انزاح الكابوس، ولكن ما الذي تغير؟
تنفسوا الصعداء! هكذا اتسمت ردود فعل عددٍ من الشخصيات العراقية المقيمة في سويسرا تجاه خبر القبض على الرئيس المخلوع صدام حسين.
لكنهم على تطابق موقفهم هذا، ظلوا مختلفين في رؤيتهم للحدث ونتائجه على واقع عراق ما بعد صدام. سويس إنفو حاورت أربع شخصيات عراقية وخرجت بهذه الخلاصة.
لو أنه قتل نفسه! قالها بحسرة الدكتور عبد الله الغزالي رئيس لجنة العراقيين المهاجرين في أوروبا. بيد أنه لم يقلها بدافع الحب للرجل، بل رددها “كمسلم وعربي” على حد تعبيره.
فصورة القبض على الرئيس المخلوع صدام حسين، بائساً مذهولاً، أثرت فيه. كان محزناً. لم يكن يتصور أن يستسلم، من كان مثل الأسطورة، بهذه الصورة، ناهيك عن أن يرضى بهذه النهاية المخجلة. لكن “معدنه ككل ديكتاتور”، يكمل الدكتور الغزالي، “مجبول على الجبن”.
خلاص.. وحيرة!
الإحساس بالخلاص والبهجة والارتياح كان طاغياً في المقابل على ردة فعل السيد ثامر صابيا من الملتقى الثقافي العربي السويسري في لوزان.
فعندما سمع الخبر شعر “بالخلاص من كابوس جثم على صدور العراقيين لمدة 35 عاماً”. ولذا، كان يوم القبض على الرئيس المخلوع صدام “يوماً تاريخياً، سيدون في تاريخ العراق الحديث، ولن ينسى بسهولة”.
لكن الحيرة تبقى كالهاجس رغم ذلك:”أصابني أيضا شعور بالحيرة والتساؤل، أتساءل هذا الرجل الذي أرى صورته في التلفزيون، والذي تسبب في كل هذه المآسي والجرائم والحروب، ودمر بلداً من أغنى البلدان العربية في المنطقة، لماذا فعل ذلك؟”
سؤال يبدو في محله، وأكثر من يحق له طرحه هو العراقي الكردي. فلا عجب إذن أن تأتي ردة فعل السيد ديندار زيباري، ممثل حكومة كردستان العراقي لدى المنظمات الأممية في جنيف، تعبيراً عن فرحٍ خالص.
إذ يقول:”بالطبع شعورنا شعور ملئ بالسرور والفرح، ونعتقد أننا اليوم من أكثر الناس في العالم مسرورون بنبأ القبض على الديكتاتور صدام حسين، وبالذات بالنسبة للشعب الكردي في شمال العراق، الذي عاني خلال السنوات الماضية من هذا الكابوس البشع”.
ولكن ماذا بعد السرور؟
تعيدنا أميرة هافنر الجباجي، السويسرية من أصل عراقي، من السحب المحلقة في السماء إلى ارض الواقع وهي تصف لنا مشاعرها.
إذ تقول الصحافية والعاملة في مجال العلاقات السويسرية الإسلامية:”عندما تأكد الخبر شعرت بارتياح كبير، لكن إحساسي كان خالياً من الحماس”.
“كان هناك ارتياح لأن القبض عليه مثّل أملاً لضحاياه بتحقيق ولو قدرٍ أدنى من العدالة. أما الخلو من الحماس فلأني لا أرى أن القبض عليه هي الخطوة الأساسية أو الجوهرية التي ستمهد الطريق إلى إنشاء عراق خال من العنف ويعيش بسلام”.
كأن السيدة الجباجي تضعنا بعبارتها هذه أمام التساؤل: ما الذي تغير فعلاً بعد القبض على الطاغية؟ وهو سؤال يكاد يطرح نفسه من تلقاء ذاته، خاصة وأن نظام الرئيس المخلوع تمت الإطاحة به عملياً يوم التاسع من أبريل، يوم دخول القوات الأمريكية العاصمة العراقية بغداد.
ما الذي تغير إذن؟
زال عامل الخوف. هذا هو رأي الدكتور عبد الله الغزالي، الذي يعتقد أنه رغم انتهاء دور صدام الفعلي في 9 أبريل، إلا أن الكثيرين من العراقيين لم يصدقوا فعلاًَ بأنه لن يعود: “كان الرئيس صدام قد ترك جمهورية من الخوف والرعب، جعلت العقل اللاشعوري للعراقيين لا يصدق”.
نفس الرأي يعرب عنه السيد ثامر صابيا، وإن أضفى عليه طابعاً شخصياً:”كنت كلما ذهبت إلى العراق، وأتجاوز الحدود من الأردن إليه، ينتابني شعور بانقباض المعدة أو بخوف لا أسيطر عليه، (…)، إذ يمكن للمرء أن يجازف بحياته في مسألة بسيطة وهو في داخل البلد”.
سجن الخوف أنتهي مع إلقاء القبض على صدام حسين، لكن مضامين ذلك الحدث الفعلية على واقع العراق يجب وضعها في إطار نسبي كما تقول السيدة الجباجي.
وتضيف:” لا يجب المبالغة فيها، أو التعامل معها على أن كل شئ سيتغير بعد القبض عليه. إذ يمكنني تصور أن البعض ممن احتفظوا بصمتهم إلى الآن ولم ينتقدوا الاحتلال الأمريكي، خوفاً من أن ينظر إليهم بأنهم موالون لصدام، بأنهم سيركزون الآن اكثر على مقاومتهم ضد قوات التحالف”.
وتشدد بالقول:”طالما لم تتحسن الحياة اليومية للشعب العراقي فأن هذا لن يؤد إلى استتباب الهدوء، فمن المهم أن يتم تأمين الماء والكهرباء وأن تعود الحياة منظمة من جديد، وأن يجد من كان يعمل في النظام السابق العملَ من جديد، وأن تعمل المدارس، وأن يعود الأمن إلى الشارع”.
اختلاف حول المقاومة
الحديث عن المقاومة يُبرز اختلافاً في وجهات النظر بين المتحدثين. فعلى حين تعتبر السيدة الجباجي أن هناك نوعين من المقاومة، نوع انبعث بالفعل من مؤيدي صدام حسين، وأخر يحمل في طياته زخماً يتوجه جوهريا ضد مبدأ تواجد القوات المحتلة.
يرى السيد زيباري في المقابل أن الهجمات التي شهدتها العراق على مدى الثمانية أشهر الماضية كانت مدعومة من النظام السابق، ويؤكد لذلك على قناعةٍ بأن “المقاومة لن تستمر مثل ما كانت عليه في الماضي”.
ومن وجهة نظر السيد صابيا فأن المقاومة المشروعة هي “تلك التي تمثل جميع أفراد الشعب العراقي”، أما ما نراه اليوم فهي”عمليات تخريبية أكثر من العمليات التي يسموها عمليات المقاومة التي تهدف إلى طرد المحتل”.
ويشدد بأن هناك وسائل كثيرة للمقاومة منها “الطريقة السلمية التي اتبعها المعلم الكبير غاندي، واستطاع من خلالها طرد الإنجليز من بلده وتحريره بدون استخدام العنف”.
أما الدكتور الغزالي فيربط بين الأسلوب الأمريكي في التعامل مع الملف العراقي وبين مستقبل المقاومة العراقية. وهو يخشى من أن يتصور الأمريكيون أن انتهاء صدام سيعني أن كل شئ انتهى، بل “لا بد من وضع إطار يتم من خلاله الانسحاب من البلاد وتسليم السلطة إلى حكومة عراقية من خلال انتخابات حرة ودستور حر”.
والمستقبل؟
لم يبق إلا الحديث عن المستقبل. صور المستقبل العراقي لازالت في حكم الغيب، لكن كلاً من محدثينا أختار أن ينظر إليها من زاوية.
كان الدكتور الغزالي متفائلاً لكن بحذر. فما حدث “كان درساً قاسياً حقاً، إلا أن له فوائد”. والعراق الذي يراه بعد خمس سنوات من اليوم سيكون مستقراً، وتسود فيه ثقافة الديمقراطية من خلال تأصيلها في الجيل الجديد.
مقابل التفاؤل كان الشك هو لسان حال السيدة الجباجي. فالمستقبل يعتمد كثيرا على الكيفية التي سيتصرف بها الأمريكيون ونجاحهم في عملية إعادة إعمار البلاد. غير أنها تشك في أن يكون أحد أهداف الأمريكيين تأمين استقلال العراق السياسي.
أما رؤية السيد زيباري فتقدم إطاراً سياسيا مستقبلياً. فالعراق الذي يصبو إليه هو عراق فدرالي. ويقول:”عراق ما بعد صدام سيقوم على أسس اللامركزية والاتحاد الاختياري بين السنة والشيعة والأكراد… في ثلاث مقاطعات”.
يحلم السيد صابيا في المقابل أن يعود إلى العراق الذي تركه يوماً:”عراق الخير والحب والتسامح”.
وينبه بأن إذا كان من السهل التدمير فأن البناء يحتاج إلى وقت طويل، ليس فقط من أجل البناء المادي لمنطقة أو حي أو معمل، كما يقول، بل الأصعب من ذلك بعد كل هذه السنوات بناء العقل العراقي كي يعود كما كان سابقاً.
إلهام مانع – سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.