المعونة الأمريكية لمصر بين الرفض والقبول
احتدم الجدل مجددا في القاهرة حول ملف المعونة الأمريكية لمصر بعد أن فشلت إدارة الرئيس بوش في الآونة الأخيرة في إقناع الكونغرس بأن تكون المساعدات غير مشروطة بتحقيق تقدم في مجالي الإصلاح والديمقراطية.
وفيما يرى رافضو المعونة أنها “غير مجدية”، وتمثل “ورقة ضغط” يستخدمها اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة، وتمثل نوعا من “الذل والمهانة للحكومة والشعب المصري على السواء”، يؤكد آخرون على أهمية المساعدات لتحقيق التقدم الاقتصادي الذي تسعى إليه مصر.
نقلت وكالات الأنباء من واشنطن تأكيد كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية على عمق علاقات الصداقة الإستراتيجية التي تربط بلادها بمصر، وحرص واشنطن علي استمرار المساعدات الأمريكية لمصر.
وردا علي سؤال لإذاعة بي.بي.سي العربية حول ربط الكونجرس المساعدات لمصر بتحقيق تقدم في مجالي الإصلاح والديمقراطية أوضحت رايس أن الإدارة الأمريكية أرادت أن تكون المساعدات غير مشروطة, وقلنا ذلك بشكل واضح, وحين اتضح عدم إمكان تحقيق هذا عملنا بجهد مع الكونجرس للحصول علي استثناء بالنظر إلي الطبيعة الإستراتيجية للعلاقات مع مصر.
وأشادت رايس بمصر العظيمة التي تمتلك مجتمعا عظيما, واعترفت بأن الحكومة المصرية حققت خطوات إلي الأمام في عملية الإصلاح. واعتبرت ـ في الوقت نفسه ـ أن بإمكان مصر القيام بالمزيد لمنع تهريب الأسلحة عبر الأنفاق إلي قطاع غزة.
من جانب آخر, أكدت رايس ـ التي سترافق الرئيس الأمريكي جورج بوش خلال جولته التي ستبدأ اليوم 9 يناير 2008 بالمنطقة في تصريحات لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية ـ أن الولايات المتحدة علي استعداد لتقديم المساعدة لمصر في مسألة منع التهريب عبر الأنفاق, لكن إرادة التحرك مهمة جدا في هذه الحالة.
ومن جهتها نقلت صحيفة الأهرام القاهرية عن الدكتور مصطفى الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب قوله لوفد أمريكي أن “الشعب المصري لن يعتمد علي المعونة الأمريكية إلي الأبد, وأنه لا يقبل المعونة المشروطة التي تنال من كرامته وكبريائه وأنه لن يركع ولن يجوع اذا توقفت, مشيرا إلي أن ما يزعج الجانب المصري بشأن المعونة هذه المرة هو التدخل الإسرائيلي الواضح ووضع أصابعها في العلاقات الإستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.
وأشارت الصحيفة إلى أن ذلك جاء خلال لقاء اللجنة أمس الثلاثاء 8 يناير 2008 ووفد رفيع المستوي من مساعدي أعضاء الكونجرس الأمريكي, والذي شهد سخونة بالغة بسبب قرار الكونجرس الأخير وضع شروط علي المعونة الأمريكية, وطالب أعضاء اللجنة بعدم معاقبة الشعب المصري الذي يوجه له المعونة بهذا الشكل.
ووعد أعضاء الوفد الأمريكي بنقل رسالة البرلمان المصري إلي الكونجرس, مؤكدين أن قرار الكونجرس لن يؤثر علي استمرار علاقات الشراكة الإستراتيجية بين مصر وأمريكا.
انقسام في صفوف النخبة
وفي سياق متصل، تباينت وجهات نظر عدد من الخبراء المصريين المتخصِّـصين في السياسية والإعلام والإستراتيجية وشؤون البرلمان، حول الموقف الذي يجب أن تتّـَخذه مصر بشأن المعونة الأمريكية، بين الرفض والقبول.
وفي حين علَّـل رافضو المعونة مواقِـفهم بأنها “غير مُـجدية” و”ورقة ضغط يستخدمها اللُّـوبي اليهودي في الولايات المتحدة”، فضلا عن كونها تمثل نوعا من “الذُلّ والمَـهانة للحكومة والشعب المصري على السواء” وأن المخرج من هذه الأزمة، يبدأ بقرار سياسي بإطلاق الحريات السياسية الحقيقية، مُـشيرين إلى أن هذه هي “حُـجة أمريكا” و”مسمار جُـحا”، الذي يجب التخلص منه، حتى لا ندع لهم مبررا للضَّـغط على مصر.
في المقابل، أكَّـد آخرون على أهمية المعونة، للتقدم الاقتصادي الذي تسعى إليه مصر؛ واعتبروا أنها تفتح أمامه أفُـقا بعيدة وقوية، موضحين أنها “ليست مِـنحة أو عطية أو هِـبة من الولايات المتحدة لمصر، وإنما جاءت طِـبقا لمعاهدة (كامب ديفيد) السلام بين مصر وإسرائيل الموقَّـعة عام 1979.
وقد استطلعت سويس إنفو آراء (الفريق المطالب برفض المعونة) مثل: المفكر الإسلامي فهمي هويدي، الكاتب بصحيفة “الأهرام” والدكتورة منار الشوربجي، أستاذة العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية والكاتب الصحفي مصطفي بكري، رئيس تحرير جريدة «الأسبوع» المستقلة والنائب في البرلمان المصري، و(الفريق المطالب بالإبقاء عليها) مثل: اللواء دكتور عادل سليمان، مدير المركز المصري للدراسات المستقبلية والدكتور عبد المنعم سعيد، مدير مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، والخبير الاستراتيجي اللواء محمود خلف.
المعونة= ذل + تبعية
وفي البداية، يرى فهمي هويدي أن: “المعونة هي جزء من الضغط الأمريكي الذي تمارسه لصالح إسرائيل، وأي بلد محترم، لا يجب أن يعيش على معُـونات الخارج، فليست هناك معونة بلا مقابل”، معتبرا أن “قرار الكونغرس الأخير يُـعَـدُّ إنذارا شديد اللَّـهجة لمصر، بضرورة الاعتماد على مواردها وسواعِـد أبنائها، ورفْـض التَّـعويل على جِـهات لها حساباتها السياسية ومخططاتها التآمرية”.
ويقول هويدي: “الكونغرس لا يتحدث من تلقاء نفسه، ولابد أن وراءه جِـهات سيادية أمريكية إسرائيلية خطَّـطت لهذا القرار، للضغط على مصر فيما يخُـص مراقبة الحدود والمشاركة في حصار حركة “حماس” في غزة، مشيرا إلى أن ما يردده البعض من أن الإدارة الأمريكية ستجهض القرار “كلام فارغ”، فكلا من “أمريكا وإسرائيل لا تتصرّفان بمعزل عن الأخر”.
ويوضح هويدي أن هذا “القرار هو ورقة ضغط رعاها اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة وأصدره الكونغرس، للحصول على خدمات دون مقابل، ثم يأتي البيت الأبيض ليُـعلن ببراءة الثعلب أنه غير موافق، وبالتالي، يتوقَّـف القرار، لكن هذا في حالة تقديم مصر للتنازلات التي تريدها أمريكا وإسرائيل”، مؤكِّـدا أن “مصر ليس أمامها خيار لرفض تلك الضغوط، كما أنها في حاجة للوقت الذي تستغني فيه عن المعونات الخارجية لتبدأ بالاعتماد على مواردها”.
وتتفق د.الشوربجي مع هويدي فيما ذهب إليه وتضيف أن “القانون الأمريكي يُـعطي لوزيرة الخارجية حقّ تقديم طلب للكونغرس، تشهد فيه بأن تنفيذ القرار يضر بالأمن القومي فيتم وقف تنفيذ القرار لمدة قد تصل إلى 6 أشهر”، وتضرب مثالا على ذلك، بما حدث مع “قرار الكونغرس بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، حيث تقدّم الإدارة الأمريكية هذه الشهادة كل 6 أشهر لوقف تنفيذ القرار”، مشيرة إلى أنه “سواء نجحت الإدارة الأمريكية في وقف القرار أم لم تنجح، فإن هناك رسالة تمّ إرسالها بالفعل إلى مصر، تقول: إن المعونة الأمريكية لمصر أصبحت مشروطة”.
وتقول الشوربجي “لقد انتظرنا طويلا، فهذا الموضوع يناقش في الكونغرس منذ عام 2004، والقرارات في الكونغرس تمرر بشكل تراكُـمي. فعندما عُـرض هذا الاقتراح في المرة الأولى على لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب، تمّ رفضه، وفي المرة الثانية، تمّ تمريره في اللجنة، لكنه رُفِـض في المجلس ليخرج بقرار من المجلس هذه المرة”.
وتنصح بـ “التعامل مع الأمر بجدية وعدم وضع البيض كلّه في سلّة واحدة، والتفكير في انفتاح سياسي حقيقي، حتى لا يبقي هذا الأمر هو نقطة الضعف التي يتم من خلالها الضغط علي مصر”، وتختتم بالقول: “علينا أن نُـدرك أن الإصلاح السياسي أداة في يَـد السياسة الخارجية الأمريكية، ولابد من التعامل معه على هذا الأساس وأن نعمل على إبطال هذه الأداة بتحقيق الديمقراطية الحقيقية”.
وبنفس منطق هويدي والشوربجي؛ أوضح بكري، أن “حجم المعونة الأمريكية منذ كامب ديفيد (1979) وحتى الآن، وصلت إلي 60 مليار دولار، بينما الدّخل السنوي لقناة السويس بمفردها، يبلغ حوالي 4 مليارات دولار سنويًا”، ويضيف متسائلا: “ماذا يحدث لو خصَّـصنا رُبع أو نِـصف دخل قناة السويس لرفع الذلّ والمهانة، التي تمثلها المعونة الأمريكية لمصر؟!”
ويقول بكري في تصريحات خاصة لسويس إنفو: إن “المعونة فعليا تقلَّـصت لتصل في مجموعها إلي 1،3 مليار دولار للمعونة العسكرية و415 مليون دولار للمعونة الاقتصادية، والولايات المتحدة وضعت خطَّـة زمنية لتقليص المعونة تدريجيا لتنتهي فعليا في عام 2010، وهذا يعني أنه لابد من رفض الشروط التي تفرضها هذه المعونة، مقابل الرُّضوخ للمطالب الأمريكية، التي تمثل تدخلا سافِـرا في السياسة المصرية، داخليًا وخارجيًا”.
ويؤكد أن “البلد الذي استطاع أن يجمع 97 مليار جنيه (الدولار= 5.52 جنيها) من حصيلة الضرائب في عام واحد ولديه دخول من النفط والغاز الطبيعي والسياحة و…إلخ، قادِر أن يصمُـد ويرفُـض ويستغني عن تلك المعونة المُـذلَّـة”، لافتا إلى أن “هناك أكثر من 200 مليار جنيه قروضاً لرجال أعمال، تمّ تهريبها خارج البلاد”.
المعونة= مصالح + توازنات
ورغم اتفاق سليمان مع بكري في التأكيد على أن المعونة الأمريكية ستنتهي في عام 2010، إلا أنه يُـشير إلى أن ذلك “يعني أن الاستغناء عنها أمر مفروض ومطروح”، مشددا على أن “التخفيض الذي يحدُث سنويا على المعونة، لابد أن نجد له بديلا من مواردِنا العادية، فالمعونة ليست أبدية، لكن يجب أن لا نرفضها”.
ويقول سليمان “يجب على مصر أن ترفُـض المعونة، إذا استشعرت أنها تمَـس بسيادتها أو تمثل أي إهانة لكرامتها أو أنها تلزمها بالتبعية للقرارات الأمريكية”، مؤكدًا على أنه “من الطبيعي أن يخضع توزيع المعونة للِـجان فنية معنية بالأمر، تكون تابعة للحكومة”، وأن يتم “التوزيع وِفقا للشَّـكل الذي تحتاجه مصر، وليس الذي يخدِم المصالح الأمريكية فقط”.
ويختلف سعيد مع هويدي في عدم التعويل على قيام الإدارة الأمريكية بوقف تنفيذ القرار، ويضيف: “القرار ليس نهائيا حتى الآن، ولا زالت هناك مساحة أمام الإدارة الأمريكية للتأثير خلال عرض القرار على مجلس الشيوخ، كما أن من حق الرئيس الأمريكي استعمال الفيتو ضد القرار، وعندها، يتم إعادة الأمر مرة أخرى للسلطة التشريعية”.
ويوضح سعيد أن “التأثير على قرار مجلس الشيوخ أسهل من مجلس النواب، حيث أن عدد أعضائه لا يزيد على المائة، بينما يزيد عدد أعضاء مجلس النواب على 500 عضوا، كما أن مجلس الشيوخ أكثر اهتماما بالسياسة الخارجية ولا يخضع لتأثير جماعات الضَّـغط والمصالح، مثل مجلس النواب، ومن الممكن هنا أن تتحدث الإدارة الأمريكية عن المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة مع مصر”.
ويعترف سعيد بأن “موضوع المعونة أصبح أمرا يعكِّـر صَـفو العلاقات بين البلدين وبأن مصر لا تحتاج لهذه المعونة، ومن الممكن الاكتفاء بالتعاون التجاري بين البلدين، الذي يبلغ أضعاف المعونة الاقتصادية”، مشيراً إلى أن “50% من الاستثمارات الأجنبية في مصر، أمريكية، وهذا النوع من التعاون مبني على الحسابات التجارية البحتة، ولا تؤثر فيه عوامل أخرى”.
ويرجع سعيد سبب التلويح الأمريكي بقطع المعونة واستخدامها كورقة ضغط على مصر، إلى “قضية الأنفاق التي تحفرها حماس على الحدود مع قطاع غزة”، مشيراً إلى أن “التأثيرات السلبية، ستتخطى العلاقات مع الولايات المتحدة إلى العلاقات مع الدول الأوروبية كلها، ورغم هذا، فهناك حالة صمْـت تجاه هذه المسألة في الإعلام المصري، ولا يوجد من يتحدّث عن تأثير حماس السَّـلبي على الأمن القومي المصري وتهديدها لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل”.
ويكشف سعيد على أن “مصر بذلت جهودا كبيرة للتأثير على القرار منذ فترة طويلة، وأنها نجحت في تقليل المبلغ المقتطع من المعونة، حيث يتم استقطاعه مناصفة بين المعونة العسكرية والاقتصادية، على الرغم من أن الاقتراح الأول كان باستقطاعه كاملا من المعونة العسكرية”.
ورغم مشاركته الرأي كلا من سليمان وسعيد، إلا أن خلف يبدأ حديثه رافضا الكلام عن “منع المعونة الأمريكية” ويقول إن “هذا السيناريو افتراضي وغير مقبول”، مشيرًا إلى أن “المعونة ليست شيئاً شخصياً”، وأن “معطيات اتخاذ القرار للأمن القومي، تختلف عن معطيات الأفراد”.
ويرفض خلف الآراء القائلة بأن “المعونة الأمريكية مِـنحة أو عطية أو هِـبة من الولايات المتحدة لمصر”، ويضيف: “المعونة جاءت طِـبقا لمعاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل، وذلك لأن الإدارة الأمريكية كانت تُـزوِّد إسرائيل بشكل مُـستمر بالسلاح والمعونات، مما يتيح لها تكرار العدوان على مصر، ومن خلال المعونة الأمريكية تمَّـت المحافظة على توازن الرّدع بين مصر وإسرائيل بالحدّ المعقول والمقبول”.
ويوضح خلف أن “رفض المعونة لا يعني نقض الاتفاقية، ولكن المعونة هي تكمِـلة للاتفاقية، لكن المعروف أن العلاقات الدولية لا يتم التعامل معها بنظرية “أبيض أم أسود”، وليس هناك دولتان تتطابقان في وجهات النظر، فهناك اتفاق واختلاف، ويجب أن نتمسك بنقاط الاتفاق”، مؤكدًا أن قرار الرفض غير منطِـقي، كما أن واشنطن لا تستطيع اتخاذ قرار بوقف المعونة بكاملها.
وقال خلف: “أي منطق يقول أن نتنازل عن مليار و6 ملايين دولار، في ظل الظروف الاقتصادية التي نمر بها؟ ومن أين سنحصل على السلاح، وسوق التسليح في العالم مرتبطة بالعلاقات السياسية؟! وختامًا؛ وأياً كانت الآراء المتباينة، فإنني لا أعتقد أن أخذ قرار بشأن “رفض” المعونة مسألة عسيرة على الرئيس مبارك “بطل” الطلعة الجوية الأولى في انتصار أكتوبر المجيد، غير أن هناك توازنات ومصالح دولية لابد وأن تُـؤخذ في الاعتبار، فليس الأمر بهذه البساطة والسذاجة التي يراها المعارضون، كما أنه ليس بهذه الصعوبة التي يراها من يُـمكن وصفهم بأنهم “ملكيون أكثر من الملك”، وفي كل الأحوال تبقى حرية وسيادة مصر فوق كل اعتبار”، على حد قوله.
همام سرحان – القاهرة
بدأت قصة المعونة الأمريكية لمصر مع وصول الرئيس الأمريكي جون كندي للبيت الأبيض في ستينيات القرن السابق، حيث قام بإرسال رسالة للرئيس جمال عبد الناصر يبلغه فيها أنه قرر منح مصر معونة قدرها 40 مليون دولار أمريكي سنوياً، عربوناً للصداقة، وقد كانت المعونة عبارة عن فائض المنتجات الزراعية الأمريكية.
وفى عام 1955 تقدمت أمريكا وبريطانيا بعرض لتمويل السد العالي، عن طريق إمداد مصر بنحو 70 مليون دولار لتمويل المرحلة الأولى من السد، وبمساعدة أمريكا، تمكنت مصر من الاتفاق مع البنك الدولي للإنشاء والتعمير على قرض بقيمة 20 مليون دولار، لكن أمريكا سحبت تأييدها لمصر وكذلك العرض بعد اتجاه عبد الناصر لشراء أسلحة من المعسكر الاشتراكي، كما جمدت الأرصدة المصرية في البنوك الأمريكية كردّ فعل لتأميم قناة السويس وأوقفت إمداد مصر بالأدوية اللازمة لعلاج جرحى العدوان الثلاثي ووقف برنامج CARE الخاص بتقديم وجبات غذائية لنحو 3 ملايين تلميذ، ولم تفرج الإدارة الأمريكية عن الأموال المصرية، إلا بعد التوصل لاتفاق نهائي للتعويض بين مصر وحملة أسهم قناة السويس.
وفى عام 1962 في عهد الرئيس الأمريكي جون كيندي تم التفاوض بين مصر وأمريكا على عدد من الاتفاقيات، بلغت قيمتها 670 مليون دولار تم توجيهها لاستيراد السلع الأمريكية، خاصة القمح والزيت والدخان وتمويل مشروعات السكة الحديد.
لكن في عام 1963، رفض عبد الناصر مطالب أمريكا بتعهد مصر بعدم إنتاج أسلحة ذرية وعدم الاستمرار في إنتاج الصواريخ مع منح أمريكا حق التفتيش على مصر، للتأكد من ذلك، بالإضافة إلى مطالب الإدارة الأمريكية بخفض عدد قوات الجيش، فرد الكونغرس الأمريكي بالموافقة على قانون يقضى بمنع المعونات الأمريكية عن أية دولة تقوم أو تستعد لعمل عسكري ضد أمريكا أو ضد أي دولة تتلقى مساعدات أمريكية (إسرائيل).
وفى يناير 66 عادت المعونة الأمريكية لمصر في شكل اتفاقية بقيمة 55 مليون دولار واشترطت أمريكا خفض إنتاج القطن. وفى ذلك الوقت، كانت مصر تبادل القطن بالسلاح الروسي ورفضت مصر ذلك وتوقفت المعونة مرة أخرى.
