الوضع في الأراضي المحتلة.. اختبار لمجلس حقوق الإنسان
تمكنت الدول العربية والإسلامية الأعضاء في مجلس حقوق الانسان من تمرير قرار يؤكد إعادة طرح موضوع الانتهاكات في الأراضي العربية المحتلة على المجلس في المستقبل وتنظيم دورة خاصة حول الموضوع.
النجاح في تمرير القرارين تم رغم محاولات واشنطن والمجموعة الغربية الاحتماء وراء “البحث عن الإجماع” لتفادي الإشارة الى إسرائيل بشكل مباشر.
شهد مجلس حقوق الإنسان في ختام أول دوراته يوم الجمعة 29 يونيو 2006، يوما مشحونا بالتوتر والمناورات الإجرائية في بحثه عن صيغة للتطرق لما يجري في الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل لا تغضب أحدا. خصوصا وأن الدول الأعضاء حددت لنفسها محاولة اتخاذ القرارات في هذه الدورة الأولى بالتوافق والإجماع.
لكن المناورات وتصلب المواقف ادى في نهاية المطاف الى اللجوء الى التصويت وتمرير قرار يؤكد ضرورة إعادة طرح موضوع الانتهاكات المرتكبة من قبل إسرائيل في الأراضي المحتلة خلال دورته الثانية في شهر سبتمبر القادم وجميع الدورات اللاحقة.
كما تمكنت الدول العربية والإسلامية من جمع التوقيعات الضرورية للمطالبة بعقد دورة خاصة لمجلس حقوق الإنسان لمناقشة التطورات الخطيرة الأخيرة في قطاع غزة، ومن المنتظر أن يتم الإعلان عن تاريخ انعقادها يوم الإثنين 3 يوليو2006.
بحث عن الإجماع في موضوع لا إجماع بشأنه
بعد أخذ ورد استمر منذ بداية أشغال مجلس حقوق الإنسان يوم 19 يونيو الماضي للبحث عن معالجة مرضية للجميع لموضوع التطرق لأوضاع حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل، لم تتمكن الدول الأعضاء السبعة والأربعون من التوصل الى صيغة مقنعة من خلال البيان الذي كان رئيس المجلس سيقدمه باسم المجلس ويتطرق فيه الى عدد من القضايا الهامة التي تم الاتفاق بشأنها مثل العنصرية والهجرة والمساس بالأديان وأخيرا الوضع في الأراضي المحتلة.
إذ يقول السفير الفلسطيني محمد ابو الكوش “التوجه العام من بعض الجهات الغربية المؤثرة هو ألا يكون في هذا المجلس الجديد أي شئ إسمه جدول أعمال. وموضوع فلسطين إذا ما طرح يجب أن يطرح بطريقة تخلو من أية إشارة الى إسرائيل وإذا ما كانت هناك انتهاكات في تقديرهم فإن الانتهاكات تتم من قبل إسرائيل بدرجة ومن الجهات العربية أيضا بدرجة أقل او مساوية”.
وفيما تمكنت الدول الأعضاء من تحقيق إجماع في بعض المواضيع مثل البيان الخاص بالحق في التنمية او الامتناع عن المساس بالأديان، فإنها لم تحقق نفس الإجماع في العديد من القضايا الأخرى ومن ضمنها كيفية معالجة الوضع في الأراضي العربية المحتلة من طرف إسرائيل.
إذ حاول البعض بزعامة أمريكية خلف الكواليس تجنب أية إشارة الى إسرائيل. كما حاولوا تجنب الحديث عن الاحتلال. وقد جرت محاولات حثيثة من أجل إدراج المقرر الخاص المكلف بإعداد تقرير دوري حول الانتهاكات المرتكبة في الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل ضمن قائمة المقررين الذين “يجب مراجعة صلاحية تجديد مهمتهم سنويا”، لكن المجموعة العربية والإسلامية أصرت على أن قرار تعيين مقرر خاص حول الأراضي المحتلة حدد منذ البداية أنه يتولى تلك المهمة “إلى أن يزول الاحتلال”.
… وحسم عبر التصويت
أمام تعذر اقتناع الجانب العربي والإسلامي ومعه عدد من الدول الإفريقية والآسيوية واللاتينية الأمريكية بأن ما يشتمل عليه قرار رئيس المجلس يكفي لتحقيق التوافق في الآراء بخصوص كيفية معالجة الوضع في الأراضي المحتلة من قبل إسرائيل، تقدمت المجموعتان العربية والإسلامية بمشروع قرار ينص على “ضرورة تقديم المقرر الخاص المكلف بالانتهاكات في الأراضي العربية المحتلة من قبل إسرائيل تقريرا لمجلس حقوق الإنسان في جلسته القادمة”، أي في شهر سبتمبر.
كما نص مشروع القرار على ضرورة إعادة طرح موضوع الانتهاكات الناتجة عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والأراضي العربية المحتلة خلال الدورات اللاحقة للمجلس.
وهو القرار الذي تم التصويت عليه بطلب من الجانب الأوروبي ممثلا في فنلندا، وحصل على 29 صوتا من بينها أصوات دول المجموعتين العربية والإسلامية وعدد من الأفارقة والآسيويين من ضمنهم الصين و الهند وروسيا، ومن دول امريكا اللاتينية من ضمنهم كوبا والأرجنتين. وعارضت القرار 12 دولة من ضمنها كل الدول الغربية ومن بينها سويسرا . فيما امتنعت عن التصويت خمسة دول.
كما تمكنت الدول العربية والإسلامية من تقديم طلب بعقد دورة خاصة لمجلس حقوق الإنسان لمعالجة الوضع الراهن في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد ان تمكنت من جمع عشرين توقيعا وهو ما يتجاوز النصاب المحدد بثلث أعضاء المجلس أي 17 .
وبعد اجتماع مكتب مجلس حقوق الإنسان في وقت متأخر من مساء الجمعة 30 يونيو، قرر الإعلان يوم الاثنين 3 يوليو عن موعد عقد الجلسة الخاصة بعد التأكد من توفر القاعات الضرورية لذلك في المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف. وهي الدورة الخاصة الثالثة التي تعقد للنظر في الأوضاع السائدة في الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بعد جلستين شهدتهما لجنة حقوق الإنسان من قبل.
“تضييع فرصة تاريخية”
السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة في جنيف إسحاق ليفانون وفي تعقيبه على مشروع القرار قبل التصويت، وصفه بانه” نص غير متوازن ومتحيز بشكل متعمد”. وقال السفير الإسرائيلي ” إذا كان المجلس يرغب في اتباع خطى لجنة حقوق الإنسان، بتشجيع الانتقائية بدل التسامح والموضوعية، وان يحول نفسه الى أكبر وسيلة، مسيسة ومروجة للدعاية، من أجل إدانة إسرائيل، فإنه يسير بوضوح في هذا الاتجاه”.
كما اعتبر السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة في جنيف وارن تيكونور،عقب التصويت أن “المجلس ضيع فرصة تاريخية” ، موضحا بأن “مجلس حقوق الإنسان الجديد واصل العمل بجدول أعمال غير متوازن بخصوص إسرائيل والتركيز عليها وحدها بدلا من أن يعالج عددا من الأوضاع الملحة الخاصة بحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم بشكل نزيه ومنصف ومتوازن”.
يُذكر أن الولايات المتحدة التي ليست عضوا في المجلس الحالي، كانت قد اشارت إلى أن مصداقية المجلس سوف لن تتحقق بدون التطرق لأوضاع ترى واشنطن أنها تحظى بالأولوية مثل كوبا وإيران والسودان وكوريا الشمالية.
“انقلاب على الظلم”
الجانب الفلسطيني وعلى لسان السفير محمد ابو الكوش يرى أن ما تم في أول جلسة لمجلس حقوق الإنسان من تثبيت لبند فلسطين والدعوة لعقد جلسة خاصة هو بمثابة ” انقلاب على الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني “. ومع أن السفير الفلسطيني اعتبر ان الفرق بين المجلس ولجنة حقوق الإنسان “هو بمثابة زيت قديم في قارورة جديدة”، إلا انه قال: “إن الذريعة كانت في محالة أن يتم كل شيء بالتوافق أي المساواة بين الضحية والجلاد، وهذا الأمر قد حسم عن طريق التصويت”.
ويرى السفير محمد أبو الكوش أن “مبدأ التوافق الذي كانوا يريدونه داخل المجلس أصبح في خبر كان وليس له وجود، ولذا فإننا سنستمر طالما ظل الاحتلال قائما على أرض فلسطين وعلى أي جزء من الأراضي العربية”، وذلك قبل أن ينتهي الى القول “إن وقوف العالم مع الشعب الفلسطيني في هذا الوقت هو بمثابة انجاز معنوي على الأقل”.
من جهته، يرى السفير السوري بشار الجعفري أن “مجلس حقوق الإنسان بتركيبته الجديدة الذي اتخذ قرارا بأغلبية ساحقة ضد انتهاكات إسرائيل في الأراضي المحتلة .. هذا يعني ان المجتمع الدولي يدين الانتهاكات الإسرائيلية ويدين من يدعمها سواء في المرحلة السابقة او في المرحلة الراهنة”. وهو ما يرى فيه السفير السوري في جنيف “رسالة واضحة بأن المجتمع الدولي ليس مجتمعا أعمى وإنما يتابع بدقة ما يجري على الأرض”.
الموقف السويسري: تفسير واستغراب
سويسرا كانت من بين الدول الـ 12 التي صوتت ضد مشروع القرار الخاص بكيفية معالجة الانتهاكات في الاراضي العربية المحتلة.
سفير سويسرا لدى المقر الأممي في جنيف بليز غودي وفي معرض تفسيره لأسباب التصويت ضد القرار قال امام المجلس ” إن سويسرا صوتت ضد القرار لأننا نعتقد بأنه لا يتماشى والهدف الذي حددناه في بداية أشغال هذا المجلس وبالأخص اتخاذ القرارات بالتوافق. ويأسف الوفد السويسري لتعذر التوصل الى حل وسط بخصوص بيان المجلس رغم الجهود التي بذلتها الرئاسة ، مشكورة، لتحقيق التوافق. “
وأضاف السفير غودي بأن “سويسرا بتصويتها السلبي لا تقصد محتوى مشروع القرار بل الطريقة التي عرض بها. لأن الأوضاع السائدة في الأراضي المحتلة هي وضعية خطيرة وإن التطورات الأخيرة تدعو الى القلق. ولذلك يدعو الوفد السويسري كل الأطراف للالتزام بالقانون الإنساني الدولي واحترام حقوق الإنسان ولوضع حد للتصعيد الخطير”.
لكن السفير الفلسطيني محمد أبو الكوش في رد فعله على التصويت السويسري أوضح بأن “سويسرا بصفتها الدولة المؤتمنة على اتفاقيات جنيف كان عليها ألا تصوت ضد الانتهاكات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة وكان عليها أن تقف مع الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى”.
وأضاف السفير الفلسطيني “نحن نستغرب هذا الموقف السويسري ونأمل على كل في ان تراجع سويسرا موقفها في الجلسة الخاصة” التي ستعقد في وقت لاحق.
وعن تفسيرات السفير السويسري، قال السيد محمد ابو الكوش “من الصعب ان نقتنع بالموقف السويسري هم يقولون بأن هذا مجلس جديد ويجب ان يتم فيه التوافق ونحن لا نرى مجالا للتوافق في المواقف ما بين الجلاد والضحية، ما بين إسرائيل القائمة بالاحتلال والشعب الفلسطيني الذي يعاني من ذلك الاحتلال والانتهاكات الإسرائيلية اليومية بما في ذلك اعتقال نصف أعضاء حكومتنا المنتخبة وأكثر من ستين شخصية فلسطينية بما في ذلك أعضاء البرلمان وخطف المدنيين من بيوتهم ليل نهار وتوقيف الكهرباء والخدمات المائية”.
اما السفير السوري بشار الجعفري فيرى في ذلك “تراجعا في الموقف السويسري فيما يتعلق بدعم وتعزيز حماية حقوق الإنسان بوصفها الدولة الوديعة لاتفاقيات جنيف” . وأضاف السيد الجعفري “سويسرا فاجأتنا بتصويتها ضد القرار وكان حريا بسويسرا باعتبارها دولة تدعي الحيادية وبوصفها راعية مبادرات جنيف كان حريا بها ان تمتنع عن التصويت او الا تشارك في التصويت اما ان تصوت ضد القرار فهذا أمر مؤسف”.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.