مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الهجرة العربية: نعمة أم نقمة؟

صورة لغلاف التقرير الذي أعدته المنظمة العالمية للهجرة بالتعاون مع جامعة الدول العربية حول الهجرة في العالم العربي swissinfo.ch

أكدت دراسة أعدتها المنظمة العالمية للهجرة بمشاركة جامعة الدول العربية أن الهجرة تمثل موردا هاما في بلدان المشرق العربي كالأردن وسوريا ولبنان واليمن.

لكن هذه الهجرة قد تتحول إلى عبء على دول المنطقة مثلما حدث أثناء الصراعات المتتالية التي شهدها الخليج وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر.

رغم قلة المعطيات الدقيقة المتعلقة بالهجرة من البلدان العربية وإليها، أقدمت المنظمة العالمية للهجرة مؤخرا على نشر تقرير يشتمل على عدة دراسات عرضت أثناء الندوة الإقليمية التي نظمت بمشاركة جامعة الدول العربية في القاهرة في شهر سبتمبر 2003.

ويتضح من هذه الدراسات أن العديد من البلدان العربية تعتمد على هذه الهجرة، إما كبلدان مصدرة او مستقبلة لها. وسنحصر الاهتمام في هذا المقال الأول على بلدان المشرق العربي التي تعتمد على الهجرة كمورد للدخل يساعد في تمويل تنميتها مثل الأردن وسوريا ولبنان واليمن، وهذا منذ زمن بعيد. وقد عرفت الهجرة من هذه البلدان باتجاه بلدان الخليج ارتفاعا ملحوظا بعد الطفرة النفطية في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي.

لكن هذه الهجرة عرفت تذبذبا تارة بسبب انهيار أسعار النفط وتارة أخرى بسبب الحروب والأزمات المتعاقبة وبالأخص حرب تحرير الكويت وأخيرا بسبب تداعيات أحداث الحادي عشر سبتمبر.

الأردن: هجرة في الاتجاهين

الصورة المعطاة عن الأردن في الدراسة التي أعدها رياض الخوري في تقرير المنظمة العالمية للهجرة، تعكس الواقع المعقد لهذا البلد بوصفه مصدرا لليد العاملة باتجاه بلدان الخليج وكبلد مستقبل لأعداد كبيرة من اليد العاملة الأجنبية، الشرعية وغير الشرعية رغم ارتفاع نسب البطالة في المجتمع الأردني والمقدرة رسميا بحوالي 12%.

وإذا كانت التقييمات تشير إلى أن حجم القوى العاملة في الأردن يصل إلى حوالي 1،25 مليون في الوقت الحالي، فإن دراسة أعدت في شهر يوليو 2002 أظهرت بأن 63% من الشباب العاطل الذي تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 19 عاما فقدوا الأمل في العثور على عمل ملائم في السوق الأردنية.

يضاف إلى ذلك تداخل عدة عوامل مؤثرة في نسبة البطالة في هذا البلد مثل حجم استيعاب اليد العاملة الأردنية في بلدان الخليج، وإبرام اتفاق السلام مع إسرائيل، وتسريع تحرير الاقتصاد الأردني، وتداعيات الأزمات السياسية المتعاقبة في المنطقة من انتفاضة الأقصى إلى حروب الخليج المتتالية وحرب العراق الأخيرة.

لكن رغم هذا الوضع، وبالرغم من دخول حوالي 50 ألف يد عاملة جديدة لسوق العمل سنويا، ورغم تخصيص أكثر من 18 وظيفة لحاملي الجنسية الأردنية فقط، فإن الدراسة أفادت باحتضان الأردن في عام 2002 لحوالي 127 ألف عامل أجنبي متحصلين على رخصة عمل وعلى أكثر من 275 ألف آخرين بدون تراخيص عمل.

ومن التناقضات الأخرى التي سجلها التقرير في الأردن، اتجاه المنطقة الحرة (التي وعدت بتوفير حوالي 9000 موطن شغل في عام 2003 للعمال المحليين)، بشكل متزايد وبدون احترام للشروط المفروضة، إلى توسيع نسبة تشغيل اليد العاملة الآتية من البلدان الآسيوية نظرا لتقبلها الشغل بدون تقيد بالوقت.

وإذا كان الأردن يستورد اليد العاملة ذات التكوين البسيط فإنه يصدر في المقابل يدا عاملة ذات تكوين عالي سواء نحو بلدان الخليج او نحو البلدان الغربية. فقد تم تسجيل 3900 مهاجر أردني باتجاه الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2000 وهو ما مثل 14% من مجموع المهاجرين الاردنيين لذلك العام.

من جهة أخرى، تمثل المداخيل المتأتية من هذه الهجرة العالية التكوين موارد مالية لا يستهان بها بالنسبة للأردن حيث فاق حجم تحويلات اليد العاملة المهاجرة في منطقة الخليج خلال النصف الأول من عام 2002 تسع مائة(900) مليون دولار أمريكي.

سوريا: عراقيل بوجه الاستفادة من مهاجريها

أما سوريا، التي تشهد نموا ديموغرافيا سنويا في حدود 2،5 %، فمن المتوقع أن تظل مصدر هجرة لليد العاملة في ظل وجود تقديرات تتحدث عن وجود 1،9 مليون مواطن سوري في المهجر. وإذا ما أضيف إليهم الأجيال المتعاقبة التي حصلت على جنسيات أخرى، فإن عددهم الإجمالي قد يصل إلى حوالي عشرين(20) مليون شخص، وهو ما يعني أن عدد السوريين في الخارج يزيد عن مواطني الداخل.

وفيما تشير التقديرات إلى أن تحويلات المليون وتسع مائة ألف مهاجر سوري (الذين يحملون الجنسية السورية فحسب) تصل إلى حوالي 80 مليار دولار سنويا، فإن التقرير يلفت النظر إلى وجود العديد من العراقيل التي تحول دون حسن استفادة سوريا من الكم الهائل من مواطنيها المقيمين في الخارج والمقدر بحوالي 20 مليون مهاجر.

وعلى الرغم من التحسن الطفيف الذي طرأ على الأوضاع في الآونة الأخيرة، يشير التقرير إلى أن هناك عراقيل لازالت قائمة بوجه حسن الاستفادة من هذه العمالة المهاجرة مثل “ضعف جاذبية قوانين الاستثمار وثقل النظام البنكي”.

لبنان: أعلى نسبة مهاجرين في العالم

على صعيد آخر، تشير دراسة المنظمة العالمية للهجرة إلى أن لبنان قد يشكل البلد الأول في العالم من حيث تصدير الهجرة مقارنة مع عدد سكانه بحيث يوجد حوالي 14 مليون لبناني مهاجر في الخارج وهو ما يفوق بأربعة أضعاف عدد سكان البلد.

وتشير الدراسة إلى أن عدد اللبنانيين المقيمين في البرازيل يفوق ستة ملايين شخص، ويصل العدد في كل من أمريكا الشمالية وباقي بلدان أمريكا اللاتينية إلى ستة ملايين مهاجر. بينما تتقاسم كل من اوربا وافريقيا وبلدان المشرق العربي والخليج نصف مليون مهاجر لبناني.

وقد لجأ لبنان في المقابل إلى تعويض هذه اليد العاملة المهاجرة بيد عاملة مستوردة يقدم أغلبها من مصر وسوريا. كما ساهمت موجات إعادة البناء التي يعرفها لبنان منذ نهاية الحرب الأهلية في جلب اعداد من المهاجرين اللبنايين من ذوي الجنسيات المزدوجة إلى الإقامة مجددا في البلد، وتتحدث التقديرات الحالية عن 40 ألف من الحاملين لجنسيات كندية، وعن 30 ألف من الحاملين لجنسية فرنسية و20 ألف من الحاملين لجنسية أمريكية.

اليمن: هجرة متضررة من الإضطراب الإقليمي

أخيرا وفيما يتعلق باليمن، ترى الدراسة التي أعدتها المنظمة العالمية للهجرة، أن هذا البلد الذي كان يصدر ثلث قواه العاملة في منتصف الثمانينات، أي ما يقارب 1،5 مليون عامل، اضطر بسبب حرب الخليج الثانية إلى استعادة حوالي 800 ألف منهم رغم أنه يعد من اكثر البلدان فقرا في العالم.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن هذه اليد العاملة كانت تدر على هذا البلد الفقير أكثر من ملياري دولار سنويا، فإننا ندرك جيدا الوضع الذي يعاني منه اليمن حاليا والذي قد يزداد تعقيدا بسبب تداعيات أحداث 11 سبتمبر والحرب على العراق.

وأمام ضعف فرص إنعاش الاقتصاد اليمني على المدى القصير او المتوسط، تنتهي الدراسة إلى احتمال لجوء العديد من القوى العاملة اليمنية إلى الهجرة غير المشروعة أو إلى الاعتماد على المساعدة الخارجية.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

يبلغ عدد المهاجرين السوريين (من مختلف الأجيال) في الخارج 20 مليون شخص
يبلغ عدد اللبنانيين المهاجرين (من مختلف الأجيال) في الخارج 14 مليون شخص
قبل حرب الخليج الثانية كان ثلث اليد العاملة اليمنية مهاجرا خارج البلاد
فاقت التحويلات السنوية للمهاجرين اليمنيين ملياري دولار أمريكي

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية