المعركة الأخيرة
لن تنجو غزة هذه المرة، ولا الفلسطينيين سيكونون قادرين على مغادرة ما يُـمكن أن تنتهي إليه المواجهة الدامية بين حركتي فتح وحماس، لاسيما وأن إسرائيل، المحرِّك الأساسي للُـعبة الموت هذه، ومعها آخرون كثيرون، يفضِّـلون أخذ مواقع المتفرجين وانتظار النتائج.
وليس في مقدور طرف آخر، سوى انتفاضة شعبية مفاجئة وغير محتملة، أن تتمكن من التأثير على سير المعركة الحالية في غزة، التي ربما ستكون المعركة الأخيرة على طريق المرحلة الحالية من المِـحنة الفلسطينية.
لا يتطلّـب الأمر التعمُّـق في قراءة الأسباب والظروف الموضوعية، التي يمكن أن تقف وراء ما يحدث حاليا في قطاع غزة، فتصريحات قياديين محليين، فضلا عما يجري على أرض الواقع، كفيل بالإجابة على ما يمكن أن تنتهي إليه الأمور.
وقد بات في حُـكم المؤكّـد أن تستمر المواجهة الدموية هذه المرة بين فتح وحماس إلى فرض طرف نفسه على الآخر أو بالأحرى على المجتمع المحلي في غزة، وعلى هذا الجيب الفلسطيني على شاطئ المتوسط الشرقي، بل أن الطريقة التي تتم بها عمليات القتل والاغتيال والدمار أمام أنظار الأهالي والسكان بهذا الأسلوب الدموي الثأري، وبدون مبالاة، إنما تسجّـل لمرحلة جديدة، سيُـفرض فيها طرف دون الآخر سيطرته على هذا الوضع الفلسطيني المتأزم.
ويبدو أن الأمور تسير باتجاه سيطرة حماس على غزة، لاسيما وأن حركة فتح ومعها الرئيس محمود عباس، رئيس الحركة أيضا، لم يقررا حتى الآن كيفية الرد على هجوم حماس، بل أن ثمة غيابا كبيرا وواضحا لموقف مُـحدد حول كيفية الردّ باتجاه الحسم.
وفي المقابل، فإن حركة حماس، التي أعدت عدتها وعديدها لهذه المواجهة، قد حسمت أمرها ولن تتوقف على الأغلب قبل بسط سيطرتها.
التداعيات
وإذ يتواصل القتال، بالرغم من تهديدات الوسيط المصري، اللواء فتحي حماد بفضح أسماء “المتسبِّـبين”، وبالرغم من قرار حركة فتح الباهتة بتعليق مشاركتها في حكومة الوحدة الوطنية مع حماس، ثمة أمر واحد أكيد يفرض نفسه، مفاده سؤال إلى ما يمكن إن تنتهي إليه المعركة الدموية؟
ولعل المتسبِّـبين كثر أو قلة، لكن الأمر الآن مُـرتبط بالتداعيات المتعلقة بنتيجة المعركة المجنونة الدائرة في غزة، بعدها فقط، ووفقا لنتائج لن تنحصر بإرادة المسيطر من أي الفصيلين، يمكن الإسهاب في أي طريق جديدة ووعرة وشائكة سيتوجب على الفلسطينيين ولوجها.
وفي حال سيطرت حماس على ما تبقى من غزة وأعلنت نفسها المنتصر، فإنها ستتوجه إلى الرئاسة الفلسطينية بعدّة مطالب أساسية، تتمثل أساسا في مشارك، حسب رؤيتها، في مختلف قطاعات القرار الفلسطيني في الداخل والخارج.
ربما تكون مثل هذه النتيجة وهكذا دعوة أمرا بعتيد المنال، لكن الواقع على أرض غزة يتحدّث عن ذلك، لاسيما وأن حماس رفضت الانضمام إلى جلسات الحوار، التي يقودها الوفد المصري، بل إنها لم تعر أي انتباه لتصريحات الرئيس محمود عباس والبيانات الصادرة عن مكتبه والداعية إلى وقف القتال.
