انقلاب موريتانيا.. بين متاعِـب الرّفض الدولي ومخاطر الانقسام الداخلي
رغم أنه بات من المُـجمع عليه أن انقلاب موريتانيا الأخير كان الأسرع تنفيذا في تاريخ الانقلابات في هذا البلد المُـصاب بداءِ عدم الاستقرار السياسي المُـزمن، فقد نفّـذ الجنرالات هذه المرة انقلابهم في أقل من ساعة، بعد إقالة الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، لهم من مناصبهم..
.. فضلا عن أن الانقلاب نفّـذ صُـبحا بعد أن صدر مرسوم الإقالة فجرا، ولم يكن أمرا قُـضي بالليل خلافا للانقلابات السابقة، لكنه أيضا يُـعتبر الانقلاب الأكثر معارضة في تاريخ البلاد، فقد قوبل بجبهة رفض داخلية غير مسبوقة، وواجه رفضا دوليا واسعا، لم يألفه انقلابيو موريتانيا من قبل.
رفض غير مسبُـوق
ورغم أن منفِّـذيه حاولوا إعطاء صورة عن كونه انقلابا جُـزئيا لا يَـستهدِف إلا مؤسسة الرئاسة، مع الاحتفاظ بباقي المؤسسات الدستورية في البلد تعمل كما كانت، إلا أن مستوى المعارضة التي قوبل بها الانقلاب داخليا، كانت مفاجئة لمنفذيه.
فقد سارعت أحزاب معروفة وذات وزنٍ سياسي مُـعتبر إلى رفع عقيرتها في وجه الانقلابيين، وأعلنت أنها لن تعترف بسلطتهم ولن تتعامل معهم كواقع جديد، ولن تقبل بنتائج أية انتخابات يُـشرفون على تنظيمها، والأدهى، والأمر بالنسبة للحكّـام الجُـدد، هو أن الجبهة المناوِئة للانقلاب يقودها رئيس البرلمان مسعود ولد بلخير، وهو ما يعني أن مزيدا من المتاعب ستُـواجه المجلس الأعلى للدولة، نظرا لعدّة أسباب منها أن موقع الرجل (ولد بلخير) يضفي على موقفه نوعا من الشرعية والدستورية.
فهو رئس السلطة التشريعية المُـنتخبة، والتي سبق للجنرالات أن أعلنوا أنهم لن يُـقدِموا على حلّها، هذا فضلا على أنه سياسي محنّـك صعب المراس، ولم يُـعرف عنه في حلبة السياسية أنه ليِّـن العريكة أو سهل الانقياد، كما أن الجبهة التي يقودها مؤلّـفة من أحزاب سياسية تملِـك تجربة طويلة في العمل السياسي المعارض، وخِـبرة في الصُّـمود والتعاطي مع القَـمع السياسي والأمني، فالأمر يتعلّـق بأحزاب مثل حزب “التحالف الشعبي التقدّمي”، الذي كان أحد أساطين معارضة ولد الطايع ويملك قاعدة شعبية مُـعتبرة، خصوصا في أوساط الطبقات المسحوقة والفقيرة، وحزب “اتحاد قوى التقدم”، الذي يقوده يسارِيون عُـرفوا في الأوساط السياسية المحلية بحِـنكتهم وقُـدرتهم الفائقة على لعب مختلف الأوراق، واستدراج خصومهم إلى القبور التي حفروها لهم، إضافة إلى حزب “تواصل” الإسلامي، الذي يمتلك هو الآخر قاعدة شعبية، أغلبها من الشباب، وله تجربة طويلة في منازلة الأجهزة السياسية والأمنية لنظام الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، هذا فضلا عن قدراته التعبوية الكبيرة، التي تمكنه من إرباك خصومه في مثل هذه المواجهة المفتوحة، وتتحالف هذه الأحزاب مع البقية الباقية من حزب “عادل” الحاكم سابقا في البلاد، والتي يُـراهن أنصار العسكر على سُـرعة تلاشيها وتغيير مواقفها.
هذه كلها مبرّرات، تجعل من الوارد القول أن الجبهة المعارضة للانقلاب تمتلِـك نفَـسا طويلا وأساليب مُـختلفة في مُـقارعتها للحكّـام الجدد، إذا ما استمرّت المواجهة لوقت أطول.
هذا في وقت سيكون فيه الجنرالات بحاجة ماسّـة خلال الفترة القليلة القادمة، إلى مستشارين سياسيين ماهرين بألاعيب السياسة والتنصّـل من حبائلها، لمساعدتهم في تجاوز عقبات المعارضة الداخلية والدولية، دون أن يستدروا مزيدا من التنديد العالمي والداخلي.
فعقلية التعاطي مع التمرّد السياسي ورفض الرأي في مثل هذه المواقف، تحتاج إلى مهارة سياسية أكثر من حاجتها لأساليب التأديب العسكرية، التي تعوَّد القادة العسكريون أن يقابِـلوا بها مرؤوسيهم إذا أردوا الخروج على الطاعة أو التلكُّـؤ في تنفيذ الأوامر.
وتجد هذه الجبهة المعارضة داخليا، سندا لها في الرفض الدولي لهذا الانقلاب، فقد مضى أسبوع كامل على الإطاحة بولد الشيخ عبد الله، وتولي المجلس الأعلى للدولة مقاليد السلطة في البلاد، دون أن تلُـوح في الأفُـق بارقة تصدّع في جدار الرفض الدولي، حتى من بعض دول الجوار التي كان أنصار الانقلاب يعوِّلون عليها، وبدأت بعض الدول الكبرى تشهر سِـلاح العقوبات ووقف المساعدات في وجه حكّـام البلاد الجدد، مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وهو سِـلاح سيكون أول المتضرّرين به بُـسطاء المواطنين وفقراء العامة، في بلد يستورد أكثر من ثلاثة أرباع قوت سكّـانه، وتُـعتبر المساعدات الدولية، شريانا مغذِّيا لاقتصاده الضعيف.
تأييد برلماني وسياسي
غير أنه في مقابل هذا الرفض الدولي، وخطورة جبهة الرفض الداخلي، فقد استطاع الانقلابيون، الحصول على غِـطاء سياسي محلِّـي كبير، وفّـره لهم دعم أغلبية برلمانية مُـنتخبة، ساندت الانقلاب على الرئيس السابق ولد الشيخ عبد الله وحمّـلته مسؤولية الأزمة السياسية التي عاشتها البلاد في الفترة الماضية، كما حظِـي الجنرالات بدعم واضح وسخي من زعيم المعارضة الديمقراطية أحمد ولد داداه، الذي كان أبرز منافسي ولد الشيخ عبد الله في الانتخابات الرئاسية الماضية، وخرج منها بنسبة تقارب 48% من أصوات الناخبين الموريتانيين.
ويعتقد المراقبون السياسيون، أن حصول قادة البلاد الجُـدد على دعمِ الأغلبية البرلمانية ومؤازرة زعيم المعارضة، سيكون عاملا حاسِـما في معركة الاعتراف الدولي، التي يعتقد الكثيرون أن تطوّراتها مرتبِـطة بتداعيات الوضع الداخلي.
فبقدر ما يستطيع الجنرالات تفكيك جبهة الرفض الداخلية والحصول على أكبر تأييد شعبي وسياسي للانقلاب، بقدر ما يضربون معاول الهدم في جدار العزلة الدولية، فكلما تضاءل عدد الرافضين للانقلاب داخليا، كلّـما تلاشت مواقف الرفض الدولية، والتي هي في النهاية مواقف دُول تتلمّـس مصالحها الخاصة، قبل أن تنظر إلى مصاب الديمقراطية والحرية.
