امتـياز ضريـبي للأثرياء.. في الميزان
اجتذبت سويسرا لحد الآن أكثر من ثلاثة آلاف ثري أجنبي للإقامة في أراضيها بفضل الامتياز الضريبي المخصص لهم والذي لا يقتطع من دخلهم وثروتهم سوى نسبة زهيدة.
لكن هذا التعامل التفاضلي الذي ينتشر في نصف الكانتونات السويسرية تقريبا بات يثير استياء وغضب السكان والسياسيين على حد سواء.
يستفيد الأثرياء الأجانب المقيمون في سويسرا مما يُسمى بـ”ضريبة شاملة” أو فرض ضريبة استنادا إلى حجم النفقات. إذ لا يتم احتساب أعباءهم الضريبية وفقا للدخل أو الثروة، مثلما هو الشأن بالنسبة لباقي دافعي الضرائب.
المستفيدون من هذا الامتياز يدفعون الضرائب على أساس “مستوى معيشتهم”، وهو أساس مُبهم إلى حد ما. فهم يؤدون بشكل عام ضريبة تعادل خمس مرات على الأقل التكاليف السنوية للإيجار الذي يدفعونه أو قيمة إيجار محل إقامتهم.
في غالب الحالات، لا تكون الضريبة هينة، لكنها لا تبلغ من الارتفاع الحد الذي يمكن أن يحرم الأثرياء الأجانب من مستوى معيشة جيد…
المستفيدون في تزايد مستمر
فعلى سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن بطل سباق السيارات “فورمولا واحد” الألماني ميكاييل شوماخر يدفع مليوني فرنك سنويا للضرائب السويسرية. قد يبدو هذا المبلغ قيما في الوهلة الأولى، لكنه يعادل في الواقع نسبة 2% فقط من الدخل السنوي للبطل الألماني الذي يناهز 100 مليون فرنك ونسبة 2 من الألف من حجم ثروته التي تقدر بـمليار فرنك.
أداء الضرائب بنسبة 2% من الدخل الصافي (بعد اقتطاع التأمينات على البطالة وصندوق التقاعد وما شابه ذلك) يظل حلما بعيد المنال بالنسبة لكافة السويسريين والأجانب غير الأثرياء المقيمين في الكنفدرالية، بدءا بالموظفين الذين يدفعون الضرائب على كل سنتيم يكسبونه.
في هذا السياق، يـُتوقع أن يرتفع عدد المستفيدين من الامتياز الضريبي الخاص بالأثرياء الأجانب خلال السنوات القادمة، خاصة بعد دخول المرحلة الثانية من اتفاق حرية تنقل الأشخاص بين سويسرا والاتحاد الأوروبي حيز التطبيق في يونيو الماضي، وهو اتفاق فتح تقريبا أبواب الكنفدرالية على مصراعيها بوجه الأثرياء الأوروبيين.
رضى السلطات
من جهتها، تبدو الكانتونات والبلديات على استعداد متزايد لاعتماد الامتياز الضريبي بهدف اجتذاب الأثرياء الأجانب والرفع من عائداتها الضريبية.
وكانت مجلة “Beobachter” الطبية السويسرية قد حاولت في الخريف الماضي اختبار “قابلية” حوالي ثلاثين بلدية في المجال الضريبي. فبعثت لكل منها رسالة باسم محامي وهمي يبحث عن بـلدية تليق بإقامة مليونير أجنبي.
لم يتردد ثلث البلديات التي تم الاتصال بها في لفت الانتباه إلى إمكانية منح الامتياز الضريبي لذلك المليونير…
مبادرة المجلة أطلقت مجددا الجدل حول نظام ضرائبي يثير غضب السكان واستياء الطبقة السياسية أيضا التي بدأت تنظر إليه كنظام غير عادل.
وفيما تريد الأحزاب اليسارية إلغاء ذلك النظام بكل بساطة، تفكر الأحزاب اليمينية في عدم حصره داخل دائرة الأثرياء الأجانب بل توفير سبل الاستفادة منه للأغنياء السويسريين أيضا.
