الملف الصحراوي بين “تيفاريتي” و “نيويورك”
حمل النزاع الصحراوي طوال الأيام الماضية، عنوان تيفاريتي، واصبحت المنطقة التي تحمل هذا الاسم، الاكثر شهرة في وسائل اعلام واحاديث وتصريحات أطراف النزاع الممتد على مدى ثلاثين عاما.
ما شهده النزاع من تطورات على مدى العام الماضي، وما يمكن ان تحمله الاسابيع القادمة من مستجدات، جعل الذكرى محط اهتمام محلي واقليمي ودولي.
حمل النزاع الصحراوي طوال الاسبوع الماضي، عنوان تيفاريتي، واصبحت المنطقة التي تحمل هذا الاسم، الاكثر شهرة في وسائل اعلام واحاديث وتصريحات اطراف النزاع الممتد على مدى ثلاثين عاما.
وتيفاريتي، منطقة صحراوية الحياة فيها كانت شبه معدومة، اختارتها جبهة البوليزاريو لتكون ميدان احتفالاتها بالذكرى الثلاثين لاعلان جمهوريتها، باعتبارها بالنسبة للجبهة اراض صحراوية محررة، وفيها حشدت، امام ممثلي عشرات الدول والمنظمات والاحزاب المؤيدة لها، الاف من قواتها والصحراويين اللاجئين في مخيمات تندوف.
والمغرب الذي يعتبر تيفاريتي جزءا من الصحراء الغربية التي استردها من اسبانيا وفق اتفاقية مدريد، وتركها، كغيرها من المنطاق المحاذية للحدود الصحراوية لتجنب الاحتكاك مع القوات الجزائرية والموريتانية، خارج الجدار الامني الذي شيدته قواته، احتج على احتفالات الجبهة وبعث، قبل انطلاق الاحتفالات بأسابيع، برسائل شديدة اللهجة الى الامين العام للامم المتحدة كون المنظمة الدولية مسؤولة عن تطبيق قرار وقف اطلاق النار منذ 1991 والذي يعتبر المناطق خارج الجدار الامني مناطق عازلة لا يسمح لاي طرف من اطراف النزاع استخدامها لاغراض عسكرية.
واحتفالات جبهة البوليزاريو بالذكرى الثلاثين لاعلان جمهوريتها، كانت محل ترقب المهتمين بالشأن الصحراوي، لان هذه الذكرى، وان كانت تأتي والسلام الصحراوي يعرف مأزقا عمره السنوات العشر الماضية، الا ان ما شهده النزاع من تطورات خلال العام الماضي، وما يمكن ان تحمله من جديد خلال الاسابيع القادمة، جعل الذكرى محط اهتمام محلي واقليمي ودولي.
تحولات وأساليب جديدة
فعلى مدى عام مضى، نجحت جبهة البوليزاريو في إعادة ميدان النزاع الى قلب الصحراء ومدنها بل ومده الى مدن مغربية اخرى، وفي خلق مواجهات، وإن كانت بطبيعة مختلفة، في شوارع هذه المدن، بعد غياب دام اكثر من خمسة وعشرين عاما.
ومنذ بداية الثمانينات، زنر المغرب التجمعات السكنية والمنشآت الاستراتيجية بحزام أمني تمدد ليشمل اغلب المناطق الصحراوية ويحول ليس فقط دون شن جبهة البوليزاريو اي عمل عسكري ذي جدوى بل ايضا دون اي تواصل بشري مباشر بين الصحراويين والجبهة التي تدعو الى انفصال الصحراء عن المغرب واقامة دولة مستقلة عليها. وبقي ميدان المواجهة الوحيد هو أروقة المنظمات الدولي وعواصم دول امريكا اللاتينية واوروبا والقارة الافريقية.
وكان واضحا أن ما كان المغرب يتكبده من خسائر في هذه المواجهات وما كانت تحققه جبهة البوليزاريو، بدعم مكثف من الدبلوماسية الجزائرية، من مكاسب دبلوماسية واعلامية، لم يكن حاسما في النزاع، ما دام المغرب يسيطر أمنيا على الارض ولا يظهر من الصحراويين عليها أي موقف مضاد.
وفي ظل تطور تكنولوجيا وسائل الاتصال، استطاعت جبهة البوليزاريو ان تعوض خلال السنوات الماضية الكثير مما فقدته من اتصال مباشر مع الصحراويين وان تستقطب العشرات من النشطاء وتبقيهم في الصحراء دون أن تستقدمهم الى مخيمات تندوف بالجزائر.
من جهة أخرى، وفرت التحولات السياسية التي عرفها المغرب والانفتاح وتوسيع هامش الحريات العامة وسيادة حقوق الانسان والديمقراطية في الخطاب المتداول على الصعيد العالمي، اجواء تساعد هؤلاء النشطاء على التحرك العلني في المدن الصحراوية وصل الى حد تنظيم مظاهرات والدفع نحو مواجهات بين الصحراويين والسلطات المغربية.
وكانت السلطات المغربية تتوقع ان يقوم نشطاء جبهة البوليزاريو في المدن الصحراوية بمناسبة الذكرى الثلاثين لاعلان الجمهورية الصحراوية، بفعاليات مثيرة ومواجهات دموية، تستقطب الرأي العام وتثير اهتمام المجتمع الدولي، واستعدت السلطات المغربية لهذه المواجهات لتحول دون وقوعها، لكن جبهة البوليزاريو وجدت في منطقة تيفاريتي التي تبعد اقل من 70 كلم عن مدينة سمارة العاصمة الروحية للصحراء، ميدانا للاحتفالات التي تضمنت عرضا عسكريا لقواتها بحضور دبلوماسي واعلامي دولي مكثف، أكثر اثارة وبريقا إعلاميا ودبلوماسيا.
بـون شــاسـع
الاوساط المغربية وضعت احتفالات تيفاريتي في إطار محاولات جزائرية لاستفزاز المغرب وتصعيد التوتر بين البلدين ورأت فيها أيضا محاولة للتخلص من جموع اللاجئين الصحراويين في تندوف الجزائرية بنقلهم الى المناطق الواقعة خارج الجدار الامني لتكون لجبهة البوليزاريو أرض صحراوية ترفع فوقها علم جمهوريتها.
أما المغرب الرسمي فاعتبر احتفالات تيفاريتي انتهاكا لقرار وقف اطلاق النار ودعا مجلس الامن الدولي لتحريك قوات الامم المتحدة المنتشرة بالمنطقة (المينورسو) لمنعها، لكن كوفي عنان، الامين العام للامم المتحدة، لم ير، كما المغرب، في احتفالات جبهة البوليزاريو ما يستدعي تحركا عاجلا لمجلس الامن، ما دام ما قامت به جبهة البوليزاريو خرقا لكنه لا يرقى إلى حد تهديد الامن في المنطقة او استمرار الهدوء والالتزام بقرار وقف اطلاق النار.
عدم التحرك العاجل لكوفي عنان مرده ايضا ان مجلس الامن سوف يناقش في منتصف شهر ابريل القادم قضية الصحراء الغربية على ضوء التقرير الدوري الذي يقدمه الأمين العام للمنتظم الأممي ويطلب فيه تمديد مهمة قوات المينورسو (التي تنتهي في موفى شهر ابريل) كما يعرض بالتفصيل التطورات الأخيرة النزاع الصحراوي التي سيكون من بينها احتفالات تيفاريتي.
ومن المتوقع أن تخرج مناقشات أبريل عن تقليديتها المعتادة حيث يعرض المغرب امام المجلس مبادرة جديدة لمنح الصحراويين حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية والتي من المقرر ان تتبلور من خلال مشاروات يجريها القصر الملكي مع الاحزاب السياسية والفعاليات الصحراوية.
جبهة البوليزاريو أعلنت رفضها للمبادرة المغربية قبل ان تقدم واعتبرتها التفافا على قرارات الامم المتحدة الداعية الى اجراء استفتاء يقرر من خلاله الصحراويون مصيرهم في دولة مستقلة او الاندماج بالمغرب وهو الاستفتاء الذي يقول المغرب بفشله وتجاوزه بعد التعثر الذي حصل في تحديد الصحراويين الذين تحق لهم المشاركة بالاستفتاء.
وما بين البون الشاسع بين موقفي جبهة البوليزاريو والمغرب وعدم ايلاء الامم المتحدة والاطراف الدولية (تحديدا الولايات المتحدة) اهتماما لتسوية نزاع غير متفجر، سوف تبقى قضية الصحراء الغربية محورا للمواجهات المباشرة او بالوكالة بين اطراف اقليمية ودولية لم تصل بـعـدُ الى رؤية موحدة للتعاطي مع المنطقة وتنظيم العلاقات بين دولها.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.