وفى أكتوبر 67، وافق مجلس الشيوخ الأمريكي على إجراء تعديل في برنامج المعونة الخارجية، يقضى بقطع المعونة عن أي دولة تقطع علاقاتها الدبلوماسية بها، وكانت مصر قد قطعت علاقتها بالولايات المتحدة في أعقاب حرب 1967 وتوقفت المعونة الأمريكية.
وفى فترة حكم الرئيس السادات وبعد انتصار أكتوبر 1973 والدخول في مفاوضات فض الاشتباك في معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية ومعاهدة كامب ديفيد، شهدت العلاقات المصرية – الأمريكية تحولا كبيرا بدأ عام 1974 بعودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وأمريكا، والتي توقفت بعد حرب 1967، وجاءت العودة أثناء الجولة الرابعة لوزير الخارجية الأمريكي (آنذاك) هنري كيسنجر في الشرق الأوسط.
وفى أعقاب عودة العلاقات الدبلوماسية، وافق بنك الاستيراد والتصدير الأمريكي في يناير 1974 على منح مصر قرضا وضمانات تصل إلى 100 مليون دولار لتمويل إنشاء خط أنابيب البترول، كما وافق بنك تشيسى مانهاتن على عرضين بتحويل متوسط الأجل بقيمة 80 مليون دولار.
وفى عام 1975، صادق الرئيس الأمريكي فورد على قانون المعونات الخارجية الأمريكية لعام 75 وبلغ نصيب مصر منها 250 مليون دولار، وأثناء جولة كيسنجر الثانية، تم التوقيع على أول عرض ضد برنامج المعونة الأمريكية بقيمة 80 مليون دولار لمصر، تستمر المعونة الأمريكية في الارتفاع لتصل إلى 2.1 مليار دولار معونة عسكرية و815 مليون دولار معونة اقتصادية، بعد توقيع كامب ديفيد ومعاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية.
واستمرت المعونة الأمريكية لمصر بهذا المعدل إلى عام 1998، حيث تقرر تخفيض المعونة الاقتصادية بمعدل 5% سنويا بدءً من عام 1999 لمدة عشر سنوات، مع الإبقاء على المعونة العسكرية دون تغيير حتى عام 2008- 2009، ثم يعاد النظر بعد ذلك في المعونة الأمريكية لمصر.
واقترحت أمريكا تكوين هيئة أو صندوق بين مصر وأمريكا في نهاية مدة التخفيض، يكون بديلا عن المساعدات الأمريكية لمصر.. وتحاول أمريكا تحويل المعونة إلى شراكة مصرية – أمريكية، إلا أن المفاوضات المصرية – الأمريكية لم تتمكن حتى الآن من توقيع اتفاقية الشراكة.. ومن غير المتوقع التوصل إلى هذا الاتفاق قبل نهاية المدة المحددة لإعادة النظر في المعونة الأمريكية.
وقدرت المعونة الأمريكية لمصر خلال الـ 30 عاما السابقة، بنحو 30 مليار دولار، ولم تتلق مصر منها نقداً، سوى مبالغ ضئيلة، بينما حققت الولايات المتحدة لنفس الفترة فائضا تجاريا مع مصر بلغ نحو 45 مليار دولار، ولم تزد قيمة الصادرات المصرية للولايات المتحدة على 6.7 مليار دولار، بينما بلغت الصادرات الأمريكية لمصر أكثر من 55 مليار دولار، وقد ساعد برنامج المعونة على فتح السوق المصرية للسلع الأمريكية التي أصبحت لها الأفضلية، رغم ارتفاع أسعارها عن مثيلاتها الآسيوية.
وكشف تقرير لوزارة التخطيط المصرية أن حوالي 40 % من المعونة الأمريكية لمصر طوال السنوات الـ 26 الماضية أو ما يعادل 6.8 مليار دولار من أصل 25 ملياراً، تذهب لشركات أمريكية في صورة استيراد سلع وخدمات من أمريكا وأن الصافي النهائي الذي تحصل عليه مصر، لا يزيد على ثلث إجمالي المعونة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.