انتخابات فلسطينية بالطول والعرض
هرع الفلسطينيون الى صناديق الاقتراع، غير عابئين بالاحتلال ولا باستطلاعات الراي، مغادرين سنوات عجاف و مقبلين على مجهول، لكن واثقين من قدرتهم على الاستمرار وتجريب التغيير.
ومن المنتظر الآن أن يعمل الفوز الكاسح الذي حققته حماس، على تحريك مكامن الخطر في جسد العملية السياسية المدد على غرفة تشريح أميركية اسرائيلية.
هرع الفلسطينيون الى صناديق الاقتراع، غير عابئين بالاحتلال ولا باستطلاعات الراي، مغادرين سنوات عجاف ومقبلين على مجهول، لكن واثقين من قدرتهم على الاستمرار وتجريب التغيير.
وإذ أدلى الناخبون باصواتهم في محطات أقيمت بعناية ودقة، في مناطق وانحاء مثقلة باجراءات حصار اسرائيلي دائم، كان المرشحون ينتظرون على أحر من الجمر، فرصة اعاقة أو سحب توكيل.
ولم يكن ممكنا للتوقعات، الا ان تشي بعلامات على معركة حامية الوطيس بين حركة فتح، كبرى الفصائل الفلسطينية، وحركة حماس الاسلامية المعارضة، معركة يفترض ان تقرر الى حد كبير في شكل المستقبل القريب.
وان تكن نتائح التصويت لانتخابات المجلس التشريعي الثاني قد فاجأت حتى الحركة الاسلامية المعارضة، حماس، صاحبة النصر المؤزر والاغلبية في البرلمان الجديد، فان سيرة الفلسطينيين، تقر لصالحهم في اجتراح التماسك وسط اللجة الهادرة.
وتبدو النتائج، وكأنها تاخذ المشهد السياسي الفلسطيني من دائرة التميز في ممارسة الديمقراطية والشفافية تحت سياط الاحتلال ووسط لهيبه، إلى الدخول من جديد في معركة إثبات حسن النوايا.
وليس من شان الفوز الكاسح الذي حققته حماس، في المنظور الدولي والاسرائيلي، الا ان يعمل مرة اخرى، على تحريك مكامن الخطر في جسد العملية السياسية المدد على غرفة تشريح أميركية اسرائيلية.
بل ان ردود الافعال المتعددة التي طارت من كل عواصم الدنيا، راحت تنذر الفلسطينيين وتتوعدهم بضررة الالتزام بمبادئ الانتماء الى منظومة العلاقات الدولية التي تحدد شروط السلم والحرب.
قلة قليلة فقط، لم تسجل سوى في أجندات قصيرة، التفتت الى القدرة الفائقة التي ابداها الفلسطينيون في ممارسة الحق الديمقراطي في غابة البنادق التي ظلت تتعبهم وترهقهم وتدفعهم إلى ضرورات التغيير، شاؤوا ام أبوا.
الاشارات الداخلية ايضا
حتى البيان الرسمي الذي القاه الرئيس محمود عباس بعد اعلان النتائج الرسمية، جاء مختصرا، محددا، بل انه حدد فيه “الشروط” التي يتوجب على حكومة حماس القادمة ان تلتزم بها.
ولعل ابرز هذه الشروط، التي أُريد لها ان تهدئ من روع المجموعة الدولية وعلى راسها الولايات المتحدة واسرائيل، كان ضرروة الالتزام بمبدإ المفاوضات كطريق وحيد للتسوية السياسية.
ولم يغفل الرئيس عن تذكير “حزب السلطة الجديد” بالتزامات الحكومة بمختلف الاتفاقات الموقعة بدءا من اتفاقات الحكم الذاتي ومرورا بخطة خارطة الطريق، وهي جميعها محل رفض من قبل الحركة الاسلامية.
وحاول عباس تهدئة المخاوف المحلية من احتمال قيام البعض بفرض تقاليد متزمتة على الشارع الفلسطيني، داعيا الحكومة الجديدة الى الالتزام بمبادئ الديمقراطية والمساواة بين الرجل والمراة.
كلمة عباس اختزلت من خطاب عام موجه الى الجمهور حول المرحلة الجديدة ما بعد الانتخابات، الى مجرد بيان مقتضب محدد حول “شروط” اللعبة السياسية. وهنا تقول المعلومات إن عباس تعرض لضغوط اميركية لتوجيه مثل هذا البيان.
مرة أخرى، تختزل معاناة الفلسطينيين وحقيقة الاحتلا ل إلى بيان إثبات حسن النوايا. حتى الرئيس الذي أصر على إجراء الانتخابات رغم تهديدات المتنفذين في فتح، اضطر الى الانتقال مجددا – بفعل الضغوط – إلى زاوية السياسة الضيقة.
مازق حماس الجميل
ربما لا تعبأ حماس كثيرا الان بدرجة كلمة الرئيس، سواء كانت خطابا للجماهير او بيانا بشروط العمل السياسي، فالحركة مشغولة ومنهمكة في كيفية التعامل مع المفاجاة الكبيرة الجميلة والمخيقة في آن واحد.
لم يكن يخطر ببال حماس المعارضة ان تستيقظ لتجد نفسها في عرين الاسد. كانت حتى عشية الانتخابات، تستعد لتدخل كمعارضة قوية في البرلمان الفلسطيني العتيد. جل ما تمنته أن تقف مراقبا على رأس فتح.
بيد ان حماس التي ارادت أن تُبقي إرث اوسلو وعقدة المفاوضات بيد عباس وسلطته، وتخصص جل وقتها للوعظ والارشاد والمحافظة على اليد النظيفة، تجد نفسها الان في مواجهة تشكيل حكومة الحكم الذاتي الذي طالما رفضته وزهدت فيها.
لا يبدو النصر الكبير جميلا الى هذا الحد، بل ان العقاب الذي انزله الجمهور الفلسطيني بحركة فتح، ربما يتحول الى كابوس ولعنة ستطارد حركة حماس التي تسعى إلى نسيان وقع السنوات الماضية الثقيل.
أو إنها السياسة الديمقراطية تحت الاحتلال، تبدو براقة حتى تقترب منها فتحرقك، اذ لن تحدج حماس في جوارير سلطة الحكم الذاتي سوى ملفات فساد وعجز في الميزانية يقدر بنحو مليار دولار.
الأكثر من ذلك، إن حماس التي ترفض التعامل مع مبدإ المفاوضات مع اسرائيل، باتت مضطرة للتعامل معها لتسيير أمور الفلسطينيين اليومية، وسيكون عليها البحث عن فتاوى جديدة تتلاءم مع الظروف الجديدة.
أخيرا، لقد صوت فلسطينيو الضفة الغربية على طول وعرض الاراضي المحتلة وذهبوا إلى صناديق الاقتراع بامل التغيير كما ذهبوا لاول مرة في كانون ثان اخر بارد قبل عشر سنوات.
هشام عبدالله – رام الله
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.