“الوجه وراء الحجاب” في أمريكا
بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية على نيويورك وواشنطن، بات الإسلام هدفا مستباحا للصور النمطية السلبية في الغرب عموما والولايات المتحدة خصوصا.
ووسط هذا المناخ المتوتر، أصدرت دونا جيركي وايت، الفائزة بجائزة بوليتزر الأمريكية للامتياز الصحفي “الوجه وراء الحجاب – الحياة الرائعة للنساء المسلمات في أمريكا”.
رغم مرور حوالي خمسة أعوام على تلك الهجمات، أظهر أحدث استطلاع لآراء الأمريكيين زيادة في نسبة الأمريكيين الذين لديهم انطباعات سلبية عن الإسلام من 39% عقب هجمات سبتمبر إلى 46% حاليا، وتضاعفت نسبة من يعتقدون بأن الإسلام دين يحرّض على العنف من 14% عام 2002 إلى 33% حاليا.
وأظهر الاستطلاع الذي أجرته صحيفة “واشنطن بوست” وشبكة “إيه بي سي” للتليفزيون، أن واحدا من كل ثلاثة أمريكيين استمع في الآونة الأخيرة إلى تعليقات تنم عن الكراهية للإسلام، وأقرت نسبة 25% من الأمريكيين بأن لديهم أفكار مُـسبقة تنطوي على نبذ الإسلام.
ويفسر البروفيسور هوان كول، أستاذ التاريخ بجامعة ميشيغان هذا التصاعد في العداء للإسلام في أمريكا بما يسمعه الشعب الأمريكي ويقرأه في وسائل الإعلام الأمريكية من زعماء اليمين المسيحي المتشدد في الكنيسة الإنجيلية البروتستانتية، من أمثال فرانكلين غراهام، وبات روبرتسون من تصريحات تعكس الكراهية والبغضاء لكل ما هو إسلامي، وكذلك، من شخصيات يهودية مغرقة في التعصب ضد الإسلام، مثل دانيال بايبس، ومايكل روبن وفرانك جافني، بالإضافة إلى ترويج الرئيس بوش بأن هناك من المسلمين من يناصبون الولايات المتحدة العداء، ولذلك، فهم العدو الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
ويتفق الدكتور جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي مع هذا التحليل ويقول، إنه لم يفاجأ بنتائج استطلاع واشنطن بوست، لأن السياسيين الأمريكيين وبعض أعضاء الكونغرس ووسائل الإعلام الأمريكية عمدوا إلى تشويه صورة العرب والمسلمين منذ هجمات سبتمبر عام 2001.
ومما زاد الطين بلة أن الرئيس بوش سبق وتحدث عن “الحرب المقدسة” ضد ما وصفه “بالأيديولوجية الإسلامية الشريرة”، ثم قال قبل أيام في خطاب عن الوضع في العراق، إنه لو انسحبت القوات الأمريكية قبل الأوان وأخفقت مسيرة الديمقراطية في العراق، فإن من شأن ذلك أن يقوي شوكة تنظيم القاعدة والجماعات الإرهابية، وكذلك من وصفهم بـ “الفاشيين الإسلاميين” (؟)، وكلها تعبيرات منقولة عن تقرير أصدرته اللجنة اليهودية الأمريكية في أبريل عام 2002 بعنوان “العداء الإسلامي للسامية”، كتبه روبرت ويستريتش، الأستاذ بالجامعة العبرية في القدس وعقد فيه مقارنة بين ما وصفه بـ “الأيديولوجية الإسلامية الفاشية” وبين النازية.
كما أن مجلة “ويكلي ستاندارد” – لسان حال المحافظين الجدد- نشرت في الآونة الأخيرة مقالا بعنوان “الفاشية الإسلامية واللاسامية” يتحدث عن تصاعد موجة “الفاشية الإسلامية” في إيران.
كما نشرت صحيفة “ناشيونال ريفيو”، وهي إحدى منابر المحافظين الجدد، مقالا يدق أجراس الخطر لفوز حماس في الانتخابات الفلسطينية محذرة مما أطلقت عليه “الإمبريالية الإسلامية الفاشستية”!
استغلال الأعمال المنحرفة
وفي حوار مع سويس إنفو قال السيد نهاد عوض، المدير التنفيذي لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية “إن دق طبول الحرب على الإسلام أصبح هواية لوسائل الإعلام الأمريكية، خاصة شبكة “فوكس نيوز”، وتعمد وسائل الإعلام الأمريكية إلى استغلال أعمال قلة لا تمت للإسلام بصلة في تشويه صورة الإسلام الحقيقي، وإشاعة جو من الخوف من الإسلام “إسلاموفوبيا”، وكأن حياة ألف وثلاثمائة مليون مسلم في أنحاء العالم تعج بالكراهية والعنف، ولم تفلح وسائل الإعلام الأمريكية في أن تنشر شيئا عن دعوة القرآن للناس من كافة الشعوب والقبائل لأن تتعارف وتتعايش معا، ولم تذكر تلك الوسائل الإعلامية شيئا عن أن القرآن يدعو إلى أنه لا إكراه في الدين، وأن من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا”.
وقال السيد عوض “إن مسؤولية تغيير هذه الصور المغلوطة عن الإسلام تقع بشكل أساسي على كاهل المسلمين في أمريكا، وكذلك على زعماء الدين المسيحي والدين اليهودي الذين من واجبهم تقديم المعلومات الصحيحة عن أصحاب العقائد السماوية الأخرى كالإسلام عملا بمبادئ التسامح التي تدعو إليها كل الأديان السماوية وتشجيع الحوار بين الأديان”.
ولكنه نبه أيضا إلى “خطورة صمت الأغلبية في العالم الإسلامي فيما يتعلق بالأعمال المنحرفة التي تقوم بها قلة تستغل الإسلام كغطاء للقيام بتلك الأعمال، حيث يترك صمت الأغلبية في العالم الإسلامي انطباعا في الغرب بأن المسلمين يساندون تلك الأعمال طالما أنهم لا يعترضون عليها ويشجبونها”.
وأشار السيد نهاد عوض إلى أن الشيء اللافت للنظر في استطلاع واشنطن بوست هو أن غالبية الأمريكيين عبرت عن عدم درايتها بشكل كاف عن الإسلام، مما يجدد الدعوة إلى بذل جهود أكبر وأكثر جدية لتعريف الأمريكيين بحقيقة الإسلام، عوضا عن الصور السلبية النمطية المغلوطة، ولذلك، يواصل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية برامجه في هذا الصدد بتوزيع كتب أكاديمية وأفلام فيديو عن الإسلام على أكثر من ثمانية آلاف من المكتبات العامة في أنحاء أمريكا، وتوزيع كتاب باللغة الإنجليزية عن الرسول الكريم، وتوزيع نسخ مجانية من شريط وثائقي عن حياة الرسول، كانت شبكة التليفزيون العامة الأمريكية قد عرضته. كما بدأ المجلس مؤخرا في توزيع نسخ من ترجمة معاني القرآن الكريم مجانا على كل أمريكي يطلبها.
الوجه وراء الحجاب
ووسط هذا المناخ المفعم بحشد مشاعر العداء للإسلام، خرج واحد من أحدث الكتب في الولايات المتحدة بعنوان “الوجه وراء الحجاب – الحياة الرائعة للنساء المسلمات في أمريكا”، بقلم الكاتبة الأمريكية دونا جيركي وايت الفائزة بجائزة بوليتزر الأمريكية للامتياز الصحفي، والتي تعمل بصحيفة “ميامي هيرالد” الشهيرة، والتي رأت أن صورة المرأة المسلمة في أمريكا لفّـها الغموض، خاصة وراء الحجاب.
وتساءل الأمريكيون لسنوات، هل تعيش هؤلاء المسلمات الأمريكيات في وضع الخاضع الذليل في ثقافة المسلمين التي يهيمن فيها الرجال على كل شيء؟ وهل تتمتعن بأي حقوق؟ وهل تقمن بأي دور في المجتمع، أم أنهن قابعات في بيوتهن؟
وتفتح دونا وايت بهذا الكتاب الجديد نافذة نادرة على قلوب وعقول أكثر من خمسين نموذجا لمسلمات أمريكيات صنفتهن في كتابها إلى خمس مجموعات: المسلمات التقليديات الجدد، المسلمات القادرات على تقريب الثقافتين، الإسلامية والأمريكية إلى بعضها البعض، والمسلمات اللواتي اعتنقن الإسلام وتحوّلن من الديانة المسيحية، والمسلمات اللاجئات من العنف والصراعات في 77 دولة تمتد من أفغانستان وحتى السودان مرورا بأوزبكستان، وأخيرا، النساء المسلمات اللواتي يقمن بتغيير الواقع وتحسينه.
التقت سويس إنفو بالمؤلفة دونا وايت، وبالسيدة زينب البري، سيدة الأعمال والناشطة العربية المسلمة التي خصصت للحديث عنها في الكتاب ست صفحات.
قالت مؤلفة الكتاب لسويس إنفو “لقد بدأت التفكير في الكتابة عن المسلمين في الولايات المتحدة في أعقاب هجمات سبتمبر، ولفت نظري عدة نماذج للمرأة المسلمة الأمريكية، وبدأت في السفر إلى أنحاء الولايات المتحدة وأجريت مقابلات مطولة مع أكثر من خمسين إمرأة تمثلن أنماطا مختلفة للمرأة المسلمة في أمريكا، خصصت لكل منها فصلا في الكتاب الذي استغرق جمع مادته عاما ونصف العام”.
الجمهور المُستهدف؟
وتقول دونا وايت إنها تستهدف نوعية معينة من القراء لذلك الكتاب، تضم النساء المتدينات اللواتي تسعين إلى التقريب بين الديانات السماوية الثلاث، والشباب الأمريكي الشغوف بالرغبة في التعرف على الثقافات الأخرى، خاصة تلك التي لا يعرفون عنها الكثير، ومنها الثقافة الإسلامية، وكذلك العسكريين الأمريكيين الذين تزداد رغبتهم يوما بعد يوم في معرفة الحقيقة، وأيضا رجال الأعمال الذين يهمُّـهم معرفة ما يدور في المجتمع الأمريكي وفي العالم الخارجي.
وردا على سؤال لسويس إنفو عن التأثير المتوقع لكتابها في وقت تتزايد فيه مشاعر العداء للإسلام بين الأمريكيين، قالت مؤلفة الكتاب: “سيساعد هذا الكتاب في تعريف الأمريكيين بالصورة الحقيقية عن المرأة المسلمة التي تعيش بينهم في المجتمع الأمريكي، وسيُـدركون أنها ليست كما تصورها لهم بعض وسائل الإعلام إمرأة مقهورة وغير متعلمة ولا حقوق لها، وإنها على العكس من ذلك تشغل مناصب مرموقة وتعمل كأستاذة جامعية وكطبيبة وكمحامية وكمهندسة كومبيوتر، وكسيدة أعمال وكمسؤولة في منظمات دولية تقدم المساعدة لشعوب العالم الأخرى”.
وتتوقع الكاتبة الأمريكية مؤلفة كتاب “الوجه وراء الحجاب” أنه مع زيادة وعي الشعب الأمريكي بحقيقة الإسلام والمسلمين من خلال المواطنين الأمريكيين المسلمين الذين اندمجوا في المجتمع الأمريكي مع الاحتفاظ بتقاليدهم وتراثهم الإسلامي، سيمكن التغلب في المستقبل القريب على تلك المشاعر المعادية للإسلام والمبنية على الجهل، وسيمكن في نهاية المطاف إرساء قواعد راسخة للتفاهم بين الأديان السماوية الثلاث، والعمل معا على خلق مناخ خال من الكراهية ومفعم بالتسامح.
يوما ما سيدرك الأمريكيون..
أما السيدة زينب البري التي تمتلك شركتها الخاصة لأعمال التأمين في مدينة ناشفيل بولاية تينيسي، والتي تجمع بين النجاح في العمل وكتابة الشعر والنشاط المجتمعي ودور الأم والجدة، فقالت لسويس إنفو، إنها قدمت إلى الولايات المتحدة من مصر قبل أكثر من ثلاثين عاما وحافظت على التزامها كمسلمة في البلد الذي اختارته وطنا ثانيا لها، وواصلت عبر عشرات السنين مهام العمل العام والتطوع لخدمة المجتمع والدفاع عن حقوق المرأة الأمريكية التي كانت تتقاضى أجرا أقل من الرجل عن أداء نفس الوظيفة.
ولكن بعد هجمات سبتمبر وأجواء العداء للإسلام في الولايات المتحدة، وصل نشاطها مع زوجها المسلم الأمريكي إلى الذروة بالمشاركة المنتظمة في ندوات ومحاضرات عن الإسلام والدفاع عنه في مواجهة الكثير من الصور السلبية المغلوطة عنه.
وردا على سؤال لسويس إنفو عما تتوقعه من نشر الكتاب الجديد عن المرأة المسلمة الأمريكية، قالت السيدة زينب البري: “لقد جاء في وقت مناسب جدا ليشرح أن المرأة المسلمة في أمريكا ليست مختلفة كإنسانة وكمواطنة عن نظيراتها من الأمريكيات، وأن التنوع بين المسلمات الأمريكيات هو الأكثر من نوعه في أي بلد في العالم، وأن المسلمات اللواتي قدمهن الكتاب مثال حي على أن الإسلام يشجع تعليم المرأة، كما أن الكتاب يظهر كيف استطاعت المرأة المسلمة التكيف والتأقلم مع المجتمع الأمريكي دون أن تتخلى عن تقاليدها الإسلامية، وكيف أن المرأة المسلمة طوعت تكنولوجيا الاتصالات لتقوية أواصر الصلة مع المسلمين في أمريكا والعالم”.
وتعتقد السيدة زينب البري أن الوضع الدولي يُـلقي بظلاله على الحقائق وأن الحروب والصراعات في العراق وأفغانستان، والمجابهة الأمريكية مع إيران سرعان ما تتحول إلى وسيلة لشيطنة من يعتبره الأمريكيون عدوا لهم هناك، وبما أنهم مسلمون تنصب عمليات الشيطنة على الإسلام، ولكن يوما ما سيدرك الأمريكيون أن الإسلام أسرع الديانات انتشارا حتى في الولايات المتحدة، وأن ما تروج له وسائل الإعلام وبعض المتطرفين من زعماء المسيحيين البروتستانت من صور سلبية عن الإسلام هي صور مغلوطة.
وسيدرك الأمريكيون أن ما يزيد على ثمانية ملايين مسلم يعيشون في المجتمع الأمريكي، وأنهم باقون ولن يرحلوا، ساعتها سيتفهم الأمريكيون الإسلام على حقيقته.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.