المصالحـــــة اليمنيــــــة
خلّـف قرار الرئيس اليمني، علي عبد الله صالح، بالعفو عن مسؤولين سابقين حُـكم عليهم بالإعدام عقب الحرب الأهلية صيف 1994، ارتياحا واسعا في الأوساط اليمنية.
وجاء هذا القرار بمثابة مفاجأة غير متوقعة للعديد من مراقبي الشؤون اليمنية.
يعود مرد الارتياح اليمني إلى ما سيترتب على هذه الخطوة من انفراج للحياة السياسية، بعد طي ملف هذه القضية التي ظلت تعكر صفو الحياة السياسية طيلة السنوات الماضية منذ حرب انفصال الجنوب.
وفي حين عبرت الأحزاب السياسية اليمنية على اختلاف توجهاتها عن مباركتها وتأييدها لمبادرة الرئيس علي عبد الله صالح، إلا أنها عادت ومعها الشارع اليمني ومختلف المراقبين للشأن اليمني لتتساءل عن خلفية ودوافع المبادرة اليمنية، وعن الدور الذي سيلعبه العائدون من النازحين مستقبلا، لاسيما أولئك الذين كانوا يشغلون مناصب رفيعة في السلطة قبل اندلاع الحرب، أمثال نائب الرئيس السابق والأمين العام للحزب الاشتراكي علي سالم البيض، ورئيس الحكومة حيدر أبوبكر العطاس، ووزير الدفاع هيثم قاسم طاهر.
وتدور معظم تلك التساؤلات بشأن هذه الخطوة التي أقدم عليها الرئيس علي عبد الله صالح، حول توقيت هذا القرار وخلفياته، وحول المواقع التي سيشغلها العائدون من القادة المنفيين بعد عودتهم، وهل ستكون في المعارضة، أم في السلطة؟ وإذا كانت في المعارضة، هل ستكون مواقع من العيار السابق ذاته أم ما دون ذلك؟
تباينت التأويلات والمصالحة واحدة
هنالك تباين في التفسيرات لقرار العفو، ولا توجد أجوبة قاطعة على التساؤلات المطروحة، ويجد المحللون أنفسهم أمام تطورات دراماتيكية تتعدد الإجابات بشأن خلفياتها وأبعادها المستقبلية، على اعتبار أن قرار العفو الرئاسي هذه المرة قد فاجأ الجميع، وجاء على حين غرة دون سابق علم أو تحضيرات معلنة لتسوية ملف القيادات السابقة.
فقد سبق أن أثيرت قضية العفو عن المحكوم عليهم بالإعدام مرارا، خاصة في السنوات الأخيرة مع كل مناسبة لذكرى إعلان الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية، فيما هذه المرة، ومع الاحتفال بالذكرى 13 للوحدة اليمنية، لم تثر هذه المسألة على غرار المرات السابقة إلى أن فاجأ الرئيس اليمني الجميع عشية ذكرى قيام الوحدة بإصداره قرار العفو، وهو ما أدى إلى تضارب المواقف بشأن خلفيات صدوره والتنبؤ بالتطورات المستقبلية لهذا القرار، ما دفع العديد من المتابعين إلى إعطاء تفسيرات متعددة ومتباينة.
فهناك من اعتبر الخطوة اليمنية دليلا على القوة والثقة، اللتين خرج بهما حزب المؤتمر الشعبي العام من الانتخابات العامة الأخيرة بحصوله على أغلبية ساحقة في البرلمان اليمني تمكنه من الهيمنة المطلقة على الحياة السياسية لست سنوات مقبلة، وأن أيا من الخصوم السياسيين لا يشكل أي خطر عليه طوال تلك الفترة.
تأويل آخر يورده المراقبون ويربط بين صدور قرار العفو الرئاسي وممارسة ضغوط أمريكية على السلطات اليمنية دفعتها إلى تصفية هذا الملف العالق بغية خلق فضاء ملائم لبروز قوى مضادة للتيار الإسلامي الذي أخذ يتنامى في اليمن بقوة، خاصة خلال السنوات الأخيرة، وأن وجود قوة موازية لذلك التيار ستؤدي إلى تحجيمه عن طريق قطع الطريق عليه أمام تحالفات يسعى التجمع اليمني للإصلاح إلى إقامتها مع قوى المعارضة الأخرى، خاصة منها الحزب الاشتراكي اليمني الخصم التقليدي للتجمع، والذي برز كحليف رئيسي لحزب الإصلاح خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة التي جرت في 27 إبريل الماضي.
الأوضاع الإقليمية
ويرى آخرون في مبادرة الرئيس اليمني، أن هذه الخطوة جاءت على خلفية التطورات التي عرفتها المنطقة العربية مؤخرا، والتي كانت أبرز تجلياتها الاجتياح الأمريكي للعراق وما أسفر عنه من إعادة خلط للأوراق في المنطقة العربية على نحو حتم على الأنظمة العربية إعادة تريب بيوتها الداخلية على أساس من التوافق والتراضي بين مختلف المكوناته السياسية، وبما لا يترك ذريعة لأي تدخل خارجي في الشؤون اليمنية على غرار ما حصل في العراق.
ويستند أصحاب هذا التفسير إلى أن الخطوة اليمنية كانت ثمرة لتحركات عربية قادتها كل من الإمارات العربية المتحدة ومصر وسلطنة عمان خلال الأشهر القليلة الماضية، لاسيما أن هذه الدول الثلاث يتواجد في أراضيها الجزء الأكبر والأهم من المسؤولين اليمنيين الذين نزحوا إليها عقب حرب صيف 1994 .
ويربط هؤلاء في تحليلهم بين التحركات العربية، التي عرفتها المنطقة عامة، واليمن خاصة خلال الأسابيع القليلة الماضية والتي سبقت الذكرى الثالثة عشرة للوحدة اليمنية، وبين إعلان قرار العفو بحق المسؤولين اليمنيين المحكوم عليهم بالإعدام.
عموما، ردود الأفعال الصادرة عن بعض المعنيين بقرار
العفو كانت واضحة عندما ذهب عدد ممن شملتهم قائمة الستة عشر، ومن خارج تلك القائمة عقب لقائهم بالرئيس اليمني في الإمارات العربية المتحدة يوم 25 مايو إلى تثمين هذه المبادرة، خاصة منها تلك التي وردت على لسان رئيس الحكومة ومجلس النواب السابقين حيدر أبوبكر العطاس، وياسين سعيد نعمان هي بمثابة إشارات واضحة على مدى التجاوب الحاصل مع تلك الخطوة.
الانتخابات العامة حسمت المعادلة
وإذا كان هناك ربط بينها وبين اتباعها بخطوات وقرارات عملية، كما ذهب إلى ذلك الحزب الاشتراكي في أول رد فعل له على القرار، فإن ذلك لا يغير في الأمر شيئا، طالما وأن هذا المسألة عادة ما يقررها الأشخاص العائدون أنفسهم، وخارج الأطر الحزبية، وهو ما حصل بالنسبة لكثير من العائدين من قبل، وآخرهم سالم صالح محمد، عضو مجلس الرئاسة الأسبق الذي اختار أن يحدد موقعه بعيدا عن رغبات وتطلعات الحزب الذي ينتمي له، (الحزب الاشتراكي اليمني).
لهذا، واستنادا إلى السوابق المسجلة في هذا الشأن، وإلى طبيعة التحالفات التي تنشأ عادة بين أطراف النخبة السياسية اليمنية وما يطرأ عليها من تغييرات وتحولات من حين لآخر، فإن المواقع التي سيشغلها المسؤولون اليمنيون متروك أمر تقريرها لهم وحدهم، وهم الذين سيختارون المواقع التي سيكونون فيها مستقبلا.
عبد الكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.