أما إذا تمكِّـن القائمون على جبهة الرفض الداخلية من رصّ صفوفهم واكتساب مزيد من القوى السياسية إلى خندقهم في مواجهة الجنرالات، فإن مهمّـة اختراق حاجِـز الرفض الدولي ستكون أكثر صعوبة، وبالتالي، سيكون المجلس الأعلى للدولة أكثر استعدادا لتلبية بعض مطالب الرافضين، وهنا يُـجمع الكثير من المراقبين على أن مطلب إعادة الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، الذي تتشبث به المعارضة اليوم، بدأ يتحوّل من مطلب ينتظِـر أصحابه الاستجابة له، إلى ورقة ترفعها جبهة الرفض لانتزاع مزيد من التنازلات من الحكّـام العسكريين للبلاد، ربما يكون في مقدِّمتها دفعهم إلى التخلّـي عن احتمال ترشيح رئيسهم الجنرال محمد ولد عبد العزيز للانتخابات الرئاسية، المُـزمع تنظيمها، وهو احتمال تردّد مؤخرا في وسائل الإعلام الدولية والمحلية، وبدأ يكسب مصداقيته في ظل إصرار أعضاء المجلس الأعلى للدولة على رفض البَـوح بموقفهم من تلك الانتخابات.
انفراج.. أم رضوخ؟
الانقلابيون، وبعد أن استتبّ لهم الوضع ميدانيا، سارعوا إلى ما اعتَـبر البعض انفراجا سياسيا، وذلك حين أقدموا على الإفراج عن جميع المعتقلين على خلفية الانقلاب الأخير، باستثناء الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، فأخلوا سبيل رئيس الوزراء ووزير الداخلية واثنين من كِـبار المقرّبين من الرئيس المخلوع، وجاء هذا الإفراج عن المعتقلين بالتزامن مع تراجُـع السلطات الأمنية عن منع التّـرخيص لمهرجانٍ شعبي، دعت إليه الأحزاب السياسية المناوئة للانقلاب، ويرى أنصار الجنرالات أن في ذلك رسائل إيجابية من الحكّـام الجدد للبلاد، مفادها أنهم لا يسعون للعودة إلى عصور القمع وملاحقة السياسيين، فيما يؤكد المعارضون للانقلاب أن الإفراج عن المعتقلين والترخيص لمهرجان المعارضة جاء خضوعا للضغوط الداخلية والدولية، بعد أن وجد الجنرالات أنفسهم غير قادرين على مواجهتها.
وبعد أربع وعشرين ساعة من مهرجان القوى المعارضة للانقلاب، قرّر الجنرالات استدعاء جميع قادة الأحزاب السياسية بمن فيهم مناوئو الانقلاب، وأبلغوهم بنيّـتهم إشراك الأحزاب السياسية التي تتخلّـى عن معارضة الانقلاب في الحكومة القادمة، لكنه عرْض، على ما يبدوا، لم يغيِّـر من الواقع على الأرض شيئا، فقد اعتبره أنصار الرئيس المخلوع والمتشبثين به، محاولة لاستمالتهم عن طريق رشوة سياسية بإشراكهم في الحكومة، بينما كان همُّ زعيم المعارضة الديمقراطية، المؤيد للانقلاب أحمد ولد داده والمتحالفين معه، هو معرفة الأجندة الحقيقية للجنرالات خلال الفترة الانتقالية وآليات تسييرها، وكيفية تنظيم الانتخابات الرئاسية وموقف العسكر منها.
الجيران أولا
وعلى مستوى الجبهة الخارجية، قرر الحكّـام الجدد للبلاد، البدء بالجيران ودُول المنطقة، أملا في الحصول على اعتراف منهم بالواقع الجديد في البلاد، فأوفدوا وزير الخارجية إلى المغرب والجزائر وتونس، بينما توجّـه وفد آخر، برئاسة أحد أعضاء المجلس الأعلى للدولة، إلى دول الجوار الإفريقية، مثل السنغال ومالي وغينيا كوناكوري وبوركينافاسو، ويسعى رسل الجنرالات إلى محاولة إقناع قادة دول الجوار بالتسليم بالأمر الواقع، لعل ذلك يكون بداية لانهيار جدار الرفض الدولي غير المسبوق، الذي قوبل به انقلاب السادس من أغسطس عام 2008.
