المغرب.. استنفار وحالة تأهّـب
يدخل المغرب من جديد في لعبة الإرهاب وتعيش مدنه أجواء حرب، أعلنتها الدولة قبل عدّة أشهر، ونفّـذها شابّـان في مقهى للإنترنت في أحد الأحياء الهامشية في مدينة الدار البيضاء.
البلاغات الرسمية شرّعت، كما هي العادة في المغرب، الأبواب أمام التحليلات والأخبار المستندة إلى تقديرات وتوقّـعات أكثر من استنادها لمعلومات مدقّـقة، لتُـصبح إشاعات تتداول بسرعة البرق وتثير حالة من التوتر.
فبعد أسابيع من إعلان السلطات الأمنية المغربية أن هجمة إرهابية، تستعِـد جماعات أصولية ترتبط بتنظيمات خارجية لشنِّـها في عدد من المدن المغربية ضد أهداف اقتصادية خدمية وسياحية أو مراكز ومصالح أجنبية، خرج سكّـان حي سيدي مومن الفقير مساء الأحد 11 مارس لمعرفة مصدر انفجار هزّ الحي الذي انطلق منه 14 انتحاريا يوم 16 مايو 2003 لشنّ هجمات ضدّ فندق ومطعم وناديين ومقبرة، أسفرت عن 45 قتيلا من بينهم 13 انتحاريا، إضافة إلى عشرات الجرحى.
البلاغ الرسمي تحدّث عن عِـراك بين الانتحاريين عبد الفتاح الرايدي ويوسف الخودري سبق تفجير الرايدي حِـزامه الناسف، ليقضي على نفسه ويجرح رفيقه وثلاثة من روّاد المقهى، وأعلنت فيما بعد عن ضبطها كِـميات كبيرة (قالت بعض المصادر إنها قد تصل إلى 200 كلغ) من المتفجرات أو المواد الأولية لصناعتها واعتقالها 18 شخصا والبحث عن ستة آخرين على علاقة بمنفِّـذي التفجير.
السجن حقل خصب للتطرف
البلاغات الرسمية شرّعت، كما العادة المغربية، الأبواب أمام التحليلات والأخبار المستندة إلى تقديرات وتوقّـعات أكثر من استنادها لمعلومات مدقّـقة، لتُـصبح إشاعات تتداول بسرعة البرق وتدفع البلاد إلى حالة من التوتر، لدرجة أن مسؤول أمن الدار البيضاء حذّر من “مبالغات” تتّـسم بها التقارير، التي نُـشرت حول هذا التفجير.
وقال المختار البقالي القاسمي إنه “خلافا للشائعات والأخبار التي بثتها بعض وسائل الإعلام، والتي أشارت إلى حجز كِـمية ضخمة من المتفجرات، فإن الأمر لا يتعلّـق في الحقيقة إلا بكمية قليلة لمنتوجات مُـتداولة في السّـوق المحلية، مثل عُـلب الكبريت وبطاريات لأجهزة التحكّـم عن بُـعد أو لأجهزة الراديو ومنتوجات ذات أصل كيميائي، خصوصا مادة “الأسيتون”، التي تُـستعمل كسماد فلاحي، أن هذه المنتوجات لا تُـعطي مفعولا انفجاريا إلا عند مزجها.
ومنذ إعلان الجماعة السلفية للدعوة والقتال الجزائرية التحوّل إلى تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” كذِراع لتنظيم القاعدة، الذي يتزعمه أسامة بن لادن، واتِّـساع أهداف هجماته لتشمل دول المغرب العربي، أعلنت السلطات المغربية الاستنفار العام ورفعت حالة التأهُّـب في صفوف أجهزتها الأمنية ونشرت بلاغات وتقارير رسمية عن مُـلاحقتها لناشطين متشدّدين يستعدّون لشنّ الهجمات، وأرفقت بلاغاتها بصُـور بعض هؤلاء.
السلطات المغربية حرصت منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك على تقديم نفسها كطرف مُـستهدف من الجماعات الأصولية المتشددة، وأنها طرف فاعل في الحرب على الإرهاب، وبدأت خطوتها الأولى في تقديمها لثلاثة شبّـان سعوديين (أطلقت عليهم صِـفة الخلية النائمة)، كانوا ينتمون لتنظيم القاعدة في أفغانستان، وبعد 11 سبتمبر والاحتلال الأمريكي لأفغانستان، لجأوا إلى المغرب للاستقرار والاختفاء عن أنظار الأجهزة الأمريكية وأجهزة بلادهم.
ووجدت السلطات المغربية في هؤلاء صَـيدا ثمينا، لتُـقدِّم نفسها كهدف لتنظيم القاعدة وتعلِـن نفسها شريكا في الحرب الكونية على هذه الظاهرة. وبعد سنتين من المحاكمات، لم تُـدِن المحكمة هؤلاء إلا بتُـهم تتعلّـق بالإقامة غير الشرعية في البلاد والانتماء إلى تنظيم غير شرعي.
كان المراقبون في حيرة حول هدف السلطات المغربية من هذه المُـبالغة حول الشبّـان السعوديين وما قالته عن الأهداف التي كانوا يُـخطِّـطون لضربها، دون أن يجدوا الجواب في هجمات 16 مايو 2003 بالدار البيضاء، ومبالغة السلطات في اعتقالات كل من تحُـوم حوله الشبهة، ليصل عدد الذين استدعوا للتحقيق إلى أكثر من عشرة آلاف شخص، وقُـدِّم للمحاكمة أكثر من ألفين منهم، وليشكِّـل هؤلاء في السجن حقلا خَـصبا للجماعات المتشدِّدة لتستقطبهم وتدفع بهم للذهاب بعيدا في تطرّفهم، يُـمارسونه حال خروجهم من السِّـجن، بالطريقة التي تسمح لهم الظروف بها.
التهميش.. عدو أول
عبد الفتاح الرايدي، أحد هؤلاء المستقطبين، دخل السجن على خلفية هجمات 16 مايو وعمره لا يتجاوز 19 عاما وحُـكِـم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات، أمضى منها سنتان ليخرج بعفو ملكي. ويقول شكيب بن موسى، وزير الداخلية المغربي، إن الرايدي “عمل منذ شهر نوفمبر على التّـخطيط لمشروعه الإرهابي من خلال تنظيم يضُـم معتقلين سابقين ينحدرون من حي سيدي مومن بالدار البيضاء”.
وطرحت حالة عبد الفتاح الرايدي سؤالا، كان قد طُـرح في يوليو الماضي، حين أعلنت السلطات عن تفكيك شبكة أنصار المهدي، التي يتزعمها حسن الخطابي، المعتقل السابق على نفس الخلفية، والذي أفرج عنه بعفو ملكي أيضا، والسؤال هو “هل أن السِّـجن يُـسهِّـل أمام الجماعات الأصولية المتشدِّدة عملية الاستقطاب”؟
لكن السؤال الأهم، الذي تكرر بعد تفجير مقهى الإنترنيت، يتوجّـه نحو تسرع السلطات في إطلاق أحكام وخلاصات حول الهجمات وأهداف المهاجمين فور وقوعها، إذ أن التصريحات الأولى التي أطلقها مسؤولون أمنيون، وتبعتهم التسريبات الصحفية قبل أن يبدأ التحقيق مع يوسف الخودري، الانتحاري الذي بقي حيا، أكّـدت أن المنفِّـذين على علاقة بتنظيمات خارجية وعلى أن مقهى الإنترنت ليس هو هدف المهاجمين وأنه حادث عرضي، وذهبت التصريحات والتقارير إلى تحديد هذه الأهداف بفنادق فخمة ومطاعم ومراكز الشرطة.
هذه التصريحات والتقارير، إما أنها تصدر أحكاما مسبقة أو توحي وكأن المصرحين على عِـلم مُـسبق بالهجمات، وهو ما وقع بُـعيد الإعلان عن تفكيك الخلية النائمة لتنظيم القاعدة، حيث عقد النائب العام مؤتمرا صحفيا قال فيه، إن هدف الخلية كان “سُـفنا أمريكية وبريطانية في مضيق جبل طارق”، وفي اليوم التالي، أضاف لها “ساحة الفنا السياحية بمدينة مراكش وحافلات نقل الركاب”.
السؤال الآخر، الذي يطرح عن علاقة هذه التفجيرات بالانتخابات التشريعية، المقرّر إجراؤها في شهر سبتمبر القادم، خاصة وأن الإعلان عن الخلية النائمة سبق تشريعات 2002، وسبقت هجمات الدار البيضاء 2003 الانتخابات البلدية، وسبقت كل هذه الانتخابات تقارير واستطلاعات تُـشير إلى إمكانية اكتساح التيارات الأصولية لهذه الانتخابات، نظرا لنشاطاتها الاجتماعية والخدمية في الأحياء المهمّـشة والفقيرة، التي تشكِّـل حقلا خصبا لاستقطاب الانتحاريين.
من جانبها، أولت الصحف المغربية اهتماما خاصا بهذه الأحياء وأوضاعها، خاصة وأن السلطات، إثر هجمات 16 مايو 2003، وعدت سكّـان حي سيدي مومن بعِـناية خاصة لأوضاعهم، إلا أن السكان يشكُـون من أن هذه الوعود “ذهبت أدراج الرياح”.
محمود معروف ـ الرباط
الرباط (رويترز) – بعد يوم واحد من الهجوم الانتحاري الذي نفذه عبد الفتاح الرايدي بتفجير نفسه في مقهى للإنترنت في الدار البيضاء، ربط مسؤولون وخبراء في المغرب بينه وبين شبكة إرهابية إسلامية جيّـدة التنظيم على مستوى المنطقة. لكن أياً كان من دفع الرايدي إلى تفجير نفسه، فإنه كان على عِـلم تام بأن أحياء منطقة سيدي مؤمن هي المكان الأمثل للعثور على أشخاص على أتم الاستعداد للموت في سبيل قضية.
وتفوح روائح نتنة من المجارير المفتوحة وتلال القمامة المتناثرة إلى جوار الكوخ الصغير، الذي عاش فيه الرايدي مع خمسة من إخوته. ويقول جيرانه إن عدداً قليلاً من أبناء الحي لديهم عمل منتظم، ولقاء دراهم معدودة يقضي الشباب في المنطقة وقتهم في مقاهي الانترنت في إقامة علاقات عاطفية أو الحديث إلى أصدقاء لهم، نجحوا في الفرار إلى أوروبا مستخدمين أوراقاً مزورة. ومثل هذه الاتصالات السهلة تعني كذلك أن قادة الجماعات الإسلامية المتطرفة بوسعهم إغراء أعضاء جدد وإصدار أوامر لهم، دون الحاجة حتى للوجود داخل البلاد.
ويقول أستاذ علم الاجتماع عمران عبد الرحيم إنه لا يمكن إنكار تأثير التقدم في وسائل الاتصال في المنطقة، ويضيف “لكن أكثر ما يستوقفني أن أحداثاً كهذه تنشأ وسط ظروف الفقر والطفولة الصعبة وفقدان الأمل”.
وتفيد تقديرات رسمية أنه بين عامي 1994 و2002 فقدت الدار البيضاء 50 ألف وظيفة في القطاع الصناعي مع استمرار نمو عدد السكان بنحو 100 ألف نسمة في العام الواحد، في حين تحتاج المدينة إلى 250 ألف مسكن. وفي سعيها لإعادة الأمل إلى منطقة سيدي مؤمن، تهدف الحكومة لتحسين مستويات المعيشة وخلق وظائف جديدة في القطاع الخاص.
وغير بعيد عن الحي، الذي عاش فيه الرايدي، ترتفع وحدات سكنية رخيصة تتوفر فيها خدمات الصرف الصحي والأمن والدفء. وفي الضواحي الجنوبية للدار البيضاء، تهدف منطقة أعمال جديدة لخلق وظائف من خلال تقديم خدمات معاونة ومراكز اتصال للشركات الأوروبية. ومثل هذه المشروعات، إلى جانب استنكار سكان سيدي مؤمن لما جرى يوم الأحد، قد يكون أفضل سلاح لدى الحكومة في حربها المعلنة على الإرهاب، والتي يزيد من تعقيدها الهيكل الفضفاض وغير الواضح للعدو.
لكن محمد توزي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الحسن الثاني في الدار البيضاء لا يعتقد أن هذه الجهود ستؤتي ثماراً، إن تم وضع الموقف برمته بين أيدي الجهات الأمنية، ويقول “ما من شأنه إحداث فارق حقيقي هو توفر إرادة صلبة في المجتمع لاحتواء هذا النشاط”.
وتحركت قوات الأمن سريعاً لاعتقال المشتبه بهم في أعقاب انفجار الأحد، مخافة أن يحاول أعضاء الشبكة التي انتمى إليها الرايدي الانتقال إلى مدن أخرى، واعتقلت الشرطة تسعة أشخاص في عمليات دهم يوم الأربعاء 14 مارس في أحياء الدار البيضاء وصادرت متفجرات.
وأعرب المسؤولون عن خشيتهم أن تكون الخلايا في المغرب تسعى للاندماج مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر المجاورة، وهي الجماعة التي غيرت اسمها في يناير الماضي إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، ويمكن لمثل هذا الاندماج أن يوفِّ،ر لشبكة القاعدة العالمية موطئ قَـدم في المنطقة للوصول منها إلى أوروبا وإفريقيا، جنوب الصحراء.
ولم يتّـضح بعد ما إذا كان الرجال الذين تتعقبهم الشرطة حالياً على صلة بجناح تنظيم القاعدة في الجزائر، لكن المحللين يقلِّـلون من احتمالات أن الرايدي كان يحصل على الأوامر عن بُـعد من قيادة القاعدة. ووصل بعض المحللين إلى حد القول أن فكرة وجود حركة إسلامية متطرفة في المغرب، ربما تم تضخيمها من قِـبل الحكومات العِـلمانية في المنطقة، في محاولتها التصدّي للصعود المتنامي للأحزاب الإسلامية الأكثر اعتدالاً.
ويقول ماغنوس روستورب، خبير الإرهاب في كلية الدفاع الوطنية السويدية “أي من هذه الأحداث يمثل أزمة وخطراً وفرصة للتحرك ضد جماعات معارضة بعينها”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 14 مارس 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.