المغرب العربي بين فشل السياسيين ومحاولات النخب وممارسات المواطنين
كانت الآمال عريضة عندما وقع الحكام الخمسة في مدينة مراكش عام 1989 على وثيقة تأسيس اتحاد المغرب العربي. حصل ذلك قبل عشرين سنة قد خلت. أما اليوم، وقد اختفى ثلاث من هؤلاء الحكام، لم يبق من ذلك المشهد الاحتفالي سوى الحسرة على مولود لا يزال في غرفة الإنعاش، حتى لا نصدق من يقول بأنه قد ولد ميتا.
فهل يعني ذلك أن توحيد هذا الجزء من شمال إفريقيا فكرة طوباوية من العبث الاستمرار في التعلق بها؟ مؤشرات عديدة تحيلنا إلى مفارقة بل مفارقات لافتة للنظر.
بالنسبة للقادة السياسيين والهيئات الحاكمة في الدول الخمس، يلاحظ بأن جميعهم يقرون بأن الارتقاء بمستويات التنسيق المغاربي يشكل ضرورة، ويعزز مصالح الجميع، ويعطي للمنطقة وزنا اقتصاديا وسياسيا على الصعيدين الإقليمي والدولي. جميعهم يتمسكون باتحاد المغرب العربي، ويؤكدون بأنه اختيار استراتيجي، ويحتفلون بذكرى تأسيسه.
كما يستمر عقد الاجتماعات الوزارية، بما في ذلك وزراء الخارجية المغاربيين الذين اجتمعوا مع نهاية شهر ديسمبر 2009 بالعاصمة الليبية طرابلس، وأعلنوا عن استكمال الجوانب الفنية المتعلقة بتأسيس بنك التنمية والاستثمار والتجارة الخارجية الذي تم الاتفاق حوله قبل.. عشرين عاما . كذلك تستمر اللقاءات بين الخبراء في مختلف المجالات، والأغرب هو عدم توقف إصدار القرارات وإعداد الدراسات عن مشاريع وبرامج مشتركة، لكن معظمها لا يزال حبرا على ورق. والسؤال: لماذا الاستمرار في تكرار نفس السياسة رغم غياب الإرادة الفعلية لبناء هذا المغرب الموحد ؟
لن يجرأ أي مسؤول سياسي، بما في ذلك قادة هذه الدول على الإعلان بأن تحقيق المغرب العربي هو مهمة مستحيلة. حتى العقيد القذافي الذي رفض رئاسة الاتحاد عندما آلت إلى ليبيا حسب آلية التداول السنوي التي اعتمدت، وقرر في مرحلة سابقة أن يدير ظهره لهذا المشروع عندما بدا له أن توحيد إفريقيا هدف أقرب وأيسر من توحيد العرب أو المغاربة، عاد من جديد لينادي بضرورة تفعيل اتحاد المغرب العربي.
إنهم يعرفون جيدا حجم الخسائر الناتجة عن حالة الشلل التي يعاني منها هذا الاتحاد، والتي قدرها الرئيس بن علي بحدود 2 بالمائة من نسبة النمو السنوي، أي في حدود 16 مليار دولار سنويا حسب مصادر صندوق النقد الدولي، الذي أشار إلى أن معظم هذه الخسائر يتكبدها الاقتصاد المغربي والجزائري. إنه وجه من وجوه التخريب الذاتي.
الغربيون.. يحثون المغاربيين على الإتحاد
من التطورات الهامة التي حصلت خلال السنوات الأخيرة وفرضتها تداعيات العولمة، أن تحقيق الوحدة بين دولتين عربيتين أو أكثر كان في الستينات أو السبعينات يعتبر عملا استفزازيا (بل عدوانيا) من قبل الدول الغربية، أما اليوم فمن المفارقات أن تصبح هذه الدول حريصة على تطوير صيغ التعاون الإقليمي وتطويرها.
فالبنك الدولي ثمن في الفصل الأخير من تقريره عن التنمية في العالم 2009، تبني العمل على”تعظيم فرص التكامل، سواء على المستوى الإقليمي، من خلال دول الجوار، أو من خلال التكامل الدولي”، واعتبر أن التكامل الإقليمي مع دول الجوار يمثل “مدخلاً لتعظيم فوائد التكامل الدولي”. وكذلك فعل صندوق النقد الدولي الذي طالب بفتح الحدود ورفع الحواجز الجمركية، وشجع على قيام سوق مغاربية مشتركة للسلع والبضائع والاستثمارات.
كذلك نادى زعماء أوروبا منذ قمة برشلونة الثانية سنة 2005 بضرورة تحقيق تقدم في المشروع المغاربي، نظرا لأهمية ذلك في إطار الرؤية الإستراتيجية لبناء فضاء أوروبي متوسطي متكامل. ولا يختلف الموقف الأمريكي من هذا التوجه الداعم للمشروع المغاربي، خاصة على الصعيد الاقتصادي.
النخب والمواطنون.. يتحركون
القطار المغاربي واقف في محطة الانطلاق، لكن الجميع بما في ذلك الذين يمسكون بمقود القيادة يتظاهرون بأنهم ينتظرون أن يتحرك القطار. ولعل ذلك يعود إلى ما يمثله المغرب العربي من حلم جماعي، ولد وترعرع قبل استقلال دول هذه المنطقة وتحديدا في مؤتمر طنجة الشهير (1958) الذي مرت على ذكرى انعقاده واحد وخمسون سنة، واستمر هذا الحلم يداعب وجدان الأفراد والشعوب بعد الإستقلال عن فرنسا وقيام الدول الوطنية.
ومن المفارقات التي تلفت الانتباه، أنه في اللحظة التي بقي فيها السياسيون الرسميون يواصلون الدوران في حلقة شبه فارغة، استمرت النخب والشعوب ووسائل الإعلام في تمسكها بهذا الفضاء الجامع جغرافيا وثقافيا وشعبيا. بل إن الاقتراب من تفاصيل المشهد يؤكد بأن جزء هاما من السكان يمارسون على الأرض فكرة الانتماء إلى إطار جغرافي مترابط، رغم العوائق وأجواء الحرب الباردة المستمرة بين أهم شريكين في هذا الفضاء.
في نوفمبر 2009، عندما تنافست الجزائر ومصر على الترشح لكأس العالم في كرة القدم، وحدثت تلك المواجهة الغريبة والمتوترة بين الطرفين، فوجئ المراقبون بمساندة جمهور كل من تونس والمغرب للجزائر، وهو ما أكد وجود “عصبية مغاربية”. وباستثناء المعبر الحدودي الرابط بين المغرب والجزائر الذي لا يزال مغلقا بسبب القرار الجزائري، تشهد العواصم المغاربية حركة انتقال واسعة وممتدة لمواطني البلدان الخمسة.
فتونس لوحدها تستقبل سنويا حوالي ثلاثة ملايين سائح يترددون عليها من الجزائر وليبيا، وهو ما ساعد على إنقاذ الحركة السياحية التونسية خلال السنة الماضية نتيجة تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن السائح الجزائري على سبيل المثال يتميز بدرجة عالية من نسبة الإنفاق، مقارنة بالسائح الأوروبي. كما أن الليبيين دعموا بشكل كبير القطاع الصحي التونسي بفضل إقبالهم المتزايد على المصحات الخاصة. ويكاد جزء حيوي من سكان الجنوب الشرقي للبلاد التونسية يعتمدون في تحقيق الحد الأدنى من استقرارهم الاقتصادي على ارتباطهم بالسوق الليبية. ولهذا السبب أصيب الكثير منهم بصدمة عندما راجت أخبار في يناير الماضي حول قرار طرابلس فرض التأشيرة على جميع العرب بمن فيهم التونسيين وبقية مواطني دول المغرب العربي.
على صعيد آخر، لا يكاد يمر أسبوع إلا وتنعقد مؤتمرات وندوات علمية وثقافية واقتصادية وجمعوية ذات طابع مغاربي. ويمكن القول بأن جزءا واسعا من الجامعات والمراكز البحثية والمؤسسات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني تكاد تنشط بعيدا عن أجواء السياسة المشحونة، ولم تعد تضع في حسبانها خلافات الحكومات. فالجامعيون والخبراء والباحثون والنشطاء الجزائريون يشاركون بكثافة في مختلف التظاهرات التي ينظمها زملاؤهم في مدن الرباط والدار البيضاء ومراكش وطرابلس ونواكشوط وغيرها دون أي إشكال.
اهتمام وسائل الإعلام
رغم أن البعض أصبح يرى في الحديث عن المغرب العربي خطابا مُملا وبلا جدوى، إلا أن وسائل إعلام عديدة لا تزال ترى فيه قضية من قضايا الساعة. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى صدور مجلة في تونس تحت عنوان “المغرب الموحد” لصاحبها السيد إسماعيل بولحية الذي رأى في مبادرته “مغامرة.. لكنها ليست معاكسة لحركة التاريخ” حسب اعتقاده. وقد صدر من هذه المجلة خمس أعداد تنوع كتابها من جميع دول هذه المنطقة.
كذلك، ونظرا لهذه الخصوصية، فقد حافظت قناة الجزيرة القطرية على النشرة المغاربية التي أطلقتها قبل أكثر من سنتين رغم الصعوبات السياسية التي واجهتها ولا تزال. ويعود ذلك إلى إدراك إدارة هذه الفضائية المؤثرة في المنطقة العربية بأهمية الجمهور المغاربي الذي ناهز عدد أفراده 100 مليون نسمة.
وفيما يعترض كثيرون على سياسة قناة “نسمة تي في” الخاصة التي تبث من تونس، لكن إطلاقها جاء كمحاولة لاستثمار هذا الفضاء الجغراسياسي المتميز. وقد سمحت برامج هذه القناة التي تعتمد على خليط هجين من اللغتين العربية والفرنسية للجمهور بالتعرف عن كثب على جزء من رموز الفن والثقافة والرياضة الناشطين داخل هذا الجزء الحيوي من العالم العربي أو خارجه. من جهتها، تهتم قناة “ميدي 1 سات” التي تبث بالعربية والفرنسية من طنجة شمال المغرب الأقصى بمتابعة مختلف التطورات في بلدان الشمال الإفريقي وتحرص على تقديم نفسها بـاعتبارها “القناة الإخبارية للمغرب العربي الكبير”.
النقابيون والمحامون والأطباء والرياضيون والناشطون الجمعويون عموما أسسوا في الأعوام الأخيرة اتحادات وهياكل مشتركة حركت بعض السواكن رغم كل شيء. كما أن نشطاء حقوق الإنسان لم يتخلفوا بدورهم عن الركب وأسسوا فيما بينهم بتاريخ 30 مارس 2006 هيكلا أطلقوا عليه “التنسيقية المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان” التي تشكلت من 14 منظمة حقوقية من جميع دول المنطقة، وجعلوا من أهدافها ” تعزيز التضامن والتعاون بين أعضائها في نضالهم من أجل النهوض وحماية حقوق الإنسان في شموليتها “. وقد عقدت التنسيقية آخر اجتماع لها يومي23 و 24 أكتوبر2009، في العاصمة الموريتانية نواكشوط صدر عنه بيان طالب بـ ” فتح الحدود بين الجزائر والمغرب وإلغاء العمل بنظام التأشيرة بين المغرب وموريتانيا”.
القطاع الخاص.. والجزائر “المفتاح”
كذلك الشأن بالنسبة لممثلي القطاع الخاص، الذين كثفوا بدورهم من فرص التشاور والتلاقي، حيث اجتمع سبعمائة منهم بالجزائر خلال شهر ماي من السنة الماضية ضمن فعاليات الملتقى الأول لرجال الأعمال والمستثمرين بدول المغرب العربي، وذلك بمبادرة من “الاتحاد المغاربي لأصحاب الأعمال”، وطالبوا في بيانهم الختامي الذي أطلقوا عليـه (إعلان الجزائر) بـ “تكثيف المبادلات في مجال السلع والخدمات وتطوير الإستثمارات البينية “، حيث أن الجزء الأكبر من التجارة البينية بين دول المنطقة لا زال يتم عبر دول الإتحاد الأوروبي.
ومن الأمثلة التي يضربها البعض للكشف عن درجة العناد التي تطغى أحيانا على سياسة الحكومات، أن حجم واردات المغرب من جارته الجزائر المصدرة للبترول في مجال المشتقات النفطية لا يتجاوز خمسة بالمائة، في المقابل “تستورد الجزائر بدورها أقل من 1% من صادرات المغرب الغذائية، فيما تستورد نحو 5 بلايين يورو من السلع الغذائية من أوروبا وبعضها أنتج في المغرب. ويخسر البلدان معا بين 5 و6 بلايين دولار سنويا بسبب الحواجز الجمركية المعقدة وإغلاق الحدود وغياب تشريعات متناسقة”.
إجمالا، يمكن القول بوجود اتفاق (أقله بين قطاعات واسعة من النخب المغاربية) حول عدد من المسائل الخاصة بهذه المسألة. أولها أن المغرب العربي حتمية تاريخية وضرورة اقتصادية. وثانيها أن تعمق الممارسة الديمقراطية في هذه الدول، من شأنه أن يعجل في تفعيل المشروع. وثالثها أن القيادات السياسية المغاربية قد فشلت في الوفاء بما وعدت به عندما أسست اتحاد المغرب العربي عام 1989. ورابعها أن أي خطوة جدية لتفعيل الإتحاد تمر حتما عبر الجزائر.
صلاح الدين الجورشي – تونس
غرناطة (اسبانيا) (ا ف ب) – دعا رئيس المجلس الاوروبي هرمان فان رومبوي الاحد المغرب الى تحقيق “المزيد من التقدم في احترام القيم الاساسية وحقوق الانسان”، وذلك خلال القمة الاولى بين الاتحاد الاوروبي والمغرب المنعقدة في غرناطة (جنوب اسبانيا).
ولدى تعرضه الى نزاع الصحراء الغربية قال فان رومبوي ان الاتحاد الاوروبي يدعم مساعي الامم المتحدة “من اجل حل عادل ودائم ومقبول من الطرفين”.
واعرب المسؤول الاوروبي عن “الامل ايضا في تحسين وضع حقوق الانسان والمدافعين عنها”.
وشدد فان رومبوي على انه وجه خلال قمة الاتحاد الاوروبي والمغرب رسالة “واضحة وبدون لبس” في هذا الصدد.
وتعتبر الرباط الصحراء الغربية، المستعمرة الاسبانية سابقا التي ضمتها سنة 1975، جزءا لا يتجزأ من اراضي المملكة وتقترح منحها حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها.
لكن جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، تطالب باستفتاء لتقرير المصير يشمل خيار الاستقلال.
واغتنم انصار البوليساريو هذه القمة الاولى بين الاتحاد الاوروبي والمغرب لتنظيم قمة مضادة في غرناطة بتظاهرة حضرتها الناشطة امينة حيدر التي اضربت عن الطعام 32 يوما في نهاية 2009 احتجاجا على طردها من الصحراء الغربية من قبل السلطات المغربية.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 7 مارس 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.