مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

انتخابات مصر.. ملاحظات ومشاهدات

لقيت الشعارات التي رفعها مرشحو الأخوان في الجولات الأولى من الإنتخابات البرلمانية تجاوبا من طرف نسبة مهمة من الناخبين swissinfo.ch

تنطلق يوم الأحد 20 نوفمبر الجاري المرحلة الثانية من الانتخابات التشريعية المصرية، بعد أن انتهت الأولى التي جرت على جولتين (يومي 9 و 15 نوفمبر 2005).

وقد شملت المرحلة الأولى ثماني محافظات هي: القاهرة والجيزة والمنوفية وبني سويف وأسيوط والمنيا والوادي الجديد ومرسى مطروح.

لقد اشتملت المرحلة الثانية على عدد من النتائج والملاحظات كما لم تخل من المفاجآت، لعل في مقدمتها فوز جماعة الإخوان المسلمين بـ 34 مقعدا، وهو ما يعادل 21% من نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، والتي جرت على 164 مقعداً من أصل 444 مقعداً هي مجموع مقاعد مجلس الشعب المصري، أي نحو 7.7% من مقاعد المجلس برمته، وهو ما يعني تجاوز نسبة الـ 5% التي تشترطها المادة 76 من الدستور لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة (23 مقعدًا).

لكن الأخوان ليس لهم حزب سياسي، وليس معترفًا بهم، وهو ما يطرح تساؤلات حول احتمالات وإمكانيات عديدة، سواء السعي للتعامل مع ملف الجماعة سياسيًّا بدلا من التعامل الأمني، ومن ثم السماح لهم بحزب مدني، أو بانخراط نواب الإخوان في حزب من الأحزاب المصرية الحالية (كما طالبهم قادة الحزب الحاكم) الأمر الذي قد يسمح أيضا لهذا الحزب بترشيح مرشح رئاسي في حالة عقد انتخابات رئاسية قبل انتخابات عام 2011، وقبل انتخابات البرلمان المقبل عام 2011.

وقد حقق بعض رموز المعارضة فوزا على استحياء بثمانية مقاعد اثنان منها للوفد، واثنان للتجمع، وواحد للغد والأحرار والكرامة والجبهة الوطنية، ما ساهم في تحسين صورة المعارضة وأوقف انهيارها، ولكنه في الوقت نفسه كشف الضعف الكبير في أحزاب المعارضة والتغيير المتوقع في اللعبة السياسية.

وتجري يوم الأحد 20 نوفمبر 2005 المرحلة الثانية من الانتخابات، والتي يبلغ عدد المرشحين فيها 1779 مرشحا في 72 دائرة يتنافسون على 144 مقعدا من إجمالي مقاعد البرلمان الـ 454 (بينهم 10 يعينهم الرئيس بقرار جمهوري).

ويخوض الحزب الوطني المرحلة الثانية بمرشحين على كافة المقاعد، في حين تقدمت جماعة الإخوان لهذه المرحلة بـ 60 مرشحا، وتتوقع أن يفوز منهم ما بين 30 إلى 40 مرشحا. وتجري المرحلة الثالثة والأخيرة من الانتخابات أول ديسمبر 2005.

تدخل “ناعم” وتزوير “غير مباشر”!

أجمعت وكالات الأنباء والوسائل الإعلامية العربية والغربية التي تابعت الانتخابات، أنَّ العملية الانتخابية شهدت تجاوزاتٍ وانتهاكاتٍ من جانبِ مرشحي الحزب الوطني وأنصاره، وهو ما اعترف به الدكتور محمد كمال، عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني، حسبما ذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية.

وتراوحت الاتهامات ما بين استخدام أجهزة الدولة في دعم الحزب الحاكم، واستخدام رأس المال في دفع الناخبين إلى التصويت لمصلحة مرشحين بينهم، بالإضافةِ إلى إرهاب الناخبين.

فقد أكدت صحيفة (فاينانشال تايمز) البريطانية، أن الخروقات تمثلت في تحرش مرشحي الحزب الوطني الحاكم بالمرشحين المعارضين وأنصارهم، وذلك خلافًا للسابق عندما كان الأمن هو من يتحرش بالمعارضة.

كما أشارت جريدة (نيويورك تايمز) الأمريكية إلى أن الانتخابات بدأت أولها هادئة وتتجه إلى النزاهة، إلا أن الحال تغير بعد ذلك، حيث بدأت ما وصفته الجريدة بـ “عادات الانتخابات المصرية” في الظهور، وهو ما تمثل في رشوة الناخبين وإرهابهم من أجل عدم التصويت لمرشحي المعارضة.

وذكرت جريدة (لوفيغارو) الفرنسية أن الانتخابات المصرية شابتها تهم التزوير والإرهاب، وما إلى ذلك من الممارسات التي تُعرف عن الانتخابات المصرية وكلها كانت في صالح مرشحي الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم.

كما تراوحت أساليب التجاوزات والانتهاكات بين تغيير الرقم الانتخابي للمرشح، والتلاعب في الكشوفِ الانتخابية، ولم تخلُ الأمور من تجاوزات أمنية حتى بين أعضاء الحزب الوطني بين مرشحيه الرسميين وبين المنشقِّـين عن الحزب، واستخدام حافلات حكومية في نقل ناخبين بأعداد كبيرة إلى لجان اقتراع.

وأوضحت وكالة رويترز في تقرير لها أن “العنف اتسع إلى حد مهاجمة ناخبين لأنهم لم يصوتوا لمرشح الحزب الوطني، وشمل العنف مراقبي اللجنة المستقلة”. وفي أطفح جنوبي القاهرة، ألقى مؤيدو مرشح الحزب الوطني الحجارة وأطلقوا الرصاص على مراقب اللجنة المستقلة في محاولة لمنعه من دخول مركز اقتراع.

في بعض الدوائر بأسيوط؛ رفض القاضي المشرِف على إحدى اللجان دخول عشرات السيدات من أنصار مرشح مستقل قام بجمعهن ونقلهن إلى لجان الانتخاب دون إثبات شخصية، وقام أحد القضاة بإبلاغ النائب العام ضد مرشحة منشقة عن الحزب الوطني قامت بدفع رشاوى انتخابية بشكلٍ علني للناخبين.

كما أطلق مرشح الحزب الوطني بإحدى دوائر شمال القاهرة النار هو وأنصاره لإرهابِ الناخبين ومنعهم من التصويتِ لمرشح الإخوان المسلمين، كما قامت زوجة مرشح الحزب الوطني بوصف مرشح الإخوان بأنه “إرهابيٌّ”، وأطلقت إشاعاتٍ من بينها أنَّ كلَّ مَن سيصوِّت له سيتم اعتقاله واعتقال أبنائه، كما قام مرشح الوطني بنفس الدائرة بتكسيرِ جهاز كمبيوتر كان يستخدمه مرشح الإخوان لإدلاء الناخبين على أصواتهم من خلاله.

فضلا عن ذلك حصلت تدخلاتٍ أمنيةً أدت إلى التلكـُّؤ في إعلان النتائج النهائية، وهو ما دعا أنصار مرشحي الإخوان إلى افتراش الأرض أمام اللجان العامة للانتخابات بحي شرق القاهرة؛ حيث باتوا أمام الجامعة العمالية بمدينة نصر ومدرسة النقراشي الثانوية بحدائق القبة ونادي المطرية الرياضي ومدرسة النصر الإعدادية، وهي اللجنة العامة لدائرة النزهة، مؤكدين أنهم لن يتحركوا حتى الإعلان النهائي عن النتائج ودون تزوير.

وزراء ورموز الحزب الحاكم

شهدت المرحلة الأولى أيضا فوز عدد من الوزراء ورموز وقادة الحزب الحاكم، فقد فاز في الجولة الأولى كل من الدكتور أحمد فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، والدكتور زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، والسيد كمال الشاذلي، الأمين العام المساعد للحزب ووزير شؤون مجلس الشعب، والدكتور يوسف بطرس غالي، وزير المالية، والدكتور محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان.

كما فاز بالجولة الأولى أيضا، عدد من رموز الحزب من كبار رجال الأعمال، وفي مقدمتهم المهندس أحمد عز، أمين العضوية بالحزب الوطني، والسيد محمد أبو العينين، وحسين مجاور.

وفي جولة الإعادة، فاز كل من الوزيرة السابقة آمال عثمان، والدكتور سيد مشعل وزير الإنتاج الحربي، كما سقط للحزب الوطني رموز هامة فيها، مثل أمين مبارك، ابن عم الرئيس الحالي حسني مبارك، والدكتور حسام بدراوي، رئيس لجنة التعليم بمجلس الشعب وأحد أقطاب الحرس الجديد بالحزب الوطني، ورجل الأعمال طلعت القواس.

كما خرج نواب من الوطني مكثوا في البرلمان قرابة 33 عامًا مثل النائبة- المطربة- فايدة كامل، وثريا لبنة، ومصطفى عامر- شقيق المشير عبد الحكيم عامر.

خروج العنيد أيمن نور!!

وكان من أبرز المفاجآت التي شهدتها المرحلة الأولى من الانتخابات، خروج الدكتور أيمن نور، رئيس حزب الغد في دائرة باب الشعرية، أمام مرشح الحزب الوطني يحيي وهدان، الضابط السابق بمباحث أمن الدولة، بعدما ظل نائبا عن الدائرة 10 سنوات كاملة.

والغريب أن نور، الذي حل ثانيا بعد الرئيس محمد حسني مبارك في انتخابات الرئاسة التي جرت مؤخرا، وحصل على أكثر من 500 ألف صوت، لم يتمكن – بحسب النتيجة المعلنة – من الحصول على 5 آلاف صوت؟..

وبهذا، يخرج نور – المعارض الأكثر إثارة للجدل – من كادر المشهد السياسي، لينزاح من طريق السيد جمال مبارك، نجل الرئيس بعدما أعلن أن يستعد من الآن – عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية- لمنافسة جمال مبارك على رئاسة مصر عام 2011!!

وقالت جميلة إسماعيل، القيادية بحزب الغد، زوجة المعارض أيمن نور: “إن عملية تزوير واسعة النطاق جرت بلجنة باب الشعرية، ترتب عليها إعلان نتائج غير حقيقية، وتم تبديل الصناديق في آخر لحظة؛ لصالح مرشح الحزب الحاكم”.

كما خسر القيادي المعارض مجدي أحمد حسين، أمين عام حزب العمل المجمد، ذو التوجه الإسلامي، وفقد القيادي الوفدي، ورئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد منير فخري عبد النور، نائب رئيس الوفد، مقعده في دائرة الوايلي أمام مرشح الحزب الوطني.

وقد شن الدكتور نعمان جمعة، رئيس حزب الوفد هجوما عنيفا على الحزب الحاكم، وقال: إن “أمل الشعب المصري في تداول السلطة ونزاهة الانتخابات لن يتحقق، طالما استمر اندماج الحزب الوطني في الدولة، الصورة الحالية سوداء وحزينة، وسيدفع الجميع الثمن”.

وقال نائب رئيس الحزب السيد البدوي، إن تلاعبا واسع النطاق تم في لجان كبار المسؤولين وقيادات الحزب الحاكم لضمان فوزهم، وتابع إن “التزوير تم بطرق غير مباشرة وغير معتادة، أبرزها كون قضاة لجان المسؤولين الكبار المرشحين من بين أعضاء الرقابة الإدارية والنيابة بعيداً عن قضاة المنصة”.

إصرار إخواني

ومن الملاحظات الجديرة بالتسجيل خلال المرحلة الأولى، ما يمكن تسميته “صمود” مؤيدي وأعضاء جماعة الإخوان خلال عملية الانتخابات أو في جولة الإعادة، وخاصة في لجان الفرز، حيث أصر شباب الإخوان على عدم مغادرة لجان الانتخابات، وحراسة المندوبين لصناديق الانتخاب لحين فرز وإعلان النتائج بعدما استوعبوا ما أسموه “درس لجنة الدقي” في جولة البداية للمرحلة الأولى، التي أعلن فيها فوز مرشحهم حازم صلاح أبو إسماعيل مساء، ثم سقوطه صباحًا بعدما تركوا اللجان، كما تجمعوا بالآلاف أمام لجان الفرز حتى فجر اليوم التالي لحين فرز وإعلان النتائج داخل لجان الانتخاب، وردع أي محاولات للتدخل لتغيير النتائج.

وأيضا قيامهم بتقديم الشكاوى المستمرة لرجال القضاء من حالات التزوير لتصويبها، وتصوير عمليات القيد الجماعي والرشاوى الانتخابية بالفيديو، والسعي لتجريس أعضاء موظفي النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة ممن اتهمهم قادة الجماعة بتزوير الانتخابات من خلال نشر أسمائهم في وسائل الإعلام، ومطالبة نادي القضاة بالتحقيق في الأمر، بهدف ردع أي محاولات للتأثير على القضاة والتخويف المسبق لمن قد يرضخ منهم نتيجة ضغوط منافسي الجماعة.

وفي هذا السياق، يقول مهدي عاكف، مرشد الجماعة عن القضاة: “إن معظمهم من الرجال الشرفاء قاموا بدورهم الذي حدده لهم القانون والدستور، إلا أن البعض القليل لم يكن على هذا المستوى”، ودعا القضاةَ إلى محاسبة أنفسهم. كما لوحظ أيضا تكثيف المسيرات والتجمعات الإخوانية خلال الانتخابات وما بعدها بهدف المرور على جميع شوارع الدوائر لحث الموطنين على المشاركة.

وعلى الرغم من رفع جماعة الإخوان لشعار المشاركة لا المغالبة، واعتباره منهجا أساسيا لها، فإن هذا الفوز والصعود الذي حققته الجماعة في المرحلة الأولى فقط، يفرض عليها ضرورة توضيح وبلورة شعار “المشاركة لا المغالبة” الذي يرفعونه، وتقديم المزيد من الضمانات الديمقراطية، مثل القبول بقواعد اللعبة السياسية، والاعتراف بالتعددية وتداول السلطة.

وقد سعت الجماعة إلى ترويج وإبراز هذا الشعار على نطاق واسع لإثبات أنها لا تنوي السيطرة على البرلمان أو الحياة السياسية، وقدمت أدلة على هذا بقصر الترشيح على 150 عضوًا بنسبة ثلث مقاعد البرلمان فقط، ثم سحب 30 من هؤلاء في المرحلة الأولى والاكتفاء بـ 120 مرشحًا، وسحب 4 آخرين في المرحلة الثانية في محافظة الغربية شمال مصر.

سيدتان فقط ومشاركة ضعيفة

على صعيد متصل، أسفرت المرحلة الأولى عن فوز سيدتين فقط من منطقة القاهرة الكبرى، هما المرشحة المستقلة شاهيناز النجار، وآمال عثمان، وكيلة مجلس الشعب المنقضية ولايته مرشحة الحزب الوطني، والتي كان أبرز منافسيها مرشح الإخوان حازم صلاح أبو إسماعيل. واتهمت جماعة الإخوان، السلطات بالتلاعب في نتيجة هذه الدائرة لصالح آمال عثمان. وفي المقابل، خسرت 34 مرشحة في الجولة الأولى، بينهن 5 بالحزب الوطني ومرشحة الإخوان الوحيدة مكارم الديري. كما خرجت الدكتورة مني مكرم عبيد القيادية بحزب الغد.

كما يتضح ضعف المشاركة من خلال قراءة الفارق بين عدد من لهم حق الانتخاب، ومن حضروا بالفعل للمشاركة، وهو ما يعادل في متوسطه 24% (24.9% في الجولة الأولى، و23% في جولة الإعادة)، أي أقل من الربع، وهي تقريبا نفس النسبة التي شاركت في الانتخابات الرئاسية، وفي هذا إشارة واضحة إلى عدم اطمئنان الناخبين إلى كل ما تحاول الحكومة إقناعهم به من أن الانتخابات ستكون نزيهة وأنها لن يشوبها أي تزوير أو تزييف أو تلاعب، كما أنهم لم يقتنعوا بعد بجدوى وأهمية مشاركتهم في اختيار نوابهم الذين سيمثلونهم لخمس سنوات قادمة تحت قبة البرلمان.

فضلا عن أن هذه النسبة تقريبا هي نفس نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وهو ما يعني بشيء من التحليل عدم مصداقية القول بوجود حالة من الحراك السياسي في الشارع المصري.

ومن المتوقع أن تكشف نتائج المرحلتين المتبقيتين عما إذا كانت المعارضة قد وصلت لدرجة من النضج السياسي تدخل بها المرحلة الجديدة من المواجهة مع النظام القائم تمهيدا لمواصلة حملة المطالبة بالإصلاح السياسي الشامل والحقيقي.

همام سرحان – القاهرة

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية