اليمن بين تمايز مذهبي واستقطاب خارجي
عادت المواجهات المسلحة بين القوات الحكومية وأنصار رجل الدين بدر الدين الحوثي مجددا، بعد مُـضي أزيد من عام ونصف على إعلان الحكومة اليمنية القضاء على التمرّد.
هذه التطورات طرحت مجددا الإشكال المذهبي والطائفي في البلاد، ولكن بقوة هذه المرة، نتيجة لما تعيشه المنطقة العربية عموما من فرز طائفي وشحن مذهبي غير مسبوق.
بعد أن أعلنت الحكومة إنهاء التمرد الثاني للحوثي الأب في أبريل 2005، أفرجت عن المئات من المتمردين ومن أعضاء تنظيم الشباب المؤمن، الذين احتُـجِـزوا لترديدهم شعار “الموت لأمريكا الموت لإسرائيل” في المساجد والأماكن العمومية، ومع أن البادرة الحكومية تُـجاه المتمردين قصد منها معالجة أثار الحرب وتلطيف الخواطر، إلا أن بعض المناوشات بين القوات الحكومية كانت تنشب من حين لآخر، لكنها لم تصل حد تنفيذ عمليات نوعية لحرب عصابات، كما حصل مطلع الشهر الجاري وما سبقها من إرهاصات لطرح المسألة الطائفية والمذهبية.
إرهاصات عودة هذا الملف، بدت كثيرة ومتعددة، أولها، الإنذار الذي وجّـهه أنصار الحوثي للطائفة اليهودية بمغادرة المنطقة، وما ترتب عليه من ضجّـة دولية، سلّـط الضوء مجدّدا على التشدد والغلو الديني.
فقد اعتبره غالبية اليمنيين سابقة غير معهودة في التاريخ اليمني، ففي ظل حكم الدويلات الإسلامية اليمنية المتعاقبة، ظلت الطائفة اليهودية في اليمن جزء من المجتمع تنعم بالحرية الدينية وتمارس نشاطاتها المختلفة تحت حماية السلطان، ووفق ما قرره القرآن وكرّسته أعراف التعايش، ولم يتراجع تواجد الطائفة اليهودية في البلاد إلا بهِـجرتهم الجماعية إلى فلسطين بين 1948- 1949 بالعملية الشهيرة بـ “بساط الريح”، التي تمّـت بالتنسيق بين المستعمر البريطاني والجمعيات اليهودية وإسرائيل.
التحدي الآخر، الذي أعاد خطر التمرد، كانت العمليات النوعية التي نفذها المتمردون بُـعيد دعوة الشباب المؤمن إلى إخراج اليهود من مساكنهم والتي أدّت، حسب مدير مكتب الرئاسة ورئيس جهاز الأمن القومي علي محمد الأنسي، إلى سقوط 123 ما بين قتيل وجريح في صفوف القوات الحكومية، علاوة على ذلك، فإنه على الرغم من الهدوء النسبي الذي خيم على مسرح المواجهات العسكرية بين أتباع الحوثي والقوات الحكومية خلال الفترة الماضية منذ إعلان الحكومة القضاء على التمرد، إلا أن مواجهات من نوع آخر ظلت أوارها مشتعِـلة على جبهات مختلفة.
السجال المذهبي
فقبل التطورات الأخيرة، تزايدت المعارك الكلامية على منابر المساجد وارتفعت حدّة السِّـجال المذهبي على صدر صفحات الصحف وفي كثير من الملتقيات الخاصة والعامة، واحتدّت الملاسنات بين أفراد من السُـنة والشيعة متأثرة بالتفاعلات الجارية داخل العراق، وزادت حدتها بشكل ملحوظ بعد إعدام الرئيس العراقي صدّام حسين، ووصلت في حالات عديدة إلى نزع صور الشيخ حسن نصر الله، زعيم حزب الله الذي كسب تعاطف الشارع اليمني بالتصدّي للعدوان الإسرائيلي واستبدالها بصور صدام حسين.
وفي غمرة هذه التوترات، اجترت كل مفردات الخلافات والعداء بين الشيعة والسُـنة وبدا السِّـجال المذهبي مُـهيمنا على العلاقة بين مكوِّنات الحقل الديني والشعبي، مما هدد التعايش الحذر بين الطائفتين وينذر بمخاطر كبيرة.
فالتّـمايز في التركيبة المذهبية في اليمن، ظل قائما باستمرار، رغم محاولة الساسة نكرانه أو تجاهله أو التخفيف منه لأسباب، سياسية واقتصادية واجتماعية، فعلى الدوام استندت العلاقة بين أتباع المذهبيين في فترات مختلفة إلى طبيعة الظروف والمعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أكثر من استنادها إلى المقتضيات المذهبية، إذ كثيرا ما حدّدت المصالح السياسية والاقتصادية والتكوين الاجتماعي التقليدي طبيعة تلك العلاقة ومسارها، فالمستفيدون من مرحلة سياسية واقتصادية ما ومن وضعية اجتماعية معيّـنة، سرعان ما تخلو عن منطلق تهم المذهبية أو ضحوا بها من أجل تحقيق أهدافهم ومطامحهم السياسية والتحولات المذهبية من مذهب إلى آخر، ظل السمة الغالبة على مواقف الكثير من اليمنيين، والتاريخ اليمني يمدّنا بحقيقة يقينية، سواء في الماضي القريب أو البعيد، مؤداها أن الدعوات المذهبية والطائفية سُـرعان ما تنتهي إلى برغماتية ترضخ لمتطلبات لتدبير السياسي والانتفاع الاقتصادي، الذي يقتضي في بعض الأحيان، وفي ظروف تاريخية، الابتعاد عن مستلزمات المذهب.
فالدولة “الصليحية”، التي حكمت اليمن خلال الفترة 438 – 532 هجرية 1047- 1138 ميلادية، سادت سياسيا ولم تسود مذهبيا، والإمام يحيى الذي قاوم العثمانيين حتى خروجهم عام 1918 وحكمت عائلته اليمن حتى إعلان النظام الجمهوري عام 1962، كان قد خرج عن مُـقتضيات المذهب الزيدي، الذي أعد له إمامه بإعلانه دولته ملكية وراثية، متجاهلا بذلك أهم شرط من الشروط الـ 14 الواجب توافرها في الإمام ما لم جاز لغيره ممن تتوافر فيهم تلك الشروط مقاومة الإمام أو الحاكم.
وتعد قاعدة الخروج على الحاكم الظالم في المذهب الزيدي، من القواعد السياسية الشهيرة التي ميّـزت الشيعة الزيدية عن الفِـرق الشيعية الأخرى، التي تعتمد التقية وفكرة الإمام الغائب، وعلى تلك القاعدة استعرت كثير من المعارك على مدى التاريخ البعيد، وبها انطلق كل من وجد في نفسه توافر شروط الإمامة وعصبية مناصرة.
تعايش مشوب بالخذر
لكن على الرغم من سريان الدم المتوالي منذ مئات السنين في إطار المذهب أو مع غيره، كانت هناك جهود إصلاحية حكمت التعايش وقنّـنت الشريعة الإسلامية قادها فقهاء وعلماء من داخل المذهب نفسه، باعتباره الأقرب إلى السُـنة، لكن مع ذلك بقيت تلك المحدّدات، التي أسِّـست للتعايش، محدّدات متغيرة لا تتَّـسم بالثبات، لأنها من طبيعة اجتهادية بشرية من ناحية أو أنها مرتبطة بموازين القوى من ناحية أخرى، وهو ما سيؤكِّـده لاحقا التنافس السُـني الشيعي على الاستقطاب المذهبي الواسع، الذي بدأ منذ مطلع السبعينيات مع الطفرة النفطية وتوسَّـع مع قيام الثورة الإيرانية.
على هذا الأساس، ظلت العلاقة بين السُـنة حوالي (72%) من السكان وبين الشيعة من أتباع المذهب الزيدي نسبة للإمام زيد بن علي (حوالي 26%) والشيعة الإسماعيلية حوالي 2%، علاقة تعايش مشوبة بالحذر ومحكومة بأوضاع تاريخية، فيما ظل التمايز المذهبي حقيقة واقعية، لكل جماعة مرجعياتها التاريخية، التي تحدد رؤيتها لذاتها وللأخر.
وإذا كانت كل من حركة الإخوان المسلمين والوهابية القادمتان من مصر والسعودية قد استطاعت كل فرقة أن تمد نفوذها في بعض المناطق على حساب النفوذ التقليدي للمذهب الزيدي، بفعل الدعم الذي حظيتا به من السعودية ودول نفطية في المنطقة، وبرعاية من السلطات اليمنية، فإن ذلك لم يعمل إلا على تأجيج الخلافات التاريخية وادخل الجماعات الدينية في البلاد ضمن مشاريع استثمارية لدول المنطقة المتنافسة.
