رحلات الطائرات الخاصة تزيد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في سويسرا

شهدت رحلات الطائرات الخاصة وانبعاثاتها ارتفاعًا ملحوظًَا في السنوات الأخيرة، لا سيَّما في سويسرا. فيُعدّ هذا البلد الجبلي الصغير نقطة جذب لمن يبحث، من المسافرين والمسافرات، عن المنتجعات الفاخرة في فصل الشتاء، ولمن يقصدها على متن الطائرات عالية الانبعاثات.
في صبيحة ذات يوم شتائيّ، وصلت طائرة خاصة من طراز غلفستريم قادمة من ميلانو. وما أن نزلت الشخصيات التي كانت تستقلها، حتى ركبت سيارة مرسيدس سوداء كانت بانتظارها لتحملها بسرعة بعيدًا عن الأنظار. وبعد وقت قصير، هبطت طائرة خاصة أخرى من بروكسل، ليوجّهها الطاقم الأرضي نحو نصف دزينة من الطائرات الفاخرة الأخرى، المتوقفة استعدادًا للمغادرة.

المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية
فيبلغ هذا المطار الصغير في شهري يناير وفبراير أوج نشاطه؛ إذ يشهد في بعض الأيام من 30 إلى 100 رحلة طيران خاصة. وقد ازداد عدد الطائرات القادمة من أوروبا، والولايات المتحدة، والبرازيل، والشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، فسجل قرابة 17،300 حركة طيران في عام 2023.
وازدحمت عطلة نهاية الأسبوع الماضي بشكل خاص. فقد استضافت سانت موريتز 25،000 زائر.ة لحضور الدورة الأربعين من بطولة كأس العالم للبولو على الثلجرابط خارجي، التي شاركت فيها نخب محترفة من الأرجنتين، والمملكة المتحدة وإسبانيا، وسط حضور السكان المحليين وكبار الشخصيات. وحسب تعليق كاتيا غراوفيلر، مديرة اتصالات الفعاليّة، لسويس إنفو (SWI swissinf.ch)، حضر الفعالية أيضًا “عُشَّاق البولو على الثلج، من الزوّار أو ممن يملكون منازل عطلات في المنطقة”.
ونُظّمت هذه البطولة بعد أيام قليلة من الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، فنقلت الطائرات الخاصة إلى سويسرا ما يناهز 3،000 شخص من القيادات العالمية والشخصيات البارزة في عالم الأعمال وصنع القرار. وهبطت في مطارات إنغادين، وزيورخ، وألتنراين، ثمَّ نُقِل ركَّابها في مروحيات إلى دافوس. ويُعدّ هذا المؤتمر من أكثر الفعاليات التي يرافقها نشاط مكثف للطائرات الخاصة، إذ وصلت أكثر من 1،000 رحلة طيران خاصة إلى سويسرا خلال المنتدى لعام 2022، وفقًا لمنظمة غرين بيس (Greenpeace) المدافعة عن البيئة.

وتُعتبر سويسرا نقطة محورية لحركة الطائرات الخاصة على مدار العام. وتُسهم، وفقًا لتقريررابط خارجي أعدَّته منظمة غرين بيس، بنحو 5% من إجمالي انبعاثات الطائرات الخاصة في أوروبا، إذ ارتفعت الرحلات المغادرة منها بنسبة 63% مقارنة بعام 2021. واستضاف مطار جنيف عام 2023، وفقًا لدراسةرابط خارجي أجراها مركز أبحاث النقل (T3 Transportation Think Tank) في 2024، أكثر من 40 رحلة جوية خاصة يوميًّا، ليصبح ثاني أكثر المطارات التي تشهد مثل هذه الحركة في أوروبا، بعد مطار نيس الفرنسي.
كما عُدّ المساران الجويَّان باريس – جنيف، وفارنبورو (لندن) – جنيف، من بينرابط خارجي أكثر عشر مسارات جوية ازدحامًا بالطائرات الخاصة في أوروبا خلال 2023. وشهدت مطارات زيورخ، وسيون، وغشتاد، وسانت موريتز، حركة نشطة؛ إذ تبقى قيد التشغيل على مدار العام.
ورغم أن نسبة من يستخدم الطائرات الخاصة لا تتجاوز 0،003% من سكان العالم، فإنها تبقى من أكثر وسائل النقل تلويثًا للبيئة. ولكن لم تتّضح أنماط استخدامها وتأثيراتها البيئية إلا مؤخرًا، بعد أبحاث مستقلة مفصّلة.
الطائرات الخاصة والرحلات الجوية في تزايد
وأشار تقرير عن معهد دراسات السياسات (IPS)، إلى ارتفع عدد الطائرات الخاصة في العالم من حوالي 10،000 طائرة في عام 2000، إلى 23،100 طائرة بحلول منتصف 2022. ويُتوقّع دخول 8،100 طائرة جديدة إلى الخدمة بحلول 2033.
كما ارتفع عدد رحلات الطائرات الخاصة بشكل حاد بعد الجائحة، لا سيَّما في الولايات المتحدة وأوروبارابط خارجي. وكشفت دراسة نُشرت في مجلة نيتشر (Nature) شملت 19 مليون رحلة جوية خاصة بين عامي 2019 و2023، عن زيادة ضخمة في انبعاثاتها من ثاني أكسيد الكربون، إذ ازدادت هذه الانبعاثات بنسبة 50% (من 10،7 مليون طن في 2019 إلى 15،6 مليون طن في 2023).
وأظهرت البيانات الصادرة عن شركة WingX الاستشارية في مجال الطيران، أن عدد رحلات الطائرات الخاصة لأغراض الأعمال في جميع أنحاء العالم بلغ 3،6 مليون رحلة في عام 2024، بزيادة 30% مقارنة بعام 2019.
وقال ستيفان غوسلينغ، الباحث في جامعة لينيوس بالسويد والمشارك في إعداد الدراسة المنشورة حديثًا في مجلة نيتشر، لسويس إنفو: “لقد شهدنا زيادة مستمرة، مما يشير إلى أن نمو الثروة هو المحرك الرئيسي لهذا الارتفاع”.
وتشير تقديرات قطاع الطائرات الخاصة إلى أن عدد المسافرين والمسافرات على متن الطائرات الخاصة بلغ حوالي 256،000رابط خارجي شخص في عام 2018، وأن متوسط ثروة الفرد من هؤلاء يبلغ 128 مليون دولار أو أكثر.
وتمتلك الولايات المتحدة 18،163 طائرة خاصة، أي أكثر من ثلثي الطائرات الخاصة في العالم، متقدمة بفارق كبير عن البرازيل (927 طائرة)، وكندا (770 طائرة). وتحمل مالطا الرقم القياسي لأعلى معدلات تسجيل الطائرات الخاصة لكل فرد، إذ يبلغ 46،5 طائرة لكل 100،000 نسمة، فيما تحتل سويسرا المرتبة الثانية بمعدل 3،76 طائرة لكل 100،000 نسمة.
وإلى جانب الولايات المتحدة وأوروبا، تُعدُّ البرازيل، ومنطقة الشرق الأوسط، ومنطقة البحر الكاريبي، من أبرز المناطق إقبالا على تسيير الطائرات الخاصة.
رحلات قصيرة لأغراض الترفيه
ورصدت دراسةرابط خارجي مجلة نيتشر تسجيل أكثر من 25،000 طائرة خاصة من طراز الطائرات النفاثة، وقرابة 19 مليون رحلة جوية خاصة بين عامي 2019 و2023. وأكَّد تحليل أنماط الطيران أن جزءًا كبيرًا من هذه الرحلات كان لغرض الترفيه.
وسلّطت الدراسة الضوء على تأثير الرحلات المرتبطة بالفعاليات الدولية البارزة، بما فيها كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر (1،846 رحلة)، وقمة المناخ (COP28) التي نظّمتها الأمم المتحدة في الإمارات، حيث سُجّلت291 رحلة جوية خاصة.

المزيد
اربطوا أحزمة الأمان: انبعاثات الطيران على وشك الإقلاع مرة أخرى!
وكشفت الدراسة نفسها أن نصف الطائرات الخاصة قطعت أقل من 500 كيلومتر، بينما قطعت 900،000 رحلة جوية مسافات تقل عن 50 كيلومترًا. ولذلك، واجهت شخصيات شهيرة في الولايات المتحدة مثل تايلور سويفترابط خارجي وكايلي جينر، انتقادات حادة للإفراط في استخدام الطائرات الخاصة والرحلات القصيرة جدًّارابط خارجي. كما رصد معهد أبحاث النقل العديد من الرحلات القصيرة في سويسرا، منها 152 رحلة جوية من سيون إلى جنيف (90 كلم)، و84 رحلة من لوزان إلى جنيف (60 كلم).
ويرجّح فريدريك رودولف، الباحث في مركز الفكر الألماني، أن سبب هذه الرحلات القصيرة هو ما يُعرف بـ “الرحلات الفارغة”، أي رحلات الطائرات الخاصة دون ركاب أثناء إعادة تموضعها من مطار إلى آخر.

المزيد
الطائرات الكهربائية: ثورة بلا ضجيج في سماء سويسرا
وخلصت دراسة مجلة نيتشر إلى نتيجةرابط خارجي واضحة، تمثّلت في أنّ الطيران الخاص “يساهم بشكل متزايد في تغير المناخ”. ويُعدُّ هذا النوع من الطائرات من أكثر وسائل النقل تلويثًا للبيئة. ورغم أن الرحلات الجوية الخاصة تمثل 4% فقط من سوق الطيران العالمي، فإنّها تنتج نحو 10 أضعاف غازات الدفيئة لكل فرد مقارنة بالطيران التجاري.
ووفقًا لتقديرات معهد أبحاث النقل (The T3 Transportation Think Tank)، تولّد الرحلة الواحدة منها في الأحوال الاعتيادية نحو 4،46 طن من ثاني أكسيد الكربون، ما يفو ق إجمالي الانبعاثات السنوية للفرد في سويسرارابط خارجي (دون احتساب الانبعاثات الناجمة في الخارج).
وإدراكًا لهذا التأثير البيئي، حاولت بعض الشركات في قطاع الطيران الخاص تقديم خيارات أكثر مراعاة للبيئة، مثل استخدام “وقود طائرات مستدام“، أو التعويض عن انبعاثات الكربون الناجمة عن رحلاتها.
نماذج أعمال جديدة في متناول فئات أوسع
وتشير التقارير العلمية الحديثة إلى النمو المتواصل في قطاع الطيران الخاص، خاصة بعد تزايد اعتماد الأثرياء على التنقّل بالطائرات الخاصة خلال فترات الإغلاق العالمي التي فرضتها جائحة كوفيد-19رابط خارجي. وجاء هذا النمو مدفوعًا بمخاوف صحية وأمنية، إلى جانب الرغبة في الخصوصية، والمرونة، والاستفادة من خدمات تلبي الاحتياجات الفردية.
وفي الآونة الأخيرة، ظهرت نماذج أعمال جديدة سهّلت السفر بالطائرات الخاصة الفاخرة، مما وسّع قاعدة المستخدمين والمستخدمات. ففي الماضي، تطلّب امتلاك طائرة وتشغيلها خاصة، استثمارات بملايين الفرنكات السويسرية، مما جعله حكرًا على الفئة فائقة الثراء. أما اليوم، فقد أصبح استئجار الطائرات الخاصة بأسعار أكثر تنافسية ممكنا، بفضل نماذج جديدة مثل التأجير عند الطلب، وبرامج العضوية، وأنظمة الملكية الجزئية (Top of FormBottom of Form)
ويُعلِّق الباحث ستيفان غوسلينغ قائلًا: “أعتقد أن استخدام الطائرات الخاصة لا يزال نشاطًا نخبويًا، رغم أن ما أسمعه يشير إلى أن رسوم التأجير لبعض الرحلات باتت معقولة نسبيا.”
وأسهمت العروض على “الرحلات الفارغة” في تخفيض تكلفة الطيران الخاصرابط خارجي. فقد عرضت إحدى الشركات في العام الماضي، رحلة ذهاب فقط بين ميونيخ وجنيف ضمن فئة “الرحلات الفارغة” مقابل 1،190 يورو بعد تخفيض بنسبة 80%، وفقًا لتقرير التلفزيون السويسري العمومي الناطق بالفرنسية (RTS).
رسوم أعلى وقواعد تنظيمية أكثر صرامة
ويبدو أن قطاع الطيران، وخاصة الطائرات الخاصة، سيظل في مرمى انتقادات الجماعات البيئية، التي تطالب بفرض ضرائب وتنظيمات أكثر صرامة للحدِّ من استخدامه، وضمان المساواة بين مختلف وسائل النقل. وتركِّز الانتقادات باستمرار على الإعفاءات الضريبية على الوقود التي تتمتع بها شركات الطيران، في حين يخضع الأفراد في أوروبا لضريبة المركبات، فضلًا عن إعفاء تذاكر الطيران غالبًا من ضريبة القيمة المضافة.

ويقترح معهد دراسات السياسات فرض ضريبة بنسبة 10% على الطائرات الخاصة المستعملة، و5% على الطائرات الجديدة، ومضاعفة الضريبة على وقود الطيران، وفرض ضرائب على الرحلات القصيرة، بالإضافة إلى مساهمات مالية في تمويل بنية المطارات التحتية.
وفي المقابل، يفضّل بعض النشطاء الاحتجاج بأساليب تجلب الاهتمام لهذه القضية. فخلال المنتدى الاقتصادي العالمي لهذا العام، أقدم نحو 30 ناشطًا وناشطة من منظمة غرين بيس على اقتحام مطار إنغادين، و”مصادرة” طائرات خاصة متوقفة على المدرج مصادرةً افتراضيةً، بربط كرات وسلاسل قابلة للنفخ عليها، كجزء من حملة لتسليط الضوء على تزايد استخدام الطبقة الثريّة للطائرات الخاصة.
المزيد
تحرير: فيرونيكا دي فوري /غيب بولارد
ترجمة: ريم حسونة
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي
التدقيق اللغوي: لمياء الواد

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.