مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

كوب 29 يعيد تشكيل قواعد تعويض الكربون… ماذا يعني ذلك لسويسرا؟

ألبرت رشدي
ألبرت روشتي، وزير البيئة والطاقة في سويسرا، يتحدّث إلى وفد صحفي خلال مؤتمر كوب 29 في باكو بأذربيجان، في 22 نوفمبر 2024. باولا دوبراز دوبياس

بعد انقسامات عميقة حول تمويل الدول النامية والجهود المبذولة للحد من الاحترار المناخي، أفضت المشاورات المتعلقة بالمناخ خلال مؤتمر "كوب 29" في باكو، إلى اتفاق سلس نسبيًا، ووضع قواعد جديدة تتعلق بأسلوب مثير للجدل، للحد من انبعاثات الكربون. وقد لاقى هذا الاتفاق ترحيبًا من سويسرا، كثيرة الاعتماد على تعويض انبعاثات الكربون.  

باتت البلدان الممارسة لأنشطة مسببة للتلوّث منذ الإعلان عن اتفاقية باريس للمناخ، قادرة على تنفيذ مشاريع في الخارج لتعويض انبعاثات الكربون، لا سيّما في البلدان النامية. وقد شهدت هذه الآلية ازدهارًا ملحوظًا. وتُعد سويسرا من البلدان السبّاقة في اعتمادها، إذ أبرمت حوالي اثنتي عشرة اتفاقية مع بلدان أخرى، مستبقة بوقت طويل التفاصيل الفنية الدقيقة المعلن عنها رسميًّا، مساء السبت 23 نوفمبر في مؤتمر الأطراف حول المناخ (COP29) في باكو. 

ما هي أرصدة الكربون أو تعويض انبعاثاته؟ 

تتمثّل أرصدة الكربون في شهادات تُثبت تفادي انبعاث كمية معينة من غازاته، أو إزالتها من الغلاف الجوي. ويعادل الرصيد الواحد طنا من ثاني اكسيد الكربون، أو تفادي انبعاثه. 

ويمكن شراء هذه الشهادات وتداولها بين البلدان والشركات، للمساعدة على تعويض انبعاثاتها الكربونية، وتحقيق أهدافها المناخية. وتُعدّ أداة الجهات الممارسة لأنشطة مسببة للتلوث لتقليل الانبعاثات في أماكن أخرى، والعمل في الوقت نفسه على التحوّل نحو أنماط تشغيل أكثر استدامة في مقارها. وتشمل المشاريع المموّلة عبر أرصدة الكربون، مبادرات إعادة التشجير، واعتماد حافلات النقل الكهربائية، وتبني ممارسات زراعية مستدامة، بالإضافة إلى تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه. 

+ توضيح مبدأ “تعويض الكربون” في دقيقتين!

عمّ تنصّ “المادة 6” من اتفاقية باريس للمناخ؟ ولماذا تتعرض للانتقادات؟ 

اتفقت مجموعة من البلدان عام 2015 في العاصمة الفرنسية باريس، على آليتين لإصدار أرصدة الكربون. ويتيح البند الثاني من المادة السادسةرابط خارجي (6.2) للدول الأطراف عقد اتفاقيات ثنائية لخفض انبعاثات الكربون في بلدان أخرى، وإدراج هذه الجهود في خططها للعمل المناخي. وتُعتبر سويسرا من أوائل البلدان الداعمة لهذا النموذج، إذ أبرمت اتفاقيات مع بلدان مثل بيرو، وغانا، وتايلاند، وتشيلي. 

ويتيح البند الرابع من المادة السادسة (6.4)، للجهات العامة والخاصة، وحتى الشركات، تعويض انبعاثاتها والمتاجرة بها داخل ما يُعرف بأسواق الكربون الطوعية. واشترت شركات سويسرية أرصدة كربونية منها، مجموعة متاجر كووب (Coopرابط خارجي)، وعملاق الصناعات الغذائية نستله (Nestléرابط خارجي)، والمتجر الإلكتروني غالاكسوس (Galaxus).  