ولهذا، بدت الخشية من تحوّل اليمن إلى بؤرة صراع مصالح، وساحة لتصفية حسابات دولية وإقليمية تحت غطاء مذهبي، هي الهاجس المُـهيمن على السلطة والمجتمع، لاسيما والمنطقة اليوم واقعة تحت تأثير عمليات فرز طائفي وشحن مذهبي غير مسبوق يزيد من خطورته، ليس الاستقطاب المذهبي الخارجي فحسب بين دول الإقليم، وإنما أيضا إخفاق الدولة الوطنية في استقطاب الولاء الاجتماعي وضعف تمثلها للمشروعية وإضعافها المستمر للأحزاب السياسية لصالح الحزب الوطني الواحد، مما قلص من دور التنظيمات المدنية والسياسية الحديثة في عملية تأطير الناس وفتح المجال للتنظيمات الدينية الطائفية والقبيلة لتقوم بذلك الدور.
استقطاب مذهبي
إجمالا، يبدو أن البلاد باتت عُـرضة لعملية استقطاب مذهبي، بدأت أولى بوادره في اليمن طِـبقا لاتهام صنعاء لكل من إيران وليبيا في دعم التمرد، لكن لا يعني إنحاء اللائمة على الأطراف الخارجية وحدها دون إعادة النظر في الأساليب المتّـبعة مع احتواء الظاهرة، خاصة أن التجربة اليمنية، رغم مراراتها في بعض الأحيان، إلا أنها استطاعت أن تؤمن التعايش الاجتماعي والاستقرار السياسي ضمن التمايز المذهبي، وهو ما يتعيَّـن تحقيقه بأقل كُـلفة ممكنة، طالما والحرب لم تفض إلى حل المشكلة نهائيا ولن تفعل، وطالما أن هناك أطرافا خارجية تريد ترحيل صراعاتها إلى داخل الحدود اليمنية.
عبد الكريم سلام – صنعاء
صنعاء (رويترز) – قال أعضاء بالبرلمان اليمني إن البرلمان وافق يوم السبت 10 فبراير 2007 على قيام الحكومة بعمل عسكري ضد المتمردين الشيعة الذين قتلوا عشرات الجنود خلال اشتباكات اندلعت في الاونة الاخيرة.
ومن المتوقع ان تطلق الموافقة التي جاءت خلال جلسة مغلقة للبرلمان يد الحكومة بقوة في التعامل مع المتمردين الذين يتزعمهم عبد المالك الحوثي شقيق رجل الدين المناهض للولايات المتحدة حسين الحوثي والذي قتل في عام 2004.
وقال نواب ان بعض اعضاء المعارضة انضموا الى حزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه الرئيس علي عبد الله صالح ويمثل الاغلبية في تأييد اتخاذ اجراء ضد المتمردين المتهمين ايضا بالتحريض على العنف ضد الولايات المتحدة.
وتعرضت الحكومة لانتقادات من قبل بعض القوميين والاشتراكيين والاسلاميين الذين ساعدت احزابهم في وقت سابق في جهود الوساطة وذلك لتخطيطها لاتخاذ اجراء اشد وطأة ضد المتمردين الذين تتهمهم بمحاولة اقامة نظام ديني شيعي في البلاد.
ويشكل المسلمون السنة اغلب سكان اليمن البالغ عددهم 19 مليون نسمة في حين تقدر اعداد الشيعة بنحو 15 في المئة.
وقال عضو بالبرلمان رفض الكشف عن هويته “وافقت اغلبية كبيرة على اقتراح يدعو الحكومة الى استخدام الوسائل العسكرية الضرورية لحل المشكلة مع اتباع الحوثي.”
وقال اليمن يوم الاثنين ان 42 جنديا على الاقل قتلوا واصيب 81 اخرون خلال اسبوع من الاشتباكات المتفرقة مع المتمردين. ودعا صالح المتمردين بعد احداث العنف الاخيرة التي بدأت اواخر الشهر الماضي الى تسليم اسلحتهم او تحمل عواقب المواجهة.
وانضم اليمن وهو موطن اجداد أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الى الحرب التي قادتها واشنطن على الارهاب بعد هجمات 11 سبتمبر ايلول 2001 على الولايات المتحدة. وليس لانصار الحوثي صلة بتنظيم القاعدة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 فبراير 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.