تأجير الأراضي الزراعية في بلدان الجنوب: “تنمية” أم “استعمار جديد”؟
في خطوة نادرة، تطرق خبراء اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان مؤخرا في جنيف إلى لظاهرة تأجير بلدان غنية للأراضي الزراعية الخصبة في البلدان الفقيرة في إطار مناقشة أوجه التمييز في مجال الحق في الغذاء. وهي ظاهرة لم يتردد الخبير السويسري جون زيغلر في وصفها بـ "سرقة الأراضي"، فيما اعتبرها المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة نوعا من "الإستعمار الجديد".
وفي سياق الإجتماع الذي عقدته اللجنة الإستشارية لمجلس حقوق الإنسان في جنيف (غرب سويسرا) ما بين 22 و 27 يناير 2010 لمناقشة موضوع التمييز في مجال التمتع بالحق في الغذاء، تم الإستماع إلى نتائج دراسة قدمها خمسة من الخبراء من بينهم السويسري جون زيغلر الذي كان يشغل سابقا منصب مقرر الأمم المتحدة الخاص لحقوق الإنسان المكلف بالحق في الغذاء.
الدراسة تناولت بإسهاب واقع التمييز في مجال التمتع بالحق في الغذاء على اعتبار أنه “المأساة الأكثر انتشارا في العالم اليوم” بحكم وجود أكثر من مليار نسمة يعانون من سوء التغذية فوق سطح الأرض، كما تطرقت إلى أوجه جديدة من الممارسات التي قد تزيد في تعميق هذه المأساة ومن بينها ظاهرة تأجير الأراضي الزراعية من قبل دول غنية لإنتاج منتجات يُعاد تصديرها وبالتالي حرمان أبناء البلد من مواد زراعية وغذائية تُستهلك على عين المكان.
“سرقة الأراضي”
ولدى تناوله لهذه المسألة بالتحديد أمام اجتماع اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان، تحدث الخبير السويسري جون زيغلر عما أسماها “سرقة الأراضي من قبل دول غنية أو من قبل صناديق استثمار أجنبية أو كبريات الشركات بهدف زراعة وإنتاج نباتات موجهة لصناعة الوقود البيولوجي الإيتانول”.
وتطرق الخبير جون زيغلر إلى وضع إثيوبيا التي إشترى فيها صندوق استثمار أمريكي أكثر من عشرة ملايين هكتار، وقال إن ما يثير قلقه الشديد هو أن هذه الصفقات “تتم علانية وبعلم الجميع وبموافقة مؤسسات دولية مثل البنك الدولي”.
ويرى الخبير السويسري أن هذه التصرفات “تستحق الإدانة” مستشهدا بالوصف الذي أطلقه عليها السيد جاك ضيوف، المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة حيث اعتبرها “ممارسات استعمارية جديدة”.
ممارسات معمّمة في القارة السمراء
ولا يقتصر الأمر على أثيوبيا وحدها، بل أشارت تقارير إعلامية إلى أن شركة “دايو” الكورية الجنوبية كانت تعتزم شراء 1،3 مليون هكتار من الأراضي الزراعية في جزيرة مدغشقر في عام 2008 لزراعة الذرة والنخيل واستخراج زيت النخيل، بغرض تصدير المنتجات إلى كوريا. ولكن رد فعل السكان المحليين الغاضب بعد نشر التقارير أدى إلى إحباط المشروع.
الفشل الذي حصل في مدغشقر، تم استخلاص الدروس منه في جمهورية الكونغو الديمقراطية حيث أعلن مجمع “لونرهو” عن اعتزامه شراء حوالي 25 ألف هكتار من الأراضي الصالحة لزراعة الأرز في الكونغو مشددا على تعزيز الإنتاج الوطني الموجّه للسوق الداخلية. كما عُلم أن نفس الشركة تبحث عن أراض في كل من جمهوريتي مالي ومالاوي.
وفي كينيا يدور جدل حاد حول توجه الحكومة هناك إلى تحويل حوالي 20 الف هكتار من الأراضي الرطبة الساحلية الى أراض لزراعة قصب السكر، قسم منه لتعزيز صادرات السكر والقسم الآخر لتصدير الوقود البيولوجي “الايتانول”. وتبرر الحكومة ذلك بتعزيز القدرات الاقتصادية للمنطقة المعنية وتوفير حوالي 20 ألف موطن شغل إضافي. لكن المعارضين يرون في ذلك إتلافا وقضاء نهائيا على المراعي التي هي المورد الطبيعي لسكان المنطقة الممارسين تقليديا لتربية الماشية. وتساندهم عدة جمعيات مدافعة عن البيئة ترى أن المناطق الرطبة هي موطن لحيوانات نادرة وأن تغيير طبيعتها قد يعرّض هذه الحيوانات لخطر الإنقراض.
دول عربية في السباق
في سياق متصل، لم تتخلف البلدان العربية بدورها عن خوض هذا السباق، وخاصة البلدان التي تبحث عن أراض خصبة لزراعتها بمنتجات تستهلكها في سوقها الوطنية.
ومن هذه البلدان، دولة قطر التي أفادت تقارير إعلامية بأنها تعتزم تأجير حوالي 40 الف هكتار من الأراضي الزراعية في دلتا نهر “تانا” في جمهورية كينيا بغرض تخصيصها لزراعة الفواكه والخضار. وهو المشروع الذي ناقشه رئيس كينيا مواي كيباكي مع المسؤولين القطريين أثناء زيارة أداها إلى الدوحة في شهر نوفمبر 2008، ويبدو أنه تمكن من الحصول على موافقة مبدئية تتمكن بموجبها قطر من حق استغلال هذه الأراضي، بينما تحصل كينيا في المقابل على تمويل لبناء ميناء في جزيرة “لامو” الساحلية.
ومن أهم الإنتقادات التي توجهها الأوساط المعارضة إلى المشروع هو أنه يحدث في وقت تشهد فيه كينيا نقصا في الغذاء وارتفاعا مضاعفا في أسعار الدقيق والذرة. ويتساءل رئيس اتحاد مزارعي شرق افريقيا فيليب كيريو: “كيف يحق لبلد أجنبي زراعة مواد غذائية في كينيا في الوقت الذي يعاني فيه هذا البلد من نقص في الغذاء لتغطية حاجيات سكانه؟”.
البلد العربي الثاني المهتم بتأجير أو اشتراء أراض زراعية في بلدان فقيرة هو المملكة العربية السعودية التي تنوي تخصيص تلك الأراضي لزراعة القمح. فقد تردد أن الوزير الأول الأثيوبي ميليس زيناوي استقبل وفدا سعوديا لهذا الغرض في عام 2008 وصرح لوسائل إعلام سعودية بأن “أثيوبيا راغبة في وضع مئات الآلاف من الهكتارات تحت تصرف من يرغب في الإستثمار”.
وفي السياق نفسه، تعتزم الحكومة الأثيوبية تخصيص حوالي مليوني هكتار من الأراضي الزراعية في مقاطعتي أمهارا وأورومي لهذا الغرض. وقد سبق أن منح الوزير الأول الأثيوبي 7000 هكتار إلى رئيس دولة جيبوتي من أجل زراعة القمح.
محاربة الظاهرة باستعمال الحق في الغذاء
ويرى الخبير السويسري في اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان في جنيف أن ظاهرة تأجير الدول الغنية للأراضي الزراعية في البلدان الفقيرة والتي وصفها بـ “الممارسة الاستعمارية الجديدة “، يجب “محاربتها عبر تعزيز الحق في الغذاء”.
ومع أن الخبير السويسري جون زيغلر، أو المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة جاك ضيوف قد استعملا تعبيرات قوية لوصف الظاهرة، فإن النقاش بشأنها في المحافل الأممية لا زال في مرحلته الأولية. بل إن خبراء اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان اعتبروا في خلاصة جلستهم الأخيرة أن “الدراسة التي قدمت عن مظاهر التمييز في التمتع بالحق في الغذاء، ما هي إلا في مراحلها الأولية وأنه سيتم أخذ الملاحظات المعبر عنها في هذه الجلسة لإعداد صيغة منقحة لاحقا”.
لكن الظاهرة في حد ذاتها ليست بالجديدة إذ سبق أن استخدمت الدول المستعمِرة الأراضي الخصبة في البلدان المستعمَرة لإنتاج محصول يُستهلك بعيدا عن مكان إنتاجه مثلما فعلت فرنسا بالأراضي الخصبة في الجزائر وتونس والمغرب عند تحويلها لمزارع كروم لإنتاج الخمور، أو ما ألحقته الزراعة المفرطة لنوع واحد من المحاصيل (مثل الكاكاو) من أضرار باقتصاديات العديد من الدول الإفريقية إلى حد تحويلها الى أفقر البلدان بعد انهيار الأسعار في السوق العالمية.
وبالنظر الى هذا الجانب التاريخي لهذه الظاهرة، قد يكون المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة جاك ضيوف محقا ولو جزئيا في وصفها بـ “الممارسات الاستعمارية الجديدة”.
محمد شريف – swissinfo.ch – جنيف
استعرضت الدراسة التي أعدتها اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان عن أوجه الإنتهاكات فيما يتعلق بالتمتع بالحق في الغذاء العديد منها لكنها تطرقت ايضا إلى الممارسات الجديدة في مجال تمكين المواطن من التمتع بالحق في الغذاء.
من السلبيات التي سجلتها الدراسة، ما يشهده العالم من وفاة طفل كل 5 ثوان، وحوالي 47000 شخص يوميا بسبب الجوع، ومعاناة حوالي مليار نسمة من سوء التغذية المزمنة في العديد من مناطق العالم.
يحدث هذا في الوقت الذي تؤكد فيه منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن الكرة الأرضية بإمكانها اليوم توفير الغذاء لأكثر من 12 مليار نسمة أي حوالي ضعف سكان العالم حاليا.
من الأسباب المؤدية الى هذا الإختلال، كما يقول الخبير السويسري جون زيغلر: “عدم امتلاك الفلاحين للأراضي الزراعية رغم أن %70 من الذين يعانون من المجاعة يعيشون في الأرياف أو فوق أراض غير صالحة للزراعة”.
إشكالية الفقر الذي يُعاني منه سكان الأرياف تم التطرق إليها في عدة مناسبات أممية، لكن الخبير جوزي أنطونيو بنغوا كابيللو يرى أنه لم يتم تناول الموضوع بشكل محدد في محفل أممي مخصص حيث كثيرا ما تم تناوله في اجتماعات منظمة الأغذية والزراعة التي لا يُراعى فيها عادة إلا الجانب الفلاحي من المسألة. لذلك طالب بضرورة “تخصيص فريق عمل وإقناع مجلس حقوق الإنسان بضرورة منح هذا الفريق الصلاحيات الكافية لمعالجة الموضوع”.
الخبيرة العربية منى ذو الفقار رأت من جانبها أنه “إذا كانت النساء ينتجن حوالي 50% من المواد الغذائية في العالم، فإنهن يشكلن حوالي 70% ممن يعانون من المجاعة. كما أنهن لا تشكلن سوى 5% ممن يملكون الأراضي في العالم في الوقت الذي يشرفن على إعالة حوالي 35 % من العائلات في الأرياف”.
ومن الممارسات الجدية التي أشارت إليها الدراسة وأوردتها الخبيرة شينسونغ شونغ “إدخال نظام شهادة المنشأ بالنسبة للمنتجات الزراعية، ومختلف أنواع التعاون، وتشجيع الفلاحة النظيفة والمنتجات الخالية من السموم، والمنتجات المحورة جينيا، وتعزيز نظام القروض الصغيرة للفلاحين”.
تطرق الخبراء بإسهاب إلى تأثيرات الأزمة الاقتصادية والمالية في تعقيد الأزمة الغذائية لكنهم لم يتناولوا بالبحث موضوع تأجير الأراضي الزراعية في البلدان الفقيرة من قبل بلدان غنية أو شركات متعددة الجنسيات إلا عرضا ومن خلال تدخل الخبير السويسري، والمقرر الخاص السابق لحقوق الإنسان حول الحق في الغذاء السيد جون زيغلر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.