مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

النزيف الأخطـــر!

كرّمت كل الدول العربية العالم المصري الأمريكي أحمد زويل عند حصوله على جائزة نوبل.. لكن الدول العربية لا تملك الوسائل الملائمة للحفاظ على قدراتها وكفاءاتها البشرية Keystone

أظهرت آخر إحصائيات صادرة عن المنظمة العربية للتنمية الصناعية تفاقم ظاهرة هجرة العلماء العرب إلى الدول الغربية.

وبيّـنت هذه الإحصائيات أن ثلث الكفاءات العلمية التي تنتقل من البلدان النامية إلى الغرب مهاجرة من المنطقة العربية، لاسيما إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا.

في الصيف القادم، تحتضن الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري في مدينة الإسكندرية على شاطئ البحر المتوسط، مؤتمرا حول هجرة العلماء والكفاءات العربية إلى الخارج.

ما استدعى الدعوة لعقد هذا المؤتمر الذي تنظمه الأمانة العامة للجامعة العربية وعدد من المنظمات العربية المتخصصة، ما كشفته الأرقام عن الخسائر المهولة التي تلحق بالمستقبل الاقتصادي والعلمي والتنموي العربي من جرّاء هجرة الكفاءات والعلماء العرب أو ما يُـعرف بهجرة الأدمغة.

وأقرت ورقة قدّمتها المنظمة العربية حول التصور الأولي لعقد هذا المؤتمر للتنمية الصناعية والتعدين التي يُـوجد مقرها بالعاصمة المغربية الرباط أن هجرة الأدمغة العربية نحو دول الشمال معضلة بالنسبة للبلدان العربية وتُـمثل جرحا يثخن الجسد العربي وتقف حاجزا في طريق التنمية العربية من خلال استنزاف العنصر البشري وهو “الثروة الأهم والأغلى من بين العوامل الضرورية للنهوض بتنمية حقيقية متينة وقابلة للتطور والاستمرار”.

وتقول الورقة التي حصلت سويس انفو على نسخة منها إن 50% من الأطباء و23% من المهندسين و15% من العلماء من مجموع الكفاءات العربية المتخرّجة يُـهاجرون إلى أوروبا والولايات المتحدة وكندا. وتؤكّـد الورقة على أن الأطباء العرب العاملين في بريطانيا يُـشكّـلون حوالي 34% من مجموع الأطباء المهاجرين العاملين هناك.

وذكرت الورقة أن الدول العربية تُـساهم في ثلث هجرة الكفاءات والعقول من البلدان النامية، رغم أن هجرة الأدمغة تكلف الدول العربية سنويا حوالي مليار ونصف مليار دولار أمريكي، كما أن الخسائر التي مُـنِـيت بها هذه الدول من جراء هجرة الأدمغة بلغت حوالي 11 مليار دولار في السبعينات.

الضعف الهيكلي.. والسياسي

وتُـشير الورقة إلى أن الأسباب الأساسية الدافعة إلى هجرة الكفاءات والعقول العربية نحو الغرب، تكمُـن في ضُـعف قدرة الدول العربية على استيعاب أصحاب الكفاءات، وفقدان الارتباط بين أنظمة التعليم ومشاريع التنمية إلى جانب البيروقراطية الإدارية والأنظمة المتخلفة للخدمة المدنية وضعف وتدهور الإنتاج العلمي والبحثي في البلاد العربية وزيادة اعتماد غالبية الدول العربية على الكفاءات والعقول الأجنبية، بالإضافة إلى الريادة العلمية والتكنولوجية ومناخ الاستقرار، الذي تتمتّـع به الدول الجاذبة للهجرة والتي تستفيد من هذه العقول دون مقابل.

وتُـحذّر ورقة المنظمة العربية للتنمية الصناعية والتعدين من أن كل التقارير تُـشير إلى أن هجرة الأدمغة العربية بازدياد مضطرد نظرا لاستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الدول العربية، وأن لذلك آثارا خطيرة على هذه الدول التي صرفت موارد مالية وإنسانية وبذلت جهودا لتعليم وتدريب هذه الكفاءات التي تحتاج إليها في تنمية مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والتخطيط والبحث العلمي والثقافة.

وكانت دول عربية مثل العراق والجزائر وليبيا قد وضعت ضمن مخططاتها في السبعينات والثمانينات استعادة العقول والكفاءات العربية المهاجرة، وشكّـلت لجانا جالت في عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة لإقناع هؤلاء بالعودة للوطن العربي للمساهمة في مشاريع النهضة العمرانية والصناعية التي كانت تعرفها تلك الدول.

ولم تعرف هذه المحاولات نجاحا كبيرا لطغيان المنهجية الإيديولوجية والسياسية على عمل هذه اللجان أو تعامل الإدارات في هذه الدول مع الكفاءات التي عادت، ولأسباب أخرى، تذكر منها الورقة افتقاد الدول العربية لمشاريع تنموية شاملة وتوكيل تنفيذ المشاريع التنموية الكبرى لشركات أجنبية للاستثمارات والمقاولات وفق نموذج “تسليم المفاتيح”، أي تولي الشركات الأجنبية تنفيذ المشروع من الألف إلى الياء.

محاولة جديدة لاستقطابهم

وفي الصيف القادم، وعلى مدى ثلاثة أيام، سيتدارس العشرات من المسؤولين المتخصصين والفنيين العرب مشكلة هجرة الكفاءات والعقول العربية إلى الغرب، إذ من المقرر أن يشارك في المؤتمر، إضافة للمنظمين، مسؤولون في وزارات العمل والتعليم العالي والصناعة والزراعة والاقتصاد ومراكز الأبحاث العلمية والجامعات العربية ومجالس البحث العلمي و50 عالما وخبيرا عربيا مهاجرا.

كل هؤلاء سيتدارسون الأسباب التي أدّت إلى هذه الهجرة التي تكبِّـد كل الدول العربية بلا استثناء خسائر فادحة مالية وبشرية، وأيضا سيتدارسون كيفية وقف هذا النزيف البشري واستعادة هذه الثروة التي تُـعتبر الرأسمال الحقيقي لأية تنمية ولأي تقدم في أي ميدان من الميادين.

لكن السؤال المؤلم الذي سيبقى مطروحا، إن كانت الحكومات العربية ستستفيد مما سيخلص إليه هذا المؤتمر، أم ستكون الخلاصة كغيرها من خلاصات اللقاءات العربية التي توضع في الخزائن.. وتُـنسى؟

محمود معروف – الرباط

ثلث العقول المهاجرة من الدول النامية إلى الدول الغربية تأتي من العالم العربي
75% من العقول العربية المهاجرة تذهب إلى الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية