مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

لماذا المُسنَّات هنَّ الأكثر عُرضة للتأثُّر بموجات الحرِّ القاتلة؟

P55NHG Bath, UK, 25th June, 2018. As Bath enjoys another hot and sunny day two women are pictured sitting in the sun in front of Bath Abbey, forecasters predict that the warm weather will continue into next week. Credit: lynchpics/Alamy Live News
تتعرض النساء المسنات بشكل أكبر للخطر خلال فترات الحر الشديد، خصوصا عندما تتجاوز درجات الحرارة 30 درجة مئوية Credit: Lynchpics / Alamy Stock Photo

لا تزال موجات الحرِّ القاسية تجتاح الولايات المتحدَّة الأمريكية، والهند، ومناطق أخرى حول العالم. وتؤثّر أكثر، في الفئة المسنّة، وخصوصا، النساء. وقد حظيت هذه المسألة، باهتمام كبير، في حكم قضائيّ تاريخيّ، صدر مؤخّرا، يحمّل سويسرا مسؤوليّة التغيّر المناخيّ. فما الموضوع؟

يُشير بحث جديدرابط خارجي إلى بلوغ الحرارة أوجها في صيف 2023، الصيف الأكثر حرارة، منذ عام 2000 . وليست سويسرا بمنأى عن موجات الحرِّ، فقد اشتدّت حرارة صيفها في الأعوام 2003 و2015 و2018 و2019، وبلغت درجاتها أرقاما قياسية في العامين 2022 و2023.

وقد تزايدت وتيرة موجات الحرّ الخطيرة، وفقًا لتقريررابط خارجي الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وذلك بسبب ارتفاع الحرارة، الناتج عن الأنشطة البشرية المسببة لتغير المناخ. وتُعدّ المسنَّات، لا سيَّما اللاتي تزيد أعمارهن عن 75 عامًا، والمصابات بأمراض مزمنة، الفئة الأضعف أمام موجات الحرِّ، وخاصة إذا فاقت درجات الحرارة 30 درجة مائوية.

وقد أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في أفريل، حكما قضائيا تاريخيا، يُدين سويسرا في قضية المناخ، حول “المسنات وتأثير موجات الحر فيهنّ”، حكم فيه فريق القضاء في محكمة  ستراسبورغ، لصالح جمعية “مُسنَّات من أجل المناخ”، (وهي جمعية، تتألّف من المُسنَّات السويسريات).

يدين هذا الحكم، الحكومة السويسرية، بانتهاك حقوق الإنسان، نتيجة إخفاقها في التصدِّي للمخاطر الناتجة عن تغيُّر المناخ. وكانت هذه الجمعيّة قد تقدَّمت بشكوىرابط خارجي، بسبب تفاقم المشاكل الصحية للمسنات، نتيجة تأثير موجات الحرّ فيهنّ. وأقرَّ حكم المحكمة أنّ موجات الحرّ، يمكن أن تكون سببا، في موت المسنات السويسريات، وأنّهن الأكثر تضرّرا من ضعف سياسات سويسرا المناخية. فأيّ دور لارتفاع درجات الحرارة، في  تعريض المسنات إلى خطر الموت؟

سجلت سويسرا، عام 2022، نحو 500 حالة وفاة، بسبب الحرِّ الشديد، جلّها من الفئة العمرية، من 75 عاما  فأكثر، بلغت نسبة وفيات النساء منها، 06%.  وهو عدد يفوق عدد حالات الوفاة في حوادث السيررابط خارجي.

محتويات خارجية

وأوضحت مجموعة “مُسنَّات من أجل المناخ”، أنّ ارتفاع الحرارة من 22 إلى 23 درجة مئوية، يسبّب زيادة بنسبة 27% في إمكانية وفاة النساء السويسريات، اللواتي يفوق سنّهنّ 75 عاما، (بزيادة تُقدّر ب31% ممن يفوق سنّهن 85 عاما)، وأمّا الرجال، فتزيد إمكانية وفاة من هم من الفئة العمرية بين 75 عاما و84 عاما، بنسبة 21% ، و(تزيد هذه النسبة ب16% لدى من يفوق سنهم 85 عاما)، وذلك بالاستناد إلى بحثرابط خارجي يُسلِّط الضوء على المخاطر الصحية الكبيرة، التي تواجهها المُسنَّات، في دراسة أجراها المعهد السويسري للصحة المدارية والعمومية، عام 2022.

ويقترح البحث شرحا لعوامل ارتفاع الوفيات بين النساء في الأجواء الحارَّة.

عوامل أخرى

وفي واحدة من أكثر الدراسات شمولًا في هذا الموضوع نُشرت عام 2021رابط خارجي، حدَّد فريق بحث من جامعة أمستردام، الأسباب المحتملة، لتأثير ارتفاع درجات الحرارة في النساء أكثر من الرجال، التي منها ما يتعلّق بالاختلاف في معدل التعرُّق؛ إذ تتعرّق النساء بنسبة أقل، وبالتالي لا يتخلصن إلا قليلا من حرارة أجسامهن ، ومنها ما يتعلّق ببذل الدورة الدموية لدى المرأة، جهدا أكبر، عند ارتفاع الحرارة، ومنها ما يتعلّق بتأثير فوارق الطول والوزن، بين المرأة والرجل، في قدرة المرأة على توزيع الحرارة على جسمها كاملا.

قد ينجم عن الإجهاد الحراري مجموعة أعراض، تتراوح في شدَّتها بين، بثور صغيرة حمراء على اليدين، وبين الإغماء. وقد ترتفع درجات حرارة الجسم، في الحالات الخطرة، فوق 39 درجة مئوية (103 فهرنهايت)، فتؤدي إلى ضربة شمس، قد تتسبَّب في تورُّم القلب، وغيره من أعضاء الجسم الباطنية، فتتفاقم بسببها أمراض القلب، والشرايين، وأمراض الجهاز التنفسي، وقد تكون قاتلة في بعض الأحيان. ورغم ذلك، لا يدرك الكثير من الناس مدى خطورة الارتفاع الكبير في درجات الحرارة.رابط خارجي

ويمكن تفسير ارتباط ارتفاع مخاطر الوفاة، لتأثر النساء بارتفاع الحرارة، بأكثر من نظريّة واحدة، حسب مارتينا راجتلي، الباحثة في تأثيرات الحرارة على الصحةرابط خارجي، لدى المعهد السويسري للصحة المدارية والصحة العامة (Swiss TPH) . فتقول في حديث أجرته معها سويس إنفو (SWI swissinfo.ch): “تختلف بعض الآليات الفزيولوجية المنظّمة لدرجة حرارة الجسم،  بين الرجال والنساء. فقدرة النساء،على التعرُّق مثلا،  أقلّ من قدرة الرجال”.

محتويات خارجية

وهي ترى، من بين الأسباب، أنّ المرأة مع تقدمها في العمر، تزداد إمكانية عيشها بمفردها، دون أن تجد من  يذكرها بشرب الماء، إضافة إلى أنّها تتقاضى دخلاً أقل عموما،  وقد تقضي وقتًا أكثر مما يقضيه الرجل خارج المنزل.

 “سؤال ينتظر الإجابة”

تعتقد آنا فيكدو كابريرارابط خارجي، رئيسة فريق التغيّر المناخي والصحة،  في معهد الطب الاجتماعي والوقائي، في جامعة برن، “أن السؤال حول أسباب ارتفاع احتمالية الوفاة، ما زال في انتظار الإجابة”.

وتشير إلى بعض البحوثرابط خارجي التي تتعرّض إلى اختلاف درجة حرارة جسم المرأة أثناء الدورة الشهرية، وفي مرحلة انقطاع الطمث، مما قد يؤثر في انتظام درجة حرارة جسمها، فتقول: “توصّلت بعض الدراسات إلى أنّ النساء أكثر عرضة لمخاطر الحرارة بسبب العمليات الفيزيولوجية”.

وتعتبر آنا فيكدو كابريرا، أن نمط حياة المسنات الأكثر نشاطًا من الرجال، يجعلهنّ معرّضات أكثر، إلى  درجات الحرارة المرتفعة في فصل الصيف، مما قد يُسهم في ارتفاع احتمالية وفاتهنّ.

وفي الوقت نفسه، فإن متوسّط أمل الحياة لدى النساء أعلى منه لدى الرجال. فيبلغ في سويسرا 85 عامًا للنساء، مقابل 81 عاما، فقط،  للرجال. ولذلك، تقول آنا “نتوقع أن يرتفع عدد النساء المعرضات للخطر”.

قُم وقُومي بالنقر على الأزرار الصفراء للمقارنة بيانات الوفيات المرتبطة بالحر لدى مختلف الفئات العمرية.

محتويات خارجية

وبغض النظر عن الأسباب، قد يكون تأثير موجات الحرِّ جسيمًا. إذ يقدر تحليل وبائي مقارن، نشرته مجلة الطبّ الطبيعي (Nature Medicineرابط خارجي)، السنة الماضية، ارتفاع نسبة الوفيات من النساء ب63%، عنها من الرجال، خلال موجة الحرِّ التي اجتاحت أوروبا صيف 2022، كما يقرّ ارتفاع معدلات الوفيات المرتبطة بالحرارة، ارتفاعًا حادًّا، مع التقدم في السنّ.

وقد شهدت دول البحر الأبيض المتوسط: إيطاليا، واليونان، وإسبانيا، والبرتغال، أعلى معدلات للوفيات بالنسبة إلى الكثافة السكانيّة فيها. وقد سجَّلت إيطاليا، أكبر خسارة في الأرواح، بسبب الحرارة، فقد بلغ عدد الوفيات، من النساء والرجال، في إيطاليا: (18،010)، وفي إسبانيا: (11،324)، وفي ألمانيا: (8،173).

أمَّا سويسرا، فقد سجَّلت أرقامًا أقل، بثلث متوسّط أوروبا، مقارنة بهولندا، وبلجيكا، والنمسا 

محتويات خارجية

وعموما، لاحظ فريق البحث أنّ النساء أكثر ضعفًا من الرجال، أمام ارتفاع درجات الحرارة، في جميع البلدان، لا سيَّما النساء من الفئتين العمريتين: 56-79 عامًا، و80 عامًا فأكثر. إذ ترتفع نسبة الوفيات بينهنّ بسبب ارتفاع الحرارة، ب 60% و27% على التوالي. بينما تزيد نسبة الوفيات،للسبب نفسه، بين الرجال من الفئة العمرية: 0-64 عامًا، عن 43%. وقد سُجِّلت أعلى معدلات الوفاة، في جميع دول البحر الأبيض المتوسط ، بين النساء.

وقد توصّلت دراسةرابط خارجي نشرتها جامعة برن العام الماضي، حول وفيات صيف 2022، المرتبطة بالحرارة، في سويسرا، إلى الاستنتاجات ذاتها. وجاء في الدراسة أن الاحتباس الحراريّ العالمي، الناجم عن الأنشطة البشرية، تسبَّب في موت نحو 60% من 623 حالة وفاة سويسرية، 90% منهنّ، من النساء البالغات من العمر 65 عاما. وقد فاق عدد الوفيات من النساء، عموما،  عدد الوفيات من الرجال، بينما كان عدد الوفيات من المسنّات هو الأعلى على الإطلاق.

وتقول آنا فيكدو كابريرا: “لولا تغيّر المناخ الناجم عن الأنشطة البشرية، لما توفّي 370 شخصًا، في سويسرا،  نتيجة لموجة الحرِّ، في صيف 2022”.

المزيد

نقاش
يدير/ تدير الحوار: باتريسيا إيسلاس

ما الذي يُمكن القيام به لحماية الناس من آثار موجات الحر؟

في أجزاء كثيرة من العالم، يُعاني الناس بشكل متزايد من الحرارة الشديدة. كيف تتعامل شخصيا مع ارتفاع درجات الحرارة؟

63 تعليق
عرض المناقشة
المزيد
أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سويسرا بالفشل في مكافحة التغير المناخي وانتهاك حق الحياة لمجموعة من المسنات.

المزيد

ردود فعل دولية على الحكم التاريخي بإدانة سويسرا في قضية المناخ

تم نشر هذا المحتوى على أدانت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان سويسرا بالفشل في مكافحة التغير المناخي وانتهاك حق الحياة لمجموعة من المسنات.

طالع المزيدردود فعل دولية على الحكم التاريخي بإدانة سويسرا في قضية المناخ

تحرير: فيرونيكا دي فوري

ترجمة النص : ريم حسونة

ترجمة الرسوم البيانية: عبد الحفيظ العبدلي

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية