المغرب – الجزائر: زوبعة في فنجان؟
أبدت الدبلوماسية الجزائرية اشمئزازها من الحملة الإعلامية الشرسة التي تعرضت لها الجزائر من قبل الصحافة المغربية وبعض المسؤولين المغاربة.
ومثلما كان متوقعا كان رد الصحافة الجزائرية شرسا على نظيرتها المغربية، غير أن السؤال يظل قائما: “هل هي معركة حقيقية، أم مجرد زوبعة في فنجان”؟
تساءل الكثير من الجزائريين عن ماهية “الحشود العسكرية الضخمة” التي أمر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بتكديسها قرب الحدود الشمالية مع المغرب، مثلما أكدت هذا الخبر معظم الصحف المغربية.
غير أن الإجابة على هذا السؤال تبقى مسألة بالغة الصعوبة، على اعتبار أن الحدود بين البلدين معظمها قواعد برية أو جوية، ولا يمكن وصف تحركات هذا الطرف أو ذاك، لأسباب تنظيمية أو غيرها، بأنها حرب على الطرف الآخـر.
والواقع، أن الرد الرسمي الصادر عن وزارة الدفاع الجزائرية كان مقنعا للمقتنعين بتوجهات الدولة الجزائرية حيال المغرب، كما كان مُـقنعا أيضا للمشككين في جدية الخلافات الجزائرية المغربية، طيلة السنوات العشر الأخيرة، حيث يؤكد المحلل السياسي غمراسة عبد الحميد لسويس إنفو أن “الأزمات الوهمية كثيرة بين البلدين، وهي تحمل صفة أساسية تتمثل في الحملات الإعلامية وتبادل الاتهامات خلال فترة قصيرة نسبيا، ثم تعود الأمور إلى وضعها الطبيعي” حسب قوله.
أما لماذا يحدث هذا التراشق الآن، فيجيب غمراسة عبد الحميد: “أعتقد أن سوء تقدير المغرب لانزعاج الجزائر من تقاربها مع الولايات المتحدة، التي اعتبرتها حليفا استراتيجيا خارج حلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى العلاقات الفرنسية المغربية التي يمكن وصفها بأنها أحسن من علاقات الجزائر بفرنسا، كل هذا أدى إلى احتقان وحرب دبلوماسية دولية، كان من نتائجها موازنة التقدم المغربي في علاقاته بأمريكا وفرنسا عن طريق اعتراف جنوب إفريقيا بجمهورية الصحراء الغربية”.
أجـواء “مُـغـبـرة”
ومن ناحيته، يرى المحلل السياسي منير بوجمعة أن المغرب يعيش أزمات داخلية حادة، وغضبا شديدا عبّـر عنه القصر الملكي بسبب فوز الرئيس بوتفليقة بعهدة رئاسية ثانية.
ويضيف منير بوجمعة قائلا: “يعتبر الإسلاميون الآن قوة مهددة للقصر الملكي في المغرب، وأوضاع البلاد الاقتصادية في أسوإ حالاتها. كما أن خطأ توقعات القصر الملكي بشأن عدم انتخاب بوتفليقة لفترة رئاسية ثانية، أدّى بالملك محمد السادس إلى ترك بعض جنرالات الجيش الملكي كي يشنوا حملة مسعورة على الجزائر” حسب قوله.
هل يمكن بالفعل وصف ما يجري بأنه مؤامرة منظمة من أحد الطرفين؟
هناك من يؤكّـد هذا التوجه. ففي الجزائر على الأقل، يُـشكّـك مقربون من وزير الخارجية عبد العزيز بلخادم، في أن الهدف من الحملة المغربية هو ضرب استقرار المؤسسة العسكرية الجزائرية، التي تسعى لتحديث تجهيزاتها، في إشارة إلى اتهامات الصحافة المغربية للجزائر، بدفع المنطقة نحو سباق تسلح محموم بعد أن تم اقتناء 50 طائرات من طراز ميغ 29 روسية الصنع.
وتؤكد نفس المصادر أن الحملة المغربية “غريبة”، لأن صفقة الطائرات معروفة لدى العام والخاص، وأي مصالح استخبارات تحترم نفسها، يمكنها معرفة التفاصيل من أي مصدر شاءت.
ووسط هذا الجو المغبر، أكّـد وزير الخارجية عبد العزيز بلخادم أن الجزائر “لم تحشد جيشها على الحدود مع المغرب، وأنها لا تريد رهن العلاقات الثنائية بسبب ملف”، في إشارة إلى مسألة الصحراء الغربية.
كما أكّـد الوزير الجزائري في المقابل أن مسألة الصحراء هي “من ثوابت الدبلوماسية الجزائرية”، التي تعتقد أنها تدخل في إطار تصفية الاستعمار. ودعا بلخادم الطرف المغربي إلى “التحاور حول المشاكل الثنائية المتعلقة بتهريب المخدرات، وضعف التبادل التجاري والثقافي بين البلدين”.
السن والخبرة
يتأكّـد من خلال هذه التصريحات أن أمام كل مغربي ينتقد الجزائر، جزائري آخر يقابله باتهامات مماثلة، وأن كل المسؤولين المغاربة، مدنيين أو عسكريين، لهم أخا توأما في الجزائر، والعكس بالعكس.