ويعكس هذا الموقف من قبل حماس إصرارا على المُـضي في “حسم” الأمر ميدانيا، وترجمة هذا ليست سوى القضاء على قيادات وعناصر حركة فتح، التي اختارت أن تواجه حماس ميدانيا.
ويتعزز هذا الاحتمال مع مختلف التقارير غير المؤكدة، التي تقول إن حركة فتح طلبت إدخال سلاح وعتاد إلى قطاع غزة، في الوقت الذي يقول قيه مراقبون إن حماس تملك كل ما يلزم لإنهاء المعركة لصالحها.
ويبقى كذلك احتمال أن تنتهي المعركة الأخيرة، دون حسم واضح على الأرض، لكن مع اتِّـفاق يمكن أن يكون قد بدأ الإعداد له في الخفاء، يُـعطي لحماس ما تريد وما تطالب به من حصَّـتها في “كعكة ” القيادة الفلسطينية.
ويمكن تعزيز هذا الاحتمال مع الإشارة أن هزيمة واضحة وجلية لحركة فتح أمام حماس، يُـمكن أن تؤدي إلى إرباك كبير، أكبر بكثير من الإرباك الحالي على الساحة الفلسطينية، إضافة إلى أنه لا يمكن التأكيد على ما ستكون عليه المواقف الإقليمية والدولية، وقبل ذلك كله، موقف إسرائيل أمام سيطرة واضحة لحماس على أرض الواقع.
إسرائيل التي ساهم احتلالها، وعلى مدار أربعة عقود في دفع قطاع غزة إلى ما هو عليه الآن، تنتظر نتيجة المعركة التي ساهمت بشكل أساسي في دفعها إلى مراحلها التي وصلتها حاليا.
المفارقة الكبيرة، أن إسرائيل تبدو وأنها تقف موقِـف المتفرِّج، ولكنها في حقيقة الأمر، كانت بفعل سياستها طوال سنين، المحرك الأساسي للمعركة الفلسطينية الحالية.
عامل الضفة الغربية
ثمة عنصر آخر يتوجب الإشارة إليه في هذه المرحلة من المعركة الأخيرة في قطاع غزة، ألا وهو الضفة الغربية، التي تؤثر فيها “عناصر إسرائيلية” أكثر من تلك التي تؤثِّـر في غزة في ما يتعلق بدرجة العنف المحلية الفلسطينية.
إسرائيل لا تحتمل اندلاع مواجهة ماثلة في الضفة الغربية، لاسيما وأنها لا تسمح بإدخال كميات السلاح وأنواعها، التي “غضت الطرف” عنها لسنوات في قطاع غزة، لأمر يتعلق فقط بأمنها مع احتمالات التداعيات المباشرة عليها، لكن ذلك لا يعني بالضرورة منع اندلاع نوع من المواجهات في الضفة الغربية، ولكنها ستكون على الأرجح، أقل فعالية وحدّة وسيكون مصدرها حركة فتح، التي تتفوّق على حماس في الضفة الغربية.
وقد سبق وأن لوح أعضاء وكوادر فتح بإمكانية الضغط على عناصر حماس في الضفة الغربية لتعديل الميزان في قطاع غزة، بل أنه تم تسجيل عمليات اختطاف وإطلاق نار من هذا القبيل.
الأمر الأكيد حتى الآن، يقول إن المواجهة الحالية في قطاع غزة تميل أكثر فأكثر، لا لأن تكون المعركة الأخيرة في الصراع الدائر بين حركتي حماس وفتح، وهو الصراع الذي تحرِّكه تداعيات الاحتلال الإسرائيلي بالأساس وإصرار القوى الدولية وأخرى إقليمية على الاستمرار في معالجة القضية الفلسطينية، وإنها مسألة نزاع وليس احتلال.
هشام عبدالله – واشنطن
غزة (رويترز) – أحكم مقاتلو حركة المقاومة الاسلامية (حماس) سيطرتهم على جزء كبير من قطاع غزة يوم الاربعاء 13 يونيو 2007 بعد معارك بينهم وبين القوات الموالية للرئيس محمود عباس الذي يدعمه الغرب.
وقال دبلوماسيون ان معاونا كبيرا للرئيس عباس أبلغهم ان بعض رجال الرئيس فروا للنجاة بحياتهم وان آخرين نفد ما لديهم من ذخائر وانه بعد خمسة أيام من الاقتتال فان “غزة ضاعت”.
وقال مسؤولون في حركتي حماس وفتح ان عباس ورئيس الوزراء اسماعيل هنية القيادي في حماس اتفقا في اتصال هاتفي على ضرورة حقن الدماء.
ومع تردد أصداء نيران المدافع الرشاشة وقذائف المورتر في المعارك الطائفية قال مسؤولو مستشفيات ان 33 شخصا قتلوا خلال يوم الأربعاء منهم شاب في مظاهرة حاشدة من أجل السلام وتلميذ أُصيب بالرصاص وهو يغادر قاعة امتحانات. وقُتل أيضا موظفان فلسطينيان في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للامم المتحدة (اونروا) غير ان معظم القتلي كانوا محاربين من حركة فتح ومنافسيهم في حركة حماس.
واتهم الجانبان بعضهم بعضا بارتكاب فظائع في المعارك الشرسة التي أودت بحياة 81 شخصا منذ يوم السبت 9 يونيو.
وفي الضفة الغربية الهادئة نسبيا والأكثر سكانا هدد نشطاء فتح بمهاجمة شخصيات حماس وأفسدت مجموعات صغيرة التجهيزات في مبان عامة تديرها حماس.
وقالت محطة تلفزيون فلسطين التي يسيطر عليها عباس في نبأ عاجل في وقت متأخر من الليل ان عباس وهنية اتفاقا على ضرورة إنهاء المعارك والعودة الى لغة الحوار. غير ان مسؤولا في حماس هو سامي أبو زهري قال ان مقاتليهم لن يتراجعوا قريبا.
وقال لرويترز “حملة حماس التي بدأت صباح امس سوف تستمر حتى يعود الهدوء”.
وقال مسؤول في فتح حضر اجتماعا في وقت متأخر من ليل الأربعاء مع عباس ” رجالنا بدأوا هجمات مضادة على مواقع حماس. واستعادوا بعضها”.
وفي وشنطن قال المتحدث باسم البيت الابيض توني سنو انه “سيتعين على الفلسطينيين ان يحددوا سياساتهم وان يختاروا المسار الذي يريدون سلوكه المسار صوب دولتين تعيشان في سلام جنبا الي جنب او ما اذا كانت هذه الفوضى ستصبح مشكلة”.
وفي القدس قالت وزيرة الخارجية الاسرائيلية تسيبي ليفني ان سيطرة حماس على غزة ستثير تساؤلات بشأن “قدرة اسرائيل على التوصل لاتفاقات مع ( عباس) وامكانية تطبيقها” في غزة.
وقال عباس للصحفيين في الضفة الغربية المحتلة التي بقيت الى حد كبير بمعزل عن الاقتتال الداخلي “ما يحدث في غزة هو جنون” وكرر الدعوة الى هدنة.
ودفعت إراقة الدماء في غزة فتح الى إعلان تعليق مشاركتها في حكومة الوحدة الوطنية مع حماس ما لم يتوقف القتال على الفور. وكانت الحكومة قد تشكلت في مارس اذار بوساطة سعودية لمحاولة إنهاء الاقتتال الداخلي وتخفيف العقوبات الغربية على حكومة حماس.
وأحجمت فتح عن الانسحاب الفوري وهي خطوة يمكن ان تقود الى حكم رئاسي بمراسيم لكن هذا قد يوسع الهوة بين الضفة الغربية التي تهيمن عليها فتح وبين غزة.
وقال عزام الأحمد أحد معاوني عباس “اذا كانوا يريدون السيطرة على غزة عسكريا فانهم يدفعون الأمور … نحو حرب أهلية”.
من نضال المغربي
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 14 يونيو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.