المنظمات غير الحكومية تحت المجهر
أطلقت "الشركة العامة للمراقبة" (SGS) يوم 13 نوفمبر في زيوريخ نظاما جديدا لتقييم أداء المنظمات غير الحكومية.
وقد حصُلت المؤسسة السويسرية للتعاون التقني (Swisscontact) المتخصصة في مجال المساعدة من أجل التنمية على الدرجة الأعلى في المؤشر الجديد.
تحولت المنظمات غير الحكومية في العشريات الأخيرة إلى عنصر أساسي في المشهد الدولي وإلى شريك ضروري في عمليات الإغاثة والمساعدة الإنسانية وإدارة المشاريع التنموية في مختلف بقاع العالم.
كما أصبحت عشرات الآلاف من منظمات المجتمع المدني في بلدان الشمال والجنوب على حد السواء مصدر استقطاب هائل لحوالي 100 مليار دولار سنويا من التبرعات والهبات الفردية والجماعية والمساعدات الحكومية والدولية المختلفة.
وفيما تفوق موازنات كبريات المنظمات غير الحكومية في العالم مثل كير (Care) والصندوق العالمي لحماية البيئة (WWF) وأوكسفام (Oxfam) والسلام الأخضر(Greenpeace) ثلث مليار فرنك، تدير العديد من المنظمات الأخرى مثل “أرض البشر” و”منظمة العفو الدولية” و”أطباء بلا حدود” سنويا موارد مالية بعشرات الملايين من الفرنكات.
وقد شهدت الأعوام الأخيرة اندلاع بعض الفضائح الناجمة عن سوء التصرف والسرقات في عدد من المشاريع الموكولة إليها وهو ما أدى إلى ازدياد الطلبات المقدمة من جانب الجهات المانحة للحصول على تقييم موضوعي ودقيق لعمل هذه المنظمات وكفاءتها من أجل التأكد من سلامة قراراتهم بتمويل هذه المنظمة أو تلك وتقديم مساعدة لهذا المشروع أو ذاك.
حاجة ملحة
لذلك لم يكن مستغربا أن تقدم “الشركة العامة للمراقبة” (SGS) الرائدة في مجال التدقيق المالي والإداري على ابتكار نظام جديد لتقييم أداء المنظمات غير الحكومية تُمنح بمقتضاه شهادة أو مؤشر يقيس مدى حسن الإدارة والتسيير والشفافية فيها.
وقد جاء الإعلان عن هذه الخطوة يوم الأربعاء الماضي (13 نوفمبر) في ندوة صحفية عقدتها المؤسسة في زيوريخ، أوضح خلالها مديرها العام رولف ياكر أن منح هذه الشهادة يرمي إلى “تمكين المانحين من انتقاء المنظمات غير الحكومية بناء على مقاييس الجودة والنجاعة” على حد قوله.
وذكّـر السيد ياكر بأن المبالغ الضخمة التي تُدفع للمنظمات غير الحكومية من أجل تنفيذ مشاريع تنموية وإغاثية في شتى أنحاء العالم لا تُترجم في بعض الأحيان إلى إنجازات بالجودة المطلوبة وفي الآجال المحددة.
ونظرا لما سُجل من حالات فساد وسوء تصرف وتبذير في السنوات الأخيرة ولافتقار معظم المنظمات غير الحكومية إلى الشفافية المطلوبة في مجالات التصرف في مواردها المالية والبشرية، فقد تنامى الطلب الدولي على معايير تساعد على تشكيل فكرة دقيقة عن أوضاع المنظمات ومدى التزامها بمقاييس الرقابة والشفافية والجودة المتعارف عليها دوليا.
ترويج عالمي
وقد دفعت هذه المعطيات “الشركة العامة للمراقبة” (SGS)، وهي بالمناسبة أكبر مؤسسة رقابة وتقييم على المستوى العالمي، إلى اتخاذ قرار بترويج الأداة الجديدة عبر فروعها المنتشرة في 120 بلدا بعد أن قامت بتجربتها في سويسرا للمرة الأولى مع المؤسسة السويسرية للتعاون التقني (Swisscontact).
وقد استغرقت عملية تقييم أداء المنظمة السويسرية العاملة في مجال المساعدات التنموية ما بين ثلاثة وأربعة أيام طرحت فيها على العاملين والمسؤولين فيها 80 سؤالا وبتكلفة قدرت بحوالي 10 آلاف فرنك حسبما أفاد به مديرها العام أورس إيغر.
وشملت عملية التقييم هياكل المنظمة والتصرف المالي والإداري والموارد البشرية وأجهزة التسيير والإستراتيجية المتبعة والنتائج المتحصل عليها والأخلاقيات المتبعة وكيفية استعمال التبرعات. هذا وتتراوح التقييمات الممنوحة ما بين “AAA” في أعلى السلم إلى “D” في أدناه.
فوائد متعددة
وأوضح أولي ستيلي من المؤسسة السويسرية للتعاون التقني (Swisscontact) التي حصلت على أعلى درجة في التقييم الجديد أن “هذه العملية ذات انعكاسات مزدوجة”. فهي تقدم من ناحية جملة من التوصيات للمنظمات غير الحكومية لتصحيح أخطاء موجودة في التصرف أو في استراتيجيات التحرك، وتوفر للمتبرعين والمانحين إمكانية جدية لتقييم نجاعة أداء المنظمة التي يرغبون في تمويلها من ناحية أخرى.
وقد اعتمدت مؤسسة SGS في إعداد المؤشر الجديد على خصائص مؤشر الجودة “إيزو-9000” المعمول به عند تقييم المؤسسات الإقتصادية الخاصة لكنها أدخلت عليها بعض التنقيحات كي تتلاءم مع خصوصيات عمل المنظمات غير الحكومية.
ومن المرتقب أن يتحول المؤشر الذي ستحصل عليه المنظمات غير الحكومية بناء على أسلوب التقييم الجديد في ظرف وجيز إلى مرجع رئيسي في عمليات اختيار الحكومات والمؤسسات الدولية والمالية للهيئات التي تُسند إليها مهمة إنجاز مشاريع ذات طابع تنموي أو إغاثي أو في إطار التعاون التقني مع بلدان الجنوب.
ترحيب وتحفظات
وقد استقبل الإعلان عن هذا المؤشر الجديد بحماس متحفظ من جانب بعض الأطراف المعنية. ففي الوقت الذي أعرب فيه متحدث باسم منظمة كاريتاس عن ترحيبه بالفكرة، قال أندريه سيموناتزي مسؤول البرامج في منظمة المساعدة السويسرية (Swissaid) التي تحصل على 45% من ميزانيتها من دائرة التعاون والتنمية بوزارة الخارجية: “ليس لدينا اعتراض من ناحية المبدإ” لكنه أبدى بعض التحفظ على التقييمات التي تتجاهل طبيعة العلاقات البشرية القائمة في المشاريع التي تشرف عليها المنظمات.
وقال في تصريحات نقلتها عنه صحيفة سويسرية: “إن المنظمات غير الحكومية ليست شركات يمكن تقييم أداءها بناء على رقم معاملاتها”.
وفي انتظار اتساع نطاق العمل بالمؤشر الجديد، يذكّـر عدد من المراقبين بأن المنظمات غير الحكومية السويسرية التي تتقدم بطلبات للجهات المانحة للحصول على تمويلات لمشاريعها وبرامجها تحتاج بداهة إلى إقامة الدليل على شفافية معاملاتها.
كما يلفتون النظر إلى أن مؤسسة Zewo السويسرية بدأت منذ عدة سنوات في إسناد “علامة جودة” خاصة للمنظمات غير الحكومية وإلى أن بعض المنظمات المهمة مثل كاريتاس حصُلت بعدُ على شهادة الجودة إيزو9001:2000!
كمال الضيف – سويس إنفو
المؤسسة السويسرية للتعاون
(Swisscontact)
منظمة سويسرية غير حكومية تأسست في عام 1959 من طرف عدد من كبار رجال الأعمال
تتوزع مشاريع المؤسسة على إفريقيا (7 بلدان) وأمريكا اللاتينية (8 بلدان) وآسيا (7 بلدان) وفي أوروبا الشرقية (3بلدان)
يتركز اهتمامها على مجالات التكوين المهني وتطوير المؤسسات الصغرى والمتوسطة وتحسين شروط الإدخار والقرض وحماية البيئة
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.