ورغم إبرام العديد من الاتفاقيات الثنائية والخاصة منذ اتفاق باريس حول التغير المناخي، لم تتشكّل الإرشادات الدولية حول تنفيذ هذه الخيارات حتى يوم السبت الماضي، عندما أُعلن اتفاق باكورابط خارجي. وقد أثّرت المزاعم بتنفيذ ممارسات “الغسل الأخضر”رابط خارجي المرتبطة ببرامج تعويض الكربون التي يديرها مصدر رئيسي للأرصدة في سويسرا، في أسواقه كثيرا. وانتُقد الوضع بأنه “غرب متوحش” يفتقر إلى التنظيم، ما دفع العديد من عمالة القطاع إلى المطالبة بوضع قواعد لإعادة الثقة في النظام. 

كما أعربت منظمات غير حكومية وأطراف ناشطة في مجال المناخ، عن مخاوف من الاتفاقيات الثنائية. فأجرى المركز السويسري للتميز في التعاون الدولي وسياسات التنمية (Alliance Sud)، رابطة منظمات الإغاثة السويسرية، تحقيقا حديثا وضّح فيه مبالغة الاتفاق الثنائي بين سويسرا وغانا، في تقدير تخفيض انبعاثات الكربون بنسبة تقارب 80%. وموّلت سويسرا في إطار المشروع، إمداد العائلات في غانا بمواقد طهي منزلية قليلة التلويث. 

وكشفت صحيفة فاينانشال تايمزرابط خارجي في يونيو، عن وثيقة أعدتها فرقة عمل تشكّلت بإيعاز من أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، توصي الشركات بالامتناع عن استخدام أرصدة الكربون لتعويض الانبعاثات.  

المزيد
حافلة زرقاء اللون في الشارع

المزيد

الأداء الرائد لسويسرا في مجال تعويض الكربون يثير التساؤلات

تم نشر هذا المحتوى على تقترب سويسرا خطوة أخرى من تحقيق هدفها المناخي بفضل الحافلات الكهربائية التي تجوب شوارع بانكوك. لكن هذا النوع من الصفقات يثير انتقادات.

طالع المزيدالأداء الرائد لسويسرا في مجال تعويض الكربون يثير التساؤلات

كما أعربت منظمات غير حكومية وأطراف ناشطة في مجال المناخ، عن مخاوف من الاتفاقيات الثنائية. فأجرى المركز السويسري للتميز في التعاون الدولي وسياسات التنمية (Alliance Sud)، رابطة منظمات الإغاثة السويسرية، تحقيقا حديثا وضّح فيه مبالغة الاتفاق الثنائي بين سويسرا وغانا، في تقدير تخفيض انبعاثات الكربون بنسبة تقارب 80%. وموّلت سويسرا في إطار المشروع، إمداد العائلات في غانا بمواقد طهي منزلية قليلة التلويث. 

وكشفت صحيفة فاينانشال تايمزرابط خارجي في يونيو، عن وثيقة أعدتها فرقة عمل تشكّلت بإيعاز من أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، توصي الشركات بالامتناع عن استخدام أرصدة الكربون لتعويض الانبعاثات.  

ما الجديد في نظام تعويض انبعاثات الكربون؟ 

يفرض الاتفاق حول النظام الجديد لتعويض انبعاثات الكربون في باكو، على الجهات المطورة لمشاريع غير مرتبطة باتفاقيات بين بلدين، أن تتقدّم بطلب لتسجيلها لدى كيان تابع للأمم المتحدة، يُعرف باسم هيئة الإشراف على تنفيذ المادة 6.4 (الهيئة الإشرافية). ويجب أن تحصل المشاريع على موافقتها وموافقة البلد الذي سيُنفَّذ فيه المشروع قبل إصدار شهادات أرصدة الكربون. ويُشترط إثبات فوائد المشاريع الاجتماعية والاقتصادية إلى جانب فوائدها البيئية، مع التركيز على استفادة الفئات السكانية الضعيفة الهشة، والالتزام بحقوق الإنسان. 

وتتحمل الهيئة الإشرافية التابعة للأمم المتحدة مسؤولية إعداد معايير جديدة لتعويض انبعاثات الكربون. 

ويترك “الدليل الإرشادي” الذي طال انتظاره لتعويض الكربون بين الدول في المادة 6،2 للحكومات المعنية، صلاحية الرقابة واتخاذ القرارات الخاصّة بأرصدة تعويض انبعاثات الكربون التي يمكن إصدارها واعتمادها. وتُعرف التعويضات الصادرة في إطار الاتفاقيات الثنائية بين الدول باسم نتائج التخفيف المنقولة دوليًّا.  

ويُلزِم نص الاتفاق في باكو، ذي اللغة التقنية الدقيقة، البلدان بنشر معلومات واضحة حول المشاريع عند اعتماد نتائج التخفيف المنقولة دوليًّا، ليتسنى الاستفادة منها. كما يتعين عليها نشر أي تناقضات قد تؤثر في نزاهة النتائج، مثل الشكوك حول مدى فعالية المشاريع في الحد من الانبعاثات، أو أي مشاكل في أساليب التحقق المستخدمة لضمان صحتها. 

كما وافقت الوفود المشاركة في مؤتمر المناخ كوب 29، على توفير خدمة سجلّ دولية لمساعدة البلدان التي لا تملك الموارد الكافية لتطوير أنظمتها الخاصة لإصدار أرصدة الكربون وتتبعها. 

احتجاجات
احتجاجات في مؤتمر المناخ (COP29) في باكو بأذربيجان، 20 نوفمبر 2024 باولا دوبراز دوبياس

ماذا تقول جهات الرقابة؟ 

 رحّبت مؤسسات من القطاعين الخاص، وتلك المشاركة في تطوير أرصدة الكربون وإصدارها بإعلانات مؤتمر باكو، ورأت أنها تسهم في استعادة الثقة التي ظلّت غائبة عن أسواق الكربون خلال السنوات الأخيرة. وفي الأسبوع الماضي، توقّعت كارولين كاسار دييز، المديرة العليا للمادة السادسة في شركة “ساوث بول” (South Pole)، الناشطة في تطوير مشاريع تعويض الكربون، أن البلدان التي تدخل في اتفاقيات ثنائية بموجب المادة 6.2 قد تتجه في نهاية المطاف إلى تبنّي معايير المادة 6.4 التي تتميّز بتنظيم وهيكلية أوضح. 

ولكن بدت فئات أخرى، كالأطراف الناشطة في مجال المناخ، والمنظمات غير الحكومية، أقل تفاؤلًا. فقد احتجّت مجموعات على “التسرّع” في عملية الإعلان عن سجل سوق الكربون خلال الأسبوع الأول من المؤتمر، مشيرة إلى انعقاد المناقشات النهائية حول المادة 6 مجددًا خلف الأبواب المغلقة. 

وصرّحت كيلي ستون، من تحالف “المناخ والأرض والطموح والحقوق” (Climate Land Ambition and Rights Alliance) غير الحكومي، أن إرشادات المادة 6.4 الجديدة تعكس الكيفية التي “تخلّت بها الحكومات عن مسؤولياتها في ضمان احترام حقوق الإنسان والحفاظ على النزاهة البيئية، وأسندتها إلى مجموعة صغيرة من الأشخاص داخل الهيئة الإشرافية”. وقالت في المادة 6.2: “تفتقر القواعد إلى الشفافية، ولا تكفل تجنب حساب الأرصدة المزدوج، ولن تضمن حماية حقوق الإنسان”. 

ومن جهتها، وصفت إريكا لينون، المحامية المختصة في المناخ بمركز القانون البيئي الدولي (CIEL)، قواعد الاتفاقيات الثنائية للتعويض الجديدة بأنها “أسوأ” من المسودات السابقة، قائلة: “سيحدث غياب المساءلة في العملية، ثغرة كبيرة تهدد نزاهة اتفاق باريس”. 

وأعرب ديفيد كنشت خبير المناخ في منظمة فاستيناكشن (Fastenaktion) السويسرية، عن قلقه من عدم تطلّب القواعد الجديدة نشر معلومات عن المشاريع إلا عند إصدار الشهادات، ما قد يحدث في مرحلة متأخرة جدًا، وقد يؤدي إلى ظهور تناقضات. 

كما أشار إلى تحدّي التكلفة اللازمة لتطوير معايير تداول نتائج التخفيف المنقولة دوليًّا، لا سيّما بالنسبة إلى البلدان النامية. وأضاف: “إذا وجد بلد مثل سويسرا صعوبة في الحفاظ على مستوى عالٍ من المعايير، فكيف سيكون الحال في جميع البلدان النامية التي تعاني أصلًا من مشاكل في القدرات”. 

أثر القواعد الجديدة في سويسرا 

ستساهم القواعد الجديدة في تعزيز قدرة سويسرا والبلدان التي تعوّض عن انبعاثات الكربون فيها، على تحديد شروط اتفاقيات التعويض وفقًا للمادة 6.4. ويأتي ذلك في وقت تواجه فيه سويسرا ضغوطًا متزايدة، لتعويض انبعاثات كربونية تعادل ضعف ما يمكنها تعويضه حاليًا. 

وقد تحدثت سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) الأسبوع الماضي إلى وزير البيئة والطاقة السويسري، ألبرت رشتي، عندما كان في زيارة قصيرة إلى باكو. فأكّد أهمية برامج التعويض بالنسبة إلى بلاده. 

وقال: “بالنسبة إلى سويسرا، من الواضح أننا سنحتاج إلى سوق الكربون لفترة من الزمن قبل إزالته من اقتصادنا”. وضرب مثلا قطاع النقل الجوي، الذي سيعتمد على أرصدة الكربون إلى حين تطوير “الوقود الاصطناعي”. 

+ فضائح تعويضات الكربون تسلّط الأضواء على سويسرا، خلال المؤتمر الدولي لتغير المناخ

وأعرب رئيس الفريق السويسري المفاوض في مؤتمر المناخ، فيليكس فيرتلي، عن ارتياحه الكبير إزاء اعتماد قواعد المادة 6.2 بعد زهاء عقد من المحادثات. 

وقال بعد التصفيق الحار الذي أعقب اعتماد القواعد: “من المهم جدًا أننا أنجزنا الآن دليل قواعد اتفاقية باريس، فلدينا آلية فعّالة وقابلة للتطبيق”. 

وأوضح الخبير في أسواق الكربون، أوليفييه لوجون، أن اعتماد القواعد يعني أن سويسرا والبلدان المتقدمة الأخرى “قد توسّع نطاق أسواق الكربون المعتمدة على المشاريع، لكي تحصل على “ختم” المادة 6.” 

وأضاف أن الجهات الشريكة في البلدان النامية ترى أن المادة 6.2 “مهمة جدا لإزالة الكربون أكثر في الدول النامية سريعة النمو، خصوصًا في قطاعات مثل الزراعة، واستخدام الطاقة، والبناء، والنقل.” 

تحرير: فيرونيكا دي فوري

ترجمة: ريم حسونة

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي/أم

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: سايمون برادلي

هل تستحقّ تعويضات الكربون كلّ هذا العناء؟

هل سبق لك أن دفعت لتعويض انبعاثات الكربون الناتجة عن رحلتك أو استثمرت في خطة لتعويض الكربون؟

4 إعجاب
39 تعليق
عرض المناقشة

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية