المطلوب.. مـزيـد من التنسيق بين الأجهزة
وجهت لجنة المراقبة الفدرالية انتقادات إلى الحكومة لأسلوب تعاملها مع ملف أحد المشتبه في انتمائه إلى جماعة توصف بالإرهابية.
ورغم وصول التقرير السري إلى أن المخابرات السويسرية حالفها الحظ بالكاد في الإفلات من تهمة الإهمال الجسيم، إلا أنه أصدر توصيات هامة لسد الثغرات الأمنية.
قالت لجنة المراقبة الفدرالية في مؤتمر صحفي عقدته يوم 8 ديسمبر في برن، إن تعامل الحكومة مع ملف محمد أشرف، المشتبه في انتمائه إلى إحدى الجماعات الإرهابية، كان من الممكن أن يتسبب في مشكلة كبيرة للحكومة الفدرالية، وطالبتها بتنسيق عمل جهاز المخابرات بشكل أفضل وأكثر دقة.
وعلى الرغم من أن التقرير انتهى إعداده في منتصف شهر نوفمبر الماضي وتم تسليمه إلى الحكومة الفدرالية في حينه، إلا أن ملخصا له صدر بشكل علني يوم 8 ديسمبر الجاري، وأثار مجموعة من ردود الأفعال تركزت حول أداء الجهاز الأمني برمته والمخابراتي بوجه خاص.
وقد بدأ التقرير بانتقاد تجاهل جهاز المخابرات السويسرية للمعلومات التي أمده بها نظيره الإسباني في عام 2004، بوجود مواطن من أصل مغاربي يدعى محمد أشرف (32 عاما) في سويسرا، تتهمه إسبانيا بأنه عضو رئيس في جماعة إسلامية تخطط للهجوم على قاعة المحكمة العليا في مدريد، واعتبر التقرير أن السلطات السويسرية لم تتعامل بشكل سريع مع هذه البرقية.
ويشير التقرير إلى أنه على الرغم من أن كلا من الشرطة الفدرالية المتخصصة في مكافحة الجرائم وجهاز المخابرات الإستراتيجي (الذي يتركز نشاطه في الخارج) حصلا على معلومات وتقارير حول محمد أشرف من مصادر أجنبية مختلفة، وقاما بإبلاغها مباشرة إلى المخابرات الداخلية، إلا أن تنسيق التعامل مع هذا الملف بين تلك الأجهزة بشكل عملي لم يبدأ إلا بعد اتصال جهاز القضاء الإسباني رسميا بالحكومة السويسرية، على مستوى وزاري يوم 19 أكتوبر 2004، وهو الأمر الذي انتقده التقرير معربا عن الدهشة من التأخر في تبادل المعلومات بين أجهزة المخابرات والشرطة.
وفي ذلك الوقت كان محمد أشرف يقبع في سجن الترحيل التابع لمطار زيورخ (بعد القبض عليه بمحض الصدفة في شهر أغسطس 2004)، تمهيدا لترحيله بعد أن تم رفض قبول طلبه بالحصول على حق اللجوء في الكنفدرالية التي أقام فيها منذ عام 2003 حسب وثائق الشرطة السويسرية.
التنسيق الأمني يتطلب أموالا
هذه الانتقادات تصب في اتجاه واحد هو أن هذا التنسيق الجيد بين مختلف الأجهزة الأمنية سيؤدي إلى سرعة البت في المشكلات الشائكة واكتشاف المخاطر في وقت سريع، لكنه لا يعني بالضرورة أنه هناك إهمالا في أداء تلك الأجهزة لمهامها، بقدر ما يعكس مدى احتياجها لميزانيات أكثر، من أجل توفير الموظفين المطلوبين ورفع كفاءة الأداء على الشكل الذي يجب أن تكون عليه طبقا لتلك التوصيات.
وقد رأت صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” (تصدر في زيورخ) في معرض تعليقها على التقرير بأن أهم الدروس المستفادة منه ربما تكون إعادة النظر في خطة دمج أجهزة المخابرات السويسرية بشقيها الخارجي والداخلي تحت سقف واحد، وبالتالي يتم تسيهل تبادل المعلومات، بدلا من التعامل معها على انفصال تام.
كما اعتبرت الصحيفة أن الظروف الدولية الراهنة تتطلب “تغييرا في ثقافة عمل أجهزة المخابرات، لأن التعامل مع التهديدات الإرهابية لا يعني وضع العراقيل والصعوبات في الطريق، بل التنسيق والتعامل الجيد بين الجهات المختصة”.
أما يومية “لوتون” (تصدر في جنيف)، فقد نظرت إلى تلك التوصيات من زاوية “التكاليف المالية التي يجب على وزارة العدل والشرطة أن تتكبدها”، وذلك على ضوء تصريحات وزير العدل والشرطة كريستوف بلوخر، الذي وجد أن تكاليف مثل هذا التنسيق الإستخباراتي “باهظة”.
وفيما اعتبرت الصحيفة أنه “عند التعامل مع إرهابيين يغيرون من هويتهم بحنكة فلا يجب أن يكون المبرر المالي في مقدمة الأولويات”، وصفت النظام الأمني والاستخباراتي السويسري بأنه “مليئ بالثغرات”، مطالبة الحكومة السويسرية بمعالجته بسرعة حيث أن “ملف محمد اشرف سلط الضوء على مشكلات كانت معروفة منذ وقت بعيد، وحان الآوان لتحرير القيود التي تكبل الخطوات الضرورية لتنفيذها”، حسبما جاء في افتتاحية “لوتون”.
توصيات في الانتظار
في مقابل ذلك، قالت هيلين لويمان، رئيسة لجنة المراقبة البرلمانية، التي أعدت التقرير، بأن الحظ قد حالف سويسرا كثيرا في هذه القضية رغم التحرك المتأخر والبطء في التعامل مع المعطيات والبيانات المتوفرة.
وأكدت السيدة لويمان في المؤتمر الصحفي المنعقد يوم 8 ديسمبر أن هذا الملف لم يترك أسئلة مفتوحة من دون إجابات، يما يعني بأن التعامل معه لا يشوبه الغموض، مشيرة في اكثر من موقع إلى أن التقرير أعطى 4 توصيات موجهة بشكل أساسي إلى وزير العدل والشرطة.
وتنص تلك التوصيات على، أولا: تنسيق أفضل بين المخابرات وبقية الأجهزة الأمنية سواء على الصعيد الفدرالي أو على مستوى الكانتونات، وثانيا: إعطاء المعلومات الإستخباراتية ذات الأهمية والبعد السياسي أولوية في التعامل، وثالثا: سرعة التواصل بين أفراد المخابرات ورئيسهم، لاسيما عندما يتعلق الأمر بمعلومات سياسية، أما التوصية الرابعة فهي ضرورة معرفة السجون السويسرية التي يوجد بها أشخاص مشتبه فيهم بتهم تتعلق بالإرهاب.
أما وزارة العدل والشرطة فقد اكتفت بالتعليق على التقرير بالإشارة إلى أنه “كشف عن أخطاء بين بعض جهات الاتصال في الأجهزة الأمنية، وانه تم علاج جزء منها، والبقية تأتي في الطريق”.
وفيما تضمن التقرير الكامل، الذي تم تصنيفه على أنه “سري”، تفاصيل ما اعتبرته اللجنة خللا في الاتصال بين أجهزة المخابرات المختلفة والشرطة الفدرالية، اكتفى نص البيان المنشور بالقول: “إن التنسيق بين الأجهزة المعنية كان من الأفضل أن يتم بشكل أكثر دقة”.
يشار أخيرا إلى أن الرد الرسمي للحكومة الفدرالية على التقرير، وعلى ما ورد فيه من اتهامات وتوصيات فسوف يصدر في الربع الأول من عام 2006.
تامر أبوالعينين – سويس انفو
22 أغسطس 2004: القت الشرطة السويسرية القبض بالصدفة على المدعو محمد أشرف وأودعته سجن الترحيل في مطار زيورخ – كلوتن تمهيدا لترحيله بسبب عدم حصوله على تصريح بالإقامة بعد رفض السلطات طلب اللجوء الذي تقدم به إلى سويسرا.
19 أكتوبر 2004: أحاط وزير العدل الإسباني نظيره السويسري بأن محمد أشرف خطط للقيام بعملية إرهابية في مدريد.
21 أكتوبر 2004: بدأ المدعي العام الفدرالي تحقيقا مع محمد أشرف في التهم المنسوبة إليه.
28 ينابر 2005: وافقت سويسرا على ترحيل المتهم إلى اسبانيا واعترض محاميه خوفا من ألا تتم محاكمته بشكل عادل في إسبانيا.
13 أبريل 2005: المحكمة الفدرالية العليا في لوزان ترفض طلب أشرف بالبقاء رهن التحقيق في سويسرا.
22 أبريل 2005: سويسرا تسلم المتهم إلى السلطات الإسبانية في مدريد.
اتهم تقرير فدرالي أجهزة الأمن السويسرية بالتقاعس في التعامل مع معلومات استخباراتية هامة، تتعلق بشخص يشبته في أنه مسؤول في جماعة إرهابية، ولولا الصدفة البحتة لكانت المحكمة الإسبانية العليا في مدريد شهدت انفجارا كبيرا، حسب مصادر المخابرات الإسبانية. ويطالب التقرير المخابرات السويسرية بضرورة التعامل بسرعة كبيرة مع المعلومات ذات الثقل السياسي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.