مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الموقف الليبي في مجلس الأمن.. الأسباب والأبعاد

هكذا بدت مدينة القدس القديمة من موقع المقبرة التي دفن فيها يوم 7 مارس 2008 أحد طلبة المدرسة الدينية الذين قتلوا في الهجوم الذي نفذه فلسطيني مساء الخميس في القدس الغربية Keystone

اتهمت واشنطن ليبيا بعرقلة صدور قرار عن مجلس الأمن الدولي لإدانة الهجوم الذي نفذه مسلح فلسطيني مساء 6 مارس الجاري على مدرسة دينية يهودية في القدس الغربية.

كما اتهمت إسرائيل ليبيا، بأنها “الدولة الأكثر ممارسة للإرهاب في العالم”، وبأن وجودها في مجلس الأمن يرقى إلى مستوى “اختراق الإرهابيين” للمجلس.

جاءت هذه الاتهامات في غمار معارضة ليبيا لإصدار قرار رئاسي من المجلس يُـدين الهجوم إلا إذا تم ربطه بالعمليات العسكرية الإسرائيلية التي شهدها قطاع غزة مؤخرا.

لتحليل الموقف الليبي، التقت سويس إنفو بالدكتور إبراهيم كروان، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة يوتا بالولايات المتحدة وأجرت معه الحوار التالي.

سويس إنفو: ما هو تقييمك للموقف الليبي والإصرار على الربط بين إدانة الهجوم على المدرسة اليهودية وبين إدانة العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة؟

دكتور إبراهيم كروان: بغض النظر عن الدوافع التي يمكن أن تكون وراء الموقف الليبي، فإن أحد أبرز الدوافع هو الاستجابة للشعور بالغيظ والاستياء الشديد في أوساط الرأي العام العربي، بل وآراء شعوب أخرى كثيرة في العالم اليوم إزاء الطريقة التي تطبِّـق بها الولايات المتحدة سياساتها على صعيد المنظمات الدولية، وخاصة حينما يتعلق الأمر بالوضع الفلسطيني الإسرائيلي، وبالتالي، أعتقد أن ليبيا توصَّـلت إلى قناعة بأنه سيكون في وسعها – في ظل الظروف الحالية – تحقيق مكاسب سياسية على مستوى الرأي العام العربي، بل والعالمي، باتخاذ موقف علني رافض للمسلك الأمريكي، بدلا من خيار أسهل، وهو السير في فلك الخط الأمريكي.

ويجب أن نلاحظ في هذا الصدد، أنه لا توجد لليبيا حاليا مواقف متشدّدة أو حادة إزاء قضايا تتعلق بالشرق الأوسط، وأنه توجد لدى ليبيا رغبة جادة وحقيقية لتحسين علاقاتها، خاصة مع الولايات المتحدة ومع الغرب بشكل عام، غير أن ليبيا لا تريد تحقيق ذلك الهدف على حساب انتمائها العربي أو بغضّ النظر عن المواقف التي تتخذها الولايات المتحدة ودول الغرب من القضايا العربية.

سويس إنفو: وهل يعني هذا أن الموقف الليبي شكل مفاجأة للولايات المتحدة في مجلس الأمن؟

دكتور إبراهيم كروان: نعم، فوِفقا للمعايير الأمريكية في تدجين وتليين مواقف الدول، يتباهى المسؤولون الأمريكيون بدورهم في تعديل مسار ليبيا ويضربونها مثالا على الدول التي كانت تتبع خطا متشددا أو تنتهج مواقف راديكالية، ثم أمكن للولايات المتحدة إحداث تغيير جوهري في مواقفها إزاء قضايا متعددة في المنطقة، على رأسها السعي لحيازة أسلحة الدمار الشامل.

وفي هذا السياق، تصورت الولايات المتحدة أن ليبيا ستتبع دوما ما يصفه المسؤولون الأمريكيون بسياسات معتدلة تتماشى مع الخط الأمريكي بدون أي تحفظات، لذلك، فوجئت واشنطن بأنه رغم رغبة ليبيا في تحسين علاقاتها مع الغرب، فإنها تريد الاحتفاظ لنفسها بقدر من الاستقلالية والكرامة، وأرى في ذلك ذكاء سياسيا من ليبيا، حيث أن موقفها يتجاوب مع موقف الرأي العام العربي والإسلامي المستنكر لتصاعد حدة الاستخدام المفرط للقوة الإسرائيلية ضد المدنيين في غزة، ولعل ليبيا تكون بذلك الدولة العربية الوحيدة التي خرجت عن الصّمت الجماعي العربي، فهي تثبت بذلك وجود استثناء لحالة الصمت التي انتابت القيادات العربية من المحيط إلى الخليج!

سويس إنفو: وبماذا يمكن تفسير انتقاد السفير الأمريكي في الأمم المتحدة زالماي خليل زاد لموقف ليبيا، ومحاولته تبرير ازدواجية المعايير بأن الضحايا في غزة هُـم ضحايا مدنيون أثناء عمليات عسكرية، بينما الهجوم على المدرسة اليهودية عمل إرهابي؟

دكتور إبراهيم كروان: لا تريد السياسة الأمريكية أن تُـقر بوجود ازدواجية في معاييرها وهي تتعامل مع طرفي الصراع، وبالتالي، لجأ السفير الأمريكي إلى التذرع بفارق تِـقني بين أنواع الضربات، ولكنه تناسى أن الأهم هو تحديد الأسباب وتوصيف النتائج. وفاته، أنه لا يمكن الفصل بين أفعال إسرائيل في غزة ورد الفعل في القدس الغربية. و

قد جاء الموقف الليبي بمثابة تذكرة قبل مؤتمر القمة العربي المزمع عقده في دمشق، بضرورة أن يستفيق النائمون ويتَّـخذون موقفا عربيا أكثر جدية، وإلا فسيسمح القادة العرب لإسرائيل بالتمادي والمُـضي قدما نحو مواقف أكثر سوءً يتعذّر معها الحديث عن أي عملية سلام بين العرب وإسرائيل.

سويس إنفو: تطرقت في إجابتك لمسألة المعايير المزدوجة، فكيف تفسِّـر صمت مجلس حقوق الإنسان على الهجمات الإسرائيلية على غزة لستة أيام وإدانته الفورية لصواريخ القسام؟

دكتور إبراهيم كروان: تفسيري هو أن العديد من دول العالم تحرص على عدم إغضاب القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم باتِّـخاذ مواقف مناهضة للمواقف الأمريكية، ويظهر هذا الحِـرص في تصويت الدول في المحافل الدولية، مثل مجلس الأمن أو مجلس حقوق الإنسان أو غيرها، وخاصة فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث تجد الدول نفسها أمام خيارين، إما أن تسجل موقفا يتماشى مع مبادئها ومع اتفاقيات جنيف والمواثيق الدولية الأخرى أو تتجنب إغضاب المارد الأمريكي، فتذعن وتنضم هي الأخرى إلى الموقف الأمريكي المنحاز إلى الجانب الإسرائيلي، ويجب أن نتذكر أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطا في المحافل الدولية للحيلولة دون تسلُّـل المعارضة لسياساتها وللممارسات الإسرائيلية إلى المنظمات الدولية.

ولعل الموقف الأمريكي الحالي ينطوي على رسالة، مفادها أنه يجب توقع ضربات إسرائيلية أكثر إيلاما لردع أي هجمات من قطاع غزة على جنوب إسرائيل.

إسويس إنفو: راهن كثيرون على احتمال أن يطرأ تغيير على سياسة واشنطن فيما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي بتغيير رئاسة البيت الأبيض، فبم تفسر التناغم الذي جمع بوش وأوباما وهيلاري كلينتون في التنديد بالهجوم الفلسطيني والصمت على الهجوم الإسرائيلي في غزة؟

دكتور إبراهيم كروان: يجب أن ندرك أن الحزبين الديمقراطي والجمهوري يتنافسان حول الكثير من الأمور وأن القيادات السياسية الأمريكية قد تختلف في الرأي حول العديد من القضايا، ولكن حينما يتعلق الأمر بالصراع العربي الإسرائيلي، تتفق الأحزاب المتنافسة والزعماء الأمريكيون، القدامى والجدد، حول مسألة التأييد المطلق لإسرائيل وضمان أمنها من خلال تأمين الحفاظ على تفوقها النوعي على الدول العربية مجتمعة، بل وربط أمن إسرائيل بالأمن القومي الأمريكي.

ولذلك، يدرك الساعون للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لخوض معركة انتخابات الرئاسة الأمريكية، سواء باراك أم هيلاري، أن مجرد التلميح بأي تأييد مشروط لإسرائيل، مثل الإشارة إلى دعوة إسرائيل إلى الحد من الاستخدام المفرط للعنف خاصة مع المدنيين الفلسطينيين، سوف يُـسفر عن تقلص لفرص نجاحهما في الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، وإضعاف الموقف السياسي لمن يتجاسر على إبداء أي رأي متوازن، وبالتالي، لاحظنا أن كل القادة والزعماء والمرشحين، سواء للرئاسة أو للكونغرس، يعملون لإظهار تأييدهم لإسرائيل ألف حساب، في ضوء معادلة أمريكية لا تتغير بتغير الرؤساء، وهي انصر إسرائيل ظالمة أم مظلومة، بغض النظر عما تقوم به من أعمال وما تثيره بأعمالها من ردود أفعال.

أجرى الحوار في واشنطن: محمد ماضي

الأمم المتحدة (رويترز) – اتهمت الولايات المتحدة ليبيا بمنع مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة من إدانة “هجوم إرهابي” على مدرسة دينية يهودية في القدس، لكن طرابلس طالبت “بإجراء متوازن”.

وصاغت الولايات المتحدة مشروع بيان، نوقش في جلسة طارئة لمجلس الأمن، دُعي إليها لمناقشة هجوم شنه مسلح فلسطيني في مدرسة دينية يهودية بالقدس لغربية أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص على الأقل وإصابة 10 آخرين بجروح.

وقال مشروع البيان “يدين أعضاء مجلس الأمن بأقوى العبارات الممكنة الهجوم الإرهابي الذي وقع في القدس في 6 مارس 2008 والذي أسفر عن وفاة وجرح عشرات من المدنيين الإسرائيليين.”

وكان الوفد الأمريكي يأمل أن يوافق المجلس، المؤلف من 15 عضوا على المشروع بالإجماع، لكن ليبيا يساندها بضعة أعضاء آخرين بالمجلس حالوا دون تبنِّـيه.

وقال زالماي خليل زاد، السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة للصحفيين بعد اجتماع المجلس، “لم نتمكن من الوصول إلى اتفاق، لأن الوفد الليبي بمساندة وفد أو وفدين آخرين، لم يشأ أن يُـدين هذا العمل في حد ذاته، لكنه أراد ربطه بمسائل أخرى.”

وسعى الليبيون إلى أن يتضمن البيان، إدانة للهجمات الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة، والتي أودت بحياة أكثر من 120 فلسطينيا، بينهم مدنيون كثيرون.

ورفض خليل زاد هذا.، قائلا إن قتل طلاب في مدرسة، مختلف عن القتل غير المتعمد للمدنيين، مثلما حدث في غزة، واتفق معه السفير الروسي فيتالي تشوركين، الذي قال “أن نرى أناسا يقتحمون مدرسة دينية ويفتحون النار على الطلاب، فذلك شيء ينبغي أن يعطي المرء فرصة للتريث والتفكير في موقفه، خصوصا أولئك الذين يهتمون بالدين”، وأضاف أن الهجوم الذي شنه مسلح فلسطيني كان “عملا إرهابيا فرديا واضحا.”

وقالت قناة المنار التلفزيونية، التابعة لحزب الله الشيعي اللبناني، إن جماعة تطلق على نفسها (كتائب أحرار الجليل – مجموعة الشهيد مُـغنية وشهداء غزة)، أعلنت المسؤولية عن الهجوم، ولم تذكر القناة أي تفاصيل.

واغتيل عماد مغنية، القائد العسكري لحزب الله في تفجير في دمشق الشهر الماضي، واتهم الحزب إسرائيل بالمسؤولية عن اغتياله، ونفت إسرائيل أن يكون لها يي دور.

وانتخبت ليبيا لعضوية مجلس الأمن العام الماضي، بعد أن تخلت واشنطن عن اعتراضاتها وانضمت إلى المجلس في يناير الماضي.

ووجه دان غيلرمان، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة كلمات حادة إلى ليبيا، وأشار إليها على أنها الدولة المسؤولة عن تفجير طائرة ركاب بان امريكان فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية في عام 1988، والذي قتل فيه حوالي 270 شخصا.

وقال غيلرمان “مما يؤسف له أن هذا هو ما يحدث عندما يتسلل الإرهابيون إلى مجلس الأمن”، مشيرا إلى فشل المجلس في تبني البيان الأمريكي.

وسخر إبراهيم الدباشي، نائب السفير الليبي لدى الأمم المتحدة من هجوم غيلرمان قائلا “لسنا في حاجة إلى شهادة لحسن السلوك من النظام الإرهابي الإسرائيلي”، وأضاف أنه ينبغي للمجلس أن لا يتحدث عن هجوم القدس، بينما يتجاهل الوضع في غزة، ومضى قائلا “إذا كان للمجلس أن يتخذ أي إجراء، فانه يجب أن يكون إجراء متوازنا ويجب أن يدين القتل في غزة وكذلك القتل في القدس.”

واعترضت ليبيا في مطلع الأسبوع على استخدام كلمة “الإرهاب” لوصف الهجمات الصاروخية الفلسطينية على إسرائيل في مشروع بيان للمجلس يعرب عن القلق بشأن العنف في غزة.

وقالت إسرائيل إن الهجمات الصاروخية، كانت السبب في هجومها الواسع على غزة وقرارها في يناير إغلاق جميع المعابر الحدودية مع القطاع، الذي سيطرت عليه حركة حماس الإسلامية بعد أن هزمت القوات الموالية للرئيس الفلسطيني محمود عباس في يونيو2007

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 7 مارس 2008)

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية