انفراج في العلاقات الجزائرية المغربية؟
يُستبعد رؤية ما تعرفه العلاقات الجزائرية المغربية من انفراج، ولو على صعيد الاتصالات، دون لمس أصابع كل من فرنسا وإسبانيا.
وبغض النظر عن المدى الذي سيصل إليه هذا الانفراج، فإن التحركات الأخيرة لمدريد وباريس في هذا الاتجاه، كانت مفتوحة ومعلنة، ان كان في تصريحات مسؤوليهما أو استجابة الجزائر والرباط.
التحركات الفرنسية – الإسبانية مغاربيا لا تخرج عن رؤية، بدأت منذ مارس الماضي تبدو مشتركة، لمنطقة تشكل مجالا حيويا لكل منهما ومنطقة نفوذ تقليدي، والأهم منطلقا لاستقرار جنوب القارة الأوروبية أو زعزعتها. فما يفصل المنطقة عن إسبانيا سوى اثني عشر كلم، يفصلها مضيق يفكر في تجسيره أو تشييد نفق لربط الجغرافيتين برا.
والأمن الفرنسي، مغاربيا، مرتبط بالأمن الإسباني لكونهما الأقرب لهذه المنطقة وجمعهما تاريخ مشترك، بعضه قديم وبعضه حديث، بعضه ممزوج بالدم والحروب والدمار، وبعضه ممزوج بالمساهمة المشتركة في الحضارة الإنسانية.
وبمقاييس العصر، سياسيا وأمنيا وثقافيا واقتصاديا، فإن دول المغرب العربي، وتحديدا المغرب والجزائر وتونس رغم محاولات الانفلات التي تظهر بين الفينة والأخرى من هذه الدولة أو تلك، مرتبطة بالدرجة الأولى بفرنسا أساسا وأسبانيا، وتشكل قبلة لمثقفيها وطلابها، وشريكها الاقتصادي والتجاري الأول، وسياجا لأمنها أو حديقة خلفية كما توصف أحيانا.
ألا أن الأهم آن المهاجرين المغاربيين، أي المواطنين المنتمين لهذه الدول والذين يحتلون تأثيرا اقتصاديا وثقافيا، يمثلون الجالية الأولى المقيمة في فرنسا ولهم موقع متميز في أسبانيا، وهم اكثر الجاليات ارتباطا بموطنها الأصلي، حتى أولئك الذين حصلوا على الجنسية الفرنسية أو الفرنسية، وحتى الجيل الثاني والثالث من هؤلاء المهاجرين.
ولعب القرب الجغرافي وسرعة الانتقال وزهادة تكاليف السفر وطبيعة العلاقات العائلية والأسرية في مجتمعاتها الأصلية، دورا أساسيا في استمرار ارتباطهم بمواطنهم الأصلية من جهة وصعوبة الاندماج الكامل في المجتمع المستقبل.
أمنهما من أمنهم!
لكل ذلك يكون الأمن والاستقرار الداخلي والمحلي في دول المغرب العربي وتحولاتها جزءا أساسيا من الأمن والاستقرار الفرنسي الأسباني، خاصة وأن مواطني هذه الدول يتأثرون ويتفاعلون مع أية تحولات تبرز في الداخل. وقد ظهر، منذ بداية التسعينات، أنها تذهب في اتجاه التشدد الأصولي، والذي يكون جزءا منه معاديا للغرب الذي تمثله في المنطقة تاريخيا كل من فرنسا وأسبانيا، وبالتالي فإن هذه التحولات تؤدي آليا إلى زعزعة أو قلاقل أمنية في قلب العاصمة الفرنسية والأسبانية.
ولم يكن مستغربا أن تعرف مدن فرنسية توترات أمنية في تسعينات القرن الماضي إبان تصاعد المواجهة المسلحة بين الأصوليين المتشددين والسلطة الجزائرية، وأيضا أن يكون جل المتهمين بالانفجارات التي استهدفت محطات القطار في مدريد منتصف مارس الماضي من المغاربة.
ولا تستطيع باريس ومدريد التغاضي عن ان الظروف الاقتصادية والاجتماعية وبالتالي السياسية هي الحقل الخصب لميلاد وانتعاش أعمال العنف، وان كانت تحمل منذ انهيار المعسكر الاشتراكي طابع الأصولية الإسلامية. ولإبعاد الخطر عن داخل البيت في فرنسا وإسبانيا يستلزم تطويقه وإخماده قبل الانتشار في الحديقة الخلفية. وهو ما يتطلب إصلاحات حقيقية في هذه الدول / الحديقة.
سياسة مشتركة..
لقد لعبت فرنسا دورا أساسيا وهاما في التحولات والانفراجات الديمقراطية والحريات التي عرفها المغرب منذ منتصف التسعينات، وساهمت إلى حد كبير في محاصرة العنف الجزائري والدفع نحو انفراج ولو كان نسبيا. وتمارس على تونس ضغوطا حقيقية، وان كانت أحيانا تغلفها بقفازٍ حريريٍٍ، من اجل السير خطوات في ميدان الحريات العامة والديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتدرك فرنسا وإسبانيا الاشتراكي ثباتيرو، أن الأمن والاستقرار في المنطقة المغاربية رهين بعلاقات انفراجية ووئامية بين دوله. فالمنطقة بكل دولها عرفت تزامنا وتلازما بين خطواتها نحو الاتحاد والانفراجات الديمقراطية التي عرفتها كل منها، تماماً كما أن انتكاس العمل الاتحادي تزامن وتلازم مع ارتدادات في ميدان الديمقراطية والحريات.
وشكل نزاع الصحراء الغربية أحد محاور الانفراج المغاربي، اتحاديا وديمقراطيا. وأدى انتكاس الانفراج إلى انتكاس المساعي الثنائية الإقليمية والدولية لتسوية النزاع الذي يقترب عمره إلى الثلاثين عاما دون آفاق للتسوية، وان تعددت المشاريع والجهود.
باريس وجدت في تحركات مدريد ثباتيروالمغاربية، بعد تشكيل حكومته، سندا لأفكارها ورؤيتها للمنطقة وقضاياها، فبادلتها الدعم وشجعتها على المضي في مساعيها وتحركاتها، هذا رغم انتكاسها في مرحلتها الأولى برفض مقترح إسباني لقمة مغربية جزائرية إسبانية فرنسية لمناقشة نزاع الصحراء الغربية وملفات العلاقات الثنائية.
الاختلاف المذهبي والأيديولوجي بين باريس شيراك اليميني الليبرالي ومدريد ثباتيرو اليساري الاشتراكي، لم يكن حاجزا أمام رؤية مشتركة للعالم لهما، تقف فيهاأوروبا قوية موحدة، ولكل منهما فيه دور متميز في وجه الثور الأمريكي الاهوج. وبطبيعة الحال فإن تأمين الحديقة الخلفية ضروري للإطلال على الجيران القريبين والبعيدين، والتحاور معهم بثبات وأمان.
فرصة تاريخية؟
المغرب والجزائر، كل من موقعه، يحس الضغط الفرنسي الإسباني الذي بات منسقا ومنسجما ومتكاملا، وهو ضغط لا يلقى رفضا او امتعاضا من مكونات المجتمع السياسي والاقتصادي والمالي لكل من البلدين، لان هذه المكونات تدفع باهظا ثمن توترات وتباعد وجفاء جُله من حساسيات ومخلفات عقود التنافس والحرب الإقليمية الباردة بين البلدين التي لم تعد ميادينها قائمة ولا مرتكزاتها مقبول إثارتها أو الحديث عنها.
وحفاظا على “هيبة” الدولة واستقلالها، وبرضى مدريد وباريس، تحركت الرباط والجزائر بإتجاه بعضهما والتقيا في الجزائر السبت الماضي على مستوى وزيري الخارجية ويلتقيان الأسبوع القادم في الرباط على مستوى اللجنة القنصلية والاجتماعية المشتركة. وهي لقاءات هامة في مقياس العلاقات بين البلدين وتفتح آفاق لقاءات أوسع لبحث قضايا أشمل ستكون قضية نزاع الصحراء الغربية إحداها.
وانفراج جزائري مغربي يؤدي بالضرورة والحتمية لانفراج مغاربي، والانفراج المغاربي سيستظل بالمظلة الفرنسية الأسبانية، خاصة وان المظلة المنافسة، الولايات المتحدة، مشغولة عن المنطقة في وحل العراق وفلسطين.
هي فرصة تاريخية لدول منطقة المغرب العربي لإقامة تكتل إقليمي، لا يحمل في داخله بذور التمحور أو التآمر ضد آخرين ولا الانعزال عن إقليمه ومحيطه، وهو ما ظهر واضحا في مخاض قمة تونس العربية. لكنها فرصة قد تضيع إذا ما عادت كل دولة إلى مقاربتها الذاتية الماضوية لقضايا وملفات تحتاج إلى انفتاح وروح التعاون والنظر للمستقبل.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.