إلى عقد “كونفرنس” لحركة “فتح” (لم يُحدّد مكانه)، وثانيا، بتشكيل لجنة مؤقتة، تنبثق من المؤتمر، تحل محل اللجنة المركزية (التي تقود الحركة منذ تأسيسها في الكويت في سنة 1958)، وثالثا، الإعداد لعقد المؤتمر العام السادس للحركة لانتخاب قيادة جديدة.
ويشن أنصار قدّومي، الذي أعلن مساندته لحكومة “الإنقاذ” برئاسة سلام فياض، هجوما شديدا على قيادات الأمن الوقائي، الذي سبق لقدّومي نفسه أن طالب بحلِّـه في مناسبات عديدة، غير أنه برّأ رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل من أحداث غزة، ربما للمحافظة على قناة حِـوار مع قيادتها.
لكن الواضح، أن غالبية الكوادر يُحمِّـلون مسؤولية انهيار الحركة في غزّة للعقيد محمد دحلان، رئيس مجلس الأمن القومي حاليا ورئيس جهاز الأمن الوقائي في غزة على أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات.
وطالب مسؤول في “فتح”، رفض الكشف عن هويته، في تصريح لسويس أنفو، بمحاسبة دحلان وأمثاله على الهزيمة التي لحقت بأجهزة الأمن، والتي كانت تعد أكثر من 20 ألف عنصر، “إلا أنها انهارت ولم تصمد يوما واحدا أمام عناصر حماس”، كما قال.
أما السفير السابق جمعة ناجي (فتحاوي)، فقد اعتبر أن جُـذور الهزيمة تعود إلى الإنتخابات التشريعية الأخيرة، إذ كان ينبغي على اللجنة المركزية لفتح، حسب رأيه، عقد اجتماع عاجل لتحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصّـرين ووَقف الإنهيار.
وحذر الناجي من انتقال المشاكل إلى الضفة الغربية واحتمال لجوء “حماس” إلى الإغتيالات أو سعي دحلان لـ “الثأر” لهزيمته في غزة، “مما سيفضي إلى سيناريو أسود”.
“السلطة لا تملك أي سلطة”
وتوقف كوادر آخرون تحدثوا لسويس أنفو، عند دلالات عجز الرئيس محمود عباس عن الحصول على إذن من إسرائيل للسماح لثلاث مائة فلسطيني من أسَـر غير غزاوية، لا زالوا عالقين في معبر إريتز بالانتقال إلى الضفة، واعتبروه مؤشِّـرا على أن “السلطة لا تملك أي سلطة”.
ودافع مسؤول في مكتب التعبِـئة والتنظيم على مبادرة غنيم، مُذكرا بأن النظام الداخلي للحركة، الذي تم اعتماده في المؤتمر الخامس (تونس 1988)، ينص على ضرورة اجتماع مؤتمر عندما يتعذر عقد المؤتمر العام للحركة، وشرح أن الكونفرنس يضم وجوها معروفة بولائها ومصداقيتها، بالإضافة إلى العناصر القيادية، وهو يجمع بين 200 و250 شخصا.
والجدير بالذكر أن غنيم، الذي حرص على البقاء خارج الصراعات التي تشق قيادة “فتح”، يتولى رسميا رئاسة اللجنة العليا للتحضير للمؤتمر العام السادس، والتي عقدت اجتماعات عِـدة في الفترة الماضية، غير أن المستجدّات المتلاحقة، حالت دون إتمام عملها، بعدما كان مقرّرا عقد “الكونفرنس” يوم 4 أغسطس المقبل، لكن عناصر فتحوية قالت، إن بقاء غنيم وقياديين آخرين في الخارج، أفسح المجال أمام قيادات شابة كي تبرز في الداخل وتسيطر على مؤسسات الحركة.
وأفاد عضو في المجلس الثوري لفتح (هيئة وسطى بين اللجنة المركزية والمؤتمر العام) مقيم في تونس، أنه عائد من اجتماع الدورة الثالثة والثلاثين للمجلس، التي تمت يومي 8 و9 يونيو الجاري في رام الله برئاسة محمود عباس.
وخصص الاجتماع لدراسة سُـبل إعادة بناء الحركة وتطوير مؤسساتها، وصدر عنه قرار بالمُـضي في الانتخابات الحركية “من القاعدة إلى القمة، وصولا إلى المؤتمر العام السادس، الذي ينعقد قبل نهاية هذا العام”، طبقا لبيان المجلس الذي حصلت سويس أنفو على نسخة منه.
وتجلّـى من خلال استخدام اللائحة لعبارة “الإنتخاب” عشر مرات، أن هناك سعيا لقطع الطريق أمام محاولات تعيِـين أعضاء في المؤتمر من دون انتخابات، وخاصة حين ذكرت اللائحة أن “الإنتخاب هو طريق تجديد شباب الحركة وإتاحة الفرصة لأفضل عناصرها وقاعدتها، لتحمل المسؤوليات في المرحلة القادمة”.
حركة دون زعامة
ويمكن القول أن تباعد المواقف داخل الحركة، وخاصة بين رأسيها محمود عباس وفاروق قدومي، يعكس تراجع دورها وفقدان الثقل الذي كانت تتمتع به في الشارع الفلسطيني في السبعينات والثمانينات.
ويتحدث بعض المراقبين عن تحوّلها إلى أحزاب في ظِـل حالة العداء العلنية بين الجناح الذي يمثله محمد دحلان ورشيد أبو شباك وسمير مشهراوي (وهم أعضاء في مجلسها الثوري)، والجناح الآخر الذي يطالب بمحاسبتهم وحتى بمحاكمتهم.
وكان قادة عسكريون في حركة «فتح»، من بينهم القيادي في كتائب شهداء الاقصى خالد الجعبري (أبو الوليد) اتّـهموا في رسالة نُـشرت قبل فترة، من سيطرة “حماس” على غزة، محمد دحلان بخطف الحركة «تحت ضغوط أمريكية وإسرائيلية، وتعهّـدوا بالعمل على تصحيح مسيرة الحركة واستئصال أي «اعوجاج» فيها.
وقال عدد من قادة كتائب شهداء الأقصى، الذراع العسكري لحركة «فتح»، إنهم يسعون إلى تصحيح الاعوجاج في حركة «فتح»، مؤكِّـدين أنهم ليسوا «حركة منشقة»، وأضافوا «هناك بعض الشخصيات في فتح تتلقى دعماً أمريكيا وإسرائيليا، ونحن ضده»، في إشارة إلى الأموال، التي قرر الكونغرس الأمريكي منحها للرئيس محمود عباس.
واعتبر الجعبري أن «فتح» خُـطفت بوسائل كانت عبارة عن أموال أمريكية وإسرائيلية وغربية، مُـشيرا إلى المنحة التي اقرها الكونغرس الأمريكي أخيرا، وقيمتها 60 مليون دولار، لتعزيز الحرس الرئاسي تدريباً وتجهيزاً، وقال إن هذا «المبلغ كان الظاهر من هذا الدعم، وما خفِـي كان أعظم»، ودلَ هذا الجدل على الفراغ الكبير في الزعامة الذي تعاني منه الحركة، بعدما بقيت من دون قائد منذ رحيل عرفات، إذ لا توجد حاليا شخصية كاريزمية قادرة على تجميع التيارات المتصارعة داخل البيت الفتحوي، ولم يبق من اللجنة المركزية التي انتخبت في المؤتمر الخامس، والذي عُقد في تونس سنة 1988، سوى ثلاثة عشر عضوا غير منسجمين بعد رحيل كل من عرفات وخليل الوزير (أبو جهاد) وخالد الحسن (أبو السعيد) وصلاح خلف (أبو إياد) وهايل عبد الحميد (أبو الهول) وأبو المنذر.
“المياه الحلوة لا تلتقي مع المياه المالحة”
بهذا المعنى، سيكون من الصعب أن تؤدّي سيطرة “حماس” على غزة إلى رأب الصّدع داخل “فتح” والتعجيل بعقد مؤتمرها السادس، المؤجل منذ حياة الرئيس الراحل ياسر عرفات.
وقد شبه العضو القيادي في “فتح”، أحمد حلس، عدم التعايش هذا بقوله «المياه الحلوة لا تلتقي مع المياه المالحة»، في إشارة واضحة إلى عدم التعايش بين التيار، الذي يتزعمه وتيار دحلان.
وكان عدد من قياديي «كتائب الأقصى» عقدوا مؤتمراً صحفياً مؤخرا، لإعلان تأييدهم لما وصفوه بـ «الحركة التصحيحية»، التي يقودها حلس.
ولاشك أن الحديث عن احتمال الإفراج عن أمين سر حركة “فتح” في الضفة مروان البرغوثي سيعمِّـق الشرخ داخل الحركة، والأرجح أن مفاعيل انهيار أجهزة الحركة في غزة، ستساهم في تعميق التفكك وظهور كيانات فتحوية لا علاقة تربط بينها ولا قاسم مشتركا يجمعها، مما ينقلها إلى مرحلة جديدة ويغيِّـر المشهد السياسي الفلسطيني.
تونس – رشيد خشانة
ياسر عرفات (أبو عمار – توفي)
خليل الوزير (أبو جهاد – توفي)
خالد الحسن (أبو السعيد – توفي)
صلاح خلف (أبو إياد – توفي)
هايل عبد الحميد (أبو الهول – توفي)
أبو المنذر (توفي)
محمود عباس (أبو مازن – القائد العام الحالي)
فاروق قدومي (أبو اللطف – أمين سر اللجنة المركزية)
محمد غنيم (أبو ماهر – مسؤول التعبئة والتنظيم)
هاني الحسن (أبو طارق – مسؤول العلاقات الخارجية)
انتصار الوزير (أم جهاد) وأحمد قريع (أبو علاء)
سليم الزعنون (أبو الأديب – رئيس المجلس الوطني، وهو برلمان المنفى)
نبيل شعث
عباس زكي وعبد الله إفرنجي وزكرياء الآغا ومحمد جهاد وصخر حبش (أبو نزار) ونصر يوسف وحكم بلعاوي.
الدائرة السياسية، وهي بمثابة وزارة خارجية منظمة التحرير، وتتنافس مع وزراء الخارجية في حكومات السلطة على السيطرة على السفارات، مما أدى إلى احتكاكات بين قدّومي وكل من نبيل شعث وخلفه ناصر القدوة، ثم محمود الزهار في حكومة حماس الأولى.
دائرة العائدين أو الوطن المحتل، وكان يقودها من تونس أمين عام الجبهة الشعبية الراحل أبو علي مصطفى قبل تعيينه أمينا عاما للجبهة، ثم خلفه عبد الرحيم ملوح، عضو المكتب السياسي للجبهة الذي اعتقلته إسرائيل لا حقا ولا زال في سجونها.
فرع الصندوق القومي الفلسطيني، وقد تم إغلاقه في العام الماضي وإلحاقه بالرئاسة في رام الله.
مكتب التعبئة والتنظيم، التابع لحركة فتح بقيادة عضو اللجنة المركزية محمد غنيم (أبو ماهر)
ويُقدر عدد العاملين في الدوائر الفلسطينية، بنحو 140 كادرا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.