اليمن في مفترق طرق غائم الملامح
ألمح الرئيس اليمني علي عبد الله صالح يوم الثلاثاء 16 أكتوبر، إلى وجود "مخطط خبيث يستهدف إحداث فتنة داخلية"، فيما طالبته المعارضة بمحاكمة عادلة لقتلة، محتجين في اعتصامات يوم السبت 13 أكتوبر الجاري.
وقال صالح خلال عرض عسكري أقيم في المنطقة الجنوبية، حيث وقعت مواجهات بين قوات الأمن اليمنية ومحتجين، أدت إلى سقوط أربعة قتلي و16 جريحا، “نطالب المؤسسة العسكرية بعدم الانجرار إلى ما يخطط له أعداء الوطن وأعداء التنمية”.
في الوقت الذي كانت السلطات اليمنية تتهيأ للاحتفاء بالذكرى الـ (44) لاندلاع شرارة المقاومة ضدّ المستعمر البريطاني في جنوب اليمن المحتل، كان عشرات الآلاف من المحتجِّـين والمتظاهرين ينظِّـمون مهرجانا جماهيريا، تواصلا للمظاهرات الاحتجاجية التي كانت بعضُ من المدن اليمنية مسرحا لها في الآونة الأخيرة، لاسيما الجنوبية منها، مما أعاد طرح المسألة الجنوبية بقوة لأول مرّة منذ إعلان الوحدة بين شطري اليمن عام 1990.
ويرى المراقبون والمتابعون في اختيار مدينة (حالمين)، عاصمة ردفان لتنظيم وقفة احتجاجية، رسالة قوية واضحة أرادت المعارضة والمنظمون توجيهها للسلطة، وهي تحمل أكثر من دلالة.
رسالة ذات دلالات عدة
الأولى، التذكير بالمكان والحدَث، فمِـن جبال ردفان اندلعت شرارة مقاومة المستعمر في 14 اكتوبر عام 1963 لتتوالى بعدها عمليات الكفاح المسلح وتنتهي بجلاء بريطانيا عن جنوب البلاد عام 1967، وبالتالي، فإن المكان له دلالة تحيل على زمن وحدث لا يغيب عن أذهان اليمنيين ولا عن وعيهم الفردي والجماعي، بما فيها الحكّـام أنفسهم، الذين يحرِصون في كل مناسبة على االتذكير بهذا الحدث من أجل إضفاء شرعية ثورية على حكمهم، حتى في ظل الديمقراطية التي تنتهِـجها البلاد منذ إعلان الجمهورية اليمنية، وذلك لما لها من قيمة رمزية تُـؤطر الناس وتوجِّـههم نحو الأهداف التي ناضل من أجلها جيل التحرير، وهو ما جعل منها على مرِّ الزمن، مرجعية تبريرية تُـمارس السلطة السياسية – أي كانت تلك السلطة – بإسمها.
على هذا الأساس، جاء تنظيم التظاهرة الاحتجاجية بهذه المناسبة وفي المكان المختار، حسب هؤلاء المراقبين، ليؤكِّـد على التّـنازع الرّسمي والشعبي لمثل هذه القِـيم الرمزية، وهو ما أكّـد عليه المنظِّـمون، الذين شدّدوا في كلماتهم في الحشد الجماهيري، الذي فاق 70 ألف مشارك، على المعاني التي تحملها ذِكرى الحدث في الوِجدان الشعبي، وذهبوا غير مرة إلى تذكير الحكام بالمبادئ النبيلة التي رفعها الثوار ورُوّاد التحرير، وعقد المقارنة بين تلك المبادئ وما هو عليه حال البلاد من غيابٍ للعدالة وانتشار الفساد والمحسوبية وشيوع الفقر والتهميش، وكل ما يمثل ابتعادا عن القِـيم التي رفعها جيل الثورة، طِـبقا لما شدّد عليه المتحدِّثون خلال الوقفة الاحتجاجية المنظمة بمناسبة الذكرى الـ (44) لثورة 14 أكتوبر 1963.
الدلالة الثانية لهذه التظاهرة، هي تأكيد استمرار الاحتجاجات في المناطق الجنوبية والتوحّـد حولها، خاصة من قِـبل أحزاب المعارضة المنضوية في إطار “اللقاء المشترك”، التي بدت حاضِـرة بقوّة برموز قيادية، في مؤشر يُـوحي بأنها فاعِـل أساسي في تنظيم هذه الاحتجاجات، بعد أن ظلت السلطات تقول عنها إنها فقط تركب موجة احتجاج الشارع على ارتفاع أسعار المواد الأساسية الاستهلاكية، وبدا ذلك الحضور من خلال نص القـسم الذي ردّده المُـتجمهرون، والذي شدّد على التمسك بالوحدة الوطنية وجاء فيه “نقسم بالله العظيم أن نكون متوحِّـدين وأن تكون أهدافنا فقط من أجل الوطن وأن نعلي الوطن فوق الأحزاب والمناطق والجهات”.
انسداد آفاق الحوار
كما اعتُـبر التصعيد من قِـبل المعارضة، تطورا جديدا في العلاقة بينها وبين السلطة، يأتي على خلفية انسداد آفاق الحوار مع الحزب الحاكم “المؤتمر الشعبي العام” وتلك الأحزاب التي تضُـم كُـبرى أحزاب المعارضة الرئيسية (التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمني والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري واتحاد القوى الشعبية وحزب الحق).
كما يأتي بعد أسابيع قليلة من رفضها، دعوة الرئيس صالح الأخيرة للحِـوار، وبُـعَـيد إغلاق هذا الأخير لباب الحوار قبل أيام، بعد إصداره التعديلات الدستورية بصفة مُـنفردة ورفض التَّـعاطي معها من قِـبل المعارضة، الأمر الذي دفعه إلى القول أن طرحه لتلك التعديلات نابع من اختصاصاته الدستورية والتزاما منه بما ورد في برنامجه الانتخابي في الانتخابات الرئاسية والمحلية العامة، ليسُـدّ الطريق أمام أي حوار خارج عن تلك المحدّدات، مما جعل اللقاء المشترك بين حزب “المعارضة” والحزب الحاكم، أبعد ما يكون عن طاولة الحوار التي ظلّـوا يحومون حولها منذ العام الماضي، دون إحراز تقدم.
ويعتبر مسؤولون حكوميون أن تحريك الشارع تقف وراءه قِـوى خارجية تستهدِف وِحدة البلاد واستقراره، كما ورد على لسان مسؤولين كبار في الحكومة، مشيرين في هذا الصّـدد إلى المطالب الجهوية التي رفعها المتظاهرون ويجاهر بها بعض المنظمين، وهي لا ترى لها مبرِّرا، لاسيما بعد أن شرعت الحكومة بمعالجة عددا من الملفات المطلبية التي كانت وراء التحرك، مثل تسوية أوضاع المتعاقدين وإعادة المنقطعين إلى أعمالهم.
تحرك ناجم عن جملة من ا لعوامل
على عكس ذلك الطرح، هناك من يرى أن تحرّك الشارع اليمني بهذه الوتيرة المتواصلة، ناتج عن جُـملة من العوامل، اقتصادية وسياسية واجتماعية.
فعلى المستوى الاقتصادي، شهدت البلاد كسادا اقتصاديا وركدت العديد من الأنشطة التي كان يُـعوِّل عليها في ارتفاع مستوى التشغيل، وظل النمو القطاعي دون المستويات المأمولة، رغم الإصلاحات التي اتّـخذتها الحكومات المتعاقبة، للإنعاش القطاعي، إلا أن القطاعات المنتجة القادرة على رفع الدخل القومي والمولِّـدة لفُـرص العمل، ظلت محدودة للغاية ولم تُـواكب النمو السكاني وارتفاع الطلب الاجتماعي على التشغيل.
فقد بقى نمُـو قوى العمل خلال العقد الأخير أعلى بكثير من إمكانات السوق وقُـدراته، فارتفعت البطالة إلى مستويات قِـياسية وازدادت الحياة المعيشية صعوبة لدى غالبية السكان، فيما انتعش اقتصاد المضاربة بسبب ارتفاع التضخّـم الذي ظل يتراوح ما بين 12.5 و13% منذ عام 2001، وارتفع العام الماضي إلى 15.5% طِـبقا لما ورد في التقرير الاقتصادي العربي الموحّـد.
وقد مثّـلت المضاربات العقارية قُـطب الرّحى في اقتصاد المضاربة، مما سمح للمستفيدين من الأراضي الممنوحة من أملاك وعقارات الدولة أن يكونوا ثروات كبيرة، وهم في الغالب ممّـن لا يستحقّـون حِـيازتها، فيما ظل آخرون يرقبونهم ويرون أنهم أكثر استحقاقا منهم.
فخ الجهوية والمناطقية
الأمر الآخر، أنه مع تراجُـع فرص العمل ومحدودية المُـتاح منها في الإدارة العمومية، بدت الآفاق مسدُودة أمام الكثير من المواطنين الذين لا سنَـد لهم في إيجاد وظيفة عامة، خاصة المعدمين منهم، وساد شعورٌ بالقلق من الحاضِـر وانسدّت آفاق المستقبل، مما ولّـد حالة احتقان بدت تجلياتها تبرُز للعلن من خلال هذه التحركات التي يشهدها الشارع اليمني من حين لآخر، وهي مرشحة لمزيد من التفاعل، لاسيما إذا لم توجد البدائل التي يمكن أن تفتح آفاقا جديدة أمام الأفراد وإعادة النظر في السياسات المتّـبعة، التي بقيت رهينة للمنطلقات، التي حكمت الصِّـراعات السياسية، حيث يؤخذ على السياسات التي انتهجتها الحكومات اليمنية أنها كانت تقع في الفخّ الذي تحذِّر منه دوما، وهي الجهوية والمناطقية، إذ عادة ما يكون الاستقطاب المناطقي والجهوي نهجا لتفادي الصِّـراعات، لكنه في الوقت ذاته، يصبح سببا لإنتاج تلك الصِّـراعات التي عصفت بالبلاد غير مرّة، والتي تزداد قساوة كلَّـما بدت الآفاق الاقتصادية ضبابية غير مبشِّـرة بتحقيق الوعود الممنوحة.
البادي لعيان المراقبين والمتابعين، أن الاحتجاجات ستتواصل، طالما الصعوبات الاقتصادية والمعيشية حاضرة وطالما استمرّت الهوّة بين السلطة والمعارضة وطالما ظلّـت الإدارة على حالها عُـرضة للانتقاد الدائم، بسبب الفساد المستشري داخلها، فاقدة حتى الآن لزِمام المُـبادرة وغير قادِرة على إنعاش آمال الناس، وهو ما ردّده ويردِّده المتظاهرون، عندما جددوا العزم على مواصلة النضال السِّـلمي، على الرغم من منع الحكومة لتنظيم الاعتصامات والمظاهرات، وعلى الرغم من سقوط قتلى وجرحى بين المتجمهرين، فيما استمرّت المطالبة بالإفراج عن المعتقلين وملاحقة المتسبِّـبين بسُـقوط الضحايا والإفراج عن المحتجزين، وهو أمر يضع اليمن أمام مفترق طُـرق غير واضح المعالم، خاصة مع بدء مرحلة جديدة من التّـصعيد بين السلطة والمعارضة على خلفِـية التطورات الأخيرة للتعديلات الدستورية المقترحة من قِـبل الرئيس اليمني، وإغلاق باب الحِـوار بين الحزب الحاكم وأحزاب اللقاء المشترك، مما ينبِّـئ بقطيعة طويلة الأمد، قد يبقى الشارع مسرحا لها، سواء بذاتها أو بما يُـقال إنها تركب موجة الشارع.
وفي كل الأحوال، يعتقد محللون ومختصون أن إعادة ترتيب البيت اليمني بحاجة إلى الالتفات إلى كل ما يعكِّـر صفو الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بمقاربة صادقة تقف على الحقائق كما هي، وليس كما يتصوُّرها كل طرف ويتمنّـاها، ومن تم، يوضع البلد في وجهته الصائِـبة، بدلا من المراوحة في مفترق طرق غائم الوضوح.
عبد الكريم سلام – صنعاء
صنعاء ـ يو بي آي: قال مصدر يمني مطلع أمس الخميس 18 أكتوبر، إن نحو 6 آلاف عسكري جنوبي ممّـن كانوا قد أحِـيلوا للتقاعد المبكّـر أو الإقصاء إثر حرب صيف عام 1994، ستتم إعادتهم إلى الخدمة العسكرية وِفق أمر أصدره الرئيس علي عبد الله صالح.
وقال المصدر، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه ليوناتيد بريس انترناشونال، سيتم استقبال 22 ضابطا و2138 جنديا بمقرّات وزارة الداخلية، من دون أن يشير إلى موعد إعادة البقية. وكان الرئيس اليمني علي عبد الله صالح قد أمر إثر احتجاجات قام بها مجلس تنسيق المتقاعدين العسكريين والأمنيين الجنوبيين في شهر مارس الماضي بتشكيل لجان لمعالجة أوضاع المبعَـدين من الخدمة العسكرية عقِـب حرب صيف 1994.
وأعلنت وزارة الدفاع اليمنية يوم الإثنين 15 أكتوبر أنها بصدد استقبال 4744 من منتسبي القوات المسلحة المبعّـدين بعد الحرب، ودعتهم إلى الحضور إلى مركز تدريب القوات في صنعاء، لإعادة توزيعهم على وحداتهم العسكرية.وقال مصدر رسمي، إن الرئيس صالح شدّد على سرعة استكمال الإجراءات الخاصة لحل ما تبقى من مشاكل تتعلّـق بقضية المتقاعدين العسكريين والمدنيين.
وتشرف على عملية إعادة العسكريين المبعّـدين لجنة يرأسها رئيس الوزراء اليمني علي مجور وعضوية عدد من الوزراء، وهي معنية بحل ما تبقى من قضايا المتقاعدين وإعادة من يُـثبت أنه أحيل إلى التقاعد بصورة غير قانونية في أقرب وقت.
غير أن جمعيات المتقاعدين العسكريين والمدنيين الجنوبيين، قللت من إجراءات السلطة في معالجة أوضاعهم واعتبرتها غير كافية. وقال أمين عام جمعية المتقاعدين العسكريين في الضالع، عبده المعطري في تصريح ليومية الصحوة، التابعة لحزب الإصلاح المعارض، إن كل ما جرى حتى الآن، هو نقل راتب الضباط فقط من بريد الضالع إلى معسكر صلاح الدين، وأضاف المعطري، لا زال هناك الآلاف من الأفراد والتابعين للأمن السياسي والمدنيين لم تُـسوَّ أوضاعهم، كما أن الإخوة في السلطة مع الأسف، يصورون القضية زيادة مرتّـب، ونحن نقول لهم: ليس هذا هو الحل والمطلوب رد الاعتبار لنا كشركاء في الوحدة اليمنية، وأضاف، نحن كُـنا جيش جمهورية بكاملها ذهبنا إلى الوحدة اليمنية بكل حب ثم جرى طردنا، هذا هو كل ما في الأمر.
يشار إلى أن جمعيات المتقاعدين العسكريين والمدنيين تقول في بياناتها بأن عدد الذين أقصوا من وظائفهم يصل إلى نحو 70 ألف شخص، في حين تقول السلطات اليمنية بأن العدد لا يتجاوز بضعة آلاف.
(المصدر: وكالة يو بي آي بتاريخ 19 أكتوبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.