النفط مقابل الغذاء.. أم الرشاوى؟
اتخذت الشكوك حول التلاعب في برنامج "النفط مقابل الغذاء" أبعادا جديدة، بعدما تكشف أن شخصيات كبيرة وشركات لامعة قد تكون متورطة في رشاوى مدفوعة إلى النظام العراقي السابق.
وهذا ما دفع الأمين العام للأمم المتحدة إلى اتخاذ قرار بتشكيل لجنة تحقيق ثلاثية لبحث هذا الملف الشائك والمعقد.
لاشك في أن الحديث عن السياسة المالية للنظام العراقي السابق، لا سيما في السنوات العشرة الأخيرة من حكم صدام حسين، هو أشبه شيء بالدخول في كهوف ومغارات غير واضحة المعالم، أما عندما تكون الأمم المتحدة طرفا في الحديث، فإنه يكتسب بعدا خاصا.
ويرى السويسري مارك بيت، أستاذ قانون العقوبات في جامعة بازل وعضو لجنة التحقيق التي شكلتها الأمم المتحدة، أن النظر في هذه القضية يهدف أولا إلى إنقاذ سمعة الأمم المتحدة، التي لم يسلم موظفوها من الشائعات.
هذه الشائعات انطلقت بعدما تم التشهير بنظام صدام حسين، على اعتبار أنه يستغل برنامج “النفط مقابل الغذاء” كغطاء للحصول على رشاوى من كبريات الشركات لتمكينها من إبرام تعاقدات بغير حق أو بشروط غير عادلة من خلال هذا البرنامج الذي اعتمدته الأمم المتحدة كأحد الوسائل التي يمكن من خلالها تقليص معاناة المدنيين من انعكاسات الحصار الذي تم فرضه على العراق اثر غزوه واحتلاله للكويت عام 1990.
ثم تطورت تلك الشائعات لتشمل دولا وشخصيات ذات أسماء لامعة على اعتبار أنها متورطة أيضا في الاستفادة من هذا البرنامج بشكل غير قانوني من خلال دفع رشاوى لأركان النظام العراقي السابق، كما أشارت أصابع الاتهام إلى الأمم المتحدة ذاتها وموظفيها أو أبناء كبار موظفيها، على أنهم منحوا تسهيلات للشركات دون وجه حق.
وستقوم اللجنة، التي اختار الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان أعضاءها، بالتحقيق في المزاعم التي تقول بأن النظام العراقي السابق تمكن في الفترة ما بين عامي 1995 و2003 من منح بعض الشركات الدولية امتيازات معينة للحصول على تعاقدات في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء، مقابل رشاوى ضخمة بلغت في مجملها 5 مليارات دولار.
دائرة الاشتباه تتسع
وتحوم الشبهات حول أشخاص وشركات من حوالي 50 دولة، مما يعني بأن التحقيقات ستستغرق وقتا طويلا، التي قد تظهر تورط شخصيات كبيرة أو رموز سياسية، من المفترض ألا تحوم حولها أي شبهات.
ويتشكل فريق التحقيق من الأمريكي بول فرولكر، الرئيس الأسبق لبنك النقد الأمريكي والجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون الذي كان مسؤولا سابقا في محكمة العدل الدولية في لاهاي، إلى جانب الأستاذالسويسري مارك بيت، أستاذ القانون الجنائي وعلم الجريمة في جامعة بازل.
وجاء ترشيح البروفيسور مارك بيت بناء على تزكية من الخارجية السويسرية، التي استندت في ذلك إلى الخبرة العريقة التي يتمتع بها في مجالات مشابهة، ومساهمته في أكثر من جمعية ولجنة قانونية على مستوى العالم.
مهمة صعبة ودقيقة
وفي حديث أدلى به البروفيسور مارك بيت إلى صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ في عددها الأسبوعي الصادر يوم الأحد 18 أبريل، قال بأن اختياره لهذا المنصب “شرف كبير”، إلا أنه في الوقت نفسه “مهمة صعبة للغاية”. فبرنامج النفط مقابل الغذاء تواصل لمدة 7 سنوات كاملة، وبلغ حجم التعاملات المالية فيه 50 مليار دولار، فمن العسير إذن العثور على النقائص أو الخروقات القانونية وسط هذا الحجم الكبير من التعاقدات.
وللوصول إلى نتيجة حاسمة في الشكوك المثارة حول دفع الرشاوى أو استغلال الشركات، يجب، حسب رأي البروفيسور مارك بيت، “توفير المال اللازم والوقت الكافي للقيام بالتحريات المطلوبة”، مع العلم بأن عنصر الزمن هام جدا في مثل تلك القضايا.
وأعرب الخبير القانوني السويسري أن رغبة اللجنة الثلاثية في الحصول على قرار من مجلس الأمن الدولي ترجع إلى شعور المحققين القائمين على هذا الملف بأن لديهم الحماية الدولية اللازمة، وذلك لمواجهة رفض أي شركة عالمية أو حكومة بلد معين في التعاون مع اللجنة وتزويدها بالمعلومات التي تطلبها، فاستناد عمل اللجنة إلى قرار من مجلس الأمن الدولي بالغ الأهمية في مثل تلك الحالات، حسب قوله.
ومن المتوقع أن تبدأ اللجنة تحقيقاتها داخل أروقة الأمم المتحدة نفسها لدراسة الملفات المتوفرة لديها والمتعلقة ببرنامج “النفط مقابل الغذاء”، ومن خلال المعلومات التي ستتوصل إليها، سواء من الملفات أو من الأشخاص الذين شاركوا في هذا البرنامج، ستحدد اللجنة الخطوة التالية وأين ومع من ستكون.
وعلى الرغم من كل تلك الاستعدادات، فإنه من غير المعروف ما إذا كانت تلك اللجنة ستحصل على الضوء الأخضر من مجلس الأمن الدولي أم لا، لا سيما وأن من بين الشركات المشتبه فيها من تنتمي إلى دول دائمة العضوية في مجلس الأمن، ولها حق النقض “الفيتو”، الذي قد يستخدم لحماية دول أو شركات ذات نفوذ وشخصيات وأسماء كبيرة قد تكشف عنها التحقيقات والتحريات.
تامر أبو العينين – سويس انفو
بعمل مارك بيت كأستاذ لقانون العقوبات وعلم الجريمة في جامعة بازل، ويبلغ من العمر 51 عام.
ترأس وشارك في العديد من اللجان الفدرالية والدولية المتخصصة من بينها اللجنة الفدرالية لمكافحة غسيل الأموال والرشوة، وكان عضوا في اللجنة الدولية لدراسة الأثار الاجتماعية المترتبة على استخدام المواد الطبية المخدرة.
يترأس منذ عام 1990 مجموعة عمل مكافحة الرشوة في التجارة الدولية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.