المغرب: “لا للغلاء، نعم للحياة الكريمة”
اختتم يوم الأحد 8 أكتوبر في المغرب الأقصى أسبوع من الإحتجاجات التي نظمت تحت شعار: "لا للغلاء، نعم للحياة الكريمة".
من جهة أخرى، تخوض السلطات معركة شرسة ضد مظاهر فساد سياسي واجتماعي واقتصادي، وتُراهن على نتائجها للدفع في عملية التنمية من خلال تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية لإنعاش الاقتصاد.
يخوض المغرب معركة شرسة ضد مظاهر فساد سياسي واجتماعي واقتصادي، ويُـراهن على نتائجها للدفع في عملية التنمية من خلال تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية لإنعاش الاقتصاد، الذي تنعكس عليه أزمات مخَـاض التحوّلات السياسية والاجتماعية التي تعرفها البلاد منذ تولّـي الملك محمد السادس العرش صيف 1999.
وإذا كانت الأزمة تتمثل بالنسبة للمواطن في تصاعُـد أرقام البطالة والفقر، فإنها تجسّـدت في الآونة الأخيرة في الارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الاستهلاكية مع بدء شهر رمضان، وأعلِـن في الرباط عن أسبوع احتجاجات انتهت يوم الأحد 8 أكتوبر، ونظمت تحت شعار: “لا للغلاء، نعم للحياة الكريمة”.
وتقول الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن حملة الاحتجاجات تشمَـل توقيع العرائض وتوزيع البيانات والمحاضرات والندوات التحسيسية وحمل الشارات والوقفات الاحتجاجية الجماعية والمسيرات السلمية، وذلك بعد تجاهُـل الحكومة للتذمُّـر الشعبي من الغلاء وعجزها على التجاوب الإيجابي مع مطامِـح المواطنين المتضررين من هذه الأوضاع.
وتهدف الحملة، الضَّـغط على الحكومة من أجل توقيف مُـسلسل الغلاء وجبر الأضرار، خاصة عبر الزيادة في الأجور والمعاشات وتخفيض الضرائب المباشرة وغير المباشرة وتشغيل العاطلين.
ارتفاع فاحش في الأسعار
وفي هذا الإطار، نظَّـمت تنسيقية مُـناهضة ارتفاع الأسعار أمام مقر شركة الكهرباء والماء في العاصمة المغربية الرباط، وقفة احتجاجية ضِـد الارتفاع الصاروخي للأسعار ابتداءً بأسعار الوَقود وما ترتَّـب عنها من زيادات مُـختلفة في أثمان المواد الاستهلاكية والخدمات.
وقالت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، إن الارتفاع الفاحِـش لأسعار السكَّـر والحليب ومشتقَّـاته وجُـل المواد الغذائية الأساسية والمحروقات والنقل بمختلف أصنافه والماء والكهرباء، وكذا الأدوية ومُـستلزمات دراسة الأطفال، وفي ظل تفشِّـي البطالة والعمل الهش والفقر وجُـمود الأجور والمداخيل وثقل الضرائب المباشرة وغير المباشرة إلى الاعتداء على الحق في العيش الكريم للمواطنين.
وتأتي الاحتجاجات على ارتفاع الأسعار، في وقت أعلنت فيه السلطات حربا على شبكات تهريب المخدرات، وقدّمت للقضاء برلمانيين مُـتَّـهمين بالفساد الانتخابي.
وكشف تفكيك ما عُـرف بشبكة “بين الويدان” لتهريب المخدرات، عن تورُّط مسؤولين كِـبار في القصر الملكي والأجهزة الأمنية في مساعدة هؤلاء. وقالت التقارير الأمنية، إن 12 موظفا من قطاعات أمنية مختلفة أحِـيلوا على النيابة العامة بتُـهمة الاتّـجار بالمخدِّرات وتهريبها على المستوى الدولي، والرشوة واستغلال النفوذ والتستُّـر على مُـجرم مطلوب، وتنظيم عمليات الهِـجرة غير الشرعية.
اعتقالات بالجُـملة
وقالت وكالة الأنباء المغربية، إن التحقيقات أسفرت عن اتِّـهام كل من كريم السعدي، نقيب بالقوات المساعدة بالمخزن المتنقِّـل بمدينة تطوان، وأبوبكر المنزيل، ضابط سامي برُتبة عقيد ركن بالقوات المسلحة الملكية وملحق بالقوات المساعدة ومفتِّـش عام بمنطقة الشمال، وعلال مورشيد، عقيد بالقوات المساعدة بالمخزن المتنقِّـل بمدينة تطوان، وعبد الحق مويلح قائدعام إقليمي للقوات المساعدة بالمضيق والفنيدق، وحسن بوجي، نقيب بالمخزن المتنقِّـل بمدينة تطوان، ومحمد يقراون، ملازم أول بالمخزن المتنقِّـل بمدينة تطوان، وعبد العزيز الطلعاوي جُـمركي بمدينة تطوان برُتبة عون تقني ممتاز.
وكانت السلطات قد أعلنت في وقت سابق من الشهر الماضي، اعتقال عبد العزيز ايزو، مدير القصور الملكية بعد أن ورد اسمه في تحقيقات مع زعيم شبكة تهريب المخدرات أحمد الخراز، المعروف بالشريف “بين الويدان”، ثم ألحقت السلطات إعلانها باعتقال تِـسعة من كِـبار رجال الأمن، من بينهم ضابط كبير برتبة عقيد ركن (كولونيل ماجور) والمدير الجهوي لجهاز حماية التراب الوطني (المخابرات الداخلية) بشمال المغرب ومسؤول الجهاز في ميناء طنجة وقائد الدرك الملكي بالقنيطرة، بالإضافة إلى ثلاثة برلمانيين ومقاولين.
وكان من انعكاسات تفكيك هذه الشبكة ما وصفته مصادر مغربية بزعزعة الأجهزة الأمنية بعد إبعاد الجنرال حميدو لعنيكري من الإدارة العامة للأمن الوطني إلى المفتشية العامة للقوات المساعدة، وتقليص دور الشرطة القضائية.
وكانت حملة مُـلاحقة لشبكات تهريب المخدرات قد عرفها المغرب في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وتبين أن استمرار الملاحقة سيصِـل بالمحققين إلى القصر الملكي، ممّـا أدى إلى توقفها عند حدود كبار المهرِّبين، دون أن تواصل التحقيق مع من كان يتولّـى حمايتهم ورعايتهم والاستفادة من تِـجارتهم.
محاربة الفساد شرط استعادة المصداقية
وفي خظوة تزامنت مع زعزعة الثقة بالأجهزة الأمنية، أعلن عن إحالة 12 عضوا بمجلس المستشارين (الغرفة التشريعية الثانية) إلى القضاء وعدم السَّـماح لهم بمغادرة مُـدن سكنهم، وتوجيه اتهامات بالفساد الانتخابي إليهم بعد أدلّـة عن تقديمهم رشاوى للنّـاخبين في انتخابات ثلث أعضاء المجلس، التي جرت في 6 سبتمبر الماضي.
وينتمي هؤلاء المستشارون إلى مختلف أطياف المشهد الحزبي المغربي، وهو ما يُـشير إلى أن الفساد الانتخابي ظاهرة عامّـة لا تقتصر على حزب بعينه، وهو ما شجّـع منظمات المجتمع المدني إلى رفع صوتها للمطالبة باتخاذ إجراءات مشدّدة ضِـد المُـفسدين في الحياة السياسية، في بلاد تسعى لتُـقدم نفسها نموذجا إيجابيا للإصلاح السياسي.
وأعلنت سكرتارية “مُـبادرة المواطنة لتخليق الحياة السياسية” دعمها لكل الخطوات التي اتّـخذها القضاء في مُـتابعة هؤلاء المستشارين، ودعت بنداءٍ أطلقت عليه “نداء النزاهة والضمير كل الفعاليات السياسية والمدنية وحِـرصا على مسلسل البناء الديمقراطي المهدّد من طرف تُـجار الانتخابات وأموال المفسدين”، حسب تعبيرها، لدعم القضاء كمجهود مدني وديمقراطي، والتفكير والعمل في سبيل تخليق العمل السياسي في البلاد وإنقاذ الحياة العامّـة من براثِـن الفساد والمفسدين.
ويبدو أن حملة مُـكافحة الفساد أضحت نهْـجا متبعا من طرف صانع القرار المغربي، بعد أن تصاعدت الاحتجاجات على مُـظاهره، بواقع أن توجيه أصابع الاتهام إلى مسؤولين كِـبار لم يكن تجنيا.
ويعتقد صنّـاع القرار المغربي أن تطهير البلاد من الفساد السياسي وتكثيف مُـحاربة المخدرات، يُـساهم في إعادة المصداقية للسُّـلطة، بعد أن بدأت تخفت لعدم انعكاس سلسلة خُـطوات اجتماعية والتقرُّب من المواطنين إنسانيا في تدعيم مِـصداقية البلاد واستقرارها السياسي والأمني والاجتماعي، الذي من شأنه أن يشجِّـع المستثمرين الأجانب على المساهمة بفاعلية في مشاريع تنمية البلاد، التي تعاني من أزمة اجتماعية خانقة.
محمود معروف – الرباط
اسمه الحقيقي محمد الخراز.. ولد عام 1964 فقيرا بمنطقة شمالي المغرب المطلة على جنوب إسبانيا، عبر ساحل البحر الأبيض المتوسط. لم ينل حظا كبيرا من التعليم. عمل بنقل البضائع المهربة من سبتة (المحتلة من طرف الإسبان) إلى الفنيدق (قرية بالشمال) كمعظم أبناء المنطقة، ولقب بــ”بين الويدان”، نظرًا لهيمنته على معابر الأودية كما يحكى، أما “الشريف” فهو اللقب الذي حظي به بعد أن أصبح من كبار المهربين.
ولأنه ولد بمنطقة تتميز بهشاشة بنيتها التحتية والاجتماعية، وتتميز بالتالي بتهريب المخدرات من الساحل المغربي نحو الساحل الإسباني، فإنه انتقل بسرعة من نقل البضائع المهربة إلى نقل المخدرات إلى الشاطئ وشحنها على القوارب.
وعندما شملت “حملة التطهير” في عام 1996 كبار تجّـار المخدرات واختفوا داخل الزنازين، استولى على ساحة التهريب الخالية، وأصبح ثريًّا في وقت وجيز، وربط علاقات مهمة مع كبار المسؤولين، على الصعيدين المحلي والمركزي، الذين قدموا له الحماية وكل التسهيلات لتبييض أمواله، دون حساب ليوم قد يأتي للمحاسبة وتوريطهم في شر أعمالهم، بل إنه أبرم عقودا مهمة مع الإدارة العامة للأمن الوطني من أجل تجهيز وتجديد مقر ولاية أمن طنجة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.