إذ يجب أن نتذكّـر أن الجزائر، بمسؤوليها وصحافتها، شنّـت حملة مماثلة على المغرب في أواسط تسعينات القرن الماضي، واتهمت الجارة الغربية باستغلال الوضع الداخلي الصعب المتمثل في المواجهة مع الجماعات المسلحة، لشراء أسلحة جديدة تهدد استقرار الجزائر، ويجب أن نتذكّـر مدى النجاحات الدبلوماسية التي حققها العاهل المغربي الراحل الملك الحسن الثاني.
فبعد أن أقنعت الجزائر، في السبعينات والثمانينات، عشرات الدول الإفريقية والآسيوية بالاعتراف بجمهورية الصحراء الغربية، فكّـك الملك الحسن الثاني كل تلك الجهود، وجعل الدبلوماسية الجزائرية عاجزة فاقدة المصداقية. واليوم، ربما يعيد التاريخ نفسه من خلال شخص الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي هو من جيل الحسن الثاني، ويبز خصمه في المغرب سنا وخبرة.
على صعيد آخر، تُـظهر مباريات دبلوماسية وصحافية مدى الذكاء والخبرة التي يُشك أنها توظف في موقعها الصحيح، لدرجة أن محمد يعقوبي، المعلق الصحفي في يومية “الشروق العربي”، كتب يقول مؤخرا: “يطرح المغرب نفسه وسيطا أساسيا بين محاور القوة في العالم وبلدان الشمال الإفريقي، لكن هذا البلد عاجز حتى عن انتقاء عباراته الدبلوماسية اللبقة في علاقته مع الجزائر، والجزائر تسعى في حل مشاكل القارة الإفريقية، وهي عاجزة عن تسوية علاقتها مع المغرب”.
ويضيف محمد يعقوبي: “هذا التشخيص، وهذه الغوغائية والفوضى في تبديد الجهد واللف والدوران، تكشف مدى الأزمة التي أصبح يعانيها مشروع الاتحاد المغاربي، بينما تشق كل تكتلات العالم طريقها إلى التوحد والقوة.. المسافة لا تزال بعيدة لبناء مغرب عربي موحد كما كان يحلم به محمد الخامس وفصائل الحركات الوطنية في الجزائر وتونس والمغرب”.
أسئلة أوروبية حرجة
ليس هناك أي غموض في أن اتحاد المغرب العربي ضُرب في الصميم من خلال الأزمة الجزائرية المغربية الحالية، حيث بدا الأمر وكأن زعماء المنطقة لا يهمهم قوة مختلف التكتلات في أرجاء العالم المختلفة، وتأثير ذلك على أوضاعهم الداخلية.
ولحد الآن، لم تلاحظ حركات غاضبة أو قلقة من الاتحاد الأوربي، وخاصة من برلمانه الذي يملك حرية أكبر في قول ما يشاء، ويُتوقع مراقبون أن تكون للزيارة الفاشلة للرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى الصين، والاستثمارات القليلة التي فازت بها الشركات الفرنسية، آثارا كبيرة على مواقف النواب الأوروبيين الذين يرون المغرب العربي يختصم لأسباب غير مقنعة، في حين أن سوقه واعدة بعشرات المليارات.
هناك من الملاحظين من يعتقد جازما أن زوابع الفناجين التي يثيرها الجزائريون والمغاربة، ستجلب عليهم ذل الإجابة على أسئلة أوروبية حرجة، تتعلق بعدم فهم مسألة الاستقرار الداخلي لمنطقة المغرب العربي، وأثرها على جنوب أوروبا.
أما مسألة الصحراء وجبهة البوليزاريو، فقد أثبت المغاربة عجزهم التام عن حلها، وقد يكون من الأحسن ترك أشباه الحلول بيد الأمم المتحدة التي تحرس وقف إطلاق النار بين المغرب والجزائر منذ أكثر من 22 عاما عبر بعثة المينورسو.
لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن بوتفليقة سياسي بارع، وجنرالات جيشه ضباط أصحاب دهاء واضح، كما ثبت بما لا يدع مجالا للشك أيضا، أن محمد السادس قد رُبّـي على نفس منوال والده، وجنرالات جيشه بنفس حنكة زملائهم الجزائريين.
غير أن هذا لم يؤدّ لا إلى حل أزمة الصحراء، ولا إلى استعادة سبتة ومليلية إلى أحضان المغرب العربي، ويعلق محمد يعقوبي على هذا الوضع قائلا: “لم يكتف القادة المغاربيون بالرتابة والسلبية والركود، بل يجنح بعضهم إلى إدخال المنطقة في حروب أهلية قد تنسف الأخضر واليابس، وتجعل الأجيال القادمة في حل من أنظمة تتودد للأجنبي ولا تُحسن سوى طعنات الظهر في علاقاتها البينية، وتتفنن في استعداء بعضها البعض ونشر ثقافة الكره والعداوة بين شعوب المنطقة” على حد قوله.
هيثم رباني – الجزائر
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.