وفي خِـضم هذا التجاذب السياسي غير المسبوق في تاريخ البلد، يراقب الشارع الموريتاني التطورات بحذَر، وعيّـنه على وضعه الاقتصادي المتردّي، الذي كان يحتاج إلى أكثر من الاستقرار السياسي لترتيب أوضاعه والتّـحسين من ظروفه، فإذا به يعيش على وقع صِـراع سياسي على كراسي الحُـكم، وتعود إلى مسامعه لغة “البيان رقم1″، ممزوجة بلغة الرفض والتحدّي من بعض السياسيين في الداخل، ومن المجتمع الدولي الذي شكلت تهديداته بفرض عقوبات على البلاد كابوسا أرَق الكثيرين، خوفا من أن تنضاف متاعِـب أخرى إلى متاعبهم الاقتصادية والاجتماعية، التي لا سبيل حتى الآن إلى الفَـكاك من أغلالها.
نواكشوط – محمد محمود أبو المعالي
نواكشوط (رويترز) – تعهد رئيس وزراء موريتانيا بأن يقود كفاحا سلميا لاعادة رئيس البلاد المخلوع، وقالت فرنسا إنها ستوقف معوناتها الى هذه الدولة العربية الواقعة في غرب إفريقيا.
وكان رئيس الوزراء يحيى ولد احمد الواقف اطلِـق سراحه في وقت سابق يوم الاثنين 11 أغسطس، مع وزير الداخلية وعدة مسؤولين آخرين. وكانوا قد اعتقلوا مع الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله خلال انقلاب ابيض الاسبوع الماضي.
ولقيت الاطاحة بأول حكومة منتخبة انتخابا ديمقراطيا في موريتانيا منذ الاستقلال، ادانة دولية واسعة، لكن المجلس العسكري الذي يتولى زمام الامور حاليا، رفض الافراج عن الرئيس على الرغم من تخفيضات المعونة والعزلة الدبلوماسية.
وتحدّث الواقف بعد الافراج عنه في نحو الف شخص تظاهروا في العاصمة للتعبير عن رفضهم الانقلاب الذي قاده رئيس حرس الرئاسة محمد ولد عبد العزيز.
وقال الواقف لرويترز في التجمع الحاشد يوم الاثنين “سنواصل نضالنا السلمي من أجل عودة الرئيس”.
وكان التجمع الحاشد اكبر تعبير عن التأييد حتى الان لعبد الله، الذي انتخب العام الماضي بعد انقلاب في عام 2005.
وهتفت الحشود باسم عبد الله ورفعت لافتات تحمل صوره وطالبت العسكريين بالعودة الى ثكناتهم.
وكان الوجود الامني ظاهرا في التجمع الحاشد، لكن لم يحدث اي عنف.
وقال الواقف إنه “متعب قليلا”، لكن الرئيس الذي لم يعرف مكانه “في حالة طيبة”.
ويتألف “المجلس الاعلى للدولة”، الذي شكله عبد العزيز من ضباط عسكريين. وقال عبد العزيز يوم الاثنين، انه سيعين حكومة لادارة الامور في احدث دولة منتجة للنفط في افريقيا الى ان تجرى انتخابات.
ولدى سؤاله عما اذا كان هو نفسه سيخوض الانتخابات، رد عبد العزيز قائلا “ليس مستحيلا”.
ورغم دوره البارز في انقلابي 2005 والاسبوع الماضي، قال عبد العزيز ان الرئيس المنتخب القادم سيكون آمنا من تدخل الجيش، وقال “الجيش لن يتدخل”.
وتحتل موريتانيا، وهي بلد فقير وصحراوي الى حد كبير، المركز 137 من بين 177 في تقرير التنمية البشرية للامم المتحدة. وتشمل الثروات الطبيعية في البلاد النفط والغاز وخام الحديد والنحاس ومعادن اخرى. ووقعت حكومة عبد الله اتفاقات مع شركات اجنبية في مجال النفط والتعدين، رغم ان الانتاج النفطي جاء اقل كثيرا من الاهداف الاولية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 أغسطس 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.