مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انتخابات العراق بين المؤيدين والمعارضين

لا أحد تقريبا في العراق يعترض على إجراء الانتخابات من الناحية المبدئية، إلا أن المواقف لا زالت متباينة حول الفائدة من إجرائها في موعد 30 يناير 2005 swissinfo.ch

تتوزع مواقف العراقيين اليوم بين مؤيّـد لإجراء الانتخابات في موعدها، وآخر يدعو إلى إرجاء الموعد لحين توفّـر فُـرص أفضل لإجرائها على نحو صحيح.

وفيما يصر ممثلون عن غالبية الأحزاب والتيارات الشيعية على إجراء الانتخابات في موعدها، يُـطالب ممثلون عن السنّـة العرب بتأجيلها، فيما يبدو الأكراد كمَـن يلعب الورقتين معا.

يتزعّـم الدكتور عدنان الباجه جي، رئيس تجمع الديمقراطيين المستقلين، الحملة الداعية إلى تأجيل موعد إجراء الانتخابات، مؤكّـدا أن أكثر من 17 حزبا عراقيا، وما يزيد على 100 شخصية يمثلون مختلف الأديان والأعراق والمذاهب العراقية عقدوا أخيرا اجتماعا تشاوريا، طالبوا فيه بتأجيل الانتخابات لستة أشهر، لفسح المجال أمام أوسع قاعدة سياسية وشعبية للمشاركة، إلى جانب تحسين الوضع الأمني لتمكين المقترعين من الإدلاء بأصواتهم بحرية وأمان، مشيرا إلى أن الموضوع الأهم في هذا الصدد، هو تأمين وضمان المشاركة الواسعة في العملية الانتخابية التي تستعد لها قوى وأحزاب وتنظيمات مختلفة.

ويعتقد الباجه جي أن الدعوة إلى التأجيل، إنما تسعى لتحقيق هذا الهدف، حيث طلب الاجتماع التشاوري من اللجنة المُـنبثقة عن مؤتمر دوكان، الذي عقد برعاية جلال الطالباني، زعيم الاتحاد الوطني الكردستاني، إجراء الاتصالات اللازمة مع الحكومة المؤقتة، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لتكثيف النقاش والحوار مع الأحزاب والتيارات الداعية إلى مقاطعة الانتخابات، للوقوف على أسباب مقاطعتها ومعرفة مطالبها، والعمل على حلّـها ضمانا لمشاركة أوسع.

وحذر الباجه جي من العواقب الوخيمة لإجراء الانتخابات على هذا النحو السريع، وقال “إن تحفّـظ عدد من الأحزاب والتيارات على المشاركة فيها، إذا ما بقي الموعد كما هو مقرر نهاية شهر يناير المقبل، يعني عدم ضمان نزاهتها، فضلا عن تضييق حرية الناخبين بسبب تردي الأوضاع الأمنية في البلاد” على حد قوله.

ومع أن أحدا لا يمكن أن يقطع بتحسن الأوضاع الأمنية في العراق خلال الأشهر الستة المقبلة إذا ما تم تأجيل الانتخابات، إلا أن المطالبين بالتأجيل يأملون في ذلك.

ويشدد الباجه جي على رفض الأفكار الداعية إلى تقسيم العراقيين وِفق أسُـس دينية أو عرقية، وقال “ان هذا يتعارض كليا مع حقيقة الوحدة الوطنية التي يشهد بها تاريخ شعب العراق”.

وفي الإطار ذاته، يخوض الحزب الإسلامي العراقي معركة التأجيل بثقل واضح، خاصة إذا ما نظر إليه باعتباره ممثلا سياسيا لشريحة لا يُـستهان بها من العرب السنة، فضلا على أن هيئة علماء المسلمين في العراق، التي تُـعد المرجعية الدينية لهم، حسمت أمرها وأعلنت مقاطعتها التامّـة للانتخابات في ظل الاحتلال، وبعد أن باتت “معمدة بدماء العراقيين في الفلوجة والرمادي وسامراء وبغداد والموصل، وسواها من مدن العراق”.

يقول الدكتور محسن عبد الحميد، رئيس الحزب الإسلامي العراقي، إن حزبه كان من أوائل الداعين إلى تأجيل الانتخابات، ليس لأسباب ذاتية، وإنما لأسباب تتّـصل بالعراقيين جميعا وبوحدتهم الوطنية، وعدم إثارة النزعة الطائفية التي يُـصر البعض على تأجيجها خدمة لأغراضه. وأشار إلى أن المأزق الذي تعيشه البلاد حاليا، لا يُـمكن معالجته على هذا النحو السريع.

وكشف عن أن الحزب الإسلامي أجرى استبيانات في عدد من المناطق العراقية، أكّـدت نتائجها أن الغالبية العظمى من السكان يرون ضرورة تأجيل الانتخابات لفترة لا تقل عن ستة أشهر لعدة أسباب، في مقدمتها التدهور الأمني الخطير الذي تعيشه مُـعظم مناطق البلاد، وقال “إننا نخشى من أن يغرق العراق في بحر من الدماء”.

ويؤكد دعاة التأجيل على أنهم لن يتخلوا عن إيمانهم بضرورة قيام انتخابات حقيقية حرة ونزيهة في العراق، كونها تمثل مطلبا شعبيا قبل أن تكون مطلبا سياسيا لأحزاب أو فئات بعينها.

إصرار على التعجيل

أما الفريق الثاني، الذي باشر شنّ حملة واسعة (اتّـسمت في كثير من جوانبها بالتحامل وعدم الموضوعية على المطالبين بالتأجيل)، فيرى أن الوقت ملائم للغاية لإجراء الانتخابات، وأن أي تأخير سيُـلحق أكبر ضرر بالعملية السياسية الجارية في العراق.

وتقف الأحزاب الشيعية الرئيسية على رأس فريق دعاة التعجيل ومن خلفهم آية الله علي السيستاني، الذي يُـصر على ضرورة الإسراع بإجرائها دون النظر إلى مطالب الفريق الآخر، ومدى توافر المستلزمات الأساسية المطلوبة، وفي مقدمتها توفر قدر معقول من الأمن في أدنى تقدير.

وفي لهجة لا تخلو من تهديد مُـبطن، قال عبد العزيز الحكيم، رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، إنه يُـصر على ضرورة إقامة الانتخابات في موعدها المحدد، مشيرا إلى أنه “في حال عدم التوصل إلى الصيغة المُـقنعة، فإنه سيبحث إمكانية اتخاذ إجراءات أخرى، وطريقة أخرى للتعامل مع الأوضاع في العراق” حسب تعبيره.

وأكّـد السيد الحكيم أن تأجيل الانتخابات لن يكون في مصلحة الشعب العراقي، حيث ستنشأ جملة من المشاكل الجدية، من بينها تلك المتعلقة بالسقف الزمني المحدد في القرار الدولي رقم 1546 لإجراء الانتخابات، مما يعني فراغا دستوريا، حسب اعتقاده.

في المقابل، يرد الدكتور الباجه جي قائلا: “إن تأجيل الانتخابات لا يتعارض مع قانون إدارة الدولة المؤقت ولا النص الملحق به، مؤكّـدا أن ما ورد في القانون يختصّ بانتخابات الجمعية الوطنية الدائمة، وليس المؤقتة، مُـوضّـحا أن انتخاب الجمعية الدائمة، إنما يكون بعد إقرار الدستور الدائم، أي نهاية عام 2005.

ويشير عبد العزيز الحكيم إلى أن تأجيل الانتخابات “يعني انتصارا للإرهابيين بتحقيق أهم هدفين من أهدافهم الأساسية، وهو عدم إجراء الانتخابات، وبالتالي، عدم البدء بالعملية السياسية المناسبة، وبناء العراق وفق دستور دائم”.

ويؤكد الحكيم على أن العراق لن يستقر إلا من خلال الانتخابات، مُـوضّـحا أن الأوضاع الأمنية كانت أفضل مطلع هذا العام عندما طالبوا بها لأول مرة.

ويرى أن السيستاني لن يقتنع بأي من المبررات التي يسوقها دعاة التأجيل، مُـعربا عن اعتقاده بأن المرجع الشيعي الأعلى يرى أن كل هذه الحُـجج غير مقنعة بما يكفي لتغيير موقفه.

ومن جهته، قال جواد المالكي، القيادي في حزب الدعوة الإسلامية “إن عواقب تأجيل الانتخابات العراقية ستكون كبيرة، وستثير تساؤلات خطيرة”.

وأكّـد أن “كل السلبيات التي يُـعاني منها العراق حاليا، لن يُـمكن الخروج منها إلا بالانتخابات التي تُـحقق شرعية الحكومة ومؤسساتها، وتكمل السيادة وتضع الاحتلال في مراحله الأخيرة، وتعزز الوحدة الوطنية في البلاد” حسب قوله.

ويعتقد المالكي أن وراء الدعوات المطالبة بالتأجيل، أبعاد خطيرة منها العودة للحوار مع البعثيين ورجالات السلطة السابقة، وهو ما لا يمكن التساهل به، بحسبه.

ويرد المالكي على المتذرعين بتدهور الوضع الأمني في عموم البلاد بالقول “إنه في تحسن مستمر، وأن القوى الإرهابية انكسرت بعد معركة الفلوجة وبدأت تلملم جراحها، وهي غير قادرة على المواجهة مع استمرار حملة ملاحقتها”.

ويقف من بين الرافضين للتأجيل، “المجلس السياسي الشيعي” المُـكَـوّن من 39 حزبا وشخصية بزعامة أحمد الجلبي، معلنين التزامهم الثابت بالموعد المقرر، ومعتبرين أن أي دعوة للمساس بهذا الموعد تُـشكل خرقا فاضحا لقانون إدارة الدولة الانتقالي، وقرار مجلس الأمن رقم 1456 وقرارات “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات”.

ويتساوق مع هذه الأجواء المحمومة، إعلان الدكتور حسين الشهرستاني، العالم النووي المقرَّب من آية الله علي السيستاني، أن الطائفة الشيعية المسالمة ستلجأ إلى خيارات أخرى، لم يسمها، في حال أرجِـئت الانتخابات. وهنا، لا يخفي عدد من المراقبين قلقهم من أن يؤدّي احتدام الصراع في هذا الصدد إلى بروز “خيارات أخرى”. فيما يقول بيان جبر، القيادي في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية: “إن تأجيل الانتخابات يستلزم تعديل الدستور المؤقت، الأمر الذي من شأنه فتح الباب أمام تعديلات أخرى سيكون المطالبون بالتأجيل هم الخاسرون فيها” على حد قوله.

وتشير بعض التسريبات إلى أن مسؤولين في فريق التعجيل يقولون إنه “لو خسر الزعماء الشيعة معركة موعد الانتخابات، فسيطالبون بحكم ذاتي في جنوب العراق على غرار أكراد الشمال”.

الموقف الكردي ” بين – بين”

يمكن القول بثقة أن الموقف الكردي لا يريد أن يقطع خطوط الصلة مع أي من الطرفين بإعلانه الاستعداد لإجراء الانتخابات في موعدها مع (تحفظهم) على ذلك، وتفضيلهم تأجيلها.

فعلى إثر لقائه مع أشرف جهانجير قاضي، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، قال مسعود البارزاني، إن حزبه مستعد لخوض الانتخابات في موعدها، لكنه يُـفضل تأجيلها ستة أشهر “إذا كان ذلك يضمن إجراء انتخابات أوسع تمثيلا ومشاركة”.

وتشير المعلومات المستقاة من مصادر كردية إلى أن الأكراد يؤيدون إرجاء الانتخابات لأسباب رئيسية ثلاث:

أولها، عدم اكتمال عودة من يسمونهم بالمرحلين من قرى كركوك، وثانيها، تساقط الثلوج الذي يُـعيق، مع وعورة الأرض، وصول الناخبين إلى مراكز الاقتراع. وأخيرا، التساوق مع مطالب السنّـة العرب بالدعوة للتأجيل.

وقد بادر الزعماء الأكراد في الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني إلى إعلان توحدهما في قائمة انتخابية واحدة، بعد تجسير الخلافات بينهما على ما يبدو.

خلاف حول الموقف من الإحتلال

“لا أحد في العراق يعترض على إجراء الانتخابات من الناحية المبدئية، كأسلوب لاختيار زعامة جديدة للبلاد”، هكذا أجاب المحلل السياسي الدكتور لقاء مكي في حديثه مع سويس إنفو، مشيرا إلى أن المشكلة تكمُـن في الخلاف حول التوقيتات والقواعد المعتمدة. وأكد أن هذه الاختلافات باتت تأخذ منحى جديا، وربما خطيرا، يُـهدد بتحويل الانتخابات المقبلة إلى عامل تقسيم وفرقة للشعب.

ويشير إلى أن الرافضين للتوقيت المقرر، يمثلون تيارات عديدة ذات توجهات دينية وعلمانية، وهم في مجملهم من الرافضين للاحتلال ولكل ما يجري في ظله، ولذلك، يعتقدون أن إجراء الانتخابات في هذا التوقيت غير مقبول، حتى انتهاء الاحتلال وحصول البلاد على استقلالها الحقيقي، وحينها، سيكون كل شيء جائزا ومشروعا، وفي المقدمة، الانتخابات.

وطبقا لاعتقاد هذا الفريق، الذي بلغ عدد التنظيمات المنضوية تحت لوائه أكثر من 70 حزبا، فإن الاحتلال، شئنا أم أبينا، سيَـفرض أنماطه ومطالبه ومرشحيه، وبالتالي، فإن “إجراء انتخابات حرة ونزيهة وعادلة في أجواء كهذه، أمر مستحيل” حسب رأيهم.

ويُـضيف الدكتور لقاء مكي، “برغم أن الفريق الثاني لا يُـرحّـب بالاحتلال علنا، لكنه يعتبر أن وجود القوات الأجنبية الآن ضروري لحفظ الأمن. لذا، فهذا الفريق يدعو بقوة لمتابعة العملية السياسية، ومنها الانتخابات بوجود تلك القوات على أن تحدد الحكومة المنتخبة شكل العلاقة المستقبلية معها لاحقا.

ويعتقد أن لهذا الفريق مبرراته، ومنها أنه لا أحد في العراق اليوم يزعم أنه يمثل إرادة الشعب العراقي، لذا، فإن الانتخابات وحدها يمكن أن تُـفرز زعامة شرعية قادرة على تمثيل العراقيين، والبدء بعملية إعادة الإعمار.

معركة تقاسم النفوذ

في المحصلة، يتضح أن هناك بين الفريقين خلافات عميقة مع غياب أي أفق واضح لحلها أو التخفيف منها. فكِـلا الفريقين ملتزم بموقفه وغير قادر على استيعاب الآخر، يُـضاف إلى ذلك، تمسّـك حكومة أياد علاوي ومؤيديها بموقف مُـتعنّـت إزاء ما يُصطلح على تسميته بـ “أطراف المقاومة”، وعدم إعطائها الفرصة لتكون شريكا أو طرفا في حوار جدّي وحقيقي، الأمر الذي يجعل العراقيين لا ينتظرون حلا لهذه المشكلة، وهو ما يُـنبِّـئ ببيئة سيئة للشروع بعملية سياسية ديمقراطية.

لذلك يمكن اعتبار الجدل الدائر اليوم في العراق حول الانتخابات ظاهرة مرضية يمكن أن تهدد جدّيا بانقسام البلاد وتفاقم التدهور الذي تعرفه الحالة الأمنية، لاسيما وأن كل الأطراف اليوم لديها من القوة ما يكفي لإبقائها على ساحة الصراع في معركة تقاسم النفوذ، وهي معركة تبدو نهاياتها بعيدة حتى الآن.

مصطفى كامل – بغداد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية