اليمن: نهاية عام ساخنة
في ظرف أقل من ثلاثة أيام، شهد اليمن عمليتي عنف متشابهتين، يعتقد أنهما ستخلفان انعكاسات خطيرة على عموم الأوضاع في البلاد.
فبعد اغتيال الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي جار الله عمر، تعرض أطباء أمريكيون إلى اعتداء أسفر عن مقتل 3 منهم وإصابة آخر بجروح.
يرى المتابعون للشؤون اليمنية أن عمليتي اغتيال الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني جار الله عمر خلال حضوره مؤتمر التجمع اليمني للإصلاح، والاعتداء على مجموعة من الأطباء الأمريكيين في ظرف أقل من ثلاثة أيام ستخلفان انعكاسات خطيرة على مجمل الأوضاع السياسية في البلاد، وتعتبران مؤشرا خطيرا على انتشار التطرف والغلو الديني الذي يهدد الاستقرار الاجتماعي والسياسي في البلاد.
فقد أقرا منفذا العمليتين أنهما لم يقوما سوى “بتنفيذ شرع الله وتطهير البلاد من العلمانيين والكفار”، الأمر الذي سيترتب عليه تحديات جمة على البلاد برمتها عموما، وعلى الأطراف السياسية اليمنية بصفة خاصة.
لقد جاءت هذه الحوادث في سياق تشهد فيه البلاد استنفارا أمنيا غير مسبوق، الأمر الذي سيلقي بمزيد من الشكوك حول نجاعة الإجراءات الأمنية التي اعتمدتها الدولة وإعادة النظر فيها، وبالتالي، ستقود إلى توسيع حملة مطاردة من يُشتبه في انتمائهم إلى تنظيم القاعدة من جهة، والقضاء على منابع التطرف الديني من جهة أخرى.
المأزق السياسي والأمني
وتجد السلطات اليمنية نفسها أمام مأزق مواجهة التطرف ومحاربته على أكثر من جبهة، وأمام محاولة تصحيح الأوضاع الأمنية بغية تطمين الأجانب العاملين في اليمن على سلامة الأوضاع، وهو ما يعني تبني إجراءات وتدابير أكثر صرامة تجاه البؤر التي يشك في أنها وراء إنتاج الغلو والتطرف الديني في البلاد.
وتخشى أوساط يمنية أن تقود مثل تلك التدابير إلى تصاعد العنف في بلد ينتشر فيه السلاح ويعرف بتركيبة اجتماعية قبلية شديدة التعقيد، في وقت يستعد فيه اليمن لإجراء الانتخابات العامة المقبلة في 27 أبريل في ظروف سياسية وأمنية معقدة وساخنة.
مقابل هذا التحدي الذي تواجهه السلطات العامة، طرحت قضية اغتيال القيادي الاشتراكي المعارض جار الله عمر تحديا مماثلا على المعارضة اليمنية التي تقف على مقربة من الانتخابات النيابية.
وجاء اغتيال جار الله عمر بمثابة ضربة موجعة للتحالف الذي بدأ يتشكل خلال العامين الماضيين بين أحزاب المعارضة، حيث بدأ يبرز قطب سياسي بين هذه الأحزاب المُـنضَـوية في إطار “أحزاب اللقاء المشترك”.
فعلى خلفية هذا التحالف غير المألوف الذي يضم أعداء الأمس، بدأ يُـرَوَّج الحديث عن احتمال تشكيل قوائم مشتركة بين أطرافه، وعلى وجه التحديد بين التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي لخوض انتخابات أبريل. ولهذا، فإن رحيل أبرز وجو الحزب الاشتراكي جار الله عمر الذي يعتبر مهندس التقارب بين أطراف اللقاء المشترك، سيلقي بظلاله على مستقبل هذا التحالف نظرا للمنطلقات التي أرساها الراحل في تعاطيه مع المتغيرات والتحولات السياسية وتوظيفها في هذا التقارب الذي كان جار الله عمر مهندسه الرئيسي.
رحيل شخصية فــذّّة
فمن واقع خبرته السياسية الطويلة على مدار أربعة عقود، ظل جار الله عمر أهم الفاعلين السياسيين المنادين بالتحرر والوحدة والديموقراطية، وكان أول من دعا إلى الديموقراطية عقب أحداث 13 يناير عام 1986 التي تفجرت آنذاك داخل الحزب الاشتراكي، وأفضت إلى نتائج مأساوية بين الجناحين المتصارعين، كان الراحل أحد شهودها.
ولهذا، راهن جار الله عمر على الديموقراطية في وقت مبكر كان مجرد طرحها يعد بمثابة خروج عن الثوابت الأيدلوجية والسياسية السائدة آنذاك، لكنه رغم ذلك وجد أن الديموقراطية هي الضمانة الأساسية التي تقوي الحزب والبلد في آن، وكان هاجسه الأكبر هو تجذير التجربة الديموقراطية في الواقع اليمني وتعميق أواصر الوحدة اليمنية بين مختلف المكونات السياسية والاجتماعية.
ومن أبرز الملامح التي شكلت قوام الفكر السياسي لجار الله عمر خلال السنوات الأخيرة، وعملت على خلق تحالف سياسي مع قوى المعارضة، تشديده الدائم في غير مناسبة على الدعوة لبناء “كتلة تاريخية” تضم القوى الديموقراطية.
ومفهوم “الكتلة التاريخية” التي نادى بها المسؤول الاشتراكي الراحل هي خلاصة للتنظير الفكري والسياسي للمفكر المغربي محمد عابد الجابري الذي كان الفقيد يستحضرها على الدوام، و”الكتلة التاريخية” مؤداها أن كل التجارب السياسية والتنموية التي سادت العالم العربي منذ مطلع النصف الثاني من القرن الماضي قد انتهت إلى الفشل الذريع، بما في ذلك فشل التيار الإسلامي الذي جاء على أنقاض الحركات الثورية القومية والاشتراكية.
من هذه المرجعية الفكرية، ظل الراحل جار الله عمر يشدد دوما على إقامة تحالفات سياسية واسعة على الرغم من معارضة بعض الأعضاء داخل حزبه لدعوته تلك من جهة، ومعارضة أطراف أخرى داخل الأحزاب الساعي إلى التحالف معها من جهة أخرى. غير أنه، وبفضل شخصيته المعتدلة وقدرته على الإقناع، استطاع أن يجسد توجهه ذاك في تمتين تحالف أحزاب اللقاء المشترك.
ماذا ستفعل المعارضة؟
ولهذا، يشكل رحيل الفقيد جار الله عمر ضربة قاصمة لهذا التحالف، لاسيما إذا ما استحضرت الملابسات والظروف التي أحاطت باغتياله وما صاحبها من شكوك وتساؤلات، مازالت تبحث عن إجابات شافية.
ولعل الدعوات التي تلت حادثة اغتيال الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني من قبل بعض قيادات المعارضة بتفويت الفرصة على مستهدفي التحالف، تحمل أكثر من دلالة على خطورة النتائج المحتملة لهذه الجريمة السياسية.
ويذهب بعض المراقبين إلى أن النتائج الأولية للتحقيق مع الجاني، إذا لم يستجد جديد بشأنه، ستكون مجرد سحابة صيف عابرة في علاقات تحالف أحزاب اللقاء المشترك، لاسيما أن
التجمع اليمني نفى أي علاقة للجاني بالحزب.
أما إذا تبدت أمور أخرى، فإن ذلك كفيل بتعكير الانفراج بين هذه الأحزاب، ويقود إلى احتقان المشهد السياسي اليمني على مستوى الحكومة التي ستسعى إلى محاولة تقوية الجبهة الداخلية من أجل مواجهة مشكلة التطرف والعنف، والمعارضة التي مازالت
أسيرة الصدمة التي سببها اغتيال أبرز رموزها القياديين، وجميعها مؤشرات تترك الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات.
عبد الكريم سلام – صنعاء
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.