علامة سويسرية من أجل مراكز بيانات رقمية صديقة للبيئة
كلّما حجزنا فندقًا عبر الإنترنت، أو شاهدنا فيلمًا، أو أجرينا مكالمة عبر الفيديو، تستهلك مراكز البيانات في جميع أنحاء العالم الكثيرَ من الطاقة والمياه. وتهدف علامة سويسرية إلى الحدّ من تأثيرات عاداتنا الرقمية على البيئة والمناخ، وجعل البلد الذي تشقّه جبال الألب، مقرًّا رئيسيا لمراكز البيانات، الأكثر مراعاة للبيئة.
أصدر المغنّي البورتوريكي، لويس فونسي، في 2017، أغنية “ديسباسيتو” (Despacito)، الراسخة عبر التاريخ، بـ4.5 مليار مشاهدة، على موقع يوتيوب. وقد تكرّرت مشاهدة فيديو الأغنية، أكثر من ثماني مليارات مرة، حتّى الآن. لكنّ الأكثر إثارة للدهشة، ما تفيده التقديرات المتداولةرابط خارجي، من أنّ استهلاك بثّ هذه الأغنية من الطاقة الكهربائية، يفوق استهلاك 10،000 أسرة في سويسرا، طيلة عام كامل.
وتستهلك مراكز البيانات، المباني الحاوية لخوادم الحواسيب، والبنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، حصّة الأسد من هذه الطاقة. فهي التي تسمح بإدارة سيل البريد الإلكترونيّ، وتخزين الصور سحابيّا، وتشغيل المنصّات على غرار يوتيوب.
«تشكّل مراكز البيانات، ركائز الاقتصاد الرقميّ»
باباك فلسفي، أستاذ علوم الحاسوب، في المعهد التقني، الفدرالي العالي بلوزان
يقول باباك فلسفي، أستاذ علوم الحاسوب، في المعهد التقني، الفدرالي العالي بلوزان (EPFL)، ورئيس الجمعية السويسرية لكفاءة مراكز البيانات (SDEA)، [تكتّل من الشركات والمؤسسات الأكاديمية]: “تشكّل مراكز البيانات، ركائز الاقتصاد الرقميّ. لكن لا يمكن التكهّن بمدى استدامة استهلاكها للطاقة”.
وتستهلك الآلاف من مراكز البيانات، وشبكات الربط عالميّا، حوالياثنين في المائة من الكهرباء في العالمرابط خارجي، وفق الوكالة الدوليّة للطاقة. كما تحتاج أيضًا، إلى كمّيات كبيرة من المياهرابط خارجي، لتبريد خوادم الحواسيب.
ولا يؤدي النموّ السريع للذكاء الاصطناعي إلى ازدياد عدد مراكز البيانات وحجمها فحسب، بل يؤدّي إلى ازدياد استهلاكها للطاقة وبصمتها الكربونيّة، أيضا. ومع ذلك، يمكن لمعايير كفاءة الطاقة الأكثر صرامة أن تقلّل من تأثير مراكز البيانات هذه على البيئة والمناخ، كما يقول باباك فلسفي.
واقترحت الجمعيّة السويسريّة لكفاءة مراكز البيانات، علامة كفاءة جديدة، منذ عام 2020، اكتسبت إشعاعها الدوليّ، هذا العام، فحظيت باهتمام سويسرا وبعض الدول الأوروبيّة الأخرى. أفاد رئيس الجمعيّة، أنّه ابتداء من 16 يوليو، بإمكان جميع الشركات المشغّلة لمراكز البيانات، أو المستأجرة فضاء لخوادمها التسجيل، واستخدام حاسبةرابط خارجي كفاءة الطاقة الخاصة بالجمعيّة، مع إمكانية الحصول على شهادة الكفاءة في نهاية المطاف.
مقياس دقيق
تنصبّ مهمة المؤشر التقليديّ لكفاءة الطاقة (PUE)، على قياس فعاليّة استخدامها. فيقيس كمية الكهرباء التي تستهلكها البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، مقارنة بإجمالي الطاقة المستخدمة في مركز البيانات، ولكنّه لا يوفّر بيانات حول، مدى كفاءة، معدات تكنولوجيا المعلومات، في استخدام تلك الكمّية.
ومن ناحية أخرى، تأخذ علامة الجمعية السويسرية لكفاءة مراكز البيانات، المدعومة من قبل المكتب الفيدرالي السويسري للطاقة (SFOE)، بعين الاعتبار، التوازن الكامل للطاقة في مركز البيانات. بما في ذلك، مثلا: انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من مصدر كهربائي، وكفاءة استخدام الطاقة، بالنسبة إلى خوادم الحواسيب، وأنظمة التخزين، وأجهزة الشبكات.
وتركّز العلامة خاصّة، على إعادة استخدام الحرارة الناتجة عن خوادم الحواسيب. وقد استعمل مركز واحد فقط، عن كل ثلاثة مراكز بيانات في سويسرا، الحرارة المهدورة عام 2019، وفقًا لإحدى الدراساترابط خارجي. فيمكن استعمال هذه الحرارة في تسخين المباني المجاورة، وتشغيل العمليات الصناعية، مما يساعد على تقليل استهلاك الوقود الأحفوريّ.
اهتمام خارجي بعلامة سويسرية
يمكن أن يقرّر مشغّل مركز البيانات، مدى حاجته إلى تعيين مدقق مستقلّ، لتقييم بنية المبنى التحتيّة، أو بنية نظام تكنولوجيا المعلومات، أو كليهما. واستنادًا إلى تقرير التقييم، ومعايير محددة، تمنح الجمعية السويسرية لكفاءة مراكز البيانات، علامة “برونزية” أو “فضية” أو “ذهبية”. وتمتدّ صلاحيّة هذه الشهادة على ثلاث سنوات. ويشجّع التقييم الجديد، بعد هذه الفترة، الشركات المنخرطة على الاستثمار في تدبير توفير الطاقة.
ومنحت الجمعية السويسرية لكفاءة مراكز البيانات، حتى الآن، العلامةَ، ثلاثةَ مراكز بيانات تابعة لشركة “هيوليت باكارد” (Hewlet Packard)، ومجموعة سوق الأسهم السويسريّ (SIX)، وشركة الاتصالات “سويسكوم”(Swisscom).
ورفضت سوق الأسهم، الحائزة على الاعتماد لبنيتها التحتية كاملة، كشف تدابير تحسين كفاءة الطاقة، والوفورات المحقَّقة. في حين تزعم الجمعيّة السويسرية لكفاءة مراكز البيانات، بناءً على نتائج المرحلة التجريبيّة للمشروع، أن تنفيذ متطلبات الحصول على العلامة، يوفّر إلى حدود 70% من الطاقة المستهلكة سابقا.
ويصرّح باباك فلسفي بوجود ثمانية مراكز بيانات أخرى في طور الاعتماد، دون ذكر الشركات المعنية. ويضيف أنّ المناقشات تجري، حاليًا، مع مشغّلي مراكز البيانات في النمسا، وألمانيا، والدول الاسكندنافية.
لا للاستهانة بالرقائق الإلكترونية
يعتبر ماركو بيتيول، الأستاذ بجامعة بادوفا الإيطاليّة، ومؤلف دراسة رابط خارجيحول الاستدامة البيئيّة، لمراكز البيانات، علامة (SDEA)، خطوة نحو الاتّجاه الصحيح. فهي تسمح لهذه المراكز، بقياس تأثيرها بدقة، بما في ذلك انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
“علينا أن لا نستهين بالانبعاثات غير المباشرة، المرتبطة بتصنيع الرقائق الإلكترونية، والأجهزة الرقميّة المستخدمة في مراكز البيانات، جميعها.”
ماركو بيتيول، الأستاذ بجامعة بادوفا الإيطاليّة
لكن، يبدو أنّ لهذا النهج حدودا، لأنه لا يهتمّ سوى بالانبعاثات المباشرة. فيقول بيتيول: “علينا أن لا نستهين بالانبعاثات غير المباشرة، المرتبطة بتصنيع الرقائق الإلكترونية، والأجهزة الرقميّة المستخدمة في مراكز البيانات، جميعها”.
وهو يعتبرأنّ عمر مركز البيانات، يتراوح بين 15 و20 سنة. لكن، عادة ما تُستبدَل المعدّات الرقميّة، لأسباب أمنية، بمعدّل كلّ خمس سنوات.
ريادة سويسرية
كما تسعى الجمعيّة السويسريّة لكفاءة مراكز البيانات، من خلال هذه العلامة، إلى جعل سويسرا دولة مرجعًا، في مجال مراكز البيانات، الصديقة للبيئة.
وتُعدُّ سويسرا، باقتصادها الموجّه نحو الخدمات، واستقرارها السياسيّ، وتكاليف الطاقة التنافسية، أحد البلدان التي تضمّ أكبر عدد من مراكز البيانات لكل ساكن في العالم، وفق موقع (datacentermap.com).
وتعدّ منطقة زيورخ، من بين الأسواق الناشئةرابط خارجي، الأكثر جاذبية لمقدّمي خدمات الحوسبة السحابيّة، إلى جانب منطقة، بحيرة جنيف. كما تعدّ سويسرا أيضًا، إحدى عشرين دولة صناعيّة، تتمتّع بأكبر إمكانات نموّ في مجال الذكاء الاصطناعيّ التوليديّ، وفق تقريررابط خارجي صدر مؤخرًا عن شركة “برايس ووترهاوس كوبرز” (PricewaterhouseCoopers).
ويعتبر أدريان ألتنبرغر، أستاذ تكنولوجيا البناء والطاقة، في جامعة لوتسيرن للعلوم والفنون التطبيقية، والمؤلف المشارك، فيدراسةرابط خارجي حول مراكز البيانات في سويسرا، أنّها بلد مناسب، تماما، لتشغيل مراكز البيانات، بأكثر الطرق محافظة على سلامة البيئة. ويشير إلى الارتفاع الفعلي، لحصّتها من مصادر الطاقة المتجدّدة. ذلك أنّ الطاقة الكهرومائيّة، تمثّل مصدر حوالي 60%، قابلة للتوسّع، من الكهرباء المولدة في سويسرا.
حتى لا تثقل مراكز البيانات كاهل شبكة الكهرباء
ولا يخلو هذا التطور من تداعيات. إذ تستخدم مراكز البيانات في سويسرا، ما يقرب من أربعة في المائة من إجماليرابط خارجي الكهرباء المستهلكة في البلاد. ويتوقّع ألتنبرغر أن “يزداد استهلاكها للكهرباء بشكل كبير”، في السنوات المقبلة. ويحذّر من إمكانيّة اضطرار البلاد إلى فرض قيود، على بناء مراكز بيانات جديدة، لتجنب إثقال كاهل شبكة الكهرباء.
وقد أعلنت شركة الكهرباء الوطنية في أيرلندا، وقفا اختياريا لإنشاء مرافق جديدة، في منطقة دبلن، حتّى عام 2028، لأنّ مراكز البيانات تستخدم قرابة 18% من الكهرباءرابط خارجي في البلاد. كما فرضت ألمانيا وسنغافورة والصين، في الماضي، قيودًا على تطوير مراكز البيانات الجديدة.
ويقرّ ألتنبرغر، بقدرة علامة الجمعية السويسرية لكفاءة مراكز البيانات (SDEA)، على المساعدة على تجنّب مثل هذه النتائج، وتحسين كفاءة مراكز البيانات في سويسرا، “بشكل كبير”. وثمة إمكانية كبيرة لتوفير الكهرباء، ووفق دراسةرابط خارجي أجريت عام 2021، بتكليف من المكتب الفيدراليّ السويسري للطاقة (SFOE)، يمكن لمراكز البيانات في سويسرا، تقليل استهلاكها بنسبة 46%.
لكن، يؤكد ألتنبرغر، ضرورة عدم الاكتفاء باعتماد علامة طوعية، لدفع مراكز البيانات إلى مراعاة البيئة أكثر، والالتجاء إلى إصدار لوائح تنظيميّه، أو قوانين، تحدّد متطلّبات كفاءة الطاقة. فقد ألزم قانون الطاقة لعام 2023، في كانتون زيورخ، مراكز البيانات، بإعادة استخدام الحرارة المهدورة.
و يمكننا جميعا، المساهمة في تقليل استهلاك الطاقة في مراكز البيانات، من خلال تغيير عاداتنا الرقميةرابط خارجي، بكلّ تأكيد. وذلك مثلا، من خلال إفراغ صندوق البريد الإلكترونيّ بانتظام، أو تنزيل المحتوى الرقميّ على الأجهزة، بدلاً من تشغيله عبر الإنترنت، أو تقليل جودة البث. وبعد أن شوهد فيديو كليب “ديسباسيتو” 8 مليارات مرّة، قد يكون الاكتفاء بالاستماع إلى موسيقى الأغنية كافياً.
تحرير: صابرينا فايس
ترجمة: مصطفى قنفودي
مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي/أم
التدقيق اللغوي: لمياء الواد
المزيد
نشرتنا الإخبارية حول التغطية السويسرية للشؤون العربية
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.