اليمين المتشدد وتحديات السلطة
سيظل عام 2003 راسخا في الذاكرة السويسرية لما حمله من تغيير جذري في تشكيلة الحكومة الفدرالية بعد تقدم حزب الشعب اليميني في انتخابات أكتوبر البرلمانية.
لكن النجاح الذي حققه هذا الحزب بفضل زعيمه البارز كريستوف بلوخر جاء بالإعتماد على “استراتيجية المعارضة”، وهو ما من شأنه أن يضعهما تحت الاختبار اعتبارا من أول يوم في العام الجديد.
حصل حزب الشعب اليميني على 63 مقعدا في البرمان اثر انتخابات أكتوبر 2003، ودعم موقفه داخل الحكومة بمقعد ثان له في العاشر من ديسمبر الماضي، دون مراعاة نسبة تمثيل المرأة في الحكومة، أي باختصار تحول من مجرد “حزب الفلاحين” الصغير إلى أول الأحزاب السياسية في سويسرا.
ويقول جان بليس ديفاغو السكرتير العام السابق لحزب الشعب اليميني إن هذه النتيجة جاءت بعد عمل دؤوب تواصل منذ عام 1992، حيث كان الحزب يحتل المركز الرابع على الساحة السياسية السويسرية.
بينما اعتبر أوسكار ماتسوليني في تقييمه للعمل السياسي في الكونفدرالية أن الحزب تحول إلى أقوى كتلة معارضة بفضل سياسته التي اتبعها خلال السنوات الماضية، وتجاوزها ليدخل إلى صفوف الحكومة.
تقييمات متعددة
وفيما يعتقد عدد من المحللين أن دخول عضوين من حزب الشعب اليميني إلى الحكومة قد دمر “المعادلة السحرية” التي صاغت تركيبة النظام الحاكم في سويسرا طيلة 44 عاما، يتفق الجميع على أن عام 2004 بتشكيلة الحكومة الحالية يمثل بداية حقبة جديدة في تاريخ سويسرا الحديث.
في الوقت نفسه يرى اندرياس غروس النائب البرلماني عن الحزب الإشتراكي، بأن اليمين يقود الآن دفة السياسة السويسرية، وهو ما سينعكس على آداء حزبين آخرين، مشيرا إلى أن هذه النتيجة جاءت وفق رغبة الناخبين والبرلمان. ويرى غروس بأن سويسرا تشهد الآن نظاما سياسيا جديدا غير معروف من قبل.
ويُبدي المؤرخ هانز اولريش يوست قدرا من التشاؤم حيث يقول: “لقد بدأت سويسرا مسيرة الدولة الناجحة منذ السبعينيات، لتصل إلى نهايتها بنجاح”، وهو ما يعني نهاية حقبة ناجحة وبداية مرحلة “مجهولة المعالم”.
أما ايف كريستن عضو الحزب الراديكالي (عن كانتون فو) فيرى بأن النظام لم يتغير وانما تبدل توزيع القوى داخل الحكومة الفدرالية حيث احتل حزب الشعب السويسري مكان الحزب الديمقراطي المسيحي. ويؤكد كريستن على أن عام 2003 كان عام النائب اليميني كريستوف بلوخر، الذي “تفوق على التيارات السياسية المعتدلة” حسب رأيه.
عــام الحقيقة!
وفيما تركزت التعليقات والأنظار على شوكة حزب الشعب اليمين التي قويت داخل البرلمان والحكومة، رأت صحيفة “تريبون فون زيورخ” بأن الحزب غير متجانس، في إشارة إلى الإختلاف القائم في الآراء والآراء بين عدد من فروع الحزب الرئيسية وخاصة ما بين برن وزيوريخ.
وضربت بذلك مثالا على مواقف سامويل شميت عضو الحزب عن كانتون برن والذي يتولى حاليا منصب وزير الدفاع، التي لا تروق عادة لأعضاء نفس الحزب في زيوريخ، وذكرت الصحيفة بأنه وصف من طرف بلوخر يوما ما بأنه “نصف وزير”.
ومن الملفت أن الناخبين الذين صوتوا لفائدة أعضاء من حزب الشعب السويسري على مستوى المجالس النيابية المحلية في الكانتونات في الأعوام الأخيرة حرصوا على انتخاب شخصيات تنتمي إلى جناح أقصى اليمين في الحزب، وهو ما يرى فيه المراقبون رغبة قوية في تعزيز وجود الحزب كقوة معارضة.
ويقول النائب ايف كريستن بأن عام 2004 إما سيكون عام النجاح أو عام الفشل، ولكنه في النهاية سيكون عام الحقيقة مشيرا إلى أن أية خسائر ستكون مؤلمة جدا.
أما جان باليس ديفاغو السكرتير العام السابق لحزب الشعب اليميني فلا يتشكك في ضرورة التعاون بين جميع الأحزاب، لأن أي فشل في عمل الحكومة الفدرالية الحالية سيعني إلحاق خسارة فادحة بحزب الشعب في انتخابات عام 2007.
أول اختبار
إلا أن نظرة سريعة إلى الوراء، وتحديدا إلى عام 1959 عندما وصل الاشتراكيون إلى الحكومة، تشير إلى أن الأمور كانت تحتاج إلى بعض الوقت للوصول إلى التوازن، وهو ما يعني بأن المرحلة الراهنة تتطلب أيضا السعي داخل الحكومة والأحزاب، وأيضا داخل حزب الشعب اليميني نفسه للوصول إلى هذا التوازن.
أما كريستوف بلوخر، السياسي المعارض والمشاغب سابقا، ووزير العدل والشرطة حاليا، فهو الشخصية التي ستتوجه إليها الأنظار في العام الجديد، إذ أنه يُعتبر منذ الفاتح من يناير 2004 ملتزما رسميا بمبدأ الحفاظ على التوافق داخل صفوف الحكومة، بعدما اكتسب شعبيته من معارضة الطبقة السياسية وإطلاق الكلمات الرنانة والشعارات المعادية للأجانب.
وفيما تتركز التساؤلات لأسئلة هذه الأيام على كيفية احترام بلوخر لوضعه الجديد داخل الحكومة؟ ومدى تقبله لمبادئ الديموقراطية الوفاقية وقدرته على التخلى عن استراتيجية المعارضة السابقة، تتجه الأنظار إلى موعد 8 فبراير القادم.
ففي ذلك التاريخ سوف تواجه الحكومة الجديدة أول اختبار جدي لها عند اتخاذ موقف من المبادرة المدعومة من قبل حزب الشعب السويسري الداعية إلى مزيد من المتابعة والمراقبة على المحكوم عليهم في قضايا ممارسة العنف أو الاعتداء الجنسي. ومن بعدها ستأتي مبادرة أخرى مدعومة أيضا من نفس الحزب لإعادة النظر في قوانين منح حق اللجوء في سويسرا وفرض قيود أكثر صرامة على بنوده.
سيناريوهات ومفاجآت
ولا ينفي جان بليس ديفاغو الأمين العام السابق لحزب الشعب السويسري الصعوبات التي سيواجهها كريستوف بلوخر، لا سيما في مسئوليته كوزير للعدل والشرطة، حيث من المفترض أن يناقش معاهدة شينغين المتعلقة بحرية تنقل الأفراد مع الاتحاد الأوروبي واتفاقية دبلن للتعاون الأمني في ملف طالبي اللجوء.
في الوقت نفسه، لا يستبعد ايف كريستن حدوث مواجهة بين كريستوف بلوخر وحزبه، الذي لا مفر من أن يستمر في انتهاج سياساته السابقة لاثبات وجوده على الساحة، وهو ما يعني الإبقاء على روح المواجهة في تعامله مع الحكومة.
ومن غير المعروف كيف ستكون المواجهة بين الصقور والحمائم داخل صفوف الحزب، لا سيما بعد أن اكد الحزب عدم تخليه عن برامجه، حتى بعد هذا الفوز المتميز في الانتخابات.
أخيرا، تتكهن ماري هيلين ميوتون بثلاثة سيناريوهات لأداء بلوخر الحكومي. يتمثل الأول في ظهور الارتباك على توجهاته وعمله، أما الثاني فيحتمل إمكانية تراجعه عن وعوده السابقة، ويتوقع الثالث أن يفشل بلوخر في التحول من رجل الصناعة والاقتصاد إلى السياسي ذي الوظائف والواجبات المحددة.
سويس انفو
في عام 1848، كانت أول حكومة فدرالية تتكون من الحزب الراديكالي فقط
في عام 1891، حصل الحزب الكاثوليكي المحافظ على مقعد أول، ثم على مقعد ثان في عام 1919
في عام 1929، تم انتخاب أول ممثل لحزب المزارعين والحرفيين والبورجوازيين “PAB” الذي يعد أب حزب الشعب السويسري اليميني الحالي
في عام 1959، أنشئت “الصيغة السحرية” لنظام الحكم في الكنفدرالية والتي حسمت تشكيلة الحكومة كالتالي: مقعدين للحزب الراديكالي، مقعدين للديمقراطيين المسيحيين، مقعدين للاشتراكيين ومقعد واحد لحزب الشعب السويسري
في عام 2003، تمكن حزب الشعب السويسري من الحصول على مقعد ثان في الحكومة على حساب حزب الديمقراطيين المسيحيين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.