انتصار لم يكتمل .. بعد!
مع دخول التواجد الأمريكي في أفغانستان عامه الثاني، يتجدد السؤال عن حصيلة الأشهر الإثني عشرة الماضية وعن مستقبل الأوضاع في البلاد.
ويبدو اليوم أن الولايات المتحدة التي أقامت نظاما مواليا لها في كابول لم تنجح بعد في الإيفاء بكل الوعود التي أطلقتها عشية بدء حملتها في شهر أكتوبر من العام الماضي.
يحق للشعب الأفغاني أن يفتخر بذكرى مرور عام على الحملة الأمريكية في بلاده، التي اعادته الى مساره الطبيعي على الرغم من الرعب والهلع الذي أدخلته الطائرات الأمريكية في نفوس الأغلبية من السكان، خاصة طائرة الب-52 العملاقة أو كما سماها الأفغان “الطائرة ذات الأنبوب الأبيض” والتي كانت تخلف وراءها في السماء أنبوبا من الدخان الأبيض في السماء وزوبعة من الغبار على شكل نبتة الفطر في الأرض بعد القصف العنيف الذي كان يهز الأرض تحت أقدامهم من شدة الانفجار.
هذه الحملة الأمريكية ساهمت في اسقاط نظام الطالبان خلال فترة وجيزة، ودمرت معاقل تنظيم القاعدة. وعلى الرغم من أن العديد من قادة الطالبان والقاعدة لا زالوا فارين، إلا أن واشنطن ساهمت في تغيير النظام القائم في كابول وانتخب المجلس القبلي الأفغاني (اللويا جيرغا) حامد كارزاي رئيسا لأفغانستان لمدة عامين بديمقراطية “على الطريقة الأفغانية”.
لكن تغيير النظام لم يكن كافيا لانهاء معاناة الشعب الأفغاني. فعناصر تنظيم القاعدة والمتعاطفين مع الطالبان مازالوا يشكلون خطرا على حكومته، التي لم تقدر حتى الآن على فرض سيطرتها في أرجاء البلاد، ماعدا كابول وبعض المدن الرئيسة بمساعدة القوات المتعددة الجنسيات، ومحاولات الاغتيال ضده مستمرة وكذلك الاقتتال في صفوف القبائل وقادة الحرب السابقين الذين يحاولون ابقاء نفوذهم في المناطق التي لا زالوا يسيطرون عليها.
أمريكا مسؤولة
ولعل من أهم الأسباب لزيادة حالة عدم الاستقرار في أفغانستان وفشل الحكومة في فرض سيادتها على معظم أرجاء البلاد، غياب المساعدات الدولية الموعودة وعدم قيام الدول المانحة بدفع التزاماتها من المعونات المالية التي تقدر بحوالي مليار ومئتي مليون دولار لاعادة اعمار أفغانستان.
فقد اقتصرت هذه التعهدات – حتى الآن – على تقديم المعونات الانسانية واغاثة المنكوبين واعادة تأهيل اللاجئين، في حين لم يتم اقامة أي مشروع صناعي أو شق وتعبيد طرق أو توفير مياه شرب نظيفة او عناية صحية. يضاف إلى ذلك، عجز حكومة الأقلية الأفغانية على كسب ثقة الأغلبية من السكان البشتون في مناطق نفوذهم في غرب وجنوب البلاد.
وهنا، لابد من الاشارة الى أن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الكاملة عما آلت اليه الأوضاع في أفغانستان طالما لم تغير من استراتيجيتها من نقطة واحدة، وهي البحث عن أسامة بن لادن حتى بعد مرور عام على فشلها في القاء القبض عليه. إذ يترتب على واشنطن – بعد الإنتصار العسكري الكاسح الذي أنجزته – وضع خطة طويلة الأمد لاعادة اعمار أفغانستان والضغط على الدول المانحة لتنفيذ وعودها وتقديم المعونات المالية.
الإنتصار .. ليس نهائيا
على الرغم من الانتصارات العسكرية التي حققتها واشنطن، في حربها غير المتكافئة مع أضعف دولة في العالم، الا انها لم تفز بالحرب ضد الارهاب بل لا زال الطريق طويلا أمامها وهو طريق تحتاج فيه الى دعم دولي وتعاون جميع الدول للفوز بالنصر النهائي على الظاهرة خصوصا بعد أن سارعت دول العالم للمصادقة على قرار الأمم المتحدة رقم 1373 الذي وفر الاطار الشرعي والسياسي الدولي لاستخدام القوة، ومنع الدول من ايواء منظمات او مجموعات ارهابية.
كما يتطلب إنجاز هذا الهدف أيضا من واشنطن وضع السلام والامن العالميين على أولوياتها وليس المكاسب التي أدت الى بسط نفوذها والسيطرة على منابع النفط والغاز الطبيعي في دول آسيا الوسطى من خلال سماح هذه الدول لها باقامة قواعد عسكرية دائمة، في الوقت الذي تغض فيه الطرف عن انتهاكات حقوق الانسان من قبل الحكومات الاوتوقراطية والقادة الديكتاتوريين الذين انتهزوا هذه الفرصة لتصفية معارضيهم سواء كانوا علمانيين أو إسلاميين.
تجاهل “خطير” للحقائق
إن هذه الأوضاع المستجدة أدت إلى ابقاء أنظمة فاسدة تتحكم في “البلدان الحليفة في الحرب ضد الإرهاب” في المنطقة، وهو ما زاد من نقمة الشباب العاطلين عن العمل. ويخشى المراقبون من أن يؤدي هذا بدوره الى نمو المزيد من الحركات الدينية المتطرفة في هذه الدول في المستقبل القريب، خاصة وأن العديد من كوادر الحركات الاسلامية النشطة في دول آسيا الوسطى عادوا الى ديارهم من افغانستان.
هذه الحقيقة تحاول الدول الغربية تجاهلها في الوقت الراهن وكذلك واشنطن التي يسيطر على سياستها الخارجية حاليا صقور البنتاغون والاستخبارات المركزية من خلال “عسكرة القرار داخل البيت الأبيض”، وهي رؤية تعتبر أن لا وجود لأخطار تتهدد المصالح الأمريكية حاليا في تلك الدول.
وقد يؤدي الإستمرار في تجاهل هذه الحقائق إلى أن تشهد المنطقة خلال الفترة المقبلة تغيرات جذرية في الأنظمة والحكومات والمزيد من حالة عدم الاستقرار السياسي والفوضى، وذلك على الرغم من الوجود العسكري الأمريكي والدولي المباشر في أفغانستان والدول المجاورة لها.
د. وائل عواد – نيودلهي – الهند
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.