الولايات المتحدة وإصلاح “النظام العربي”!
قال مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى وليام بيرنز، "إن الاستقرار ليس ظاهرة ساكنة، وأنظمة الحكم التي لا تجد طريقا لاستيعاب طموحات شعوبها تصبح قابلة للانكسار والاحتراق".
فهل ستعمل واشنطن على إحداث تغييرات في النظام العربي أم أن هذا النظام “لا يَصلُـح ولا يُصلَـح”؟
اعتمدت السياسة الخارجية الأمريكية على مدى عشرات السنين على أن بقاء الحال على ما هو عليه في العالم العربي هو من ضمانات استقرار المنطقة، وأن التعامل مع زعيم لكل دولة عربية، مهما كان غير ديموقراطي أو يمارس حكما مستبدا، أسهل بكثير من إطلاق الجماهير العربية في العمل السياسي، مما قد يدفع إلى كراسي الحكم العربية بزعامات، إما راديكالية أو إسلامية التوجه ومعارضة للغرب عموما، وللولايات المتحدة على وجه الخصوص.
واستغلت الأنظمة العربية الحاكمة هذا المنطق المتسم بالانتهازية السياسية، بل وروجت لفكرة أن الديمقراطية الغربية لا تناسب المجتمعات العربية والإسلامية، في حين تخفت أنظمة أخرى تحت شعار أنه يمكن تأجيل التحول نحو الديمقراطية إلى ما بعد حل القضية الفلسطينية، قضية العرب والمسلمين الأولى.
لكن هجمات 11 سبتمبر الإرهابية غيّـرت الفكر السياسي الأمريكي، وأصبح تعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط، وازدهار الفرص الاقتصادية، والشراكة مع الشعوب العربية من أولويات السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، بل وتصب في المصالح القومية الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بمعالجة جذور مشكلة وقوع الشباب في فخ العنف والإرهاب، واستهداف الولايات المتحدة التي يرون فيها نصيرا لكل أنظمة الحكم المستبدّة والفاسدة والتي لم ينتخبها أحد في العالم العربي.
وقد نظم مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، الذي تأسس قبل أربعة أعوام في واشنطن، مؤتمره السنوي الرابع تحت شعار “لماذا الديمقراطية؟ ولماذا الآن؟”. وحضر المؤتمر اثنان من مساعدي وزير الخارجية الأمريكية هما، السفير وليام بيرنز، مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ولورني كرينر، مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وقال السفير بيرنز، إن هناك حاجة ملحة جديدة لتحقيق انفتاح الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط، وتعزيز الديمقراطية كجزء لا يتجزأ من الاستراتيجية الأمريكية الأوسع، التي تسعى بنشاط مماثل لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإعادة بناء عراق مستقر يتمتع بالرخاء والديمقراطية، بالإضافة إلى تحديث اقتصاديات دول المنطقة.
وأقر السفير وليام بيرنز بضرورة أن يتم التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي بالتدرّج، وأن يستهدف ما هو أبعد من مجرد إجراء الانتخابات ليشمل عملية التحول الصعبة والمؤلمة، بل والتي تنطوي أحيانا على المخاطر من أجل بناء المؤسسات الديمقراطية الراسخة، وحكم القانون وازدهار حركة المجتمع المدني في الدول العربية.
وقال السفير بيرنز، إنه مع التسليم بأن عملية التحول الديمقراطي لا يمكن أن تأتي كوصفة مستوردة أو كوعظ من الخارج، فإن هناك الكثير الذي يمكن للولايات المتحدة عمله للمساعدة في دعم الإصلاح الديمقراطي النابع من داخل العالم العربي.
لا تعارض بين الإسلام والديمقراطية
وقال الدكتور رضوان المصمودي، مؤسس ورئيس مركز دراسات الإسلام والديمقراطية الذي أسسته مجموعة من الأكاديميين من المسلمين وأساتذة الجامعات الأمريكيين في كلمته أمام المؤتمر، “ينبغي ألا يشعر المسلمون بأن عليهم الاختيار بين الإسلام وبين الديمقراطية، لأن هذا افتراض خاطئ. فالديمقراطية تنسجم تماما مع الإسلام، بل ويقتضيها الإسلام.”
واتفق معه السفير وليام بيرنز بقوله، “إن انبثاق المزيد من الأنظمة الديمقراطية في العالم الإسلامي، لن يؤدي بالضرورة إلى تسهيل مهمة السياسة الأمريكية إزاء بعض القضايا مثلما حدث في تركيا، عندما رفض النظام الديمقراطي الحديث فيها طلب واشنطن انطلاق القوات الأمريكية من أراضيها نحو العراق، فإن من المصلحة القومية الأمريكية، على المدى البعيد، دعم التحول نحو الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي”.
وحدد السفير بيرنز ثلاثة عناصر تعتبرها الولايات المتحدة هامة في الحكم على عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي:
أولا، يجب أن تقوم الأنظمة العربية بتسهيل مهام مؤسسات المجتمع المدني، والإعلام المستقل، ومجموعات النشطين والمنظمات النسائية.
ثانيا، يجب أن تقلص الأنظمة العربية من الفساد والمحاباة وسوء الإدارة في أنظمتها الحكومية، وترسي العمل بحكم القانون من خلال أنظمة قضائية مستقلة وفعالة، وأجهزة أمنية أكثر التزاما بالقانون.
ثالثا، يجب أن يكافح الزعماء العرب من أجل جعل الانتخابات أكثر نزاهة ومفتوحة بشكل أكبر أمام المرشحين بلا استثناء.
دعوة للديمقراطية .. واستجابة أمريكية ..
وفي استقبالٍ عاصف بالتصفيق ومفعم بمشاعر المساندة والتأييد، تحدث الدكتور سعد الدين إبراهيم، مدير مركز بن خلدون لدراسات التنمية في القاهرة، وداعية حقوق الإنسان والديمقراطية في مصر، الذي تم الإفراج عنه في أواخر العام الماضي بعد أن سجن لأكثر من عامين، قال “إن الإسلام الحقيقي يتناسق تماما مع الديمقراطية، وضرب مثالا على ذلك بأن صحيفة المدينة التي وقع عليها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ونظمت التعامل في الأمور الدنيوية والمساواة مع 14 مجموعة من غير المسلمين تعيش في المدينة، إذ قال إبراهيم إن تلك الوثيقة الإسلامية تحتوي على كل الأفكار الخاصة بالتعددية التي تعد الشرط الأساسي اللازم للديمقراطية، قد سبقت بحوالي 600 عام أعظم وثائق الدستور الإنجليزي، وهي الوثيقة المبرمة عام 1215م والمعروفة باسم الماجناكارتا، كما أن القرآن الكريم حافل بالآيات البينات التي تشرح مبادئ التنوع والتسامح وقبول الآخر.
وقال الدكتور سعد الدين إبراهيم، إن العودة إلى الديمقراطية هي السبيل للعودة إلى العصر الذهبي للإسلام. وتسلم داعية الديمقراطية المصري جائزة المركز “للديمقراطي المسلم” تقديرا لنضاله من أجل الحرية والديمقراطية في مصر، وناشد الحاضرين من المسلمين الأمريكيين مراقبة مدى التزام المسؤولين الأمريكيين بوعودهم الأخيرة بدعم الديمقراطية في العالم العربي. وقال إن مساعد وزير الخارجية الأمريكية للديمقراطية وحقوق الإنسان لورني كرينر أكد له جدية الوعود الأمريكية هذه المرة بالمساعدة على عملية التحول الديمقراطي في العالم العربي.
وردا على سؤال من أحد الحاضرين عما إذا كان عدم وجود مصر ضمن دول محور الشر يعفي الرئيس مبارك من الانضمام إلى جهود التحول الديمقراطي التي ترعاها الولايات المتحدة، قال مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الديمقراطية، إن الولايات المتحدة نقلت إلى الرئيس المصري أن هناك حاجة في مصر إلى التحرك نحو الديمقراطية، وإصلاح المؤسسات، وإطلاق سراح المعتقلين، وأضاف، إن مثل هذه الرسالة له ولغيره من زعماء المنطقة لم تكن تصدر من واشنطن قبل أحداث 11 سبتمبر الإرهابية التي غيرت موقف الولايات المتحدة من مجرد الدفاع عن حقوق الإنسان إلى المساعدة الفعلية في تحقيق التحول نحو الديمقراطية وانفتاح النظم السياسية في العالم العربي.
محمد ماضي – واشنطن
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.