اليمن بين الصعوبات.. والـوعــود
عاش اليمن سنته الماضية 2005 على وتيرة عدد من الأحداث الساخنة لخصت حجم الصعوبات التي يعاني منها هذا البلد.
وأنهى اليمنيون سنتهم العصيبة على وعود بعام مختلف مما عزز الآمال بأن تكون سنة 2006 “عام التحولات الموعودة”، كما جاء في قرارات المؤتمر السابع للحزب الحاكم.
على الصعيد السياسي، ظلت علاقة المعارضة والسلطة على مراوحتها بين دوام التوتر وأمل الانفراج الذي حملته دعوة المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم) لأحزاب المعارضة إلى الحوار.
ومنذ أن أطلقت تلك الدعوة التي وجهها الحزب الحاكم للمعارضة، ظلت آمال الخروج من حالة الاحتقان السياسي معلقة عليها، وهيمنت طوال الأشهر اللاحقة لإطلاقها حالة من الرجاء والقنوت لم تبارح النفوس إلا مع اقتراب نهاية العام عندما طرحت أحزاب المعارضة الرئيسية مبادرتها الخاصة لمشروع الإصلاح الوطني.
وتضمنت المبادرة مقترحات لإعادة النظر في النظام السياسي والدستوري القائم، وطالبت بتحويله من نظام شبه رئاسي إلى نظام برلماني على أساس الفصل بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة. إلا أن المبادرة قوبلت برفض صريح من قبل قيادات في الحزب الحاكم بل وعدتها بعضها بمثابة عقبة في طريق الحوار لينتهي بذلك العام المنصرم بانتهاء على تبدد الآمال بتنقية أجواء الحياة السياسية بين المعارضة والسلطة.
الحريات الصحفية في مأزق؟
في سياق متصل، ظلت قضية انتهاكات الحريات الصحفية والملاحقات القضائية حدث العام الأبرز الذي عكر صفو الحياة السياسية والديمقراطية. وحملت التقارير الدولية والإقليمية والوطنية حول الحريات الصحفية تقييمات سلبية لتعاطي السلطات اليمنية مع الممارسة الصحفية.
وحفل سجل اليمن خلال العام برصد العديد من الانتهاكات والمضايقات للصحف والصحفيين توزعت بين المتباعات القضائية والحجز الإداري والمنع والإغلاق والملاحقة والتهديد. وشهدت قاعات المحاكم اليمنية رقما قياسيا في محاكمة الصحف والصحفيين وصلت إلى حوالي 50 حالة طبقا للمراصد الوطنية.
في الوقت ذاته، استمر الجدل بين الحكومة من جهة والصحفيين والمعارضة وممثلي المجتمع المدني من جهة أخرى حول مشروع القانون الجديد للصحافة والمطبوعات الذي تزمع الحكومة إقراره، ويحتوي -حسب رؤية الوسط الصحفي- على ضوابط من شأنها أن تحد من حرية الصحافة، فيما تقول الحكومة إنه يرمي إلى تأمين مناخ لمزيد من الحريات. وبين هاتين الرؤيتين انتهت السنة الفارطة دون انتهاء هذا الخلاف الذي رحل حتى العام الجديد.
استمرار المواجهات بين الحكومة والمتمردين
ومن الأحداث اللافتة للانتباه استمرار المواجهات بين القوات الحكومية والمتمردين التابعين لرجل الدين حسين الحوثي. فقد قاد الحوثي الأب تمردا جديدا في أبريل على غرار التمرد الذي قاده نجله في عام 2004 ولقي مصرعه في تلك المواجهات.
ومثلت عودة التمرد بقيادة الأب تحديا جديدا على سلطات صنعاء مازالت تبعاتها تتوالى، وآخرها تجدد الاشتباكات الأسبوع الماضي بين المتمردين وقوات الجيش ليحل العام الجديد مع موعد لجولة جديدة من المواجهات لم تتضح معالمها بعد.
الظاهرة اللافتة لانتباه المراقبين أن عام 2005 شهد ارتفاع وتيرة الاحتجاجات الشعبية تجلت بردود فعل الشارع اليمني على قانون ضريبة المبيعات في شهر مايو، وعلى قرار الحكومة برفع أسعار الوقود في يوليو، ونتج عنهما سقوط أزيد من 40 قتيلا كما سجل خلال العام أيضا ارتفاع ملحوظ لأساليب احتجاجية جديدة كانت نادرة الحدوث إذ بادرت العديد من النقابات إلى الإضراب مثل نقابة أساتذة الجامعات اليمنية ونقابة الأطباء والصيادلة وعمال النسيج، للمطالبة برفع الأجور مما عد مؤشر على الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
تزايد الاحتجاجات الشعبية
وبالانتقال إلى الاقتصادي، جاءت التدابير والإجراءات الحكومية معبرة إلى حد كبير عن استمرار استراتيجية تدبير الأزمة التي تهيمن على السياسة الاقتصادية منذ تطبيق سياسة التقويم الهيكلي عام 1995.
فقد سارت تلك السياسة وفق منظور المؤسسات المالية الدولية (البنك الدولي وصندوق النقد) الهادفة إلى إحداث توازنات على صعيد الاقتصاد الكلي كمحاصرة العجز وكبح التضخم، مما عمق من الانعكاسات الاجتماعية التي كانت من أهم تجلياتها تزايد الاحتجاجات الشعبية والإضرابات في كثير من القطاعات، فضلا عن اتساع مساحة الفقر إلى 40 % بين السكان والبطالة إلى حوالي 37 %.
ورغم أن اليمن قد حققت عائدات مهمة من الصادرات النفطية بفائض تجاوز الـ500 مليار ريال، إلا أن لجوء الحكومة إلى طلب فتح اعتماد إضافي لموازنة عام 2005 بمبلغ 451 مليار وبما نسبته 52% من إجمالي الموازنة العامة للعام نفسه عد من قبل المعارضة بمثابة تبديد وهدر لثروة البلاد من قبل ما أسمته بلوبي الفساد في الحكومة.
وفي هذا الإطار كما العادة، فقد استأثر الحديث عن الفساد والمفسدين باهتمام منقطع النظير من قبل المعارضة والسلطة على حد سواء، حيث سعت الأولى إلى توظيف التقارير الدولية حول هذه الظاهرة وخاصة منها التقييمات السلبية لأداء الحكومة في مكافحة هذه الظاهرة. فيما بادرت الحكومة إلى التوقيع على المعاهدة الدولية لمكافحة الفساد وعملت على إنشاء هيئة علياء لمكافحته وتزايد الحديث الحكومي عن اجتثاث هذه الظاهرة بشكل ملحوظ.
عودة شبح اختطاف السياح
وفي الإطار الاقتصادي، تميز العام المنصرم بانتعاش ملحوظ للسياحة في البلاد، وسجلت السياحة نموا منقطع النظير مقارنة بالسنوات السابقة. لكن في غمرة تلك البشائر لنمو هذا القطاع، عاد شبح اختطاف السياح الأجانب ليطل برأسه من جديد باختطاف السائحين السويسريين في 18 من نوفمبر، ثم تلاه سائحين نمساويين وخمسة ألمان وآخرها اختطاف خمسة سياح إيطاليين. وبذلك ودع العاملون في هذا القطاع عامهم بمخاوف أعادت للأذهان حالة الركود الذي ضرب السياحة في البلاد خلال العشر السنوات الماضية بسبب موجة الاختطاف التي عاشتها البلاد .
في غمرة كل تلك الصعوبات والإشكاليات التي مثلت أهم أحداث العام، جاء انعقاد المؤتمر السابع للمؤتمر الشعبي العام (الحاكم) في منتصف ديسمبر الماضي ليحمل معه وعودا بإصلاح النظام السياسي، وتعزيز التوجه الديمقراطي من قبيل توسيع صلاحية مجلس الشورى، وانتخاب السلطات المحلية على صعيد المحافظات والمديريات اليمنية والقضاء على كل بؤر الفساد في الإدارة العمومية.
وقد عدت قيادة الحزب الحاكم، وفي مقدمتهم الرئيس اليمني علي صالح، التوصيات التي خرج بها المؤتمر السابع للحزب بمثابة البرنامج العملي للحكومة خلال المرحلة المقبلة لينتهي العام على ترقب تحقق تلك الوعود وانتظارها ثمارها المأمولة.
وعموما، على خلفية تلك الوعود، تثور جملة من التساؤلات التي لا تخلو جميعها من التشوق والتطلع للآمال والوعود التي حملتها قرارات المؤتمر الشعبي العام الحاكم منتصف ديسمبر الماضي، إما إذا لم تؤت أكلها فإن ذلك سيضاعف من حجم الصعوبات التي تعاني منها البلاد.
عبد الكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.