المنحى الخطير للعلاقات العربية الأمريكية
مع اقتراب الذكرى الثالثة لهجمات سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة يرى خبراء في شؤون العلاقات العربية الأمريكية أن الفجوة بين العرب والولايات المتحدة آخذة في الاتساع.
ومن أهم التساؤلات المطروحة اليوم: هل سيصل الأمر بها إلى مستوى “الصراع بين الحضارات” الذي روج له البعض في موفى الثمانينات؟
تغذي سلسلة من التطورات تمر بها العلاقات العربية الأمريكية فكرة اتساع الهوة بين مواقف الأطراف العربية وبين مواقف القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم:
أولا: اقتراب الموقف الأمريكي إلى ما يصل إلى حد التماثل مع موقف شارون إزاء كيفية التعامل مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والسماح له بعرقلة خارطة الطريق وبناء السور واقتطاع المزيد من الأراضي الفلسطينية.
ثانيا: التخلي عن سياسات أمريكية تقليدية لمجرد إظهار المساندة لإسرائيل مثل موقف بوش من المستوطنات وحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
ثالثا: عملية غزو العراق واحتلال الولايات المتحدة لدولة عربية وهي سابقة تاريخية تجعل العرب ينظرون إلى الولايات المتحدة كامتداد لمرحلة الاستعمار البريطاني والفرنسي لأراضيهم.
رابعا: تصاعد التهديدات الأمريكية لسوريا وإيران يعمق الشعور بأن الولايات المتحدة تسعى للهيمنة الإقليمية وتنفيذ خطة القرن الأمريكي الجديد التي رسمها المحافظون الجدد.
خامسا: التصعيد المحتمل ضد السودان حول أزمة دارفور حتى بعد أن رضخت حكومته للضغوط الأمريكية وقبلت بتقاسم السلطة والثروة مع الجنوبيين.
سادسا: تردي العلاقات الأمريكية مع الدول العربية الصديقة خاصة السعودية ومصر وانحسار علاقات التعاون الاستراتيجي معها.
سابعا: نزوع الولايات المتحدة إلى تجاهل التشاور مع الأطراف العربية حول خطط الإصلاح قبل طرح مبادرتها المسماة “الشرق الأوسط الكبير” على مجموعة الدول الصناعية الكبرى مما زاد الشكوك العربية حول رغبة واشنطن في فرض التغيير على العالم العربي.
ثامنا: استخدام الإعلام في شيطنة كل طرف للطرف الآخر. فبينما سعت قناة فوكس الأمريكية إلى تأليب الرأي العام الأمريكي على العرب والمسلمين، نشطت بعض القنوات الفضائية العربية في شيطنة الطرف الأمريكي مما أدى في النهاية إلى تزايد مستوي المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في العالم العربي وفي المقابل إلى تقلص عدد الدول العربية المفضلة لدى الشعب الأمريكي.
تغيرات هيكلية في العلاقات العربية الأمريكية
ويري الدكتور عبد المنعم سعيد رئيس مركز الدراسات الاستراتيجية بالقاهرة والباحث الزائر حاليا بمعهد بروكنجز في واشنطن أن هناك منظومة من التغييرات الهيكلية تعتري العلاقات العربية الأمريكية من بينها:
أولا: نزوع الولايات المتحدة إلى استخدام تعبير الشرق الأوسط عند الحديث عن المنطقة العربية والكف عن استخدام تعبير”العالم العربي”.
ثانيا: محاولة خلق نوع من التطابق بين ما هو عربي وما هو مسلم كمفاهيم استراتيجية فيما يتعلق بالمصالح والتهديدات وإمكانيات العمل ودمج الدول العربية والإسلامية في شرق أوسط كبير يمتد من المغرب وحتى إندونيسيا.
ثالثا: اختراق الحدود بالتأثير الأمريكي في مجريات الأمور من داخل العالم العربي وليس من خارجه.
رابعا: تبدل آليات التغيير الأمريكي المطلوب بحيث لم تعد الولايات المتحدة تستبعد اللجوء إلى استخدام القوة لتغيير النظم السياسية في العالم العربي.
ونبه الدكتور عبد المنعم سعيد إلى أن تورط عدد من العرب المسلمين في هجمات سبتمبر الإرهابية قبل ثلاثة أعوام أحدث صدعا في العلاقات العربية مع النظام العالمي ووفر الفرصة للحديث عما يسمي بصراع الحضارات على الأقل في الخطاب السياسي المطروح من الطرفين العربي والأمريكي واتخذ ذلك عدة أشكال:
1-التأثير السلبي على القضية الفلسطينية التي كانت جزءا هاما من منظومة العلاقات العربية الأمريكية بحيث انهار التركيز الأمريكي على خلق نظام ينطوي على السلام والتعاون في المنطقة ليحل محله تحول رئيسي في الموقف الأمريكي من المستوطنات وحق العودة من خلال خطاب الضمانات الذي سلمه بوش لشارون والسماح له بتجزئة المرحلة الأولى من خارطة الطريق إلى عدة مراحل أدت إلى تأجيل احتمالات تنفيذها من المستقبل المتوسط إلى المستقبل البعيد.
2- تآكل العلاقات التقليدية بين الولايات المتحدة ومن يسمون بالمعتدلين العرب كالسعودية ومصر من خلال تعاون دام ربع قرن لتحقيق أهداف استراتيجية مشتركة هي تحقيق السلام وحماية أمن الخليج والحفاظ على استقرار المنطقة.
3- احتدام المجابهة بين منظومة القيم لطرفي العلاقات العربية الأمريكية وخلق صور نمطية سلبية لدى كل طرف عن الطرف الآخر بحيث أصبحت نظرة الطرف الأمريكي إلى العرب متمثلة في أن العرب بدو يتسمون بالشراسة ولا أمان لهم وبوسعهم الانحدار إلى مستويات وحشية كقطع الرقاب كما أن عقلية البازار تسيطر عليهم فيغرقون في المساومة على أشياء لا تستحق التفاوض كما أنهم منافقون يدعون الفضيلة ولكنهم يقبلون على رقص البطون العارية وهم أثرياء بترول ولكنهم لا يستخدمون ثرواتهم في تنمية بلادهم ولدى العرب مبرر لنسف الآخرين ولا يجدون غضاضة في اللجوء إلى الإرهاب كما أنهم رجعيون يعيشون على أمجاد الماضي. وعلى الطرف الآخر، حدث تشويه لصورة أمريكا عند العرب الذين ينظرون الآن إلى الطرف الأمريكي على أنه يتعامل مع العالم بعقلية راعي البقر الذي لا يعبأ بالقانون ويسرف في استخدام القوة بدون مبرر وأنه محكوم بنزعة استعمارية تجعل منه امتدادا لتاريخ طويل من النظام الاستعماري العالمي، كما ينظر العرب إلى الطرف الأمريكي على أنه رأسمالي مستغل يمتص دماء الفقراء والعمالة الرخيصة وأن اليهود الأمريكيين مسيطرون على الاقتصاد والإعلام بل والقرار السياسي وبالتالي لا يفسر الطرف العربي أي إجراء أمريكي إلا من خلال نظرية التآمر واستهداف العرب والمسلمين وأن الطرف الأمريكي يقوم بدور الصليبيين الجدد ولكنهم جبناء يهربون من الالتحام المباشر كما حدث في بيروت والصومال.
4- تناقص الاعتماد المتبادل بين الطرفين العربي والأمريكي في مجالات التجارة والسياحة وكافة أشكال التعاون الأخرى.
5- انحسار التفكير الاستراتيجي المشترك بين الجانبين وتحوله إلى مجالات محدودة تختلف بحسب سخونة الموقف من فلسطين إلى الإصلاح ثم إلى مكافحة الإرهاب بحيث لم يعد هناك تصور استراتيجي مشترك يجمع بين الولايات المتحدة وأصدقائها التقليديين في العالم العربي.
سبل تحسين العلاقات
ويقترح الدكتور جون ديوك آنتوني مدير مجلس العلاقات العربية الأمريكية في واشنطن عدة سبل يمكن من خلالها تجاوز هواجس صراع الحضارات وتحسين العلاقات العربية الأمريكية:
أولا: أن يظهر قادة الولايات المتحدة القناعة والشجاعة المطلوبة لاتخاذ كل ما من شأنه تحقيق المصالح القومية الأمريكية وعلى رأسها اتخاذ موقف نزيه من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ينطوي على دور الشريك الكامل القادر على اتخاذ مواقف حاسمة من الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع للأراضي الفلسطينية.
ثانيا: أن يظهر الكونجرس والحكومة الأمريكية استعدادهما للقيام بدور متوازن ونزيه في التعامل مع الدول العربية استنادا إلى المعرفة والتفاهم.
ثالثا: الكف عن التصرف بمعزل عن خبرات وتجارب أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة العربية والبدء في التشاور معهم والاستماع لوجهات نظرهم.
رابعا: أن تبذل كل من الحكومة الأمريكية والكونجرس قصارى جهودهما للتأكد من أن القرارات والإجراءات التي يقدمان عليها تدعم أفضل مصلحة للولايات المتحدة وليس مصلحة دولة أخرى.
خامسا: مع التسليم بأن القانون الأمريكي يسمح لجماعات الضغط بممارسة التأثير على صناعة القرار، فإنه ينبغي ألا يؤدي مثل ذلك القرار إلى إلحاق الضرر بمصالح الولايات المتحدة في العالم العربي لمجرد إرضاء طرف خارجي.
ويري السفير المصري في واشنطن نبيل فهمي أن هناك مسئولية ضخمة تقع على عاتق الطرفين العربي والأمريكي لمواجهة التنافس بين دعاة الكراهية وبين غلاة المتحمسين القوميين لدق إسفين بين الولايات المتحدة من جهة والعرب والمسلمين من جهة أخرى. ونبه إلى الحاجة للدخول في شراكة أقوى للتعامل مع الساعين لمواجهة ليس لها ما يبررها بين الحضارة العربية والإسلامية من جهة وبين الحضارة الغربية والولايات المتحدة من جهة أخرى.
ونفى السفير المصري أن يكون هناك تناقض بين القيم العربية وبين القيم والمبادئ الأمريكية، وقال إنه ليس بمقدور الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في عالم اليوم أن تتجاهل مصالحها الحيوية في منطقة الشرق الأوسط، لذلك يجب أن تسعى لأن يكون لها علاقات طيبة مع دول المنطقة وعلى رأسها مصر.
أما ما يتعين على الطرف العربي عمله للخروج من الأزمة الحالية في العلاقات العربية الأمريكية فيلخصه الدكتور عبد المنعم سعيد بقوله:”يجب أن يسعى العرب إلى الخروج من هذه الأزمة لأن استمرارها سيعني زيادة في التدهور الحضاري والأخلاقي في نظرة كل جانب إلى الجانب الآخر وإهدار المزيد من الفرص التي سنحت للتقريب بين مواقف الطرفين مما سيؤدي في نهاية المطاف إلى السماح للمتطرفين بتوسيع نطاق الأزمة وتحويلها إلى صراع للحضارات ينطوي على تعميق الكراهية”.
ويرى الخبير الاستراتيجي أن أفضل السبل الاستراتيجية للتعامل مع الأزمة الراهنة في العلاقات العربية الأمريكية هو الابتعاد عن التصعيد نحو المواجهة ومد يد التعاون لرأب الصدع الذي حدث، كما يجب على الطرف العربي كذلك أن يخرج من عملية التراجع الحالي إلى مبادرة للتعاون والتفاهم مبنية على توفير الحوافز للولايات المتحدة عن طريق إقناعها بأن كل خطوة تتخذها للتوصل إلى حل عادل وشامل للمشكلة الفلسطينية ونهاية مبشرة بالخير للشعب العراقي ستضيف مكاسب جديدة تكسبها المصالح الأمريكية في العالم العربي والعالم الإسلامي.
وأعرب الدكتور عبد المنعم سعيد عن أمله في أنه إذا نجح المرشح الديمقراطي جون كيري في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة فإنه سيكون قادرا على الاستفادة من الأخطاء التي وقعت فيها إدارة بوش في تعاملها مع العالم العربي وأن يكون أحرص على التعاون مع الأطراف العربية الصديقة للولايات المتحدة إلا أنه نبه إلى أن هناك قناعة أمريكية أفرزتها هجمات سبتمبر قبل ثلاثة أعوام ولن تتغير بتغير من يجلس في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، وتتلخص هذه القناعة في أن الأوضاع السائدة في العالم العربي أصبحت السبب الرئيسي في وصول أيادي الإرهاب إلى المدن الأمريكية لتهدد الأمن القومي الأمريكي وأنه يتعين إجراء تغييرات أساسية في منظومة الأوضاع القائمة في المنطقة العربية وبالتالي – يقول الخبير المصري – فكل ما يمكن أن يتغير إذا وصل جون كيري إلى سدة الرئاسة ربما يكون اختلاف طريقة التعامل مع كيفية إدخال تلك التعديلات على الأوضاع القائمة في العالم العربي في إطار الجهود الأمريكية للتعامل مع خطر الإرهاب.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.