انتخابات موريتانيا.. هل يتأجل الحسم إلى الشوط الثاني؟
تقف موريتانيا حاليا على شفا لحظات حاسمة من تاريخها السياسي، حيث ستشهد بعد أيام انتخابات رئاسية، يُـتوقع أن تحمِـل نتائجها رئيسا جديدا للبلاد إلى سدّة الحكم.
ومهما كانت النتيجة التي ستكشف عنها صناديق الاقتراع، ينظر الموريتانيين بشغف كبير إلى الأيام القادمة التي قد يشاهد فيها العالم رئيسا عربيا وهو يسلم طواعية الحكم لرئيس منتخب ديمقراطيا.
تعتبر الانتخابات الموريتانية إسدالا للستار على المرحلة الانتقالية التي عرفتها البلاد منذ انقلاب 3 أغسطس 2005، الذي قاده المجلس العسكري للعدالة والديمقراطية ضد نظام الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، وذلك بعد أكثر من 20 عاما حكم خلالها البلاد بقبضة لم تكن، بإجماع الفرقاء السياسيين، حريرية.
وكانت الفترة الانتقالية، التي حُـدِّدت بداية بسنتين قبل أن تقلّـص إلى تسعة عشر شهرا، قد شهِـدت مسلسل انتخابات استهلّ بالاستفتاء على تعديلات دستورية يوم 25 مايو 2006، تسعى لضمان التناوب السلمي على السلطة مستقبلا، من خلال تقليص مأمورية رئيس الجمهورية إلى خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، ونصوص أخرى تمنع تغيير المواد الدستورية المتعلقة بالتناوب على السلطة، تلت ذلك انتخابات تشريعية وبلدية في نوفمبر 2006، وهي الانتخابات التي أسفرت عن ظهور برلمان مُـلون بكل فئات الطيف السياسي، وفشلت أي من القوى السياسية الكبرى في البلد في تحقيق أغلبية مطلقة داخله.
وكانت الحلقة قبل الأخيرة من مسلسل الانتخابات، الذي شهدته الفترة الانتقالية، انتخابات مجلس الشيوخ في يناير الماضي. واليوم، يواجه الموريتانيون أهم استحقاق انتخابي في تاريخهم الحديث. ففي أول مرة يتنافس المرشحون على كرسي منصب رئيس الجمهورية، في وقت تعلِـن السلطات أنها تقف على مسافة واحدة من الجميع وتؤكّـد التزامها بالحياد التام، التي كانت فيه سابقا هي الخصم والحكم في المناسبات الانتخابية، وهو الحياد الذي أكّـد عليه رئيس المجلس العسكري في تصريحاته السابقة، وهي تصريحات تركت أثرها الايجابي في نفوس الجميع، ونالت رضا كافة الفرقاء السياسيين، رغم بعض المعلومات التي تتردد أحيانا بشأن مواقف بعض قادة المجلس العسكري، وهي مواقف عبّـر بعض المرشحين عن قلقهم حيالها، مؤكّـدين أن أي تدخل من المؤسسة العسكرية في العملية السياسية الحالية، قد يدفع بالبلاد إلى أتون العنف والقلاقل وعدم الاستقرار.
ويرتبط “محرار” حركة الاتهامات، بحركة المرشحين ونشاطاتهم الانتخابية، والمعلومات التي تصلهم من معسكرات خصومهم السياسيين.
ورغم أن رئيس المجلس العسكري أعلن أكثر من مرة التزامه الحياد ورفضه لكل التّـهم التي وجِّـهت إليه بهذا الخصوص، إلا أن بعض المرشحين يُـصرون على وجود خروقات علنية لهذا الحياد، ويتهم محمد محمود ولد ودادي، مدير حملة المرشح أحمد ولد داداه (من أقوى المرشحين المؤهلين للفوز)، ضابطا ساميا في المجلس العسكري دون أن يُـسميه، بمناصبتهم العداء والتحريض عليهم، ومساندة مرشح مناوئ لهم.
ورغم أن مسؤولي حملة ولد داداه يرفضون الإفصاح عن اسم القيادي في المجلس العسكري الذي يتّـهمونه بالحياد أو المرشح الذي يدعمونه، إلا أن التسريبات تؤكّـد أن أنصار ولد داداه يتّـهمون قائد الحرس الرئاسي، العقيد محمد ولد عبد العزيز، وهو واحد من أقوى ضباط المجلس العسكري بمناوأتهم وشن حملة دعائية ضد مرشحهم، وذلك لصالح المرشح المستقل سيدي ولد الشيخ عبد الله.
ارتياح المجتمع المدني
لكن الجو العام السائد في أوساط المرشحين، هو أن المجلس العسكري والحكومة الانتقالية يلتزمان الحياد في الانتخابات الرئاسية، وهو نفس الموقف الذي عبّـرت عنه منظمات المجتمع المدني، إذ يقول محمد المختار ولد محمد فال، الناطق الرسمي باسم المرصد الموريتاني لمراقبة الانتخابات، وهو هيئة منبثقة عن منتدى منظمات المجتمع المدني في موريتانيا، “إن السياسة المعلنة والمتبعة حاليا من طرف المجلس العسكري وحكومته الانتقالية، هي الحياد التام، وحتى الآن لا يزال هناك التزام قوي بهذا التعهد، سواء تعلق الأمر برئيس وأعضاء المجلس العسكري، أو بالحكومة الانتقالية”.
تأتي انتخابات 11 مارس الجاري، بعد حملة انتخابية صاخبة كشفت عن معطيات جديدة، دفعت الكثير من المراقبين إلى تغيير تحليلاتهم السياسية، حيث كشفت الحملة الانتخابية عن قوة لم تكن متوقعة لبعض المرشحين وتراجعا ملحوظا في شعبية آخرين، كان من المتوقع أن يتربّـعوا على الصدارة.
وقد شهدت الحملة الانتخابية حركة نزوح متبادلة بين المعسكرات السياسية، أدّت إلى تغيير في تضاريس الخريطة السياسية بشكل كبير، وقد كشفت الحملة عن تنافس حاد بين بعض المرشحين، لدرجة تقارب الحظوظ، مما دفع الكثيرون إلى الجزم بأن الشوط الأول المقرر إجراؤه يوم 11 مارس الجاري لن يحمل معه إجابة نهائية على السؤال الكبير: “من سيكون رئيس موريتانيا القادم”؟ وهو ما يعني أن اللجوء إلى شوط ثان يُـتوقع أن يُـنظم يوم 25 من مارس، وهو أمر بات واردا بشكل كبير.
المربع الذهبي
وانطلاقا من موازين القوى، التي أظهرتها الحملة الانتخابية الحالية، وهي موازين لا تزال متغيِّـرة وتخضّـع لحركة مزاج الرأي العام الموريتاني، فإن أربعة من المرشحين على الأقل، يُـتوقع أن يكون من بينهم اثنان سيتنافسان في الشوط الأول، ويتعلق الأمر بكل من زعيم المعارضة التقليدية أحمد ولد داداه، الذي نافس الرئيس السابق ولد الطايع سنة 1992 وسنة 2003، وقد أظهر ولد داداه قوة شعبية كبيرة مع انطلاق الحملة الانتخابية، وذلك بعد أن التحق به المئات من أنصار النظام السابق، ويُـجمع المتابعون للشأن السياسي الموريتاني على أن ولد داداه سيحتل الصدارة في منطقتين تعتبران أكبر خزان انتخابي، وهما العاصمة نواكشوط وولاية اترارزة، التي ينحدر منها، على أن يكون له حضورا معتبرا في باقي الولايات، مع فارق كبير بينها، ويسعى ولد داداه لكسب مزيد من المؤيدين من خلال الحِـرص على بعث رسائل التطمين لأنصار ولد الطايع، مفادها أن صفحة الماضي ستُـطوى، بسلبياتها وإيجابياتها ولن تفتح تحت أي حجّـة مهمَـا كانت.
وينضاف إلى ولد داداه، المرشح المستقل سيدي ولد الشيخ عبد الله وهو وزير سابق، اعتُـقل في منتصف الثمانينيات بتُـهمة الفساد المالي خلال فترة حكم ولد الطايع.
ويُـعتبر ولد الشيخ عبد الله مرشح السلطة الحاكمة بالنسبة للكثير من الموريتانيين، ويحظى بدعم قوي من رجال الأعمال وبكبار النظام السابق، وينظر عدد من المراقبين إلى المجموعات الملتفتة حول ولد الشيخ عبد الله على أنها تمثل النظام السابق في جوانبه السلبية، سواء تعلق الأمر بالمسؤولين عن القمع السياسي أو المتورطين في الفساد المالي، إلا أن ولد الشيخ عبد الله يحظى بتأييد واسع في أوساط زعامات القبائل التقليدية، التي تتعاطى معه على أنه “مرشح الدولة”، وبالتالي، فهو خيارها المفضل.
المرشح الثالث، هو الزين ولد زيدان، محافظ البنك المركزي الموريتاني السابق، وهو شاب تكنوقراطي، التفّ حوله عدد من الأطر والسياسيين، معظمهم من المجموعات التي كانت تدور في فلك النظام السابق، وقد أظهر الزين ولد زيدان قوة شعبية كبيرة منذ انطلاق الحملة الانتخابية، حيث التحقت به مجموعات سياسية كبيرة، انسحبت في معظمها من مُـعسكر المرشح سيدي ولد الشيخ عبد الله، وينظُـر المراقبون إلى المرشح الزين ولد زيدان على أنه الجرح النازف في خاصرة سيدي ولد الشيخ عبد الله، باعتبار أن تزايد شعبية الزين ولد زيدان، يأتي على حساب شعبية سيدي ولد الشيخ عبد الله، التي فقدت عددا من قادتها، الذين التحقوا بالمرشح الزين ولد زيدان، انطلاقا من أنهما يدوران في نفس الدائرة، وهي الأغلبية الرئاسية السابقة.
ويواجه الزين تهما يردِّدها أنصاره، وهو أنه مرشح الرئيس السابق ولد الطايع، وبقية أنصاره ممَّـن لم يقلبوا له ظهر المجن، وهي تهمة نفاها الزين ولد زيدان أكثر من مرة، مؤكِّـدا أن لا علاقة له بالرئيس السابق ولد الطايع ولا بالمقرّبين منه، وأن ترشحه جاء بمَـحض إرادته وانطلاقا من رؤيته السياسية لأوضاع البلد.
أما المرشح الرابع بين المرشحين الأكثر حظوة في الوصول إلى الشوط الثاني، فهو صالح ولد حننا، الزعيم السابق لتنظيم فرسان التغيير، الذي يحظى بدعم الإسلاميين، وتعود قوته أساسا إلى الدعم الذي يلقاه من مجموعة “الإصلاحيين الوسطيين”، وهي الواجهة السياسية للتيار الإسلامي المعتدل في موريتانيا (الإخوان المسلون)، وقد أظهر هذا التيار قوة كبيرة خلال الانتخابات البرلمانية والبلدية الماضية، وحصل على عدد من مقاعد مجلسي، النواب والشيوخ ورؤساء البلديات، خصوصا في العاصمة نواكشوط وبعض كبريات المدن الداخلية.
ويحمل ولد حننا في برنامجه السياسي نقاطا تُـعتبر جذابة بالنسبة للبعض، ومُـخيفة بالنسبة للبعض الآخر. فهو يؤكِّـد عزمه على قطع العلاقات مع إسرائيل وطرد السفير الإسرائيلي من نواكشوط فور وصوله إلى الحكم، كما يؤكِّـد عزمه الشروع في محاسبة الفساد والمفسدين، وهو كما تعهّـد، يقول خصومه السياسيون، إنه سيكون غطاءا لتصفية الحسابات مع خصومه السياسيين التقليدين، الأمر الذي ينفيه ولد حننا نفسه، ويؤكد أنه مستعد للتعاطي بإيجابية، حتى مع الرئيس السابق ولد الطايع، الذي كان خصمه الأول.
هؤلاء الأربعة أظهروا حتى الآن قوة سياسية وانتخابية جعلت المراقبين يحشرونهم في مربّـع المؤهلين للشوط الثاني، بينما يرى آخرون أن من بين المرشحين أسماء أخرى يجب ألا يُـستهان ببُـعدها الجماهيري، ويتعلّـق الأمر برئيس حزب اتحاد قوى التقدم محمد ولد مولود، وزعيم التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير، والمرشح المستقل دحان ولد أحمد محمود، ولا يَـستبعِـد الكثيرون أن يشكِّـل أحد هؤلاء مفاجأة الانتخابات، وهو أمر يرتبط أساسا بتطورات الأيام الثلاثة القادمة.
تحالفات الشوط الثاني
وانطلاقا من فرضية فشل أي من المتنافسين في حسم السباق نحو القصر الرمادي بنواكشوط خلال الشوط الأول، فإن تحالفات الشوط الثاني تبقى الفيصل النهائي في معركة الرئاسة الموريتانية، حسب رأي المراقبين، وحينها سيجد المرشحان اللذان وصلا إلى الشوط الثاني نفسيهما، وقد عادا إلى نقطة الصفر في مفاوضات تسيير ما بعد الشوط الثاني.
فالقوى الوافدة بعد خسارة مرشحيها في الشوط الأول، ستكون لها شروطها وإملاءاتها، بدءا بالمشاركة في تشكيل الحكومة، وليس انتهاءً بتقديم ضمانات على طي صفحة الماضي وسد الباب أمام دعوات المحاسبة واعتماد مبدإ “عفا الله عمّـا سلف”.
ومهما كانت النتيجة التي ستكشف عنها صناديق الاقتراع، فإن الموريتانيين ينظرون بشغف كبير وشيء من الفخر والاعتزاز، إلى الأيام القادمة التي يتوقع أن يشاهد فيها العالم عبر وسائل الإعلام، رئيسا عربيا وهو يسلم طواعية الحكم لرئيس منتخب ديمقراطيا.
فهل اقتربت ساعة تحقيق الحلم الموريتاني؟ وهل سيجلب انقلاب موريتانيا لها نِـعمة الديمقراطية، التي حُـرم منها الاستقرار السياسي شعوبا عربية أخرى؟
محمد محمود أبو المعالي ـ نواكشوط
1. محمد ولد مولود
2. أحمد ولد داداه
3. صالح ولد حننا
4. مسعود ولد بلخير
5. محمد خونه ولد هيداله
6. سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله
7. الزين ولد زيدان
8. محمد ولد شيخنا
9. دحان ولد أحمد محمود
10. با ممادو آلسان
11. مختار إبراهيما صار
12. سيدي ولد إسلم ولد محمد أحيد
13. مولاي الحسن ولد أجيد
14. عثمان ولد الشيخ احمد أبو المعالي
15. محمد ولد باب أحمد ولد صاليحي
16. محمد ولد محمد المختار ولد التومي
17. الراجل الملقب رشيد مصطفى
18. إسلم ولد المصطفى
19. محمد غلام ولد سيداتي
(المصدر: موقع وكالة الأنباء الموريتانية المستقلة)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.