سويسرا والتغيير المناخي: “علينا القيام بما تتطلّـبه مسؤوليتنا”
قبل أقلّ من 35 يوما على موعد انعقاد مؤتمر كوبنهاغن حول المناخ ومع تفاقُـم خطر الفشل، بدأ تحالف الجنوب في ممارسة الضغط، وخاصة باتجاه الحكومة السويسرية، لأن الوقت لا يرحم، مثلما تؤكِّـد روزماري بار Bär، منسِّـقة المنظمات غير الحكومية فيما يتعلق بسياسة التنمية.
في موفى الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر الماضي، كشف “تحالف الجنوب”، الذي يضُـمّ 6 منظمات غير حكومية سويسرية تعمل في مجال التنمية، عن مطالبِـه الموجّـهة إلى الحكومة الفدرالية.
وفي الوقت الذي تواصل فيه الحكومة السويسرية وضع اللمسات الأخيرة على العُـهدة التفاوضية التي ستمنحها إلى وفدها المتوجِّـه إلى العاصمة الدنمركية، تشرح روزماري بار المكلّـفة بالملف المناخي في “تحالف الجنوب”، موقِـف أهمّ المنظمات غير الحكومية السويسرية ومطالبها في الحديث التالي.
swissinfo.ch: ما هو برأيك الرهان الرئيسي لمؤتمر كوبنهاغن حول المناخ في ديسمبر القادم؟
روزماري بار: الهدف الرئيسي لكوبنهاغن، يتمثّـل في إنقاذ مستقبلنا المشترك كبَـشر. نحن بحاجة إلى اتفاق حول المناخ لمتابعة الفترة المشمولة بالمرحلة الأولى من بروتوكول كيوتو، أي بعد عام 2012. هذا الاتفاق يجب أن يسمح بتحديد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، حتى لا نتدحرج من التغيّـر المناخي إلى الكارثة المناخية.
وكيف تبدو الأمور حاليا مع اقتراب موعد القمة؟
روزماري بار: الأمور تسير بشكل سيّء جدا في هذه اللحظة. المفاوضات التمهيدية أظهرت أن كل شيء مُـجمَّـد. فالبلدان الصناعية تظل على موقفها المتمثِّـل في أنه يجب على البلدان السائرة في طريق النموّ والبلدان الصاعدة، أن تقول أولا كيف تريد المساهمة في حماية المناخ في المستقبل.
البلدان السائرة في طريق النموّ، تتمسّـك بدورها بموقفها الذي يتلخّـص في أن التغيير المناخي ناجمٌ عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من طرف البلدان المصنّـعة، التي عليها أن تتحمّـل مسؤولية تاريخية من خلال تغيير ممارساتها في أوطانها مع مساعدة البلدان السائرة في طريق النموّ، تكنولوجيا وماليا، على التأقلم مع التغيّـر المناخي.
أما الولايات المتحدة، وهي من البلدان التي تُـطلِـق كميات ضخمة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فلم تطرح شيئا على الطاولة إلى حدّ الآن، كما أنها لم تتّـخذ أي موقِـف، وهو ما يعني بكلمة أخرى، أن كل شيء مجمَّـد. إنني لست متفائلة حول إمكانية التوصّـل إلى اتفاق مناخي ملموس في كوبنهاغن، اتفاق يقول: “سنتجنّـب مع بعضنا البعض أن ترتفع حرارة العالم بأكثر من درجتين مئويتين” (وهو الارتفاع الأقصى بالمقارنة مع الحِـقبة السابقة للمرحلة الصناعية، الذي يسمح بالتأقلُـم مع التغيّـر المناخي، طِـبقا للإجماع الحاصل بين العلماء.
بالنسبة لك، هل من الأفضل التوصّـل إلى اتفاق محدود، ولو كان ضعيفا؟ أم عدم التوصّـل إلى اتفاق بالمرّة؟
روزماري بار: أعتقد أنه لن يتمّ التوصّـل في الأغلب إلى اتفاق مُـلزِمٍ، ولكن من الأرجَـح أن يصدُر عن الوزراء الحاضرين إعلان سياسي مُـشترك سيؤكِّـدون فيه رغبتهم في الإلتزام بالدرجتيْـن المئويتين كحدٍّ أقصى، وتصميمهم على إقرار تخفيضات في حجم الانبعاثات من الآن إلى عام 2020، إضافة إلى تمويل (البلدان السائرة في طريق النموّ).
لكن القرارات الملموسة من قبيل: – ما الذي يجب على كل بلد القيام به؟ – أيُّ تمويلات ولِـمَـن ستذهب؟ لن تُـدرَج فيه (أي الإعلان السياسي) بالتأكيد. هذه العناصر سيتمّ التطرّق لها في مفاوضات لاحقة، إذا ما كُـنّـا محظوظين.
في المقابل، المناخ لا ينتظر. فنحن نعرف، بفضل العلماء، أنه يجب علينا الانتقال من مجتمع يقوم على الطاقات الأحفورية إلى مجتمع ما بعد الطاقات الأحفورية، في أقل من جيل واحد. إن الوقت محسوبٌ أما السياسة، فهي تسير ببُـطء شديد.
ما الذي تنتظرونه (كمنظمات غير حكومية) من جانب الحكومة السويسرية؟
روزماري بار: إننا نُـطالب لبلدنا بأهداف طموحة لتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. إن تقليصها بنسبة 20% (من الآن إلى عام 2020، مقارنة بمستويات عام 1990)، إضافة إلى 10% تُـنجز في الخارج (عبْـر اقتناء حِـصص تعويضية للانبعاثات)، مثلما تقترح الحكومة الفدرالية، لا يتّـفِـق مع ما يجب علينا، بل يُـمكننا القيام به من زاوية مسؤوليتنا.
إننا نستنكِـر أيضا إحجام الحكومة عن تحديد هدف لعام 2050، إذ أن العبور باتجاه مجتمع ما بعد مرحلة الطاقات الأحفورية، يجب أن يحدُث في الأثناء. إضافة إلى ذلك، لا تقول الحكومة الفدرالية شيئا عن الوسائل التي تريد وضعها على الذمّـة لمساعدة البلدان السائرة في طريق النموّ والفقراء.
قبل كل شيء، إننا نعتقدُ أن بإمكان سويسرا أن تلعَب دورا أكثر نشِـطا وريادِيا وأن تُـساهم في تحرير هذه المفاوضات (من الجمود الحالي)، لكن هذا غير ممكِـن، إلا إذا ما طوّرت على المستوى الداخلي أيضا سياسة طاقية ومناخية ذات مصداقية. لكن الحكومة لم تُـقرّر بعدُ أن تجعل من سياستها في المجال المناخي هدفا حاسما، فهي تهتمّ كثيرا بإنقاذ بنوك وحماية مصرف يو بي إس من القضاة الأمريكيين، أما كيفية مساهمتنا بحسب قسطنا من المسؤولية في المستقبل المشترك للإنسانية وفي حماية الشروط الأساسية للحياة، فهذا لم يتحوّل بعدُ إلى هدفٍ يحظى بالأولوية في القصر الفدرالي.
لكن، داخل الطبقة السياسية، مثلما هو الحال في المجتمع المدني، ينفي البعض الأسباب الإنسانية للتغيّـر المناخي، وهناك آخرون يريدون التحرّك بسرعة أكبر. ألا تجد الحكومة السويسرية نفسها مُـجبرةً على مجرّد الاكتفاء بالحلول الوسط؟
روزماري بار: نعم، هنا تكمُـن الصعوبة، لكن، ورغم كل شيء، يتمثل واجب حكومة ما والعمل السياسي عموما، في تحويل ما هو ضروري (أو لازم) إلى ممكن. فمن أجل هذا الهدف تمّ إنشاء الدول، كي يُـمكن تنظيم العيْـش المشترك للبشر بطريقة سِـلمية.
إن التغيير المناخي يُـهدِّد أمن العالم، ومن المفترض أن تلعب الحكومة دورا مغايرا تماما لمجرّد الاكتفاء بأسلوب التوافق الأبدي. فبإمكانها عرض المزيد في كوبنهاغن، وإذا ما تمّ التوصّـل إلى حل وسط، العودة به إلى سويسرا، لكن لا يجب عليها أن تتحوّل إلى قمّـة كوبنهاغن منذ البداية، مُـكتفية بالحدّ الأدنى المشترك.
هل يجب على بلدان، مثل الصين أو الهند، أن تُـعلن هي أيضا عن أهداف بخصوص انبعاثات غازات الدفيئة، حسب رأيك؟
روزماري بار: بدون مساهمة البلدان الصاعدة، لن نتمكّـن من التصدّي للكارثة المناخية. هذه البلدان مستعدّة لذلك، فهي تتوفّـر على خُـطط وطنية وتفكِّـر (بأكثر مما نقوم به نحن) في الوسائل الكفيلة بمكافحة الانبعاثات، لكنها لن تمُـدّ يدها لفائدة اتفاق، ما لم تتحمّـل البلدان المصنّـعة مسؤوليتها التاريخية.
بيير – فرانسوا بيسّـون – swissinfo.ch
(ترجمه من الفرنسية وعالجه كمال الضيف)
يُـعتبر القانون المتعلِّـق بثاني أكسيد الكربون، الأساس الذي تقوم عليه مجمل السياسة المناخية في سويسرا. ويتم حاليا إعداد مراجعة لهذا القانون للفترة التي تلي عام 2012.
تقترح الحكومة أن يتم التقليص من الآن وإلى عام 2020 بنسبة 20% على الأقل من انبعاثات غازات الدفيئة، مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه في عام 1990.
سويسرا مستعدّة لرفع هدف التخفيض إلى 30%، ولكن ذلك يتوقّـف على النتيجة التي ستتمخّـض عن مؤتمر الأمم المتحدة حول المناخ الذي سينعقد في كوبنهاغن من إلى 18 ديسمبر 2009.
المبادرة الشعبية “من أجل مناخ سليم”، تذهب إلى أبعد من ذلك وتدعو إلى إدراج تخفيض بـ 30% على الأقل من الآن وإلى عام 2020 للإنبعاثات في نص الدستور الفدرالي. ومن المنتظر أن تُـعرض المبادرة على تصويت الناخبين قبل حلول صيف 2012.
على المدى البعيد، تؤيِّـد سويسرا الخلاصات التي توصّـلت إليها مجموعة الخبراء الحكوميين حول تطوّر المناخ وتدعو إلى تخفيض عالمي لانبعاثات غازات الدفيئة بنسبة تتراوح ما بين 50 إلى 85% من الآن وإلى عام 2050.
تنظيم مُـشترك يضمّ 6 منظمات سويسرية تنشُـط في مجال التعاون من أجل التنمية، وهي سويس إيد وحركة الصوم وخبز من أجل الآخرين وهيلفيتاس وكاريتاس وإيبير.
يهدِف هذا التحالف إلى التأثير على سياسة سويسرا لفائدة البلدان الفقيرة في مجالات التجارة الدولية والماء والعدالة الجبائية والمناخ أيضا.
يطالب “تحالف الجنوب” سويسرا بأن تُـخفِّـض بـ 40% على الأقل انبعاثاتها من غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2020 وبما لا يقل عن 90% بحلول عام 2050 (مقارنة بمستويات عام 1990)، وذلك باتخاذ إجراءات على المستوى المحلي.
يرى التحالف أيضا أنه يجب على سويسرا مساعدة البلدان الفقيرة على التأقلُـم مع النتائج المترتّـبة عن ارتفاع درجات الحرارة المناخية، التي تشترك في المسؤولية عنها، وتيسير وصولها بأسعار معقولة وبسرعة إلى التكنولوجيات الخضراء.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.