مطالبة بإلغاء الامتياز
وستُطرح مسألة “الضريبة الشاملة” الشائكة خلال الدورة الربيعية للبرلمان السويسري (من 28 فبراير إلى 18 مارس المقبل)، إذ سيتعين على النواب التصويت على المبادرة البرلمانية للنائـبة الاشتراكية سوزان لويتنيغير أوبرهولزر التي تطالب بإلغاء الامتياز الضريبي لفائدة الأثرياء الأجانب.
وقد صرحت النائبة في هذا السياق: “نعتقد أن هذه الضريبة تسمح للمستفيدين بدفع فقط عُشر ما يتعين أداءه لمصلحة الضرائب. هذا ينتهك مبدأ المساواة أمام الضرائب ويضعف الحس الأخلاقي لبقية دافعي الضرائب”.
واستطردت النائبة لويتنيغير أوبرهولزر قائلة في تصريحات لـسويس انفو: “إن سويسرا جذابة بعد على المستوى الضريبي ولا يجب أن تلجأ للإغراق (dumping) لاستقطاب الأثرياء الأجانب. ثم لا يجب أن ننسى أن هذا النوع من الممارسات قد يثير دائما المزيد من العدوانية داخل الاتحاد الأوروبي”.
امتيازات في الخارج أيضا
لكن هذا الخطر ليس وارد بالنسبة لماركو برناسكوني، بروفيسور القانون الضريبي في جامعة كانتون تيشينو جنوبي سويسرا الذي قال في لقاء مع سويس انفو: “أكيد أن الضريبة الشاملة تمارس في سويسرا فقط، لكن لا يجب أن ننسى أن دولا أوروبية أخرى تعرض أيضا امتيازات ضريبية”.
وقد أظهرت بالفعل دراسة أنجزتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في عام 2002 وجود 36 قانون ضريبي “مُجحف” في دول أوروبية مختلفة.
ويعتقد البروفيسور برناسكوني أن الضريبة الشاملة “يمكن أن تثير نوعا من الارتباك. في المقابل، تدر عائدات ضريبية هامة في وقت لا يتوقف الحديث فيه عن تقليص المساعدات الإجتماعية ورفع الضرائب لإعادة التوازن للخزائن العامة”.
سويسريو الخارج متضررون
البروفيسور برناسكوني يعارض إذن المقترح اليساري بإلغاء الضريبة الشاملة، كما يعارض الفكرة اليمينية الداعية إلى استفادة الأغنياء السويسريين من ذلك الامتياز الضريبي. ويشدد في هذا الإطار على أنه “لا يمكن الحديث عن عدم المساواة في التعامل بالنسبة للسويسريين طالما لا تطبق الضريبة الشاملة على المكاسب التي حققها أجانب في سويسرا، بل على المكاسب التي حققوها في الخارج”.
ويعتقد الخبير في المجال الضريبي أن وجه اللامساواة الوحيد في التعامل يتعلق بسويسريي الخارج الذين يعودون إلى بلادهم. إذ يحق لهم حاليا الاستفادة من الضريبة الشاملة، لكن فقط خلال العام الأول الذي يلي عودتهم وبشرط أن يكون تغيبهم عن الوطن قد استغرق عشر سنوات على الأقل.
ويذكر الخبير أن الرعايا السويسريين يتضررون لدى عودتهم مقارنة مع الأثرياء الأجانب الذين يقررون الإقامة في سويسرا والذين يستفيدون من الامتياز الضريبي.
سويس انفو
يستفيد أكثر من 3000 ثري أجنبي مقيم في سويسرا من امتياز ضريبي يتمثل في فرض رسوم شاملة لا تحتسب استنادا إلى الدخل أو الثروة مثلما هو الحال بالنسبة لبقية دافعي الضرائب في سويسرا.
يطبق هذا الامتياز الضريبي في زهاء نصف الكانتونات السويسرية البالغ عددها 26.
90% من المستفيدين من الامتياز يقيمون في كانتونات جنيف وفو وفالي والتيشينو وغراوبوندن.
يعتقد أن الإدارة الفدرالية لجباية الضرائب تخسر حوالي ملياري فرنك في السنة بسبب الامتياز الضريبي الممنوح للأثرياء الأجانب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.