المواد الاعلامية الاباحية.. تجارة قانونية أم إمتهان لحقوق الانسان؟
في شهر ديسمبر الماضي تصدرت الأنباء السويسرية خبر القبض على زوجين سويسريين في الهند بتهمة استغلال الأطفال وتصويرهم في أفلامٍ جنسية فاضحة.
وكانت السلطات الهندية قد باغتت الزوجين في غرفتهما بفندق في بومباي أثناء تصويرهم لأطفال مشردين في أوضاع غير أخلاقية.
الاشمئزاز والنفور الذي قوبل به هذا الخبر كان مبعثه استغلال الزوجين لأطفال لم يصلوا بعد لسن البلوغ. وهى جريمة بكل المقاييس وفى كل الأعراف والمواثيق. لكن الغريب بالفعل هو أن لا يقابل نفس التصرف، أي تصوير الإنسان في أوضاع جنسية وخلاعية، بردة فعل مماثلة عند ممارسة البالغين لها. لكنها تجارة.
تجنى صناعةُ الجنس الدولية أرباحا تزيد عن العشرين مليار دولار سنويا. ويؤكد بعض الباحثين أن هذا الرقم يظل متواضعا، فأرباحُ هذه التجارة تفوق ذلك بأضعاف. وهى تجارةٌ بحق. تباع فيها المرأة وُتشترى وتمتهن كسلعةٍ لها ثمن. لا بل إن بعضَ النساء يقبلن على هذا العمل سعيا وراء عائداته المالية المغرية؛ ففي بعضِ دولِ أوروبا الشرقية، تشيرُ مجلة الايكونوميست الصادرة في الرابعَ عشر من فبراير لعام ثمانية وتسعين، تحصل المرأة التي تعمل في مجال الدعارة على عائد شهري يصل إلى خمسةِ آلاف دولار، في الوقت الذي يقلُ فيه معدلُ الدخل الشهري عن مئتين وخمسين دولار.
إحدى قطاعات هذه الصناعة هي تجارة المواد الإعلامية الإباحية، أو البورنو، التي يتم فيها تداولُ مشاهد جنسية فاضحة بأساليب مختلفة. وهى أيضا تدر أرباحا وفيرة. فوفقا لبعض الإحصائيات تصل العوائد السنوية للأفلام الجنسية في الولايات المتحدة وحدها إلى اكثر من مليارى دولار سنويا. كما أن الأفلام الجنسية تشكل الربع من كل الأفلام التي يتم بيعها أو استئجارها في محلات الفيديو.
يعرف بيير أندريه فاجنر، المحامى والباحث السويسري في التكييف القانوني للمواد الإعلامية الإباحية، يعرف البورنو، من زاوية موضوعية قانونية محايدة، فهي تمييزٌ ذو مضمون جنسي ضدَ فئةٍ نوعيهٍ محدده، أي المرأة. استخدام مثل هذا التعريف يعنى ببساطة أنه يشمل كلَ وسائل الأعلام والموادِ الإعلامية، مثل الأفلام والمجلات، التي ُتظهرُ المرأة بصورةٍ جنسية تسئ إليها. فلا يكفى، يؤكد فاجنر، أن يكون موضوع المادةِ الإعلامية جنسيا، بل لابد أن تظهر المرأةَ بصورة مشينة وتمييز يه.
ويكتسبُ هذا التعريف أهميةً خاصة، نظرا لوجودِ نوعيةٍ أخرى من الموادِ الإعلامية ذاتِ المضمون الجنسي التي لا تعتبر إباحية في المنظور الغربي. موسوعةُ الانكارتا على سبيل المثال، تؤكدُ على هذا الفرق بين مواد البورنو، ومواد الايروتيكا، Erotica، أو الموادِ الإعلامية المثيرة للشهوة، التي لا تحتوى على مشاهد جنسية فاضحة، بقدر ما تهدف إلى دغدغة الحواس وإثارة الغرائز ولكن بصورة تظهر المرأة كندٍ للرجل.
وعلى عكسِ صناعةِ الدعارة، التي ُتعدُ من أقدمِ المهن التي برزت في تاريخ البشرية، فإن ظهورَ مواد الأعلام الإباحية مرتبطٌ بالتطور التاريخي للمجتمعات الصناعية الغربية. حيث يرى المحامى بيير اندريه فاجنر أن أساليب العمل في المجتمع الغربي هي التي أدت إلى ظهور المواد الإعلامية الإباحية وانتشار صناعتها:
” فلكي تتمكن المجتمعات الصناعية من تغطية مطالبها المتزايدة، كان لابد من ابتكار أسلوب للعمل يعتمد بشكل أساسي على الفرد. نجاحُ الفرد في هذه البيئة العملية كان مرهونا بقدرته على العمل لأوقات طويلة وبصورةٍ مستقلة. كان عليه أن يكون مرنا وان يسخر حياَته بصورة أو بأخرى للعمل. بيد أن الثمن الذي دفعه كان باهظا. حيث اصبح من الصعب عليه أن يجد وقتا كافيا لإقامة علاقة عاطفية عميقة. لاسيما وان إقامة علاقة حب حقيقية بين رجل وامرأة تتطلب تخصيص وقت كاف لها. لكن الوقت اصبح عملة صعبه في هذا المجتمع.”
من هنا كان لابدَ من البحثِ عن حلٍ يتماشى مع متغيرات السرعة اللاهثة؛ يشبعُ من غرائز الفردِ الجنسية دون الحاجةِ إلى إقامةِ علاقةٍ إنسانية عاطفية. مثلُ هذا الحل، كما يشير فاجنر كان كنعمةٍ هبطت من السماء تتماشى مع احتياجات الفرد. الموادُ الإباحية، من مجلات أو أفلام، من هذا المنظور، لا تختلف كثيرا عن الدعارة، فالفرقُ الوحيد بينهما أن الرجلَ لا يمارس الجنس مباشرة مع المرأة، لكنه بالتأكيد يستهلكها كبضاعة؛ بضاعةٍ صنعت خصيصا لإرضاء خيالاته.
يضرب بيير أندريه فاجنر، المحامى والباحث السويسري في التكييف القانوني للمواد الإعلامية الإباحية، يضرب مثلا على ذلك: “أعطيك مقارنه بسيطة توضح هذا الرأي. المواد الإباحية هي شبيهه بالوجبات السريعة، كساندويتش هامبورجر من ماكدونالد على سبيل المثال، فهي أكلات تشبع الشخص دون إعطاءه أي فائدة غذائية حقيقية. وبنفس القياس، فإن إشباعَ مشاعر الإنسان العاطفية هي حاجةٌ بشرية طبيعية. ولكن، لان نمط حياَتنا اليومية جعل من السبيل الطبيعي لإشباع هذه العاطفة أمرا صعبا؛ ولان البعض اصبح غير راغب في بذل الجهد اللازم لإقامة مثل هذه العلاقة الإنسانية، كان من الأسهل اللجوء إلى المواد الإباحية، كوجبة جنسية سريعة.”
لكن إذا كانت طبيعة الحياة العصرية المادية، ووتيرتها اللاهثة قد وفرت الأساس لإنتاج المواد الإباحية فلماذا تلاقى الموادُ الإباحية كل هذا الإقبال في مختلف أرجاء العالم؟ لا يعتقد بيير اندريه فاجنر أن الرجال في إقبالهم على شراء واقتناء مواد البورنو يسعون فقط إلى إشباع غرائزهم الجنسية. المسألة ليست بهذه البساطة. هم يبحثون أساسا عن صورةٍ جنسية للمرأة تظهرُها بمظهرِ الخضوع والدونية وتجعلهم يشعرون بأنهم الأقوى والأفضل: “المصيبةُ في مواد البورنو هي أنها تظهرُ المرأة كما لو كانت جاريه لاتسع إلا لإشباع جوعِ الرجلِ الجنسي. ولو كانت هذه الصورة الدونية للمرأة محصورة فى إطار المجلة أو الفيلم الخلاعي لربما هان الأمر. لكنها تتعداها إلى المجتمع. فالمديرُ الذي يتعاطى المواد َالإباحية لن ينظر إلى زميلته كإنسانة ذات كفاءه وقادرة على العطاء، بل كبضاعة رخيصة لمتعةٍ جنسية سريعة.”
من جانب آخر، أثبتت بعضُ البحوث التي أجريت في هذا المجال، أن الأشخاص المتعاطين لموادِ البورنو يصبحون اقل حساسية تجاه أعمال العنف ضد النساء. فقد وجد الباحثون أن الأفراد الذين يشاهدون فيلما جنسيا، ثم يوَاجهون بعد ذلك بمشهد تغتصبُ فيه أمراه، لا يعتبرون ما يحدث اغتصابا، بل هو في نظرهم مجرد مشهد جنسي آخر.
وبنفس السياق، لا تقتصر التأثيراتُ الاجتماعية للأعلام الإباحي على الفرد المتعاطي لموادها، بل تتعداها بالتأثير المباشر على المرأة التي تعمل في هذا المجال:” موادُ الأعلام الإباحية تعتمد بطبيعة الحال على النساء اللاتي يمثلن مشاهد البورنو الجنسية. وأنا لن ادعى أن كل هؤلاء النساء أجبرن على العمل في مجال الأعلام الإباحي، فمنهن من انخرطن فى هذه المهنة بمحض إرادتهن. وهنا يجب أن أنبه إلى بحوثٍ أجريت على هذه الفئة النسائية وأظهرت أن معظمهن تعرضن لحوادث اغتصاب واستغلال جنسي في مرحلة الطفولة. ولكنى سأفترض أن الغالبيةَ اختارت أن تمارس العمل الإباحي، ومثل هذا الافتراض في رأيي هو مصيبة في حد ذاته، إذ أنه يعنى أن مواد الإباحية بمضامينها الدونية والاستغلالية للمرأة أصبحت أمرا مقبولا في المجتمع إلى الحد الذي يدفع ببعض النساء إلى تمثيلِ تلك المشاهد دونَ إحساسٍ بالخزي أو الخجل.”
لعل ألادهى من كل هذا، على حد تعبير بيير اندريه فاجنر، أن مثل هذه القبول لاستغلال المرأة الجنسي في مجال الأعلام الإباحي يسودُ في مجتمعٍ يؤكد على أهمية المساواة بين الرجل والمرأة. لكنه نوعٌ من الانفصام، بين مجتمعٍ يطالب بضرورة حصول المرأة على كافة حقوقها وتوفير المجال لها لممارسة تلك الحقوق، وبين واقعٍ يتغاضى عن امتهان بشعٍ لجسد وروح تلك المرأة . بل لكرامة الإنسان بصورة عامه.
القانونُ السويسري يحرم البورنو الثقيل، الذى يتعدى الإباحية وامتهان الكرامة الإنسانية إلى العنف والاعتداء على الطفولة، تحريما قاطعا ويجرمه. لكنه لا يعتبر البورنو الخفيف خرقا أو انتهاكا للعدالة، ويقتصرُ دورُه في هذا الصعيد على تنظيمِ استعمال المادة الإباحية. فهو يمنع بثها في الأماكن العامة، ويحظر عرضها على من هم دون السنِ القانونية. لكن بيير اندريه فاجنر المحامى والباحث فى التكييف القانوني للمواد الإعلامية الإباحية، يعتقد أن عدمَ تجريم مواد البورنو فيه انتهاك صريح لنصوصِ الدستور السويسري. فالمادةُ الثامنة من الدستور السويسري تنص على تحريم التمييز بسبب النوع. ولان مواد البورنو اعتمادا على تعريفِه هي في جوهرها تمييزٌ ضدَ النساء، يصبح من الواجب اتخاذ خطوات تمنع من هذا التمييز والاستغلال.
إلهام مانع
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.