النهايـــــــــة المُــخــزيــــــــــة
لم تقع حرب بغداد كما تصورها كثيرون. فقد دخلت القوات الأمريكية إلى العاصمة العراقية وسط ترحيب الجماهير العراقية التي خرجت إلى الشوارع بعد تأكدها من سقوط النظام.
النظام العراقي فقد يوم الأربعاء السيطرة كليا على مجريات الأمور ولا يعرف أحد مصير القيادة العراقية، ولاسيما مصير الرئيس صدام حسين.
انزاح الكابوس! “أنظروا ما فعل هذا… بالعراق، أنظروا ما فعل بالعراق وبنا…” الصور التي بثتها شبكات التلفزيون طوال يوم الأربعاء عن استقبال مواطنين عراقيين للقوات الأمريكية في إحدى مناطق بغداد، والاستغاثة التي سجلها مواطن عراقي وهو يضرب صورة صدام حسين بنعله، أو بـ “القندرة” كما يقول العراقيون، وتجمع جماهير غفيرة لإزاحة أحد تماثيل صدام حسين عن نصبه وسط العاصمة، تعني أن اجتياح القوات الأمريكية بغداد قد رفع الغمامة عن قلوب الناس وفكّ ألسنة العراقيين للبوح بكل ما كان مكبوتا على مدى سنوات في وجدانهم.
لا يكترث مواطنو بغداد بتقدم الدبابات والمدرعات الأمريكية وانتشارها وسيطرتها على وسط المدينة أو بعمليات النهب والانتقام التي تعرضت لها المؤسسات والمنشآت الرسمية، لأن ما يهم العراقيين بالدرجة الأولى انجلاء الغمة عنهم. فقد كتم صدام حسين ونظامه أنفاسهم وبطش بأجيال عراقية لم تعرف منذ توليه مقاليد السلطة عام 1979 إلا الدمار والحرب والموت.
أكثر من مليون ونصف المليون عراقي ذهبوا ضحية تفرُّد شخص مخبول بالسلطة قادهم إلى حرب الثماني سنوات مع إيران وإلى مغامرة احتلال الكويت وما تبعها من حصار أعاد العراق، الذي يملك ثاني احتياطي نفطي في العالم، إلى عصر ما قبل الصناعة.
عشرات آلاف الأطفال العراقيين ماتوا في صمت أمام عيون العالم، ومئات آلاف الناس، من بينهم نخبة البلد والدولة، فـرّوا بجلودهم من نظام عقيدته السياسية رفض الأمر الواقع والدوس على رِقاب شعبه لمجرد البقاء في السلطة.
كان بوسع صدام حسين وأتباعه أن يتخلوا عن الحكم بعد أن تأكدوا أن الآلة الحربية الأمريكية مصممة على إزاحتهم. وكان صدام يعلم يقينا أن لا شعبه ولا قواته ولا أجهزته ستقاوم الغزاة الأمريكيين للدفاع عنه. فالعراق الذي دمرته الحروب وأنهكه الحصار لم يكن لا مستعدا ولا قادرا على الصمود في وجه أكبر آلة حربية في تاريخ الإنسانية. لكن الرئيس العراقي اختار طريق الانتحار والذل والهزيمة، ولم يوفر على بلاده وشعبه الدمار والخراب والموت.
لقد دنّـس صدام حسين عباءة صلاح الدين الأيوبي، لأنه تصور يوما ما أنه خليفة محرر القدس، فجعل من عبادة الذات عقيدة سياسية فرضها على كل شرائح العراقيين في بلد يضم أكبر نسبة من حاملي الشهادات العليا في العالم العربي.
انتهك صدام حسين ونظامه حقوق الناس وأعراضهم، وسلط عليهم أجهزة وأزلاما وجلاوزة مارسوا أبشع أصناف المراقبة والتنصت والوشاية والتعذيب والقتل. وغـبِر عشرات آلاف الناس في غياهب الظلمات، وتشرد الآلاف خوفا من بطش “الرئيس القائد” الذي جعل من التصفية الجسدية لخصومه أو من يُـشتبه في عدم ولائهم له أحد ثوابت سياسته.
كان عزاء بعض العراقيين أن نظامهم جزء من منظومة سياسية عربية متعفنة ومتكلسة. لكن نموذج حكم صدام حسين لم يسبق له نظير في العصر الحديث، ليس فقط في تسلطه وجبروته وطُـغيانه، بل في إجماع كل العراقيين والعالم بأسره ضده.
لقد ظلم صدام حسين العراق واستباح العراقيين، وحانت نهايته في حمام من الدم. إنه الثمن الذي قّـدّر للعراقيين دفعه لطي صفحة هذا الكابوس المُـرعب، لعل النور ينبلج من رحم الظلام.
محمود بوناب – سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.