النفط العربي: نعمة أم نقمة؟
"البترول العربي، عامل منافسة كبير في العلاقات الدولية"، عنوان محاضرة تطرق فيها الخبير البترولي نيكولا سركيس إلى دور العامل النفطي فيما يجري في العراق.
واعتبر سركيس أن عدم قدرة الإنتاج على مسايرة الارتفاع في الطلب على النفط، سيؤدي إلى إذكاء المنافسة والرغبة في السيطرة على منابع ومصادر النفط.
في إطار الاجتماع السنوي للغرفة التجارية العربية السويسرية حاضر نيكولا سركيس يوم الخميس 22 أبريل الجاري في جنيف الخبير الدولي في مجال البترول ومدير المركز العربي للدراسات البترولية في باريس عن الدور الذي يلعبه البترول العربي في مجال العلاقات الدولية اليوم.
لتوضيح الدور الذي لعبه ولا زال يلعبه النفط في مجال العلاقات الدولية، ذكر السيد سركيس بأن إنشاء الغرفة التجارية العربية السويسرية قبل ثلاثين سنة كان بدون شك نتيجة للأزمة البترولية التي عرفها العالم في سنة 1973.
كما ذكر الحضور بما تتناقله وسائل الإعلام منذ عام عما يجري في العراق، قبل أن يتساءل بصوت عال عن “الموقف الذي كان سيتخذه الأمريكيون من العراق لو كان يصـدّر الطماطم أو الحمص؟”.
اهتمام مبالغ فيه.. لماذا؟
ومع الإعتراف بأهمية الدور الذي يلعبه البترول في العلاقات الدولية، تساءل الخبير الدولي في مجال النفط عن هذا الإهتمام المبالغ فيه بالنسبة للنفط في الوقت الذي “لا يتجاوز فيه حجمه “1,8% من مجموع الصادرات في العالم”.
الجواب على ذلك يكمن – حسب السيد سركيس – في الصدمة التي أحدثتها الأزمة النفطية في عام 1973، والتي لم يتمكن العالم من تجاوزها إلى حد الآن. يضاف إلى ذلك تزايد وتيرة اكتشاف آبار النفط في مناطق متعددة من العالم وتراجع استغلال مناجم الفحم الحجري والتأخر المسجل في تطوير مصادر الطاقة البديلة والمتجددة.
أما العامل الآخر – والأهم في نظر الخبير الدولي – فيتمثل في المعطيات الجيولوجية التي شاءت أن يوجد الإحتياطي العالمي من النفط في المناطق التي لا تستهلكه بكثرة، وأن تضم منطقة الشرق الأوسط ثلثي الاحتياطي النفطي العالمي وهي منطقة تشهد منذ فترة طويلة عدم استقرار مزمن يثيرر مخاوف المستهلكين حيثما كانوا من أن يتحول النفط يوما ما إلى مادة نادرة وسلعة مفقودة في الأسواق العالمية.
زيادة الاستهلاك .. أكيدة
وعلى الرغم من تعدد المؤسسات الكبرى التي تُـعـنى بالشؤون النفطية على المستويين الدولي والوطني على غرار “الوكالة الدولية للطاقة” (مقرها باريس)، أو منظمة الدول المصدرة للنفط (مقرها فيينا) أو الإدارة الأمريكية للطاقة، إلا أنها “تجمع على توقع ارتفاع الطلب على استهلاك البترول في المستقبل”، حسب تأكيد السيد سركيس.
ويرى الخبير الدولي أن هذا التطور في ارتفاع الاستهلاك يشكل تحديا قد يصعب على وسائل الإنتاج مسايرته. فقد ارتفعت نسبة استهلاك النفط من 40 مليون برميل يوميا في عام 1973 إلى حوالي 80 مليون برميل يوميا اليوم. وهناك توقعات بأن تبلغ نسبة استهلاك النفط في عام 2025 الى حوالي 120 مليون برميل يوميا، أي بزيادة 40 مليون برميل عن الأرقام الحالية.
أما الآمال التي كانت معقودة على إضافة مصدرين جدد للنفط مثل الصين فقد تبددت بعد أن تحولت بايجينغ إلى “مستورد للنفط قبل عشرة أعوام، وهي اليوم تحتل المرتبة الخامسة عشرة في سلم المستوردين في العالم، وقد تصبح بعد بضعة أعوام في حاجة الى استيراد حوالي عشرة ملايين برميل يوميا أي النسبة التي تستوردها الولايات المتحدة الأمريكية اليوم” مثلما يشرح السيد نيكولا سركيس.
تشكيك في جدية التوقعات
لكن الخبير الدولي في مجال البترول حذر، استنادا الى دراسات نشرها في الولايات المتحدة الأمريكية معهد استشاري معروف “سايمنس آند كومباني”، من مخاطر التمادي في توقعات ارتفاع الاستهلاك، دون مراعات للقدرات الإنتاجية في مجال النفط.
ففيما يتعلق بإنتاج الأربعين مليون برميل يوميا التي يحتاج لها العالم خلال العشرين عاما القادمة يرى السيد سركيس أن هناك ضرورة لاكتشاف قدرات انتاجية نفطية تفوق بست مرات الطاقات الإنتاجية الحالية للعربية السعودية.
يضاف الى ذلك التساؤل حول قدرة الآبار النفطية الحالية في الحفاظ على قدراتها الإنتاجية بالمستوى الحالي خلال السنوات القادمة. وفي هذا السياق، استشهد السيد سركيس بما عرفته آبار النفط في منطقة بحر الشمال خلال السنوات الأخيرة من تراجع وانتهي الى التشكيك في جدية هذه التوقعات التي تنشر هنا وهناك متسائلا عما إذا كانت “ترتكز على دلائل واقعية أم انها مجرد هذيان “؟.
مـزيد من الإضطرابات؟؟
وفيما اعترف الخبير النفطي بأن الكل يجمع على “ارتفاع حجم المبادلات البترولية خلال السنوات القادمة بشكل هام”، إلا أنه تساءل عما إذا كان حجم الإنتاج النفطي سيتماشى مع هذه المتطلبات، كما أن عامل السعر يبدو – من وجهة نظره – من أهم العوامل التي “يجب العودة إليها عند الحديث عن استهلاك وانتاج البترول” واعتبر أن “النفط متوفر ولكن بأي سعر يمكن إنتاجه؟”.
وفي محاضرته دافع السيد سركيس عن الدول المنتجة موضحا أنها ليست وحدها المسؤولة عن تحديد أسعار النفط مشيرا الى الدور الذي تلعبه كبريات الشركات البترولية وإلى دور دول مؤثرة كالولايات المتحدة الأمريكية.
وأشار إلى أن من بين العوامل المتدخلة في تحديد سعر النفط، مدى احتداد المنافسة بين الدول المستهلكة فيما يتعلق بتأمين التزود بالطاقة، وقدرتها على تأمين مخزون بترولي استراتيجي، ومدى التقدم الحاصل في مجال تطوير مصادر طاقة بديلة، يضاف إلى ذلك التنافس القائم بين الدول المنتجة للنفط نفسها من أجل “تأمين أكبر دخل ممكن”.
وفي الختام أقـر مدير المركز العربي للأبحاث البترولية بأن “المنافسة الكبرى هي اليوم بين الدول المستهلكة وبين كبريات الشركات البترولية التي ترغب في بسط نفوذها على مصادر الإنتاج النفطي بمساعدة بعض القوى، على غرار ما يجري اليوم في العراق”.
لذلك يبقى التساؤل قائما ومشروعا: إذا كان ما يجري في العراق حاليا مجرد استمرار لتطبيق هذه الاستراتيجية التي شُـرع فيها من قبل في أفغانستان، فهل سيعني ذلك توقع حدوث المزيد من الاضطرابات في المنطقة العربية عموما وفي البلدان المنتجة للنفط فيها بوجه أخص؟ سؤال لم يُجب عنه نيكولا سركيس في جنيف.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
يقدر الطلب الحالي على البترول بحوالي 80 مليون برميل يوميا
في عام 2025 قد يصل الطلب إلى حدود 120 مليون برميل يوميا
يصل إنتاج دول منظمة أوبك إلى 31 مليون برميل يوميا
هناك حاجة لاكتشاف آبار جديدة تفوق طاقة إنتاجها 6 مرات القدرات الحالية للسعودية
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.